أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تاج السر عثمان - كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان















المزيد.....



كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 15:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تاج السر عثمان الحاج


تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
(1985 – 1945)
الخرطوم : أكتوبر 2025












المحتويات
الموضوع الصفحة
تقديم
الفصل الأول
نشأة وتطورة الفكرة الجمهورية
الفصل الثاتي
المرأة في الفكر الجمهوري
الفصل الثالث
الجمهوريون والماركسية
الفصل الرابع
الجمهوريون وانقلاب 25 مايو 1969.
الفصل الخامس
الجمهوريون والمهدية والإخوان المسلمون
الفصل السادس
مصادر الفكر الجمهورية
الفصل السابع
في ذكرى استشهاده والكيد السياسي في إعدام الأستاذ محمود
الملاحق
المصادر والمراجع





تقديم:
بظل فكر الأستاذ الشهيد محمود محمد طه معلما بارزا في مسار الفكر الإسلامي التجديدي في السودان، كان فكرا مثيرا للجدل ، أذكر أنني كنت مهتما بهذا الفكر منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، وكانت لي حوارات مع الجمهوريين في مدينة عطبرة ، وفي جامعة الخرطوم في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي ، كان ذلك في اركان النقاش والمحاضرات التي كان يقيمها قادة الفكر الجمهوري في مقهي النشاط بجامعة الخرطوم، ورغم اختلافي الفكري والمنهجي مع فكر الجمهوريين ، الا أنني كنت مدافعا عن حقهم في طرح فكرهم ، ومواجهة الفكر بالفكر والحجة بالحجة، وكنت رافضا لمنهج الإخوان المسلمين الذين كانوا يواجهون أركان النقاش للجمهوريين بالعنف، ذلك العنف الذي تطور حتي تأييد الإخوان المسلمين بعد إعلان النميري لقوانين سبتمبر 1983م، التي عارضها الجمهوريون، لإعدام محمود محمد طه واستتابة قادة الجمهوريين في مشهد أعادنا لمحاكم التفتيش في العصور الوسطي!!.
فكر الجمهوريين، اتفقت أم اختلفت معه، يظل من المنارات المهمة في الفكر الاسلامي التجديدي . مخطئ من ظن يوما أن الفكرة الجمهورية انتهت بإعدام الأستاذ محمود محمد طه ، فالفكر كما يقول الشاعر نجيب سرور: "كالبذور ليست تفني حين تدفن" ، يقول الشاعر:
رغم هذا فاليذور
ليس تفني حين تدفن
ربما الإنسان نفسه ايضا ليس يفني
حين يٌدفن!
ولهذا قد يعود
ذات يوم !
في فراشة
أو حمامة.
فالأفكار لا تموت ولاتزول، ولكنها تظهر من جديد، وتعبر عن نفسها بأشكال مختلفة، ولاسيما أن تلك الأفكار لها جذور عميقة في التراث الإسلامي والبيئة السودانية التي يشكل التصوف أحد روافدها الأساسية.
وبالتالي ، فان الحاجة الماثلة اليوم بعد كل التجارب التي مر بها السودان والمنطقة العربية التي شهدت المجازر والإرهاب باسم الدين ، إلى دولة المواطنة والديمقراطية التي تحترم حقوق الانسان وتسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الجنس أو الثقافة أو المعتقد الفلسفي.ولاشك أن هذا الاتجاه سوف يشق طريقه في النهاية مهما كانت وعورة الطريق ، وعليه من المهم أن نضع أنفسنا في قلب البشرية التي تطمح الي التقدم والإستنارة استنادا الي تقاليدنا واصالتنا الوطنية والثقافية والروحية وتطور الفكر الانساني الذي يشكل احترام حقوق الانسان وسيادة حكم القانون جوهره.
نتناول في هذا البحث تقويما ناقدا لفكر الأستاذ محمود محمد طه ، بهدف توضيح مواطن النجاح والإخفاق في هذا الفكر، ومنهجنا في الدراسة هو المنهج العلمي الموضوعي الذي يستند علي وثائق الجمهوريين التي صدرت في الفترة موضوع الدراسة.
يتكون البحث من الفصول الآتية:
الفصل الأول: نشأة وتطور الفكرة الجمهورية.
الفصل الثاني : المرأة في الفكر الجمهوري.
الفصل الثالث: الجمهوريون وانقلاب 25 مايو 1969..
الفصل الرابع: االجمهوريون والماركسية.
الفصل الخامس :الجمهوريون والمدارس الفكرية الأخري ( االمهدية- الإخوان المسلمون).
الفصل السادس : مصادر الفكر الجمهوري.
وملاحق.
أما عن المصادر ، فقد اعتمدنا أساسا علي المصادر الأولية وهي: مؤلفات الاستاذ محمود محمد طه ، وكتيبات ومنشورات الإخوان الجمهوريين، والحزب الجمهوري التي صدرت في الفترة موضوع الدراسة.وقدمنا في نهاية البحث ثبتا بالمصادر والمراجع للراغبين في مواصلة البحث والحوار.
وأخيرا ، لايفوتني أن أشكر كل الأخوة الذين وفروا لي مؤلفات الجمهوريين، والذين لولاهم لما كان هذا البحث ممكنا.
وليكن هذا الكتاب إهداءً ألي روح شهيد الفكر محمود محمد طه ولكل الشهداء من اجل حرية الكر واتعبير والاستنارة والديمقراطية والسيادة الوطنية.
تاج السرعثمان





الفصل الأول
نشأة وتطور الفكرة الجمهورية
شأن كل الأشياء، فإن الفكرة الجمهورية لم تتبلور دفعة واحدة، وإنما كانت تتقدم بتطور معرفة مؤسسها الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه، ودرجة وعمق معرفتهم بالتصوف الإسلامي والدين الإسلامي وتيارات الفكر الإنساني العالمي، وتطور المجتمع السوداني.
فالفكرة الجمهورية كانت مركبة من مصادر متعددة ومتنوعة من الفكر الديني والإنساني، لكن هذا المركب تميز بالاصالة السودانية.
عندما يحاول المرء أن يؤرخ للفكرة الجمهورية، يأخذ في الإعتبار الظروف التي كان يمر بها المجتمع السوداني بعد الحرب العالمية الثانية، والمتغيرات السياسية والفكرية بعد قيام مؤتمر الخريجين ورفع مذكرته الشهيرة عام 1942، وظهور الأحزاب السياسية والصراع الذي دار بين تيار الاتحاديين الذي كان يدعو لوحدة وادي النيل تحت التاج المصري، وتيار السودان للسودانيين تحت التاج البريطاني، ومع ظهور الأحزاب اسياسية بعد الحرب العالمية الثانية في السودان، ظهر الحزب الجمهوري الذي انعقد أول إجتماع له في يوم الجمعة: 26 / 10/ 1945( راجع: الإخوان الجمهوريون: معالم على طريق الفكرة الجمهورية، ص 2).
كان من رأي الجمهورييين أن الحركة الوطنية التي انبجست من مؤتمر الخريجين العام في الأربعينيات تعوزها المذهبية وتنقصها الأصالة والثقة بنفسها وبشعبها، الأمر الذي جعلها تلوى رأسها تحت جناح الطائفية إبنغاء السند الشعبي المتمثل في إتباع الطائفية فاحتضنت طائفة الختمية الأحزاب الاتحادية، واحتضنت طائفة الأنصار حزب الأمة ( نفسه، ص 3).
ويلاحظ القارئ المهتم بتاريخ تلك الفترة عدم دقة وطرح الجمهوريين لتاريخ تلك الفترة، فليس دقيقا أن الحركة الوطنية كانت تعوزها المذهبية رغم عدم تحديد ما المقصود بالمذهبية؟.
لكن إذا أخذنا حزب الأمة مثلا أحد أقطاب الحركة الوطنية، فإنه كان يستند على الفكرة المهدية وقاعدتها الذهبية " لكل مقام مقال ولكل زمان رجال"، وهي تيار سوداني أصيل برز في فترة تاريخية محددة، وتطور مع تطور المجتمع السوداني بعد سقوط دولة المهدية، وله جذوره في التصوف الإسلامي، وله اجتهاداته المستندة على اجتهادات الإمام المهدي.
وإذا أخذنا الحركة السودانية للتحرر الوطني"الحزب الشيوعي فيما بعد"، فقد كانت أفكارها موجودة قبل العام 1945، وحتى تأسيسها في16 أغسطس 1946، وكان لها مذهبية ومنهج فكري واضح يستند إلى الماركسية منهجا ومرشدا للعمل.
وإذا أخذنا حتى طائفة الختمية فإن لها جذورها في الفكر الصوفي، ويرجع تاريخها إلي السنوات الأخيرة للسلطنة الزرقاء، وتطورت خلال فترة الحكم التركي، وقاومت المهدية، وظهرت من جديد مع الطرق الصوفية مع بداية الحكم الثنائي، وارتبطت بهذا القدر أو ذاك مع حركة الخريجين، قد يكون لنا هذا المأخذ أو ذاك على التوجهات السياسية لتلك الأحزاب، لكن لا يمكن القول بأن تلك الأحزاب كانت تنفتقر إلي المذهبية.
وحتى الأحزاب الاتحادية فقد حاولت أقسام منها أن تستقل عن الطائفتين، كما أن أحزاب أخرى مثل الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين نشأت ممستقلة عن الطائفتين.
ويرد في مؤلفات الجمهوريين أن "محمود محمد طه أول سجين سياسي في الأربعينيات (نفسه، ص 4)، هذا علما بأن الاستعمار البريطاني واجه مقاومة قبلية ودينية منذ دخوله السودان ومقاومة على أسس سياسية حديثة كما في تنظيمات الاتحاد السوداني واللواء الأبيض، وعرف السودان خلال ثورة 1924 السجناء والشهداء السياسيين، وعرف الفصل من العمل والاضطهاد ومطاردة الأدباء والسياسيين، كما عرف في الثلاثنيات قيام الجمعيات الأدبية المناهضة للاستعمار، والصحافة الوطنية ( الفجر والنهضة السودانية)، وقيام مؤتمر الخريجين عام 1938، وقيام الأحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، واضرابات العمال من أجل حق التنظيم النقابي وتحسين الأجور، واضرابات المزارعين من أجل معركة مال الاحتياطي وتحسين أحوالهم، واضرابات الطلاب من أجل اتحاداتهم وضد الاستعمار.
فالحركة الوطنية كانت ذاخرة ومتعددة، وحركة الجمهوريين كانت جزءً من تلك الحركة الواسعة، وكون محمود محمد طه أول سجين سياسي في الأربعينيات، فإن ذلك يعنى ان إعتقال وسجن محمود محمد طه السياسي كان حلقة في سلسلة طويلة من الاعتقالات السياسية منذ بداية القرن العشرين، وما بعد عقد الأربعينيات.
كانت أشكال عمل الجمهوريين ضد الاستعمار تتلخص في: الخطب في المساجد، وفي المقاهى، وفي الأندية، وتوزيع المنشورات التي تهاجم المستعمر على الشعب، وحنى على المسؤولين من الحكام الانجليز.
كان الحزب الجمهوري يركز على وجود المذهبية بعد الاستقلال، وكان يشير إلي" قد يخرج الانجليز غدا، ثم لا نجد أنفسنا أحرارا ولا مستقلين، وإنما متخبطين في فوضى مالها قرار، وبأن الاستقلال ليس استبدال الانجليز بانجليز في اسلاخ سوداني" (نفسه، ص 5).
هذه نظرة صحيحة فالاستقلال السياسي وحده ليس كافيا، بل يجب استكماله بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، أي انجاز مهام التعمير المادي والروحي بعد الاستقلال.
وهذه نظرة أيضا كان يطرحها الحزب الشيوعي في صراعه ضد الأحزاب الاتحادية التي كانت تطرح شعار تحرير لا تعمير، كان الحزب الشيوعي يشير إلى أنه "لا تحرير بلا تعمير"، أي أن الاستقلال السياسي لا معنى له بدون استكماله باستقلال اقتصادي وثقافي، أي إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية التي تحقق الثورة الاقتصادية والسيطرة على مفاتيح إقتصادنا الوطني والثورة الثقافية التي تستند على أصالة وتراث شعبنا الروحى ومنجزات الفكر الانساني.
لكن الجمهوريون لم يطرحوا برنامجا تفصيليا يستند عى دراسة لقضايا ومهام مابعد الاستقلال حول الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة، كان طرحهم عاما أكثر منه طرح يستند إلى تعميق تلك القضايا بهدف تأصيل ذلك الطرح. فتكرار المقولة الصحيحة ليس كافيا، بل يجب دعمها بدراسة عينية من الواقع بهدف تأصيلها وتعمقيها والقاء الضوء الكاشف عليها من محصول الدراسة والممارسة العملية، أي دعمها بمعجون النظرية والممارسة أو معجون العلم والعمل.
مقياس الجمهوريين
ومقياس الجمهوريين " لا اله الا الله" وأخذ الصالح من التراث البشري ونبذ الطالح: الاشتراكية – الديمقراطية ( رفض الديكتاتورية باسم الاشتراكية والرأسمالية باسم الديمقراطية)، ويطرحون بديلا يتمثل في النظام الديمقراطي الاشتراكي.
بعد ظهور الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية بين الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي والكتلة الغربية بقيادة أمريكا، إنتقد الجمهوريون شعار الحياد الايجابي والكتلة الثالثة التي تزعمها نهرو وتيتو وجمال عبد الناصر(دول عدم الانحياز) باعتبار انها خديعة للشعوب، وانصرافية عن الاتجاه الجاد. ذلك بأن الحياد الايجابي بين الكتلتين الشرقية والغربية يستحيل تحقيقه بغير مذهبية نعصم الانحياز وتصفّي في نهاية الأمر الكتلتين التقليديتين، وبأن دعاة الحياد أولئك يملكون هذه المذهبية" ( نفسه، 6 – 7).
وفي تقويمهم للقومية العربية رأوا أنها دعوة عنصرية، وقدموا بديلا عن القومية العربية (نفسه ص 7).
يقولون أن الإسلام بفكره الواعى يمثل الروح، والإقليمية بإطرادها تمثل الهيكل العام لنظام الحكم العالمي المرتقب الذي تكون في قاعدته الأقطار والحكومات الإقليمية، وفي قمته الحكومة العالمية التي تمثل هيئة الأمم المتحدة الحاضرة نواتها" ( نفسه ص 7).
كما أشاروا إلي مصطلح المرحلة العلمية من الإسلام التي هي دعوة بالمنطق والعقل في حين أن المرحلة السابقة منه هي مرحلة العقيدة" (نفسه ص 7).
كان اتجاههم تطبيق الإسلام في نفسهم كاتجاه الصوفية الذي يتلخص في ترقية النفس وتشذيبها وتهذيبها من خلال العمل والمجاهدة، حتى يدخل الإنسان جنة الواصلين.
واسلوبهم في العمل " الحوار العلمي والصراع الفكري الموضوعي.
اصدارات الجمهوريين:
في الفترة: 1945- 1975 ، أصدر الجمهوريون ما يربو على الثمانين كتابا، وأمهات كتبهم خمسة أهمها الرسالة الثانية من الإسلام لمحمود محمد طه، هذا إضافة للمنشورات والدراسات والمقالات في شتى الموضوعات.
والجمهوريون يقدرون دور الحركة الوطنية في مجموعها من أجل انجاز الاستقلال ( نفسه ص 9- 10).
وفي تقديرهم أن الصراع في مؤتمر الخريجين لم يقم على المذهبية، كما طرحوا شعار النظام الجمهوري وعزل الطائفية عن الحركة الوطنية، ولكنهم نسوا أن الطائفية ليست فكرة فقط ، ولكنها مصالح طبقية واقتصادية متشابكة سياسيا واجتماعيا، كما أنها في فنرة تاريخية ساهمت في التطور القومي للسودان، بالتالي ليس من السهولة عزلها عن الحركة الوطنية.
كما دعا الجمهوريون إلي إعمال الفكر الحر" الفكر الحر الذي يضيق بكل قيد، ويسأل عن قيمة كل شئ ، وفي قيمة كل شئ، فليس هناك شئ بمفلت عن البحث،وليس يشئ بمفلت عن التشكيك"( نفسه ص 18). وهذه نظرة علمية، كل شئ قابل للبحث، كل شئ قابل لللاثبات أو الدحض، والاغناء والتطوير والتعديل.
ويتحدث الجمهوريون عن ضرورة تمثل الصالح من الحضارة الغربية، كما يشيرون إلي أن الحضارة الغربية كفرت بالله وبالانسان" ، وإن " الشرق يضيف لها الجانب الروحي "، وكأنما الحضارة الغغربية نفسها خالية من الجانب الروحي بالمعني الشامل والواسع.
جاء عن المدنية الغربية في كتاب الرسالة الثانية من الإسلام الصادر عام 1967 ما يلي: " وهذه المدنية الغربية والآلية الحاضرة، قد بلغت نهاية تطورها، وقد فشلت فشلا نهائيا وظاهرا في أن تنظم حياة المجتمع البشري المعاصر"، يواصل ويقول " وسبب فشل المدنية الغربية الآلية الحاضرة في تنظيم المجتمع الحاضر هو أنها بلغت تطورها المادي الصرف في هذه المرحلة الحاسمة من مراحل تحولات المجتمع البشري المعاصر، وأصبحت تفتقر إلي عنصر جديد تتشفع به عنصرها القديم وتلحقه به، وتزيد من طاقتها على التطور ومن مقدرتها على مواكبة وتوجيه حيوية المجتمع الحديث".
لكن تطور واندفاع الثورة العلمية التقنية التي حدثت في العالم الرأسمالي المتطور دحض ما ورد أعلاه، فقد استطاعت التشكيلة الرأسمالية أن تجدد نفسها كنظام اقتصادي – اجتماعي، صحيح أن مشاكل الرأسمالية متفاقمة على المستويين الداخلي والعالمي، لكنها استطاعت أن تضاعف من طاقتها على التطور.
كما أشار الجمهوريون إلى نظرة سليمة حول التعليم وهي وحدة التعليم المدني والديني.
وفي الصراع المحتدم بين الاتحاديين والاستقلاليين طرح الجمهوريون مبدأ الاستقلال مقابل الوحدة مع مصر أو بريطانيا، وكان شعارا سليما. كما طرحت الحركة السودانية للتحرر الوطني ايضا شعار الجلاء التام وتقرير المصير مقابل الوحدة مع مصر أو بريطانيا، وهو الشعار الذي التفت حوله الحركة الوطنية فيما بعد ، وكان استقلال السودان في أول يناير 1956، بعيدا عن مصر أو بريطانيا.
اعتقال محمود محمد طه:
معلوم أن محمود محمد طه دخل السجن بسب مقاومته للقانون الانجليزي الذي يمنع الخفاض الفرعوني ، وكان محمود محمد طه ينطلق من نظرة عميقة، وهي أن العادات التي ترجع إلي آلاف السنين، لاسيما التي تتعلق بتقاليد ثقافية من المستحيل إزالتها بقانون" وإنما الذي يقتلعها هو التربية والتوعية الشعبية"، وهذا صحيح فمعلوم أن حكومة الاحتلال التركي – المصري حاولت إزالة الخفاض الفرعوني بقانون، ولكنها فشلت، كذلك نلاحظ في تشريعات الإمام المهدي المتعلقة بمنع الرقص والبكاء على الميت وغير ذلك من العادات الثقافية، نلاحظ أن المهدية فشلت في منع تلك العادات بقانون ( للمزيد من التفاصيل: راجع تاج السر عثمان الحاج، دراسات في التاريخ الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010). وهكذا نلاحظ أن نظرة محمود محمد طه في هذا الجانب كانت عميقة وسليمة، سواء كان ذلك على المستوى النظري أو على مستوى التجربة السودانية الطويلة.
نلاحظ تجميد نشاط الجمهوريين بعد حادث رفاعة واعتقال محمود محمد طه لمدة عامين، وبعد اطلاق سراحه إعتكف لمدة أربعة أعوام، وخرج من اعتكافه في نوفمبر 1951، ومن ثم استأنف الجمهوريون نشاطهم الذي بدأ باجتماع عام عُقد في 30 / 11/ 1951، وبعد ذلك بدأ تفصيل الفكرة التي تتلخص عناصرها في الآتي:
- حرية الفرد وحق الجماعة في العدل.
- تحرر الفرد من الجهل.
- للتحرر من الجهل لا بد من ايجاد نظام يكفل للفرد المأكل والمأوى والمسكن، أي المساواة الاقتصادية.
- الحرية الجماعية (الديمقراطية).
- الديمقراطية الحقة هي الديمقراطية الشعبية (المرجع السابق، ص 54).
كانت لهم صحيفة باسم "الجمهورية " التي صدرت في يناير 1954، استمرت 6 شهور، بعدها وقفت في وجهها إمكانات الطباعة والمالية.
والحديث المفضل لدى الجمهوريين الذي يرددونه دائما كتبرير لدعوتهم هو" بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء، قالوا: من الغرباء يارسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها".
ونشير إلي أن أول كتاب صدر عن الجمهورييين كان في أكتوبر 1945 : الإسلام دعوة إلي تحرير الفكر: الآية " وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل اليهم ولعلهم يتفكرون".

إسم الحزب الجمهوري
في البداية كان إسمهم الحزب الجمهوري، ودعوا إلي "قيام حكومة سودانية جمهورية ديمقراطية حرة" ، جاء في السفر الأول لمحمود محمد طه" رأت هذه الجماعة التي تكونت بإسم الحزب الجمهوري إن أنسب نظام يلائم نفسية هذا الشعب ويتجاوب مع رغائبه ويخدم أغراضه، ويحمى منافعه هو قيام جمهورية ديمقراطية حرة"( محمود محمد طه: السفر الأول، ط 3 1976).
في عام 1951 – كماأشرنا سابقا – جاء محمود محمد طه بالفكرة الجمهورية مفصلة ومبوبة بمحتواها الإسلامي ( الأخلاق الحجة البالغة)
وفي مرحلة لاحقة كان الإسم " الدعوة الإسلامية الجديدة"، كما أسموا أنفسهم في مرحلة لاحقة أيضا" الإخوان الجمهوريون".
وهم يعتقدون أنهم النواة الصالحة لإخوان النبي ويرددون الحديث الشريف " واشوقاه لإخواني الذين لم يأتوا بعد !"، أي يعتبرون انفسهم طلائع الأمة الإسلامية المرتقبة ااتي يبشرون بمجئها ويمهدون لهذا المجئ بإقامتهم الإسلام في انفسهم ويدعون الناس اليه، وهي دعوة عالمية لا تميز بين عقيدة ولا عنصرية ويرون أن هذا الكوكب سوف تحكمه حكومة عالمية واحدة تخضع لها سائر الدول، ولا يكون التمييز بين الناس الا على أساس أقاليمهم وتصير البشرية إلي الإنسانية حيث الوحدة في إطارها تنمو وتزدهر الخصائص الأصيلة لكل إقليم" ( المرجع السبق، ص 6).
كما يشيرون إلي أن الإسلام في محتواه الإنساني هو" فطرة الله التي فطر الناس اليها"، ويقوم على الأصول المشتركة بين الناس كافة وهىالعقل والقلب أو مايٌعرف بالمواهب الطيعية.
وعند الإخوان الجمهوريين أن " السودان هو الأرض التي سيقوم عليها النموذج في المجتمع الإنساني الذي سوف يتسع ليضم سائر بقاع الأرض" ( نفسه).
وهى نشبيهة بدعوة المهدى المهدى المنتظر السوداني الذي انطلق من السودان بهدف إقامة نظام إسلامي عالمي، فلماذا لا نعطى الفرصة لكل مجتمع للاسهام في التطور الانساني والعالمي بنموذجه الخاص النابع من خصائصه الثقافية وسماته المحلية؟.
الجمهريون والطائفية:
يتحدث الجمهوريون حديثا عاما ومكررا عن الطائفية مثل: أن في الأحزاب الطائفية
ينعدم " الذهن الحر المفكر تفكيرا دقيقا في كل هذه الأمور، وأن أحزابنا طائفية النشأة، ولا يكون مع الطائفية ذهن حر مفكر على الاطلاق". " لقد وظف الجمهوريون أنفسهم متذ ذلك التاريخ لاجتثاث جذور الطائفية الضاربة في نفوس شعبنا الذي استغلت فيه الزعامات الدينية حبه للدين، فضللته واستغلته أسوأ الاستغلال، في توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي"، " وأن القضاء المبرم على الطائفية لا يتم الا بالتوعية بالدين الصحيح".
لكن نلاحظ أن الجمهورييين لا يبذلون جهدا في معرفة الجذور التاريخية والآليات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تطورت على أساسها طائفتا الختمية والأنصار، ولا يبذلون جهدا في متابعة الظاهرة في تطورها التاريخي والتغيرات المختفة التي اعترتها، فالطائفية شان كل الكائنات العضوية تتحول وتتطور، وتتكيف مع المتغيرات الجديدة، وتسعى لتجديد نفسها مع الزمن حتى لاتنقرض، وتكتسب مؤسساتها مضامين جديدة.
بالتالي، فإن الحديث العام والمكرر عن الطائفية لا يفيد ، بقدر ما يفيد المعرفة العميقة لهذه الظاهرة وانعكاسها في البنية العلوية للمجتمع التي تستمر لفترات طويلة بعد زوال أساسها المادي، والنظر لجوانبها الايجابية لا السلبية فقط.
فالطائفية ليس لها وظيفة دينية فقط،بل كانت مرحلة من تطور التنظيم الاجتماعي والاقتصادي في السودان، وحتى إذا أخذنا الطائفية بمعنى هيمنة شيخ أو بيت ديني والتفاف حول مفكر ديني من قبل حواريين ، فنلاحظ أن الجمهوريين أنفسهم لا يخرجون عن إطار هذا التعريف، رغم ظهورهم في ثوب عصري جديد.
فالدراسة والديمقراطية الواسعة وحرية النقاش هى التي تكفل تقدم الوعي واحلال الجديد محل القديم، ولايفيد الهجوم العام والمكرر على هذه الطائفة أو تلك، بل يفيد احترام هذه الطوائف و شيوخها باعتبار ذلك هو الشرط للحوار، ولكسب جماهيرها الي صف التقدم والديمقراطية.
فحديث مثل: " اجتثاث جذور الطائفية"، " القضاء المبرم على الطائفية" حديث فيه ضيق وعدم صبر على دراسة وفهم الظاهرة في تنوعها وآفاقها المتعددة، فالأحزاب الطائفية لعبت هذا القدر أو ذاك في خدمة تطور المجتمع السوداني، وفي حفظ التراث الديني نفسه، أي لعت دورا ايجابيا في المجتمع السوداني، فليس المطلوب هو الاجتثاث، أو نفى الآخرين، بل المطلوب هو الحوار الذي يسهم في نشر الوعى والتقدم.
برنامج الجمهوريين:
جاء في السفر الأول وهو أول كتاب صدر عن الجمهوريين في أكتوبر 1945 حديثا عاما أو نقاط عامة حول برنامج الجمهوريين تتلخص في الآتي:
- في المسألة السياسية: الجلاء التام وتحقيق الحكومة الجمهورية الديمقراطية، أي أن هذا الجزب كان يرى أن النظام الجمهوري هو أرقى ما وصل اليه اجتهاد العقل البشري في بحثه الطويل عن الحكم المثالي.
- التعليم: اهتم الجمهوريون بنوع التعليم، وأن التعليم الأكاديمي الذي سارت عليه الحكومات الاستعمارية ومؤتمر الخريجين والتعليم الأهلى لم تركز على نوع التعليم، أي لم تركز على التعليم الفنى واليدوي الذي يرسخ في الشباب قيمة العمل الشاق في الأرياف.
- كما ورد أيضا الاهتمام بسكان الجنوب الذين قضت عليهم مدنية القرن العشرين أن يعيشوا حفاة عراة جياعا مراضا بمعزل عنا. كما ركز البرنامج على العناية بالوحدة القومية.
- في المسألة الاقتصادية أشاروا إلي ترقية الفرد من الناحية الإنتاجية والمعيشية يتمكن من استغلال موارد بلادنا الزراعية والصناعية بإنشاء جمعيات تعاونية لهذا الغرض، إنشاء نقابات توجه العمال التوجيه الصحيح، كما جاء في أهداف الجمهوريين " ترقية الفرد بشأن العامل والفلاح".
كما أبرز الجمهوريون مزية الإسلام على سائر الفلسفات الاجتماعية وهى مقدرته على التوفيق بين حاجة الجماعة إلي العدالة الاجتماعية الشاملة وحاجة الفرد إلي الحرية المطلقة.
- حول المرأة: أشاروا إلي " مساواة المرأة مع الرجل، وتطوير التشريع الإسلامي من فروع القرآن إلي أصول القرآن حيث مساواة المرأة مع الرجل، أي إلي " حقوق المرأة المدخرة في أصول القرآن" ، و"تأهيل المرأة للدعوة للدين".
ويخلص الجمهوريون في برنامجهم ألي أن طبيعة الأزمة هى أزمة أخلاق و" إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
ونلاحظ أن الحزب الجهوري الذي نشر برنامجه عام 1945 من أوائل الأحزاب التي طالبت بتكوين التقابات العمالية ومساواة المرلأة بالرجل والجلاء التام وضرورة الاهتمام بالتعليم الفني ووحدة السودان والاهتمام بجماهير الجنوب.
لكن برنامج الجمهوريين اتسم بالشعارات العامة، ولم يتقدموا في تطوير هذه النقاط بالدراسات التفصيلية في جوانبها المتعددة. كما اختزلوا الأزمة في انها أزمة أخلاق فقط، وليس في طبيعة نظام استعماري خلفه قوى طبقية داخلية لها مصالح في تخلف جماهير شعبنا، فالأزمة كانت ولازالت سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وأخلاقية.
وفي كتابه " قل هذا سبيلي، ط3 1976 ، ص 13) يحدد محمود محمد طه الوسيلة للتخلص من الاستعمار، عدم التعاون معه أول الأمر، نبلغ بعدم التعاون هذا درجة العصيان المدني آخر الأمر، فإذا تم ذلك فقد أصبح بقاء الاستعمار ضربا من المحال".
نلاحظ أنها قريبة من دعورة غاندي لمقاومة الاستعمار بواسطة العصيان المدني في جنوب إفريقيا والهند.
أسس دستور السودان:
في كتابه أسس دستور السودان، ط2 1968، يحدد محمود محمد طه الأسس العامة لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية ( الدستور الإسلامي)، ويقترح تقسيم السودان إلي خمس ولايات: الوسطى، الشمالية، الجنوبية، الشرقية، والغربية. ثم تقسيم كل ولاية من هذه الولايات الخمس إلي مقاطعتين تُمنح كل ولاية حكما ذاتيا، وتأهيل الولايات لممارة الحكم الذاتي الكامل في أقرب فرصة، وأن يمنحها سلطات أكثر نحو كل من بدأ استعدادها، ويقوم الحكم الذاتي في كل ولاية على قاعدة أساسية من مجالس القرىومجالس المدن ومجالس الولايات حتى ينتهى الشكل الهرمى بالحكومة المركزية التي تسيطر على إتحاد الولايات الخمس( ص 13- 14).
ويركز الأستاذ محمود على أن " إقامة حكومة القانون في حياة الجماعة العامة تتحقق على خير صورها إذا كان كل فرد من أفراد الجماعة يقيم حكومة القانونفي حياته الخاصة" ( ص 17).
ويواصل ويقول: " يجب أن نعلم أنه مهما كان شعبنا السوداني متأخرا في بعض جهات البلاد، فإنه ليس لدينا سبيل إلي تربيته الا بإعطائه فرصة التجربة كاملة، حتى يتعلم بالممارسة المباشرة لإدارة شؤونه، فيجب أن نعترف له بكامل حقه في الرقابة على أعمال الحكام والنواب، حتى ليحق له أن يستدعى نوابه ليحاسبهم على نيابتهم عنه أو ينهى عضويتهم في المجلس النيابي ويرسل غيرهم ليقوموا بشرف النيابة عنه ، وله أن يحل البرلمان قبل نهاية الفصل التشريعي وليس لأي جهة هذا الحق.
ويمارس حقه هذا في أول الأمر بواسطة مجالس الولايات التشريعية، فإذا ما صوتت ثلاثة مجالس مطالبة بحل البرلمان، أصدر الرئيس أمره بحل ابرلمان على أن ينتخب البرلمان الجديد في ظرف ثلاثة أشهر على الأكثر، وعندما يتقدم الشعبيمارس حقه في حل البرلمان بالاستفتاء العام، وينص الدستور على الإجراءات التي تتبع في ذلك" ( ص 20).
ويواصل الأستاذ محمود ويقول: "ليس هناك على الاطلاق سبيل صحيح لترقية أي شعب الا بوضعه أمام مشاكله وإعطائه الفرصة ليتعلم من أخطائه".
فالمشرع والقاضي والإداري والبوليس جميعهم يجب أن يعملوا في العلن، وأن يكونوا واضحين، وأن يستهدفوا تنوير الشعب وترقيتة وأن يبتعدوا عن كبته واذلاله" ( ص 23).
يواصل ويقول: " التشريع يجب أن يكون واعيا وحكيما، وأن يقوم بين حاجة الفرد إلي الحرية المطلقة وحاجة الجماعة إلي العدالة الاجتماعية الشاملة" (ص 23).
ثم يواصل ويقول: " وهناك حق كثيرا ما أُريد به باطل، وهو أن الشعب البدائي يحتاج إلي تربية قبل أن يستحق ممارسة السيادة وهذا تسويغ للحكم المطلق، ووجه الحق أن الشعوب تحتاج إلي تربية، بيد أن الحكم المطلق لا يربيها تربية الأحرار، وانما يربيها تربية العبيد، وهو بذلك لا يعدها للديمقراطية، وإنما يعدها أ
ويجب أن نؤكد أنه ليس هناك طريقة لتربية أي شعب تربية حرة الا بوضعه أمام مشاكله محاولة إعانته على تفهمها، والتفطن على طرائق حلها بنفسه، حتى يضطرد تقدمه إلي تحقيق الديمقراطية المباشرة" (ص 23- 24).
* لكن في هذا الدستور نلاحظ دعوة واضحة للجمهورية الرئاسية جاء في الدستور ما يلي:
" الرئيس في عمله هذا مسؤول أمام الشعب، وأعضاء حكومته مسؤولين أمامه هو عن تنفيذ منهاجه الذي يرمى إلى تحسين أحوال الأمة عامة.
وللرئيس حق الاعتراض على أي تشريع يسن في البلاد ولا يصير تشريعا بدون موافقتة الا باجازته بإغلبية الثلثين، وعليه اصدار اللوائح والأوامر التنفيذية، وهو يتوخى فيها أن تكون دستورية كدستور القوانين، كما عليه مسؤولية العلائق مع الدول الخارجية، تنفيذ المعاهدات، وتعيين السفراء، والوزراءالمفوضين، وله أن يقبل السفراء الأجاانب وضباط الاتصال" (ص 46).
وخلاصة القول هو اختيار للنظام الرئاسي والاتحاد المركزي.
يقول الأستاذ محمود " النظام الرئاسي نظام مرحلى يعد الشعب لممارسة النظام الأكثر ديمقراطية، وهو النظام البرلماني"، " النظام الرئاسي نظام وصاية، ولكنه أقرب نظم الوصاية للديمقراطية، بل هو في الحقيقة ديمقراطي تماما"( ص 61).
ونلاحظ التناقض بين ماجاء في المقدمة حول عدم الوصاية على الشعب وتركه ليتعلم من أخطائه ، وبين النظام الرئاسي كنظام وصاية ونظام مرحلى يعد الشعب لممارسة النظام البرلماني الأكثر ديمقراطية!!!.
كما نلاحظ عدم الاتساق المنطقي في قوله أن النظام البرلماني هو الأكثر ديمقراطية من النظام الرئاسي هو في الحقيقة ديمقراطي تماما.
حول القضاء يرد في الدستور أنه يجب أن يكون موحدا لاقضاة شرعيين ولا مدنيين .
وحول التعليم يرد " أن التعليم هو الأسلوب الوحيد الذي يمحو الفوارق ويقارب بين العادات، ويعمل على وحدة الشعب بوحدة اللغة، لأن التعليم يحى اللغة العربية بين المواطنين وتقل اللهجات المحلية أو يضعفها" (ص 53).
نلاحظ الميل إلي إضعاف اللهجات المحلية، وهي في الواقع لغات وليست لهجات لغات ( النوبة، الدينكا، البجا، الخ). فالسليم الذي يتمشي مع الاعتراف بالهوّية الثقافية هو الدعوة لكتابة هذه اللغات والتوسل بها في التعليم على الأقل في المرحلة الابتدائية مع اللغة العربية واللغات الأجنبية.
كما نلاحظ نقاطا جيدة حول التعليم المختلط يرد في الدستور" في القرية يطبق التعليم المختلط في جميع المراحل، وتستعمل بناية المدرسة ليلا لتعليم الكبار" (ص 56).
- مجانية التعليم في كل مراحله.
- ربط التعليم المهني بالتعليم الأكاديمي.
- إجبارية التعليم.
ويحدد الدستور أهداف الحزب الجمهوري على النحو التالي:
1- انجاب الفرد الحر.
2- المجتمع الصالح ( مساواة اقتصادية – سياسية – اجتماعية).
3- دستور إسلامي يوفق بين حاجة الفرد إلي الحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة إلي العدالة الاجتماعية( ديمقراطية اشتراكية في آن واحد).
4 – تطبيق دستور القرآن على أنفس أعضاء الجزب الجمهوري( الدعوة بلسان الحال مقدمة على الدعوة بلسان المقال). ففي الحديث القدسي قال تعالي لروحه" ياعيسى! عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ الناس ، والا فاستحى منى".
5- تقليد محمد: طريقة محمد غير شريعة محمد طريقته سنته التي أرقى من شريعيته. قال تعالى " اليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه"، وقوله تعالى " يأيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لاتفعلون".
وقول المعصوم " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم"، الإسلام علم وعمل بمقتضى العلم.
- الإسلام علم وعمل بمقتضى العلم.- علم الشريعة لا يصح العمل – العبادة – الآية ثم يرتفع العلم من علم الشريعة إلي علم الحقيقة – وهي حقيقة النفس البشرية ويكون العمل هنا حسن معاملة للناس وتخلقا بمعانى الأخلاق، قال المعصوم " تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على صراط مستقيم.
ونلاحظ هنا أثر الفكر الصوفي كما ورد عند الحلاج وإبن عربي ، وابن الفارض، والجنيد.الخ.
6- الفرد الجمهوري النموذج الصالح لكل المجتمع البشري والدولة الصالحة نموذج يدعو الدولة إلي الإسلام بلسان حاله قبل مقاله، فإن الله تعالى يقول " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي "
ونعنى بيّنن االرشد بأن تجدوه في شمائلكم وأخلاقكم بعد ذلك تفصلوه في أقوالكم وأعمالكم" ( ص 69- 71).
ونلاحظ هنا أيضا أثر الفكر الصوفي الذي يتكوون فيه الفرد من معجون العلم والعمل.
تطور دستور الحزب الجمهوري:
يمكن أن نشير إلي المراحل التالية في تطور دستور الحزب الجمهوري:
1 – دستور أكتوبر 1945.
2- دستور 1951.
3 – دستور 1968.
نلاحظ في كل هذه الدساتير والواقع أنها دستور واحد تعدل من خلال الممارسة – نلاحظ غياب حقوق العضوية والواجبات، كيفية إنتخاب الهيئات القيادية ( مؤتمر – لجنة مركزية – لجنة تنفيذية – لجان مناطق)، التقد والنقد الذاتي، كيف نمارس الديمقراطية داخل الحزب؟، كيف يُدار الصراع الفكري؟، وكيف تُتخذ القرارات؟، وغير ذلك مما تفصله وتوضحه دساتير الأحزاب والاتحادات والنقابات الحديثة.
مما يشير إلي ان الحزب الجمهوري لم يتطور في هذا الجانب، وأن أساسه أو المحورالذي يدور حوله الحزب هو محمود محمد طه (بعد استشهاد محمود محمد طه في يناير 1985، توقف نشاط الجمهوريين، ولم يمارس نشاطه الا بعد فترة بعد أن انفرط عقده ودبت الخلافات داخله، وقبل ذلك توقف نشاط الحزب الجمهوري بعد اعتكاف محمود بعد خروجه من السجن)، مما يقود للاعتقاد بأن الحزب الجمهوري لم يكن يختلف عن التنظيمات الصوفية التي يكون أساسها أو محورها شيخ الطريقة، بالتالي فإن الحزب الجمهوري ليس تنظيما حديثا من هذه الزاوية.
دستور أكتوبر 1945 أشار إلي:
الاسم ، المبدأ: الجلاء التام، الغرض أ- قيام حكومة سودانية جمهورية ديمقراطية حرة، ب – الوحدة القومية، ج – ترقية الفرد ، د – محاربة الجهل، ه – الدعاية للسودان.
و – توطيد العلاقات مع العضوية: 1- لكل عضوبلغ من العمر 18 سنة، 2 – لكل مواطن وُلد بالسودان أو كانت إقامته فيه لا تقل عن عشر سنوات لم يبارح خلاها السودان.
مال الحزب: يُصرف في الأغراض التي أُنشأ من أجلها الحزب.
وهو دستور متناهى في الايجاز.
دستور 1951:
يبدأ بالآية " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا جسبنا الله ونعم الوكيل".
الاضافات الجديدة عل الدستورتتلخص في الآتي:
1- الشعار: الحرية لنا ولسوانا.
2- المبدأ: تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة والحرية الفردية المطلقة.
3 – العضوية: اضافة لكل مواطن وٌلد بالسودان أو كانت إقامته فيه لا تقل عن عشر سنواتلم يغادر خلالها السودان.
دستور 1968: ثم بعد ذلك جاء دستور 1968، وبعد ان اكتمال أسس دعوة الجمهوريين، وخاصة بعد صدور كتاب الرسالة الثانية في الإسلام 1967.
ولذلك بدأ الدستور بالآية " اليوم أكملت لكم دينكم وأنممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" صدق الله العظيم.
الجديد في الدستور هو إضافة الوسيلة " قيام حكومة جمهورية ديمقراطية اشتراكية.
- مال الحزب: اضافة مصدره مساهمة الأعضاء من بيع الكتب.
مع وجود مذكرة تفسيرية تحت كل من الدساتير الثلاثة.
الرسالة الثانية من الإسلام:
تحدثنا سابقا عن برنامج الحزب الجمهوري، وسوف نركز هنا بتفصيل على الأسس الفكرية والدينية للحزب الجمهوري كما ورد في مؤلف محمود محمد طه الأساس: الرسالة الثانية من الإسلام، والتوضيحات والشروحات التي صدرت في مؤلفاته اللاحقة ومؤلفات الإخوان الجمهوريين التي صدرت في مناسبات مخنلفة.
رغم حديث الحمهوريين المستمر عن التسامح، الا أننا نلاحظ التناقض عندما يطرحون دعوتهم بأنها" الإسلام الوحيد الصحيح" ( محمود محمد طه: من دقائق حقائق الدين، ط 3 مارس 1977، ص 4).
يقول الأستاذ محمود محمد طه" فإن هذه الدعوة هي الإسلام الذي لا إسلام غيره"( نفسه ص 4)، وربما يشتط محمود محمد طه عندما يقول بأنها " دعوة علمية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية الطويل"( نفسه ص 6).
أي أن دعوة الجمهوريين مثل دعوة الإمام المهدي الذي ادعى أن المهدية هى الإسلام الصحيح وما عداه باطل، بهذا المعنى فإن فرقة الجمهوريين هي الفرقة الوحيدة الناجية من ال 73 فرقة.
الجمهوريون إذن لم يطرحوا دعوتهم في تواضع ويتركوا الآخرين ليحكموا عليها كدعوة قابلة للمناقشة والأخذ والرد، لكنهم طرحوها بإعتبارها الإسلام الذي لا إسلام غيره، مما يشير إلى خطورة تكفير الآخرين..
وهى دعوة خطيرة " علمية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية الطويل"، كقول الشاعر:
وإني أون كنت الأخير زمانه لآت بما لم يأت به الأوائل.
يواصل محمود محمد طه ويقول: " أما بعد، فإن هذا القول غريب ولم يقل أحد من الأمة من لدن نزول القرآن وإلي اليوم" ( نفسه ص 36).
وعند الجمهويين أن الطرق الصوفية قد انغلقت " انغلاق الطرق الصوفية"( الإخوان الجمهوريون: الغرابة في الدعوة الإسلامية الجديدة، ط2 1977).
يقولون " لقد خدمت الطرق الصوفية غرضا جليلا في نشر الدين الحق، ولقد ربت رجالا أفذاذا كانوا منارات هدى ومثابات رشد للأمة عبر تاريخها الطويل في ارتفاعه وانخفاضه، عندهم التمست دينها وخلقها وتربيتها، ولكن اليوم فإن تحديات العصرأكبر من الطرق وأكبر من المشائخ وليس لها غير طريق محمد" ( محمود محمد طه يدعو إلي طريق محمد ،ط 9، 1977).
ونلاحظ أيضا أن هذه الدعوة شبيهة بدعوة المهدية التي ألغت الطرق الصوفية والمذاهب الأربعة، أي لا جديد هنا من زاوية وجود الفكرة في المجتمع السوداني، وإن اختلفت الصور.
القرآن ومصطفي محمود والفهم العصري:
في مؤلفه القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري (بدون تاريخ) يوضح الأستاذ محمود منهجه في تفسير وحقيقة القرآن يقول: " حقيقة القرآن لا تُعرف عن طريق القراءة وإنما عن طريق الممارسة في تقليد المعصوم عبادةً وسلوكا" التصوف" ( راجع محمود محمد طه: القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري ، ص 7). ويواصل ويقول: " البشرية اليوم لا تحتاج إلي تفسير القرآن وإنما تحتاج إلي تأويله" ، ويحدد منهج التأويل كما ورد عند الصوفية استنادا على الآية " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا والله مع المحسنين" ، وإن باب التأويل مفتوح أمام العباد المجودين" (نفسه، ص 24).
يقول: " التأويل ليس هواجس نفس كثيرة الخطرات إنما واردات عقل تأدب بأدب الشريعة ثم بأدب الحقيقة حتى باشر حق اليقين".
والتفسير مشمول في التأويل بمعنى أن كل تأويل يجب الا يتجافى مع ظاهر النص وكل ما هناك أن الكلمات تنتقل من دقيق المعانى ولطيفها بدل غليظها وكثيفها"( نفسه، ص 24).
نظرية المعرفة والتفسير للقرآن مأخوذة من الفكر الصوفي، معلوم أن مقولة الظاهر والباطن فتحت أمام الصوفية طريقا على أساسه أقاموا الفكرة القائلة بأن للقرآن مضمونا " ظاهريا" هو منطوقه الذي تؤديه الدلالات اللغوية والبيانية المباشرة كما يفهمها عامة الناس ومضمونا "باطنيا" هو – عندهم – المضمون الحقيقي الذي لا ينكشف الا للراسخين في العلم استنادا إلي الآية الكريمة" وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم"، أي في العرفان، وهو الصوفية" العارفون" ( راجع محى الدين ابن عربي كنموذج للتأويل عند الصوفية)، وقد سموا المضمون الأول " بالشريعة" وسموا المضمون الثاني " بالحقيقة"، ووصلوا بعد ذلك إلي القول ب ( سقوط الشريعة إذا كُشفت الحقيقة"، أي عدم التزام الصوفي بأحكام " الشريعة" حين تنكشف الحقيقة"( للمزيد من التفاصيل، راجع د. حسين مروة: النزعات المادية في الفلسفة العربية –الإسلامية ، الجزء الثاني – ط 4، دار الفارابي 1982، ص 162).
هكذا نلاحظ أن مصدر الأستاذ محمود في ذلك هو الفكر الصوفي كما ورد عند أقطاب الصوفية ( بن عربي، السهروردي، الحلاج، إبن الفارض.الخ)، والتأويل عند محمود محمد طه مفهوم أوسع وأشمل من ظاهر النص رغم أنه يتضمن ظاهر النص، والعلاقة بينهما مثل العلاقة بين المنطق الصوري والمنطق الديالكتيكي، فالمنطق الديالكتيكي أوسع وأشمل من الصوري ويتضمن المنطق الصوري.
المنهج عند محمود محمد طه أو نظرية المعرفة تقوم على القلب أو الإيمان أو المنهج التعبدي لرؤية حوادث المستقبل، شأنه في ذلك شأن الصوفية يقول محمود محمد طه" حين استخدم العلم المادي لرؤية الجسيمات الدقيقة، وهي غيب، استعمل الدين الإيمان والمنهاج التعبدي لرؤية حوادث المستقبل – ولرؤية الأسرار الالهية وهي غيب أيضا، والإيمان ، أو قل عند انكار ما لايقع تحت إدراك عقولنا، من دلائل الفهم ومن أوليات العلم سواء في ذلك العلم التجريبي أو العلم الروحي" الدين" ( الفهم العصري، 174).
ومن الأمثلة لتأويلات محمود محمد طه:
سورة التين والزيتون، يفسر الكاتب التين بمعنى النفس، والزيتون بمعنى الروح، وطور سنين بمعنى العقل، وهذا البلد الأمين بمعنى القلب ، في حين أن المعنى العادى والظاهر هو التين والزيتون بمعنى أقسم بالتين الزيتون أو بمنبتهما من الأرض المباركة، وطور سنين: طور سينا، الجبل الذي ناجى عليه موسى ربه. البلد الأمين بمعنى الآمن أهله " مكة المكرمة".
كما يفسر الأستاذ محمود شجرة آدم التي نهى عنها هى نفسه في الباطن وروحه في الظاهر، وغير ذلك من التأويلات المختلفة التي يجدها القارئ في مؤلفات ومنشورات الجمهوريين.
ملخص أفكار محمود محمد طه كما وردت في كتابه الرسالة الثانية ( الطبعة الخامسة).
يمكن تلخيصها على النحو التالي:
1 – فشل المدنية الغربية.
2- فشل الشيوعية.
3- الحل هو الإسلام في مستوى الرسالة الثانية.
4- التسيير خير مطلق.
فروع القرآن" الرسالة الأولى" – أمة المؤمنين.
- الجهاد ليس أصلا في الإسلام.
- الرق ليس أصلا في الإسلام.
- الرأسمالية ليست أصلا في الإسلام.
- تعدد الزوجات ليست أصلا في الإسلام.
- الطلاق ليس أصلا في الإسلام.
- المجتمع المنعزل رجاله عن نسائه ليس أصلا في الإسلام.
أما عناصر أصول القرآن " الرسالة الثانية"
أمة المؤمنين التي تشكل أساس المجتمع الصالح فتتلخص في الآتي:
1 – الديمقراطية، 2- الاشتراكية ، 3- المساواة الاجتماعية.
ويقدم الأستاذ محمود في مؤلفه: من دقائق حقائق الدين، ط 3 مارس 1977، ملخصا لدعوة الجمهوريين على النحو التالي:
- الإسلام عائد ليدخل في حياة الناس وينظم أمر معاشهم وأمر معادهم ويبعث "لاله الا الله" في صدور الرجال والنساء بعثا قويا خلاقا يعيد صياغة الأخلاق والأفكار.
والإسلام لا يعود الا بفهم جديد لنصوصه القديمة في القرآن وفي الحديث.
- الشرع شرعان والنص نصان: الشريعة – السنة " عمل النبي في خاصة نفسه".
– شريعة النبوة وشريعة الرسالة:
زيادة تكليف النبي في الصلاة " قم الليل الا قليلا"، صيام المواصلة، لا يأخذ الزكاة.
- السنة هى قول النبي وعمله واقراره تعريف خدم غرضه وأصبح اليوم بحاجة إلي إعادة نظرإبتغاء تصحيحه.
- شريعة نبوة وشريعة رسالة: نصين ناسخا ومنسوخا، مثانى القرآن: طرف بعيد وطرف قريب، المعنى القريب نصوص فروع المعنى البعيد نصوص أصول ، قرآن الأصول مكى، قرآن الفروع مدني.
وينتج من ذلك أن هناك أمتين:
أمة المؤمنين وأمة المسلمين
أنة المؤمنين في طليعتها لبوبكر.
أمة المسامين في طليعتها النبي " ص".
الأمة المسلمة لم تدخل التاريخ بعد.
وأمة المؤمنين هم الأصحاب، وأمة المسلمين هم الإخوان.
وينتج من ذلك إسلامان:
- إسلام بدائي وإسلام نهائي
* الإسلام البدائي يقع في ثلاثة درجات: الإسلام ، الإيمان ، الإحسان، اي مرحلة العقيدة.
* الإسلام النهائي فيعنى إسلام الاتقياد الكلى ظاهرا وباطنا ويقع في ثلاثة درجات : علم اليقين – علم عين اليقين – علم حق اليقين.
وتتوج هذه الدرجات الست بالإسلام النهائي وكأن الصورة هكذا : الإسلام البدائي ، ثم الإيمان ثم الإحسان، ثم علم اليقين ، ثم علم عين اليقين ، ثم علم حق اليقين، ثم الإسلام
وهذا الإسلام الأخير هو المعنى بقوله تعالى " إن الدين عند الله الإسلام".
كذلك وردت عن الإسلام البدائي" قالت الإعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم".
- الإسلام رسالتان: رسالة أولى قامت على القرآن المدنى " الفروع"، والرسالة الثانية تقوم على القرآن المكى " قرآن الأصول" ، والرسالة الأولى أقصاها الاحسان أي ثابتة، والرسالة الثانية متحركة في سلم سباعي أي طريق لولبي كلما أتم دورة منه دخل في دورة جديدة الطف من سابقتها وهكذا دواليك.
فهو يجدد علمه وحياته كل حين متخلقا في ذلك بأخلاق الله قال تبارك وتعالى" كل يوم هو في شأن".
- الصلاة وسيلة الحركة في المراقى، صلاة المعراج " في معنى بعيد"، " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا".
والمقام المحمود هو المقام الذي ليس بينه وبين الله واسطة، وهو بين الله وين جميع الخلائق وصاحب المقام المحمود هو أول قابل لتجليات الحقيقة الالهية المطلقة. وتوصل اليه الصلاة الصغرى وصلاة المعراج إذا أُحسن استعمالها.
- المسلمون اليوم يعيشون في الجاهلية الثانية" الإسلام قد مات لم يبق منه غير القشور". " الراضي عن نفسه لا يرى ضرورة للتغيير"، وضرورة عودة الروح ‘لي الصلاة وإخراج العادة منها " آفو العبادة أن تصبح عادة".
والسنة هى إعمال الفكر فيما نأتي ما ندع فالفكر روح السنة، قال تعالى " وأنزل اليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل اليهم ولعلهم يتفكرون"، الصلاة الشرعية وسيلة ، ويس غاية تقرب صفاتنا من صفاته " الله"، وإن التقليد ليس غلية في ذاته ، وإنما هو وسيلة إلي الأصالة.
وعند الأصالة تزول واسطة النبي من بيننا وبين ربنا، وذلك لكمال تبليغه ويُرفع بزوالها عنا الحجاب الأعظم ونأخذ من الله بلا واسطة ، ويكون الله هو معلمنا اللدّني، وعند الأصالة يسقط عنا التقليد ولاتسقط عنا الصلاة.
الارتفاع من مرحلة التقليد إلي مرتبة الأصالة يقول محمود ( والأصلاء هم وحدهم الرجال" لماذا لا الرجال والنساء؟! السؤال من عندنا" هذه دعوتنا في قمتها) "المرجع السابق ص 35". الديمقراطية – الاشتراكية – الحرية السياسية في أصول القرآن، ضرورة تطوير التشريع الإسلامي من آيات الفروع إلي الأصول. وبعث الآيات التي كانت في الرسالة الأولي منسوخة لتصبح هي حاجة الوقت اليوم وتُنسخ عنها بدلا عن الآيات التي كانت صاحبة الوقت في القرن السابع.
ويبىن الأستاذ محمود أن آيات الأصول كانت مُلزمة للنبي وحده، منسوخة في حق الأمة، وذلك لمكان قصورها عن شأوها ، وأن هذه الآيات هى عمدة السنة النبوية، أي أن الجمهوريين هم دعاة لبعث السنة.

ملاحظات نقدية على مفهوم الرسالة الأولي والثانية:
نلاحظ أن الأستاذ محمود قسّم القرآن بشكل تعسفي إلي آيات فروع وآيات أصول، وأن آيات الفروع تناسب القرن السابع، أما ما يناسب القرن العشرين فهو آيات الأصول، أي اذا أردنا حلولا لمشاكل القرن العشرين فما علينا الا ان نرجع للآيات المدخرة في القرآن آيات الأصول.
وإذا افترضنا أن مشاكل القرن العشرين قد حُلت في الديمقراطية، مساواة المراة بالرجل، الاشتراكية، وظهرت مشاكل جديدة في القرن الحادى والعشرين أو الثاني والعشرين، فما هى الآيات التي نرجع لها لايجاد الحلول في داخلها لتلك المشاكل؟، هل سوف نقسم آيات الأصول نفسها إلي إلي تقسيمات لانهائية تناسب المشاكل اللانهائية التي سوف تواجهها البشرية في مستقبلها؟
لا أعتقد ذلك، ولكن المعقول هو أن لكل عصر له مشاكله الجديدة التي يجب استنباط الحلول لها من الحياة نفسها ومن تطور العلم والمعرفة، وتنظيم الحياة والمجتمع بما يناسب الواقع الجديد وفق الحديث الشريف " أنتم أدرى بشؤون دنياكم"، فمشاكل البشرية المعقدة لا يمكن اختزالها في نصوص، لكن يجب أن نطورمنهجنا، أي المنهج العلمي الذي يغتني بالمعارف الجديدة، ويعالج المشاكل الجديدة بذهن مفتوح، وهناك اجتهادات كثيرة لخلفاء راشدين وفقهاء وعلماء مسلمين تصدوا لمشاكل جديدة واجهها المسلمون واستنبطوا حلولا لها، فالمسألة ليست جديدة، وفي تاريخ العالم الإسلامي الحديث ظهرت مدارس إسلامية متنوعة هدفت للتجديد مثل: مدرسة الإمام محمد عبده والأفغاني، كتابات العقاد وطه حسين، والشيخ على عبد الرازق في مؤلفه "الإسلام وأصول الحكم"، وهناك مؤلفات قاسم أمين حول المرأة. الخ.
فكل واقع جديد يحتاج لنظر جديد ومفاهيم ومقولات جديدة ونظريات جديدة تسهم في تفسيره وتغييره ، وفي التنبؤ بالمستقبل، ومن هنا يأتي الاجتهاد وإعمال الفكر والعقل، ومواجهة الجديد بذهن مفتوح، وعدم اختزال الواقع الجديد بشكل تعسفي في اطروحات السلف التي ما عادت تناسب الظروف الجديدة، ولا تقسيم القرآن إلي آيات اصول وفروع بهدف التأقلم مع المشاكل الجديدة، وخاصة أن العالم حولنا متغير بدرجات ووتائر سريعة تحتاج لذهن مفتوح، فكلما حُلت مشاكل قديمة تظهر مشكلات جديدة تحتاج لحل وهكذا.
وأعتقد أن آية "لا اكراه في الدين فقد تبين الرشد من الغى" بها مجال واسع للاجتهاد في الدين ككل أو في تفاصيله، أي أنه ليس هناك قوالب جامدة لنظام الحكم أوالاقتصاد أو الثقافة.
فالمجتمعات الإسلامية يمكن أن تختار نظم الحكم التي تناسب ظروفها وتقاليدها وتطور الفكر الإنساني، فليس هناك تصور أو نموذج نهائي لنظام حكم يصلح لكل المجتمعات الإسلامية.
كما أنه ليس هناك نظام اقتصادي نهائي يمكن تطبيقه على المجتمعات الإسلامية، فكل مجتمع إسلامي يمكن أن ينظم حياته الاقتصادية بما يوافق مصالح شعبه واستقلاله الوطني وسيادته الوطنية، كما أن المجتمع يتسع لاستيعاب التنوع الثقافي والعرقي والديني في انسجام وتناغم ووحدة من خلال التنوع، ويقبل التعدد السياسي والفكي ، أي أن المجتمع يقبل الصور والتيارات المتعددة اللانهائية، طالما كان هناك يسر ولا عسر، ولا إكراه في الدين.
كما انه ليس هناك زي إسلامي نحشر فيه المرأة حشرا، طالما كان هناك لا إكراه في الدين، فالزى هو نتاج التقاليد الثقافية والاجتماعية ونتاج تطور تاريخي، ويجب أن تترك الحرية الكاملة للمرأة أن تختار ماتشاء من الأزياءالتي تناسب المناخ والظروف والتقاليد اللثقافية للبلد المعين.
أي أن المجتمع الإسلامي هو مجتمع مفتوح يقبل حرية الفكر ويرفض التعصب والإنغلاق، ويرفض محازلة حشر كل المجتمع في نموذج أيديولوجي إسلامي، لهذه الفئة أو تلك التي تحاول فرض نموذجها أو تصورها الايديولوجي على كل المجتمع بدون تواضع باعتباره هو الإسلام الصحيح الوحيد، وما عداه كفر. وهذا التعصب والتركيب الايديولوجي الذي يتعارض حتى مع التطورات التاريخية للمجتعات الإسلامية نتج منه إرهاب ومجازر لازالت حتى الان تعاني منها المجتمعات الإسلامية، وأسهمت في اعتقال تطورها وتفتحها وازدهارها.
فمحمود محمد طه لايطرح نصوره الإسلامي الأيديولوجي كنموذج للسودان فحسب، كنموذج للعالم كله. علما بأنه من المستحيل الآن أن نفرض على العالم نموذج واحد، فالعالم سوف يترابط وهو سائر فعلا للوحدة والترابط، ولكن من خلال تعدد النماذج وتعدد النظم السياسية والاقتصادية والثقافية، وكل مجتمع سوف يسهم بثقافاته التي يغني بها الثقافة الإنسانية والفكر الإنساني في مجموعه، أي وحدة من خلال التنوع والتعدد.
كما نلاحظ أن الجمهوريين بعد مؤلف الرسالة الثانية في الإسلام ظلوا يكررون أطروحاتهم واستنتاجاتهم، ولم يسعوا إلى دعم وتطوير هذه الاستنتاجات من خلال دراسات تفصيلية في محتلف جوانب المجتمع السوداني: الاقتصاد، الجنوب، التطور التاريخي للمرأة السودانية، الخ.
هذا علما لأنه لا يكفي طرح الاستنتاجات النظرية، بل يجب دعمها من خلال الممارسة والنشاط العملي في مختلف المجالات الاجتماعية، باعتبار أن النظرية توجه الممارسة والممارسة تغنى وتطور النظرية نفسها كمثل الحكمة القائلة " من عمل بما علم أورقه الله علم ما لم يعلم".
صحيح أن الجمهوريين طرحوا ربط العمل بالعلم على مستوى الفرد والمجاهدة لترقية الفرد، ولكن ذلك لا يكفي، بل كان من المفترض أن يشمل ذلك الممارسة الاجتماعية في إطار المجتمع ككل، باعتبار أن ذلك مصدر خصب للمعرفة ، واقتراب أكثر من الواقع السوداني في تنوعه وجوانبه المختلفة، كما أن الحياة الاجتماعية نفسها مصدر لتعليم الأحزاب والجماعات الفكرية، ولا يكفى طباعة أو كثرة طباعة الكتب والمنشورات وتوزيعها على الناس، رغم أهمية ذلك، بل يجب الاستماع للناس في تواضع والاستعداد لتغيير الخاطئ مما ورد في تلك الكتب والمنشورات إذا تبين خطأها، ونحن لم نات لنسكب الحكمة في رؤوس الناس، بل لنأخذ الحكمة من تجارب وخبرات الناس.


الفصل الثاني:
المرأة في الفكر الجمهوري


ماهي اطروحات الجمهوريين حول المرأة؟:
أهم الاطروحات التي قدمها الجمهوريون حول المرأة يمكن تلخيصها ففي الآتي:
- المرأة مساوية للرجل في أصول الإسلام.
- قوانين الأحوال الشخصية تقوم على عدم المساواة بين الرجال والنساء، بينما تقوم الدساتير الحديثة على المساواة بين الرجال والنساء.
ويطالبون بتصفية المحاكم المتخفلة تصفية كاملة، ومن الأمثلة التي يسوقونها على عدم المساواة:
أ – شهادة رجل واحد تساوى شهادة إمرأتين.
ب – الميراث: الأخ يأخذ ضعف الأخت.
ج – الزواج: الرجل يتزوج أربع حسب الآية: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة ..".
- يستندون على آيات الأصول الآتية لتسويغ مساواة المرأة بالرجل:
" وقل الحق من ربكم!! فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.."
والآية: " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر.."
" وما على الرسول الا البلاغ المبين"
" إنما أنت نذير"
" والله على كل شئ وكيل."
كما يرون أن المساواة أيضا في الحساب يوم القيامة الآية: " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما إكتسبن"
الآية: " ولا تزر وازرة وزر أحرى.."
الآية: " كل نفس بما كسبت رهينة"
الآية : " وأن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى"
وصفوة القول : في أصل الدين المرأة مسؤولة كما الرجل مسؤول، المرأة مساوية للرجل، الزواج بواحدة، " النساء شقائق الرجال"
يقول القرآن " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"، يتساوى التعامل المتبادل في الحياة الزوجية، أي أن المرأة كفاءة للزوج الواحد.
- للمرأة حق الطلاق في الإسلام، أي يرون تطوير الشريعة إلى أصل الدين الذي تتساوى فيه المرأة مع الرجل".
- ويوردون المادة (38) من دستور السودان (1973)" السودانيون متساوون في الحقوق والواجبات، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو العنصر أو الوطن أو الجنس أو اللغة أو الدين".
وهذا يعنى أن تكون للنساء الحقوق المساوية لحقوق الرجال بعد أن ساوت الرجال في آداء الواجبات"
(للمزيد من التفاصيل ، أنظر الإخوان الجمهوريون: حقوق المرأة في " الدين – الشريعة - الفقه، ط 3 ، نوفمبر 1978).
كيف يرى الجمهوريون تناقض الأحوال الشخصية؟:
ويلاحظ الجمهوريون تناقض الأحوال الشخصية ( الشريعة - الفقه- الدستور) والتي فيها:
1- يٌعتبر الرجل هو القيّم على المرأة وليس القانون.
2 – تفرق بين الرجال والنساء في الشهادة، ونصفه في الميراث وربعه في الزواج، وهو يملك حق تطليقها!!، وفي " تعليقها" !!، أو أخذها لبيت الطاعة.
ويوردون أمثلة من كتاب الأستاذ معوض محمد مصطفي سرحان" الأحوال الشخصية ، الأسكندرية 1953" يرون فيها مسخ الفقه للشريعة مثل:
1- المرأة اذا مرضت زوجها غير مسؤول عن علاجها، يعالجها أهلها، تبقي سليمة يجئ زوجها يأخذها.
2- المرأة اذا ماتت عند زوجها هو ما مكلف باحضار كفنها، ويجهزها ويسترها ويدفنها يأتى أهلها ويأخذوها.
أي أن الزواج كما ورد في الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الرابع – " أنه عقد على مجرد التلذذ بآدميته"، وهذا عكس الآية " ومن آياته أنه خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
- وعندهم في آيات الأصول: المساواة في الحقوق كما ساوت النساء والرجال في آداء الواجبات، قال تعالى" ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة".
وفي آيات الفروع ( الشريعة) الرجال أوصياء على النساءالآية" الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم".
وفي الميراث الآية: " للذكر مثل حظ الانثيين"، وفي الشهادة " واستشهدوا شهيدين من رجالكم ف‘ن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر احداها الأخرى..".
حق الطلاق : الرجل في الشريعة عنده حق الطلاق أيضا، يمكنه ان يطلق زوجته في أي لحظة شاء من دون شرط أو قيد، هذا في حين ان المرأة ليس لها الحق في تطليق زوجها، فعليها أن تعيش معه مهما كان مستواه ولو كانت كارهة، طالما هو قائم بكل واجباته نحوها: السكن، الغذاء، والكساء الشرعى" ( المرجع السابق، ص 9).
- هناك حق اخير أعطته الشريعة للرجل على المرأة وهو حق التأديب، وهذا يعنى أن للرجل الحق في ضرب زوجته الناشز، وهى التي تخرج عن طاعة زوجها. الآية: " واللائي تخافون نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، فاضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا"، أي هنا يظهر أن على المرأة طاعة زوجها مهما كان مادام قائما بواجباته..
ويشير الجمهوريون إلي أن الفقه غير الشريعة، الفقه هو القول بالرأى، وقد كان في بداية أمره الاجتهاد فيما ليس فيه نص صريح من القرآن أو السنة، ثم تداعى حتى أصبح في أخريات أيامه الاجتهاد حتى فيما فيه نص، بل الاجتهاد المخالف للنص أيضا، فخرج بذلك عن الدين" ( نفسه، ص 10).
ويوردون الأمثلة التالية كما جاء في الفقه على المذاهب الأربعة- الجزء الرابع - ما يلي: مرض الزوجة : بعض المذاهب يرى أن النفقة لا تجب الا في نظير الاستمتاع، والزوجة المريضة لاتصلح للاستمتاع، فلا تجب عليها نفقة.
كما جاء في نفس المصدر ما يلى: ولكن فقهاء الحنفية أجمعوا على ما ذكرنا طردا للاحكام لأن حق الزوجة على الزوج من حيث هى زوجة يوجب عليه أن ينفق مابه قوام الحياة العامة، وهى حياة الصحيحة لا المريضة، فلا يجب عليه الدواء على أي حال".
أما بشأن نفقة الزوج على زوجته، فإنهم يقولون " وإذا كان الدواء وأجرة الطبي لا يجبان عليه، وكذلك لا يجبان عليه ثمن الدخان والقهوة والشاى ونحوهما، ولو تضررت من تركها..
وقد أُختلف في أجرة القابلة – الداية – فقيل عليها، وقيل عليه، وقيل على من استدعاها ( نفسه، ص 11- 12).
أما الشافعية قإنهم يقولون " يفرض على الزوج المعسر لزوجته فجر كل يوم مد من طعام، ويجب عليه الماء اللازم للشرب والنظافة والاغتسال منه، أما الاغتسال بسب غيره كالحيض والاحتلام فلا يجب عليه، أما الخضاب والزينة ( التواليت) فإنها لا تجب عليه، لأن ذلك تابع له مما يراه زينة لها فإنها تُلزم به، ولا يلزمه دواء مرض، ولا أجرة طبيب أو حاجم أو فاصد" ( نفسه ص 12).
كما جاء رأي الحنابلة في هذا الشأن : " ولا تجب عليه أدوات الزينة كالحناء والخضاب وشراء الحلى ( التواليت) ونحو ذلك، كذلك لا يجب عليه ثمن الدواء وأجرة الطبيب، وإذا أراد منها الزينة وجب عليه أن يحضر لها ما تتزين به ..".
ويقول المالكية " ليس على الزوج إشباع زوجته إن كانت أكولة.." ، وعند بعض الفقهاء: ليس على الزوج تكفين زوجته بعد موتها.."( نفسه، ص 12).
بعد الانتقادات التي يقدمها الجمهوريون لوضع المرأة في الفقه والشريعة يرون أن تطوير شريعة الأحوال الشخصية هو الحل.
كيف يرى الجمهوريون تطوير التشريع الإسلامي حول المرأة؟:
" إن الحل الوحيد الذي ليس دونه حل لقضية المرأة كل عزتها، وكرامتها يكون في تطوير التشريع الإسلامي" (نفسه ص 12).
وعند الجمهوريين أن أصل الدين هى المرأة الواحدة للرجل الواحد لأنه قرر أن الرجل لا يمكنه العدل بين النساء ولو حرص على ذلك" (نفسه ص 15).
حسب ماجاء في الآية " انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة، ولن تستطيعوا أن تعدلوا ولو حرصتم".
أي أن هناك صعوبة العدل في ميل القلوب إذا أمكن العدل المادي، وعندهم في أصل الدين " وجب أن يكون الزوج كله لزوجته كلها، من غير أن تشاركها فيه زوجة أخرى، فالمرأة في هذا القانون تكون مكافئة لزوجها تماما ، لذلك فهو لا يدفع مهرا اليها، لأن المهر إنما يمثل عهد هوان المرأة وقصورها عندما كان الرجل قيما عليها، فهو يمثل طرفا من انفاق الرجل عليها، الانفاق سبب من سباب القوامة، والمهر زيادة على هذا، إنما يمثل ثمن شراء المرأة، عندما كانت تزوج عن طريق السبى أو الخطف أو الشراء، ولذلك فالمرأة في هذا التشريع كريمة، وليس لها ثمن مادي يمكن أن يدفع عليها، لأنها لا تقّيم بثمن، فهى مساوية للرجل ومهرها رجلها " وإن زوجها كله لها كما هى كلها له". وبالغاءنا للمهر المادي هذا، فإننا نكون قد دخلنا في الدين أكثر، وتخلقنا باخلاق النبى الكريم لأنه قد رغّب في المهر القليل، وفي بعض عقوداته جعل المهر معنويا، فزوج بعض أصحابه بآيات من القرآن، وتزوج هو من دون مهر السيدة صفية، وجعل مهرها عتقها، ومن هنا يظهر لنا أن الحرية يمكن أن تكون مهرا للمرأة وهى على التحقيق أغلى مهر لها، وهذا ما يدعو له الجمهوريون – حرية المرأة وكرانتها هى المهر الوحيد للمرأة ( نفسه ص 15- 16).
الزواج عند الجمهوريين:
وفي كتابه " خطوة نحو الزواج في الإسلام ط 3 ، 1977 ص 3 يقول الأستاذ محمود " لابد من إعادة بعض الكرامة للمرأة باعطائها حق الموافقة على شريكها، وحق الطلاق ، وبعدم اشراك إمرأة أخرى معها في زوجها الا برضائها تحت ظروف قاهرة كالعقم مثلا"، والا في تقليل المهر المادي دون ترجمته لكرامة لا يزيد عن أن يكون ثمنا للمرأة، وما ذلك الا لأن المهر المادي أصح يمثل عزة المرأة وغلاءها، بالرغم عن أنه قد كان يمثل ثمن شرائها عند نشأته" ( ص 3).
كما يشير الأستاذ محمود إلي فشل صيغة زواج " الكورة" في تحقيق أهدافها، ويورد مثالا لزيجة جمهورية تمت في حى الموردة بتاريخ: 11 /12 /1970 تتلخص خطواتها في الآتي: عقد – مهر جنية ( وقتها كان الجنية يساوى 3 دولارات) – بلح – مشروب ليمون – ملابس قديمة – غرفة مؤثثة بأثاث قديم للدخول في نفس الليلة.
ويستندون على الحديث الشريف قال (ص) " أخيَرُ النساء احسنهن وجوها، وأقلهن مهورا".
ويلخص الأستاذ محمود خطوات الزواج على النمط الجمهوري على النحو التالي:
1- اختيار الطرفين لبعضهما عن رضى وقبول من كليهما.
2 – فترة خطبة قصيرة يرتبط الطرفان عقبها بعقد زواج شرعى، ويلاحظ أن الخطبة ليست سوى إخطار الزوج أهل الزوجة بنية الاقتران بها، وليس فيها أي أثر للتقاليد الجوفاء والتكاليف الكثيرة المعروفة لدينا.
3 – العقد على مهر قدره جنية واحد.
4 – تسليم الزوج زوجته والزوجة زوجها على حد سواء في نفس ليلة العقد.
5 – دخول العروسين لبعضهما بملابسهما القديمة في حجرة مؤثثة بالأثاث القديم الموجود بالمنزل.
6- قيام الزوج بالصرف على منزله والزوجة بإدارة ييتها من صباح اليوم التالى للزواج.
قال (ص) " تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
قال (ص) " اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه، الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
ويحدد الأستاذ محمود شروط كرامة المرأة التي تثبت في وثيقة تعاقد الزواج على النحو التالى:
1 – يجب أن تكون العصمة بيد المرأة كما هى بيد الرجل، المرأة تملك حق الطلاق كما الرجل.
ويستندون في ذلك على ماورد في كتاب معوض محمد مصطفى سرحان ما يلي:
" ثم أن التفويض عند الحنفية يصلح قبل العقد، وعند إنشائه، وعد تمامه في أي زمن كان حال قيام الزوجية، وصورة التفويض قبل حصول العقد أن يعلق التفويض على التزوج بها كان، كأن تزوجتك فأمرك بيدك تطلقين نفسك متى تشائين – فأنه إن تزوجها ثبت التفويض غير المقيد بزمن، وكان لها الحق في تطليق نفسها متى أرادت، وصورة التفويض عند انشاء العقد أن تقول إمرأة لرجل يحل له التزوج بها ، زوجت نفسي منك على أن يكون أمرى يدي أو طلق نفسي متى شئت، أو كلما شئت، فقال لها قَبلْتَـ صح الزواج، وكان أمرها بيدها على الصورة التي قالتها وقبلها الزوج" ( معوض مصطفي سرحان، المرجع السابق، 334).
وما يفعله الإخوان الجمهوريون في هذا الأمر إنهم يثبتونه في عقد الزواج، ويجعلونه حقا تلقائيا لكل إمرأة كريمة تتنازل عن مهرها المادي وتطلب التعويض عنه" ( محمود محمد طه ، خطوة نحو الزواج ، ص 9).
2 – يُشترط الا يقع الطلاق الاّ بعد أن يرجع الأمر الي حكمين عدلين، موثوق بهما من الطرفين أو كل طرف على الأقل، واثق من حكمة الذي ارتضاه.
الآية " وإن خفتم شقاق ينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، إن يريد اصلاحا يوفق الله بينهما، إن الله كان عليما خبيرا"
3 – ينص العقد أنه لايصح تعدد الزوجات الا لضرورة قصوى كالعقم أو المرض الذي لايرجى منه شفاءً مثلا، ولا يقع الا بعد استئمار الزوجة المضرورة"، وللمرأة أن تطلق نفسها اذا لم تقبل في زوجها مشاركة.
مكان المراة الييت عند الجمهوريين:
لكن الجمهوريين وفي التحليل النهائي يعودون بالمرأة إلي البيت، جاء في كتاب الإخوان الجمهوريين " المرأة مكانها البيت، ط 3 مايو 1977)ص 100 ما يلي:
" الوضع المناسب أكثر هو أن يقتصر عملها على بيتها تربي أطفالها، وتهئ لزوجها ولنفسها المنزل ليصير محل آمان وراحة وسعادة واستقرار".
أي أنه إضافة للأعمال الأخرى الشاقة" لا استهانة بعمل المنزل الذي يتطلب كفاءة عالية وتفرغ".
ونلاحظ تناقض الجمهوريين هنا، فبعد مساهمتهم الجيدة في مساواة الرجل بالمرأة، نراهم يهدمون هذه المساهمة، من خلال تصور عمل المنزل وكأنه خاص بالمرأة وحدها، ونحن هنا لا نقلل من أهمية الأعمال المنزلية، لكن التربية وأعمال المنزل يجب أن تكون مسؤولية مشتركة بين المرأة والرجل، اضافة لدور المجتمع. أي أن عمل المنزل هو جزء من عمل المرأة والرجل والمجتمع، ومع التطور نفسه، فإن الأعمال المنزلية سوف تخف مع أدوات الأعمال المنزلية الحديثة ( بوتجاز، ثلاجات، غسالات، عمل آلى. الخ). وإذا كان مكان المرأة البيت، فإننا نعطل طاقات هائلة من النساء اللائي يعملن في الريف في الزراعة والرعى والنسيج، ورغم ذلك يقمن عمل المنزل، إضافة لتعطيل دور المرأة في نهضة المجتمع الحديث وعملها في المهن المختلفة، أي تعطيل نصف المحتمع.
اضافة إلي أن عمل المرأة خارج المنزل يوسع ثقافتها وخبرتها بالحياة بحيث يجعلها تؤدى أعمال المنزل مع الرجل بشكل أوسع واعمق وأقل تكلفة وجهد.
ونشير هنا إلي أن فكرة تقليل المهر ليست جديدة في المجتمع السوداني، ونشير هنا إلي مساهمة الإمام المهدى في تقليل المهور كما ورد في تشريعاته الذي حدد فيها مهر البكر بعشرة ريالات، والثيب بخمسة ريالات، إضافة لوليمة بسيطة من بلح وغيره.
لكن يجب أن نشير إلي أن الزواج يتعلق بعادات وتقاليد متعددة ومتنوعة لها جذورها في الثقافة السودانية، تمتد إلي الاف السنين، بحيث يصح من الصعب ازالة هذه التقاليد والثقافات بتشريعات أومقترحات رغم وجاهتها تقفز من فوق تلك التقاليد، فمن المستحيل إزالة هذه التقاليد بتشريعات أو مقترحات كالتي جاء بها الأستاذ محمود.
لكن الموضوع يتطلب ترك هذه المسائل للتطور الإنساني العام للمرأة والرجل وتطور العلم والمعرفة، وترك الخيارات الواسعة للناس للزواج بالشكل الذي يريدون ويرغبون، فهذا يستطيع الزواج بأثاث قديم، وذاك بأثاث جديد وملابس جديدة، أي من المستحيل صب العادات الثقافية المتعلقة بالزواج في قالب واحد.
نأخذ على سبيل المثال عادات مثل حفلات الزواج التي كانت تستمر لمدة أربعين يوما في عهد الفونج والقرن التاسع عشر وحتى لوقت قريب في السودان، نجدها اصحت تقل واندثرت مع التطور والوعى، ولم تحتاج لقرارات أو تشريعات لازالتها.
كذلك زينة المرأة الباهظة التكاليف في مجتمعات شبه الاقطاع وعهود ممالك الفونج والفور وخاصة لنساء الطبقات الغنية نجدها أصبحت تقل، فالتطور الانساني والثقافي والمعرفة مع الصراع ضد التقاليد التي عفى عليها الزمن، وحده الكفيل بإزالة عادات وتقاليد بالية.
حتى موضوع المرأة الواحدة للرجل الواحد سوف يحسمها تقريبا التطور الاقتصادي الاجتماعي، فالظروف الاقتصادية القاهرة تجعل الزواج بالمرأة الواحدة نفسه مشكلة، ناهيك عن زوجة أخرى. أي أن مشاكل تعدد الزوجات في النهاية سوف تكون مشاكل خاصة بالطبقات الغنية التي هي مع الثقافة العامة والتطور سوف تقلل من ذلك.
يتحاهل الجمهوريون التنوع الهائل لاشكال الزواج العرفي في السودان وغير الإسلامي ، ويحصرون نفسهم في الإسلام، وكأنه الشكل الوحيد للزواج الموجود في السودان، فهناك قبائل وثنية في الجنوب (قبل الانفصال) وجبال النوبا والانقسنا لها عشرات الأشكال المتعددة والمتنوعة من الزواج، وهناك الطوائف المسيحية التي استقرت في السودان منذ عهد مملكة الفونج بل قبلها والحكم التركي وأخذت الجنسية السودانية، ولها أشكال زواج حسب الطوائف المسيحية المتعددة، هناك أشكال الزواج المدني.الخ.
أي أن هذه الأشكال المتعددة والمتنوعة تحتاج إلي تشريعات متعددة ومتنوعة تأخذ في إعتبارها هذا التنوع الهائل، والواقع أنها كانت موجودة في قانون الحوال الشخصية في السودان كما هو الحال في الزواج العوفي والديني منذ بداية هذا القرن.
فالتشريعات الخاصة بالزواج أو الأحوال الشخصية بطبيعة الحال تأخذ في الإعتبار مصادرها من الإسلام والمسيحية وكريم المعتقدات والأعراف المحلية، أي تشريعات مستمدة من الواقع.
على أن للجمهوريين آراء جيّدة حول بيت الطاعة فهم يرون أن "ييت الطاعة متبقى من قانون الوصاية الذي قامت عليه الشريعة السلفية" ، " والمرأة المحكوم عليها ببيت الطاعة تصبح معلقة فلا هى زوج ولا هى مطلقة، بمعني آخر عليها أن تختار بين أحد موقفين، إما أن تتبع لزوجها ذليلة ومضطهدة، ومهيضة الجناح، وإما أن تظل ناشزا، وكما هو معلوم، فإن الناشز تسقط عنها الحقوق الزوجية كالنفقة مثلا ( الإخوان الجمهوريون: بيت الطاعة : المشكلة والحل، المنشور الخامس لمناسبة عام المرأة العالمي 1975).
وفي البداية كان الحكم ينفذ بالبوليس، ثم إلغاءه لاحقا، تم إلغاء التنفيذ بالبوليس، ولكن الحكم ظل يُنفذ بشكل جديد غير البوليسي، ويوردون مثالا جاء بجريدة الأيام الصادرة بتاريخ: 20 /6/ 1975 ، العدد 7495 ، وتحت عنوان " حكمت عليها المحكمة ببيت الطاعة فاسقطت جنين السبعة أشهر وتوفيت لرحمة مولاها". ومما أوردته الجريدة في داخل الخبر " اتضح أن المرحومة متزوجة من مزارع بالجريف، ونشأ خلاف بينها وبين زوجها، فعزلت لمنزل والدتها، ورفضت الرجوع اليه، فوصل الأمر لمحكمة الأحوال الشخصية بأبي حمد التي أصدرت حكمها "ببيت الطاعة" للمرحومة، لكنها رفضت تنفيذه، وهى حبلى في شهرها السابع، ففكرت والدتها في التخلص من الجنين، ونجحوا في ذلك بقطع المهبل بآلة حادة وسقط الجنين، وقد ساءت حالة الزوجة، فاحضروها للمستشفى حيث اسلمت الروح لبارئها" ( المرجع السابق، ص 13- 14).
ويلاحظ الجمهوريون أن اتحاد نساء السودان ( إيام الحكم المايوي) الذي كان تابعا للاتحاد الاشتراكي( اتحاد السلطة) لا يلعب دوره في متابعة هذه القضية.
ولحل مشكلة بيت الطاعة يرى الجمهوريون أن الأصل في التفويض ما ورد عن النبي(ص) في تفويضه لنسائه كما حكت ذلك الآيتان الكريمتان من سورة الأحزاب : " يأيها التبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها، فتعالين أمتعكن واسرحكم سراحا جميلا، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الاخرة، فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما".
هذا هو الحل المرحلى الذي يمكن أن نلتمسه في الشريعة الحاضرة في مواجهة "بيت الطاعة" والذي سوف لايكون له وجود بعد تمليك حق الطلاق للمرأة عن طريق التفويض.
ويرى الجمهوريون أن الحل الجذري والأساس، فإنه لا يكون الا بتطوير التشريع الإسلامي تطويرا يستهدف رفع وصاية وقوامة الرجال على النساء، أي العودة لأصول القرآن الآية" فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم مسيطر"، الآية: " وقل الحق من ربكم فمن شاء فيؤمن، ومن شاء فليكفر".
الآية: " وكل نفس بما كسبت رهينة". ومجتمع القرن الساع كان قاصرا، بالتالي نزلت الآيات فيه على مستوى المخاطبين الآية " لا يكلف الله نفسا الا وسعها"، الحديث الشريف : " نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم" ، أي نُسخت الآيات المكية، وأُعنبر النبي وصيا على المؤمنين، والمؤمنون أوصياء على المشركين، والرجال أوصياء على الرجال.
من هذه القوامة تفرعت كل صور عدم المساواة ين الرجال والنساء المعروفة في الشريعة الإسلامية التي بين ايدينا اليوم. أي الانتقال إلي مستوى جدبد من التشريع يساوى بين الرجال والنساء، الآية " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة"، وللرجال عليهن درجة لا تعنى أن لمطلق رجل درجة على مطلق إمرأة" ( المرجع السابق، ص 20).
هذا هو الطريق الذي يؤدى إلي المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات أمام القانون في التشريع الإسلامي الجديد، ولا تقع درجات التفاضل الا في منطقة الأخلاق.
الطلاق عند الجمهوريين:
عند الجمهوريين أن الطلاق ليس أصلا في الإسلام ( راجع الإخوان الجمهوريون: الطلاق ليس أصلا في الإسلام، ط 2 أبريل 1977). ويرون أن المذهب الحنفي يقول:
" الزوج يفوض زوجته في العصمة، فإن الطلاق يصبح بيدها، كما هو بيده".
كما وردت صور ثابتة كثيرة للتفويض في كتاب " فقه المذاهب الأربعة" ، وكتاب" الأحوال الشخصية" لمعوض محمد مصطفى سرحان.
ويعرف الأستاذ محمود محمد طه الزواج كما جاء في كتابه " تطوير الأحوال الشخصية ص 67- 68" على النحو التالى: " يمكن تعريف الزواج بأنه شركة بين شريكين متكافئين ومتساويين في الحقوق والواجبات ولا تقع فيه وصاية من الرجل على المرأة، ولا من المرأة على الرجل، فليس هناك وصاية على أيهما فيه الا وصاية يفرضها على كليهما القانون الدستوري، هما يملكان الدخول في هذه الشراكة بالاصالة عن نفسيهما، وبمطلق إختيارهما، ولهما الحق المتساوى في الخروج عنها، فهما يتفقان حين يتفقان حين، يختلفان فتكون المحبة والمودة والوفاق والوداد، وهما يتفقان حين يختلفان، يتفقا على أن يختلفا، فتكون فض الشراكة، من غير أن يترك مرارة ولا عداء، فيمارس الطلاق في سعة وطيبة نفس، ليدخل كل من الشريكين في تجربة جديدة، عسى أن يهتدى ببهذه التجربة الجديدة ضوء الحق أو إلي قريب منه، فلا يكون يومئذ بهما حاجة إلي ممارسة حق الطلاق، وإنما هو الوفاق والمحبة والسعادة".
ولا شك أن هذا التعريف للزواج جيّد وجميل، ويتفق مع القيم الصوفية الإسلامية الراقية التي تستوصى بالنساء خيرا، ومع الصبر الجميل، والسراح الجميل، والصفح الجميل، أي الصبر والسراح والصفح الذي لا تبرم ولا ضغائن معه.
كما يتفق مع التقدم والتطور الإنساني الذي يحترم إنسانية الرجال والنساء.













الفصل الثالث
الجمهوريون والماركسية
صدر للجمهوريين كتيب " الماركسية في الميزان" ، وهو عبارة عن متن محاضرة بهذا العنوان، قدمها الأستاذ محمود محمد طه بدار الحزب الجمهوري بمدينة أم درمان "الموردة" ، وذلك في مساء الأربعاء :22/5/1968م. بعد الإطلاع علي المحاضرة ، نلاحظ أن الاستاذ طه استند فيها علي كتاب جوزيف ستالين " في المادية الديالكتيكية والتاريخية"، ومعلوم أن هذا المرجع لستالين فيه تبسيط مخل، وعرض غير دقيق للماركسية ، بحيث يمكن القول أنه لايساعد في العرض السليم للماركسية قبل مناقشتها.
وكما هو معروف ، فان الماركسية تركت بصماتها على تطور الفكر الانساني العالمي ، بتصديها لتحرير الانسان من القهر الطبقي والقومي والاثني والجنسي ومن لعنة الحاجة، ولتحقيق الفرد الحر بوصفه الشرط لتطور المجموع الحر .وبالتالى من السذاجة القول أن الماركسية أفل نجمها بانهيار التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا.
وكان الأجدي للاستاذ طه أن يرجع لاصول الماركسية باعتبارها مراجع اولية ، كما ورد في مؤلفات كارل ماركس وفردريك انجلز مثل: "البيان الشيوعي" لماركس وانجلز ، " الايديولوجيا الالمانية " لماركس، "انتي دوهرينغ" لانجلز ، و"رأس المال أو نقد الاقتصاد السياسي البورجوازي" لماركس...الخ
ماهما أهم اكتشافين للماركسية؟؟:
فماركس وانجلز انجزا 65 مؤلفا ، ولكن من اهم مؤلفاتهما ، كما أشرنا سابقا ،: "الايديولوجيا الالمانية ( 1846 )" لماركس وانجلز، و"رأس المال" لماركس (1867 المجلد الاول ،1885 المجلد الثانى بعد وفاة ماركس ، 1894 المجلد الثالث ) ، وفي هذين المؤلفين انجز ماركس وانجلز أهم اكتشافين هما : المفهوم المادي للتاريخ كما جاء في "الايديولوجية الالمانية" ، ونظرية فائض القيمة التي أوضحت سر الاستغلال الرأسمالي كما جاء في مؤلف ماركس "رأس المال" . .
أشار انجلز في مؤلفه انتى دوهرينغ (1877) الى: أن الماركسية تحولت الى علم باكتشاف المفهوم المادي للتاريخ ونظرية فائض القيمة التى كشفت سر الاستغلال الرأسمالي.
بهذين الاكتشافين تحولت الماركسية الى علم ، بحيث يصبح الواجب تطويرها في كل الاتجاهات ، ولأن العلم لايعرف النهائية والاكتمال ، فان تجديد الماركسية عملية مستمرة ، وتنبع من منهجها الديالكتيكي الذي ينظر للظواهر في حركتها وتطورها وشمولها وتحولها وتغيرها الدائم ، وعليه فان التجديد كامن في طبيعة ومنهج الماركسية ، المشكلة كانت في الجمود الذي جرد الماركسية من طابعها النقدي والثوري.
أولا : المفهوم المادي للتاريخ :
انطلق ماركس في الفهم المادي للتاريخ من حقيقة بسيطة وهى الناس قبل أن يمارسوا السياسة والفن والدين عليهم أن يوفروا احتياجاتهم الأساسية من ماكل ومشرب وملبس ومأوى ، ولكى يتم ذلك عليهم ان ينتجوا ، ولكى تتم عملية الانتاج لابد من توفير وسائل الانتاج والعمل البشري ، واثناء عملية الانتاج تنشأ علاقات بين الناس تسمى علاقات الانتاج وتتعلق بالملكية والتوزيع ، وحول البنية التحتية للمجتمع التى تتكون من قوى الانتاج وعلاقات الانتاج تنشأ بنية فوقية تتعلق بافكار الناس السياسية والدينية والفلسفية والفنية .. الخ . ووحدة البنية التحتية والفوقية اطلق عليها ماركس التشكيلة الاجتماعية.
على أن العلاقة بين البنية التحتية والفوقية معقدة ومتشابكة وذات تأثير متبادل ، صحيح ان البنية التحتية لها تأثيرها على البنية الفوقية ، ولكن البنية الفوقية ايضا لها تاثيرها في البنية التحتية ، فالعلاقة ديالكتيكية بحيث يصبح من الصعب الحديث عن ادنى واعلى وخاصة في مجتمعات ما قبل الرأسمالية.
وهذا ايضا يقودنا الى العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي والتى ذات تأثير متبادل ، صحيح أن الوجود الاجتماعي يحدد الوعي الاجتماعي ولكن الوعى الاجتماعي يؤثر في الوجود الاجتماعي ويعمل على اعادة تشكيله.
اشار انجلز في خطابه على قبر ماركس انه مثلما اكتشف دارون قانون تطور الانواع بالانتخاب الطبيعي ، اكتشف ماركس قانون تطور المجتمع البشري ، فقبل ماركس كان علماء الاجتماع يرجعون تطور المجتمع البشري الى افكار الناس ، ولكن ماركس انطلق من العكس ، من الانتاج المادي واعادة انتاج النوع البشري باعتبار ذلك القوى الحاسمة في تطور المجتمع البشري . أما المفكر الماركسي الفرنسي لويس التوسير فقد أشار الى أن مساهمة ماركس لاتقل عن مساهمة طاليس في تأسيس علم الرياضيات أو اعمال جاليلو في الفيزياء ، وأن اعمال ماركس تحتاج الى دراسة متأنية ، وبالتالى من المهم تحرير الماركسية من الجمود الذي كرسته الستالينية.
ومنذ اكتشاف ماركس حدثت تطورات كثيرة في علوم الاجتماع والاثار والتاريخ والانثروبولوجيا وغيرها اثرت الفهم المادي للتاريخ ، مثلما حدثت تطورات في علم البيولوجيا اثرت وطورت نظرية دارون حتى اكتشاف الشفرة الوراثية في عصرنا الحالى . كما حدثت تطورات في علوم الفيزياء والفلك والجيولوجيا ، كان لها الاثر الكبير في تطور تلك العلوم و الفكر البشري . فما أن تظهر نظرية تفسر ظواهر معينة ، حتى تظهر ظواهر جديدة تحتاج لنظرية جديدة لتفسيرها وهكذا تطورت النظريات والعلوم.
في علم الاجتماع على سبيل المثال كانت مساهمة عالم الاجتماع مورغان الذي درس المجتمعات البدائية للهنود الحمر بعد ان عاش وسطهم لمدة عشرين عاما ، استند انجلز على تلك الدراسة في مؤلفه : "اصل الدولة والعائلة والملكية الخاصة (1884) "، والذي أشار فيه الى أن الدولة هى نتاج تطور المجتمع في لحظة معينة بعد تفكك المشاعة البدائية وظهور الملكية الخاصة ، أو بعد ظهور المجتمعات الزراعية الرعوية ، كما أشار فيه الى التقسيم الاجتماعي للعمل بين المرأة والرجل في المجتمعات البدائية حيث يذهب الرجال الى الصيد ويقوم النساء بالعمل المنزلى من نسيج واعاد الطعام وتربية الاطفال والتقاط الثمار وصيد الحيوانات الصغيرة غير المؤذية . واشار ايضا الى المساواة بين المرأة والرجل في المجتمعات المشاعية البدائية ، وبتفكك المجتمع البدائي وظهور المجتمعات الطبقية بعد اكتشاف الزراعة والرعي ظهرت عدم المساواة بين الرجال والنساء ، وكان ذلك اول هزيمة لجنس النساء في المجتمع البشري .ومنذ دراسة انجلز تلك، تطورت الدراسات التى تناولت قضية تحرير المرأة بمدارسها المختلفة.
وبعد مورغان تطورت دراسات الثقافات للمجتمعات البدائية ، مع الاختلاف النابع من ظروف كل مجتمع ، ولكن السمة العامة تؤكد صحة المفهوم المادي للتاريخ والذي كان هاديا ومرشدا لدراسات كثيرة حول النوع ، ودراسة العلاقات المتبادلة والمتشابكة بين الاقتصاد والدين والسياسة وانظمة القرابة التى تتداخل فيها العلاقة بين البنية التحتية والفوقية للمجتمع . وقد تناول الماركسي ارنست ماندل في مؤلفه ( النظرية الاقتصادية الماركسية ) امثلة كثيرة من دراسات معاصرة في علوم الاثار والاجتماع والانثروبولوجيا وثقافات المجتمعات البدائية ، اكدت صحة المفهوم المادي للتاريخ الذي اتخذه ماركس كمرشد له في دراساته وابحاثه مثل: "رأس المال".
وعلى سبيل المثال في مؤلف ستالين " في المادية الديالكتيكية والتاريخية " الذي استند عليه الاستاذ طه ، حاول ستالين أن يعمم اللوحة الخماسية والتى أشار اليها ماركس لنشأة وتطور الرأسمالية في أوربا ( تشكيلة بدائية ، رق ، اقطاع ، رأسمالية ،اشتراكية ) على كل التاريخ البشري ، في حين أن ماركس كان يعارض تحويلها الى نظرية فلسفية وتعميمها على كل بلدان العالم ، واشار الى ضرورة دراسة خصوصية كل مجتمع بذهن مفتوح وبطريقة مستقلة ، وفي هذا الاطار أشارماركس في مؤلفه ( مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي ) الى نمط سادس خاص ببعض بلدان الشرق ( الصين ، مصر ، الهند ، .. الخ ) ، يتمايز عن الانماط المشار لها في لوحته الخماسية ، اطلق عليه نمط الانتاج الاسيوى ، وهو يتعلق بملكية الدولة للارض والرى مقابل خراج يدفعه الفلاحون للدولة . وقد حاول بعض الماركسيين تعميم نمط الانتاج الآسيوى على كل البلدان غير الاوربية وهذا ايضا غير صحيح ، والسليم هو الدراسة المستقلة لكل مجتمع بذهن مفتوح لمعرفة واقعه وخصوصيته.
الجانب الآخر الذي انتقده انجلس في كتاباته الأخيرة اعتبار الاقتصاد هو العامل الوحيد الحاسم في التغيير ، فالى جانب الاقتصاد هناك عوامل اخرى: دينية ، قومية ، سياسية ، تقاليد كل بلد وشخصيات القادة فيها، تسهم في التغيير ، فللاقتصاد دور حاسم ولكنه ليس الوحيد . اما الماركسي انطونيو غرامشي ، فقد طور ملاحظة انجلس ، وأشار الى أنه من الصعب تحديد اى العاملين الاقتصادي أو الثقافي هو الحاسم في التغيير ، وأن الثقافة ضرورية لبناء القاعدة الاجتماعية نفسها ، وان النظام الرأسمالي لايعيد انتاج نفسه بوسائل اقتصادية او بالقهر ، وانما يعيد انتاج نفسه بوسائل ثقافية ايضا ، وبالتالى من المهم التأثير الثقافي والاخلاقي للطبقة العاملة وأن يكون لها مثقفين عضويين مرتبطين بها ، كما انتقد المفهوم المبتذل للمادية الفلسفية التى تلغي دور الانسان والممارسة باسم الحتمية التاريخية وتلغي التفكير النقدي ، وأشار الى ان التاريخ ليس له معنى الا بارتباطه مع التاريخ الانساني ،وكما اشار ماركس ان الانسان ليس نتاج سلبي للبيئة ، بل يسهم في اعادة تشكيل البيئة نفسها.
النقطة الثانية التى ركز عليها انجلز في نقده لمريدى المفهوم المادي للتاريخ الذين اعتبروه بديلا لدراسة التاريخ ،وأشار الى أن المفهوم المادي للتاريخ ليس بديلا لدراسة تاريخ كل بلد على حدة بهدف معرفة واقعه وخصائصه بذهن مفتوح ، وليس حشره في المخطط المسبق للوحة الخماسية أو نمط الانتاج الآسيوى أو اى مخطط ايديولوجي مسبق .مثل هذا الفهم ضار بالمفهوم المادي للتاريخ.
النقطة الثالثة هى ضرورة الاشارة الى أن ماركس لم يضع نظرية مكتملة حول الدولة ، وقد طورت دراسات معاصرة نظرية الدولة لماركس مثل مساهمة غرامشي ، نيكوس بولانتزاس .... الخ ، والذين أشاروا الى توسيع وظائف الدولة الرأسمالية المعاصرة والتى تعيد انتاج نفسها بها ، والابتعاد عن الفهم الضيق بأن الدولة تعبر فقط عن مصالح الطبقة أو الطبقات الحاكمة ، وان الدولة تحظى بالقبول بوظائف اقتصادية وسياسية وايديولوجية وثقافية وتاريخية . وبالتالى من المهم توسيع زوايا النظر في وظائف الدولة ودراسة الاشكال المختلفة التى تعيد انتاج نفسها بها.
نقطة جوهرية أخرى أن الماركسية كانت في حوار وجدل مع التيارات المعاصرة لها ، وانها كانت تتخصب بهذا الحوار وتسقط ماعفى عليه الزمن في استنتاجاتها وتضيف الجديد في ضوء المتغيرات الجديدة ، فماركس وانجلز بعد اربعين عاما من صدور البيان الشيوعي (1848) كتبا في مقدمة له ان البيان شاخ في بعض جوانبه ، وأن البيان نفسه يوضح أن تطبيق المبادئ يتعلق دائما وفي كل مكان بالظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين . وضرورة عمل تحليل جديد يستوعب المتغيرات الجديدة التى حدثت في الرأسمالية. .
الجانب الآخر هو المتغيرات التى حدثت في تركيب الطبقة العاملة بفعل الثورة العلمية التقنية حتى اتسع مفهوم الطبقة العاملة نفسه وأصبح يضم العاملين اليدويين والذهنيين الذين يتعرضون للاستغلال الرأسمالي ، ودارت مناقشات واسعة في الستنيات من القرن الماضي ، على سبيل المثال: استنتاجات ماركوز الذي اشار الى أن الطبقة العاملة فقدت ثوريتها وأن الطلاب اصبحوا البديل لها في قيادة التغيير ، في حين السليم هو اتساع قوى التغيير في المجتمع والذي اصبح يضم قوى الثقافة والعمل ، كما أشار غرامشي الى ضرورة الاهتمام بالعمل وسط المثقفين لما لهم من دور في التحويل الفكري والثقافي للمجتمع وكسب المواقع في الجبهة الفكرية والتاهيل التاريخي للطبقة العاملة ( والتى اتسع مفهومها ) لتلعب دورها في تغيير تركيب المجتمع.
كما كانت الماركسية حاضرة في حوارات المثقفين والفلاسفة الذين جاءوا بعد ماركس بمدارسهم المختلفة مثل مفكري مدرسة فرانكفورت ( ماركوز، اريك فروم ، هابرماس ، .. الخ ) ، والذين اشاروا الى ضرورة تحريرها من الجمود الستاليني وتخصيبها بمساهمات فرويد في علم النفس والفلسفة الوجودية ، والبنيوية.... الخ . وقد اجهضت فترة الجمود هذا الحوار لما له من دور في تخصيب الماركسية ، ورغم ذلك كانت هناك مساهمات من فلاسفة ماركسيين مثل لوكاتش الذي كانت له حوارات خصبة مع الفلسفة الوجودية في مؤلفه (وجودية أم ماركسية ) . كما حاور غرامشي الواقع الايطالي وأشار الى أن اهم سمات الواقع الايطالي هو وجود الكنيسة الكاثوليكية وثقل المسيحية الكبير فيها ، وخلص الى ضرورة دراسة الدين ، والاستفادة من نقد استغلال الدين لخدمة مصالح دنيوية زائلة كما كان يتم في عصور النهضة والاصلاح الاوربيين ، بحيث يستوعب بسطاء الناس ، وطالب الماركسية بتلبية حاجات الناس الروحية حتى تكون الماركسية قريبة من تكوينهم الثقافي والنفسي . ونشير هنا الى تقدير ماركس مع انجلز لموقف رجل الدين ( مانزر) في حرب الفلاحين وثنائه على دوره الخلاق الواعى كرجل دين ثورى مصلح ، وكذلك نشير الى دور لاهوت التحرير في امريكا اللاتينية في الانحياز للمستضعفين والفقراء ، وهذا هو روح الماركسية الرافض لاستغلال الدين لخدمة مصالح دنيوية ضيقة أو تبرير القهر باسم الدين.
كما تجاوزت الاحزاب الشيوعية في اوربا بعد الحرب العالمية الثانية مفهوم "ديكتاتورية البروليتاريا" ، وطرحت استراتيجية الوصول للسلطة عن طريق البرلمان ، كما طورت مدرسة الشيوعية الاوربية في السبعينيات من القرن الماضي مفهوم التداول الديمقراطي للسلطة، وضرورة حكم القانون واحترام حقوق الانسان وتجاوز نظام الحزب الواحد الذي كان سائدا في الاتحاد السوفيتي.
وفي السودان منذ دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ، في اغسطس 1977 ، تم طرح التعددية الديمقراطية كأداة للوصول للسلطة أو الوصول للنظام الوطني الديمقراطي بطريق ديمقراطي تعددي جماهيري، وتم رفض نظام الحزب الواحد الشمولي والانقلابات العسكرية كوسيلة للتغيير ، وتم تأكيد ذلك الموقف في وثائق المؤتمر الخامس للحزب. .
وهكذا كان للتراكم المعرفي الهائل الذي حدث اثره في تطوير المفهوم المادي للتاريخ وتعميقة وتوسيعه وفق المستجدات باعتباره هاديا ومرشدا لدراسة الواقع بهدف التأثير فيه وتغييره الى الافضل ، فالنظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني وتخصب النظرية ، وكما قال الشاعر الالماني جوته : النظرية رمادية وشجرة الحياة مخضرة دوما.
ثانيا : نظرية فائض القيمة :
الاكتشاف الثاني لماركس هو نظرية فائض القيمة التي كشفت جوهر الاستغلال الرأسمالي ، أشار ماركس في مؤلفه: "رأس المال" الى أن المجتمع الرأسمالي ليس بلورة صلبة ، بل كائن عضوي قادر على التحول وهو يتحول بصورة دائمة ، وهذا ما اكدته الاحداث في التحولات المختلفة التى مرت بها التشكيلة الرأسمالية ، وكانت ثمرة دراسة ماركس الميدانية للمجتمع الرأسمالي في انجلترا هو اكتشاف نظرية فائض القيمة الى شكلت حجر الزاوية لنظرية ماركس الاقتصادية ، ولقد فسرت نظرية فائض القيمة الاستغلال الرأسمالي في المجتمع يومئذ والتى تقوم على استحواذ الرأسماليين على العمل غير مدفوع الأجر.
وفي نهاية القرن التاسع عشر حدث تحول في المجتمع الرأسمالي من مرحلة المنافسة الحرة الى مرحلة الاحتكار أو الامبريالية والتى أشار اليها اقتصاديون مثل هوبسن وهليفردينك ، استند لينين الى الابحاث السابقة لنظرية الامبريالية وأشار في مؤلفه ( الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ، 1916 ) الى سمات الامبريالية الخمس وهى أن صورة المجتمع اصبحت لاتحددها المنافسة الحرة ، رغم ظهور الاحتكارات مازالت علاقات الانتاج الرأسمالية هى السائدة ، ومازال قانون فائض القيمة سارى المفعول ، استئثار الاحتكارات بالربح الاحتكاري ، نهب شعوب المستعمرات اضافة للاستغلال الرأسمالي للعاملين ، تكوين الشركات المتعددة الجنسيات وتصدير رأس المال واقتسام العالم.
كما أشار ماركس استمرت التحولات في التشكيلة الرأسمالية بعد مؤلف لينين "الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية" مثل : الثورة العلمية التقنية ودورها في تطور القوى المنتجة وتدويل عملية الانتاج بفعل تصدير رأس المال ، تخصص البلدان المتخلفة في الانتاج التقليدي والملوث للبيئة ، أما مركز العالم الرأسمالي فيحتفظ لنفسه بالنشاطات الأكثر عصرية ( الانتاج الالي ، الالكترون ، غزو الفضاء ، الذرة .. الخ ) ، نشؤ الامبراطوريات المالية الدولية ( الرأسمال المالي الدولي ) التى تضمن اتحاد الرأسمال الصناعي الدولي المنتج ( المؤسسات الصناعية المتعددة الجنسيات مع قوة الرأسمال المصرفي الدولي ) ، المؤسسة المصرفية المتعددة الجنسيات ( البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ) ، واندماج مجالات التداول والانتاج في مركز موحد للقرارات ، اى تحت سيطرة رأس المال ، ثورة الاتصالات التى ساعدت في سرعة وتحليل المعلومات ( الاكترون ، الموبايل ، الانترنت ... الخ ) ، ظهور قوى عاملة مثقفة ( ذوى الياقات البيضاء والذهبية ) المنتجة للمعارف التى يتم الاستحواذ من قبل رأس المال ، وهذه القوى تتعرض للاستغلال الرأسمالي وتدخل ضمن نسيج قوى الثقافة والعمل التى تنتج فائض قيمة مباشر وغير مباشر ، اضافة للتحولات في الهيكل الانتاجي الى صناعات غزيرة التكنولوجية كثيفة رأس المال مثل : الالكترونات والحاسبات الآلية والطاقة الذرية والآلات الدقيقة المدارة ببرامج الحاسب الالى والصواريخ ومنتجات الكيمياء العضوية أو الهندسة الوراثية والمعدات الحربية بفروعها المختلفة ومعدات الفضاء ومنتجات الهندسة الكهربائية والطاقة .
كما تعمقت أزمة الرأسمالية المعاصرة مثل : البطالة ، الاشكال الجديدة لنهب بلدان العالم وأزمة الدين العالمي والتهميش وتعمق التناقض بين قوى الانتاج الضخمة التى اطلقتها الثورة العلمية وعلاقات تزايد التفاوت في توزيع الثروة .
استمرت التحولات في التشكيلة الرأسمالية الى أن دخلت فترة جديدة هى مرحلة العولمة ، والتى يصفها البعض بأنها مرحلة عليا في الامبريالية ، ويصفها البعض مثل : سمير أمين مرحلة شيخوخة الرأسمالية ، فما هى أهم سمات وخصائص هذه الفترة ؟
- اصبحت مراكز العالم الرأسمالي المهيمنة على الاقتصاد العالمي تتكون من : امريكا ، اليابان ، أوربا ، وادوات هذه المراكز هي : منظمة التجارة العالمية التى تقدم الحماية لاحتكارات المراكز . كما يمثل صندوق النقد الدولي السلطة النقدية ، والبنك الدولي السلطة التنفيذية لمجموعة الثمانية الكبار (G8) . وبلعب حلف الاطلسي الدور السياسي والعسكري ، اما امريكا فتمثل الرقيب العسكري على العالم .
- كما أن من أهم سمات الرأسمالية المعاصرة اعادة انتاج الفقر على سبيل المثال : 1,3 مليار شخص في العالم لايتعدى دخلهم دولار واحد في اليوم ولايحصلون على مياه صالحة للشرب ولا على الحدود الدنيا من العلاج . 850 مليون من الاميين ، 800 مليون يعانون من سوء التغذية . 210 مليون طفل في العالم يتم استغلال قوة عملهم . تدهور الوضع البيئي في العالم الناتج من من ازمة نمط الانتاج الرأسمالي الذي يهدف لتحقيق أقصى قدر من الارباح لرأس المال .
- كما أن من افرازات الرأسمالية المعاصرة ( العولمة ) : الديون على الدول الفقيرة ، التهديد بالاسلحة النووية ، الاحتلال المباشر للبلدان ( العراق بهدف النفط ... الخ ) ، بيع الاعضاء البشرية (اسبيرات بشرية) ، شبكات الدعارة الكبيرة للنساء والاطفال ، تجارة المخدرات ، غسيل الاموال ، انتشار وتفشى ظاهرة الفساد ... الخ .
- كما ان من سمات الرأسمالية المعاصرة سيطرة الشركات العابرة للقارات على ثلث الاصول الانتاجية في العالم على سبيل المثال : في الفترة 1982 – 1992 ، كان نصيب اكبر 200 شركة عالمية يصل الى 26,8 % من الناتج العالمي بايرادات تصل الى تريليون دولار ( تقرير الاونكتاد 1993 ) ، هناك 20 % من دول العالم تستحوذ على 85 % من الناتج العالمي وعلى 84 % من التجارة العالمية ويمتلك سكانها 85 % من مجموع المدخرات العالمية ( فخ العولمة : 1998 ، ص 11 ) .
- كما أن من نتائج العولمة تصفية مكتسبات العاملين والفئات الوسطى وزيادة البطالة وانخفاض الاجور وتدهور مستويات الخدمات الاجتماعية التى تقدمها الدولة واطلاق آليات السوق ، وابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط والاقتصاد وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين . كما اصبحت الزراعة في مراكز العالم الرأسمالي والتى تعتمد على منجزات الثورة العلمية والهندسة الوراثية تقف حجرة عثرة في تطور القطاع الزراعي في البلدان النامية ، وبالتالى تعمل الزراعة الرأسمالية على استبعاد حوالى 3 مليار من المزارعين من الزراعة المعيشية ( التقليدية ) وتضيفهم الى جيش البطالة . كما اصبح الخيار العسكرى من قبل الولايات المتحدة يهدد جميع الشعوب .
من السرد اعلاه لمراحل تطور الرأسمالية التى وجهت لها الماركسية سهام نقدها ، نلاحظ التراكم الكمى لمثالب الرأسمالية والتى ظلت على طبيعتها منذ مؤلف ماركس" رأس المال" حتى وصلت لمرحلة العولمة الحالية والتى تؤكد ضرورة التغيير واحلال الاشتراكية محل الرأسمالية .
ومن الجانب الآخر ورغم نتائج العولمة السالبة التى أشرنا لها سابقا ، الا أننا نلمس تصاعد الحركات الجماهيرية والديمقراطية المطالبة بالغاء الديون الثقيلة على بلدان العالم الثالث وضد منظمة التجارة العالمية ، ومن اجل حماية البيئة ونزع اسلحة الدمار الشامل ، ومحاربة الامراض الفتاكة (الايدز والايبولا..الخ) ، والدفاع عن حقوق الانسان والاقليات المضطهدة ، والدفاع عن حقوق المرأة والنضال من اجل تحسين أوضاع العاملين المعيشية والاجتماعية والثقافية ومن اجل عولمة بديلة تكرّس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحق الشعوب في سيادتها واستقلالها الوطني والتنمية المستقلة وحقها في السيطرة على مواردها الطبيعية ، وأن تلعب الدولة دورها في تقديم الخدمات الاساسية للمواطنين مثل : التعليم والصحة ومياه الشرب النقية .. الخ بدلا من خصخصة تلك الخدمات والتى كانت على حساب الكادحين.
هكذا يؤكد التراكم المعرفي الذي حدث أن الماركسية مازالت نابضة بالحياة ، وانها قامت على نقد وتجاوز مساوئ وشرورالرأسمالية والتى تجسدها مرحلة العولمة الحالية ، وأن هناك ضرورة للبديل الذي يقوم على مرتكزين هما الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وبالتالى ، التجديد في الماركسية يجب أن يتناول اهم اكتشافين لها وهما : المفهوم المادي للتاريخ ونظرية فائض القيمة ، والتى شكلت الاساس لنقد الرأسمالية . وأن الماركسية تتجدد بالحوار مع التيارات الثقافية والفكرية المتنوعة ، وأن دراسة الماركسية في جوهرها هى دراسة الثقافة الانسانية والارتباط بالواقع بكل مكوناته الثقافية والروحية.
من خلال العرض اعلاه للماركسية يتضح غني وخصوبة الماركسية ومنهجها في دراسة المتغيرات الجديدة للواقع بهدف استيعابة والعمل علي تغييره، وهذا هو جوهر الماركسية، علي سبيل المثال : يصف الاستاذ محمود محمد طه في كتابه "الماركسية في الميزان" ص 3-4 ، ماركس بأنه "فيلسوف لكل الأزمنة " ، ومعلوم أن ماركس نفسه لم يدع أنه فيلسوف لكل الأزمنة ، بل استفاد من منجزات الفلاسفة السابقين مثل: هيوم، كانت ، ديكارت، فورباخ، هيغل ...الخ، وعرض ماركس اكتشافه حول المفهوم المادي للتاريخ، كما أشرنا سابقا، كتخطيط عام ، وليس كفلسفة أو عقيدة جامدة ، أو ليست بديلا للدراسة الملموسة لكل مجتمع لمعرفة سماته وخصوصياته بهدف تغييره.
ولاندعي ، كما أن ماركس نفسه لم يدع، بأنه " فيلسوف لكل الأزمنة"، حتي أنه كان يقول لزملائه أنه "ليس ماركسيا" ، بمعني لا تحولوا نظريتي أو تخطيطي العام للتاريخ الي فلسفة أو عقيدة جامدة تصلح لكل زمان ومكان.
يقول الاستاذ محمود محمد طه في ص 8 من مؤلفه " الماركسية هي فلسفة كارل ماركس " . ومعلوم لكل دارس في السياسة والاقتصاد أن مكونات الماركسية هي : الفلسفة – الاقتصاد – الاشتراكية العلمية، ومنهج ماركس هو الديالكتيك الذي ينظر للظواهر في حركتها وتبدلها وتغيرها ، وهو طريقة في البحث ، لايختلف عن المنهج العلمي في أوسع معانيه ، وأن الماركسية واكتشافها الأساسي في المفهوم المادي للتاريخ، ونظرية فائض القيمة هي : نظرية علمية ، شأن كل النظريات الإجتماعية الأخري، وبالتالي فهي نظرية قابلة للتطوير وفق المستجدات والمتغيرات الجديدة، أي ليست عقيدة أو فلسفة او ايديولوجيا جامدة.
ويقدم الاستاذ طه تفسيرا غير فلسفي وغير دقيق لمفهوم " المثالية" ، كما ورد في مؤلفات ماركس وانجلز باعتبار أنها " أفكار حالم" ، يقول طه في ص 12 من مؤلفه " الماركسية في الميزان": " اذا كان هناك انسان مستغلك ، وعندو حقك ، وأنت تنتظر أن تأخذ منو حقك دا بالتي هي أحسن وبالمحاورة والمداولة وبسن التشريع ، وبالاصلاح العام السلمي ، بالصورة دي مابتكون عندك فرصة ، وبتكون انت مثالي ، هذا هو المعني القصود..".
ومعلوم أن "المثالية" بالمفهوم الفلسفي ، كما ورد في مؤلفات ماركس وانجلز هي بمعني " اسبقية الفكر علي الواقع أو أسبقية الوعي علي المادة. أي تتحدد علي ضوء علاقة المادة بالوعي ، وعلي أساس الاجابة علي هذا السؤال ، كما يقول انجلز ي مؤلفه " فورباخ ونهاية الفلسفة الالمانية الكلاسيكية" ،انقسم الفلاسفة الي معسكرين، الذين قالوا باسبقية الوعي علي المادة شكلوا معسكر "المثالية" بمدارسها مختلفة، والذين قالوا باسبقية المادة علي الوعي شكلوا معسكر المادية بمدارسها المختلفة ، علي أن مايميز منهج ماركس المادي الديالكتيكي ، هو النظر للعلاقة بين المادة والوعي في حالة حركة وتغير دائمين ، وباعتبارها علاقة انعكاس معقدة لايجوز التبسيط فيها، صحيح أن المادة سابقة علي الوعي ، ولكن الوعي نفسه يعمل علي التأثير في المادة، ويعمل علي تغييرها وتبديلها. ومن هنا جاء قول ماركس " الوعي يصبح قوة حاسمة في التغيير عندما تتملكه الجماهير".
يواصل طه في مؤلفه السابق ص 12 ويقول : " الشيوعيون هم بقايا الثورة الفرنسية المعروفة عندكم ، فهم يرون أن التغيير لازم يكون بالعنف".
واضح خطل ماورد اعلاه ، فلا الشيوعيون بقايا من الثورة الفرنسية ، ولايرون بشكل مطلق أن "التغيير لازم يكون بالعنف". فالتغيير في الماركسية ومنهجها الديالكتيكي يأخذ أشكالا مختلفة ، سواء كان سلميا أو بالعنف ، واذا أخذنا مثالا من تجارب الثورة السودانية ، نجد أن التغيير في الثورة المهدية لنظام الحكم التركي ، تم بالثورة الشعبية المسلحة، أي بالعنف، أما التغيير في ثورة اكتوبر 1964م لنظام الديكتاتور عبود ، تم سلميا أو بالاضراب السياسي والعصيان المدني. اذن التغيير حسب المفهوم الماركسي يعتمد علي ظروف وخصائص كل بلد ، ولايعتمد علي رغبات أفراد أو طبقة ، وانما يعتمد علي الظروف التاريخية المحددة، وكما يقول انجلز " التغيير للنظام القديم سوف يشق طريقه سلميا ، اذا كان القديم عاقلا، أو بالعنف اذا عارض القديم هذه الضرورة". فالظروف الموضوعية والذاتية هي التي تحدد عما اذا كان التغيير سلميا أو بالعنف ، فالمسألة ليست رغبة للشيوعيين في العنف ، فاذا كانت مسألة رغبة ، فالشيوعيون شأنهم شأن الآخرين العقلاء ، يختارون الطريق السلمي الديمقراطي للتغيير.
يواصل الاستاذ طه في مؤلفه السابق ويقول في ص 13 " المادية الديالكتيكية هي معرفة قوانين الطبيعة والمجتمع البشري".
وهذا تعريف خاطئ ، فالمادية كما اشرنا سابقا بمفهومها الفلسفي هي " اسبقية المادة علي الوعي"، أما الديالكتيك فهو منهج طوره الفيلسوف الالماني هيغل ينظر للظواهر في حركتها وتطورها وتبدلها ، في التحولات الكيفية التي هي نتاج تراكمات كمية من التغيرات، والي الجديد باعتباره نفي ديالكتيكي يأخذ افضل مافي سمات القديم في تطور حلزوني ، كل حلقة فيه أرقي من الحلقات السابقة، وهو منهج وطريقة في البحث لايختلف عن المنهج العلمي في اوسع معانية ، هذا فضلا أن الماركسيين لم يدعوا أن " المادية الديالكتيكية هي معرفة قوانين الطبيعة والمجتمع البشري". فقوانين الطبيعة ميدان معرفتها هو العلوم الطبيعية ومناهجها ، والمجتمع البشري ميدان معرفته هو العلوم الإجتماعية والإنسانية والسلوكية ".
وهذا مثال للتعريفات غير الدقيقة التي قدمها ستالين في مؤلفه " المادية الديالكتيكية والتاريخية" ، والتي أخذها عنه الاستاذ محمود.
يواصل الاستاذ محمود في مؤلفه ويعدد "حسنات" و" سيئات" الماركسية ويقول: " من حسنات الماركسية الفكرة التطورية..".
اذا كان المقصود الفكرة التطورية كما وردت في الديالكتيك ، فان الفضل في ذلك أو الحسنة لاترجع إلي الماركسية ، فالديالكتيك كان موجودا منذ أيام الفلاسفة اليونانيين ، وتطور علي يد الفيلسوف الالماني هيغل ، والذي استفاد منه ماركس كطريقة في البحث والتفكير .
أما اذا كان المقصود بالفكرة التطورية ، كما ورد في علوم الأحياء ، فان الفضل في ذلك يرجع الي شارلس داروين وليس الي الماركسية ، فدارون هو الذي اكتشف نظرية " النشؤ والارتقاء" أو تطور الكائنات الحية بواسطة الانتخاب الطبيعي، والتي استفاد منها ماركس في دراسته للمجتمع البشري ككائن عضوي يقبل التطور والتحول والتغيير.
فالحسنة هنا لاترجع الي ماركس ، ولكن ترجع الي هيغل ودارون.
يواصل الاستاذ طه ويشير الي أن من سيئات الماركسية هي " ديكتاتورية البروليتاريا"
صحيح أن ماركس تحدث عن الديمقراطية باعتبارها طبقية ، بمعني أنه في المجتمع الرأسمالي الذين يملكون المال والثروة هم الذين اقدر علي شراء الاصوات وكسب الناخبين، كما هو الحال في النظام الديمقراطي في امريكا الذي يتبادل فيه الحكم الحزبان الجمهوري والديمقراطي وكلاهما يعبران عن مصالح الشركات والاحتكارات الرأسمالية، فالسياسة الامريكية التي تعبر عن مصالح الشركات والاحتكارات ثابتة لاتتغير سواء فاز الحزب الجمهوري أو الاشتراكي، كما اكدت التجارب أن الديمقراطية طبقية فمثلا:عندما فاز اليسار في شيلي بقيادة الماركسي سلفادور الليندي عام 1970 بانتخابات ديمقراطية، قامت الشركات والاحتكارات بالتنسيق مع المخابرات الامريكية بتدبير انقلاب عسكري ضد النظام الديمقراطي المنتخب،مما يؤكد هذه الحقيقة. هذا إضافة كما اشرنا سابقا، أن الاحزاب الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية طرحت الطريق الديمقراطي السلمي التعددي الي الاشتراكية . فضلا علي ضرورة الاستناد علي منجزات الديمقراطية وحقوق الانسان وحكم القانون، باعتبار أن الديمقراطية شرط لاغني عنه للوصول الي الاشتراكية ، وتأكدت تلك الحاجة بعد المتغيرات العالمية التي حدثت عقب زوال الأنظمة الشمولية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا وغيرها من أنظمة الحزب الواحد في بلدان العالم الثالث الذي يحتكر كل السلطات والثروة ويحل حكم الأمن وأجهزة المخابرات محل حكم القانون، كما هو الحال في نظام المؤتمر الوطني الحالي في السودان. اكدت كل تلك التجارب الحاجة الي الديمقراطية كشرط لاغني عنه من أجل الوصول الي الاشتراكية، واستكمال الحقوق الاقتصادية والثقافية بالحقوق السياسية والحريات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحكم القانون.
يواصل الاستاذ طه ويقول في ص 28 : " أنا افتكر أن كارل ماركس في جميع نقطه التي أسس عليها اشتراكيته العلمية قد حجب عن كونها مرحلية ، واتخذها كالمستديمة وبني عليها مستقبل التطور.".
وهذا ايضا غير صحيح ، فنظرية ماركس ، كما اشرنا سابقا، حتي في كل حياته ، كانت تتطور وتغتني باستمرار ، كما أن ماركس نفسه لم يضع اشتراكية علمية أو شيوعية مكتملة واتخذها كالمستديمة وبني عليها مستقبل التطور. كل مافعله ماركس أنه درس واكتشف قانون تطور المجتمع الرأسمالي المعاصر كما تطور في انجلترا يومئذ، ودرس تناقضات هذا المجتمع ، تنبأ بتحول هذا المجتمع نتيجة للتناقض بين قوي الانتاج وعلائق الانتاج ،اي بين الطابع الإجتماعي للانتاج والشكل الخاص للتملك. كل مافعله ماركس وانجلز بعد اكتشاف المفهوم المادي للتاريخ ، واكتشاف نظرية فائض القيمة ، وضعا ملامح عامة للمجتمع الاشتراكي المقبل ، حتي أن ماركس كان يشير الي أنه بولوج الانسانية مرحلة الاشتراكية العلمية أو الشيوعية ، يبدأ تاريخ الانسان الحقيقي الخالي من كل أشكال الاستغلال الطبقي والديني والجنسي والثقافي..الخ، ويتحقق فيه تطور الفرد الحر باعتباره الشرط لتطور المجموع الحر. مما يؤكد أن ماركس لم يؤسس اشتراكيته العلمية باعتبارها حقيقة نهائية مكتملة مستديمة. وظلت الماركسية مفتوحة للتطور والاغناء والتطوير، كما اشرنا سابقا، ومتطورة مع تطور العلم والمعرفة والحياة السياسية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية.
نخلص مما سبق الي أن ميزان الاستاذ طه للماركسية لم يكن دقيقا، بل خفت موازينه ، سواء كان ذلك في مضمار العرض السليم للماركسية من مصادرها الاولية كما هو الحال في مؤلفات مؤسسيها ، أو في مضمار المناقشة التي ترتبت علي ذلك العرض الخاطئ.




















الفصل الرابع
الجمهوريون وانقلاب مايو 1969م
ماهو موقف الجمهوريين من إنقلاب مايو 1969م؟؟
عندما وقع إنقلاب مايو 1969م كان من رأي الجمهوريين " أن ثورة مايو جاءت في الوقت المناسب في لحظة كانت فيها مسودة الدستور الإسلامي المزيف علي وشك الإجازة ، بعد إجازة الجمهورية الرئاسية والدستور الإسلامي وترشيح الهادي المهدي لرئاسة الجمهورية" ( الأخوان الجمهوريون : المصالحة الوطنية ، سبتمبر 1977م).
وكان من رأيهم "أن النظام القائم ( إنقلاب مايو) قد استطاع حتي اليوم ( مايو 1976م) أن يقف حائلا بين السلطة و عودة الطائفية اليها " ( الأخوان الجمهوريين: لجنة تعديل القوانين ، ط3، مايو 1978م).
نلاحظ أن الجمهوريين استخدموا مصطلحا غير دقيق وهو " ثورة مايو" ، في حين الصحيح، أنه كان انقلابا عسكريا.
وعن الأزمة الإقتصادية التي تفاقمت خلال حكم الفرد لنميري نتيجة لفساد النظام حتي نخاع العظم ونهب الرأسماليين الطفيليين المايويين للقطاع العام ، والصرف البذخي علي مؤسسات النظام ..الخ . كان من رأي الجمهوريين أن " مشاكلنا اليومية في نقص الإنتاج ، وفي إحتقار العمل اليدوي ، وفي العزوف عن العمل في الريف ، وفي اختناقات التموين ، وفي الإهمال والتفريط في المال العام ، كل هذه المشاكل سببها نقص الأخلاق"!!!، وكأن الجمهوريين يبرأون النظام الأجتماعي( نظام النميري) الحاكم الذي قمع وأفقر الجماهير مما أدي الي تدهور الأخلاق والقيم السودانية الأصيلة!!!، أو كأن الجمهوريين يبررون جرائم النظام الاقتصادية والنهب والفساد بحجة غياب الأخلاق!!!.
وطالما كان الجمهوريون يطالبون بكمال الأخلاق ، والحرية لنا ولسوانا ، كان من المنطقي الا يؤيدوا انقلاب 25 مايو الذي في جوهره كان ديكتاتورية عسكرية صادرت كل الحقوق والحريات الديمقراطية " حريات التعبير والنشر والتجمع والتظاهر ، والحريات النقابية، ومصادرة حق الإضراب..."، وحلت الأحزاب والجمعية التأسيسية. ذلك أن الطائفية لايمكن محاربتها بإنقلاب عسكري أو بوسائل غير أخلاقية ، ولا حتي الإنقلاب العسكري عاصم من الدستور الإسلامي المزيف ، فنظام النميري نفسه عام 1983م أعلن قوانين سبتمبر ، بهدف قمع الحركة الجماهيرية التي كانت متصاعدة ضده، والتي كانت أسوأ من الدستور الإسلامي المزيف إن لم تكن مكافئة له، وعندما عارض الجمهوريون تلك القوانين ، ووقف محمود محمد طه وقفته الشجاعة قائلا : " هذه القوانين قد أذلت الشعب السوداني .." ( راجع كلمة الأستاذ محمود أمام المحكمة يوم 17/1/1985م)، أنجز النميري مهمة محكمة الردة ونفذ الحكم الجائر بالردة. ذلك الحكم الذي عجزت عن تنفيذه محكمة الردة 1968م ، مثلما أنجز النميري قرار الجمعية التأسيسية بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان ، واضاف لها اعدام قادة الحزب الشيوعي وتشريد الالاف من من الشيوعيين بعد انقلاب 22 يوليو 1971م..
والواقع أن الأستاذ طه ’أكل يومأن ’أكل الثور الأبيض ، أي عندما تهاون في مقاومة الديكتاتورية منذ يومها الأول والتي فتكت بالمعارضة السياسية في الجزيرة أبا 1970م، ويوليو 1971م، و في 5سبتمبر 1975م، و2 يوليو 1976م، وأعدمت أ وتسببت في موت رموز الحركة السياسية والنقابية والفكرية في البلاد مثل : اسماعيل الأزهري ، ومحمد أحمد المحجوب وعبد الخالق محجوب والشريف حسين الهندي والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق ..الخ، ثم اختتم نميري باعدام الأستاذ محمود محمد طه، وكان ذلك علي عادة النميري الذي يستفيد من التأييد لحكمه ثم يضرب ويشرد ويعتقل أويعدم في حالة المعارضة . وهذا الخطأ وقع فيه المنقسمون من الحزب الشيوعي ، والصادق المهدي وحسن الترابي بعد المصالحة الوطنية 1977م ، وتم اعتقال ومحاكمة الصادق بعد خروجه من المصالحة والمشاركة في الحكم ،كما تم اعتقال مجموعة الترابي بعد محاولتها للاستحواذ علي السلطة. فنظام النميري كان يهدف من المصالحة والمناورات لاطالة عمره وتوسيع قاعدة حكمه مع الابقاء علي جوهر الديكتاتورية والنظام الشمولي ، ثم بعد ذلك يضرب ضربته.
فالطريق لمواجهة الديكتاتورية وحكم الارهاب واستغلال الدين لتبرير الديكتاتورية وحكم الفرد كان ولازال هو الطريق الديمقراطي الجماهيري الواسع . وبرغم تزييف الديمقراطية خلال الفترة: 1965- 1969م وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان وقيام محكمة الردة للاستاذ طه 1968م ، الا أن النضال الجماهيري الديمقراطي وتأييد الحزب الشيوعي والقوي الديمقراطية والمستنيرة لحرية الفكر والتعبير والتنظيم استطاع أن يوقف تنفيذ حكم محكمة الردة ، وكان من الممكن وعن طريق النضال الجماهيري الديمقراطي الواسع أن يتمكن الشعب السوداني من مقاومة الدستور الإسلامي المزيف بدون إنقلاب مايو 1969م، كما قاوم قوانين سبتمبر 1983م والتي تحالفت في اصدارها وتأييدها جماعة الترابي التي هللت لاعدام الاستاذ طه ، واستطاع شعب السودان أن يلقي بنميري في مزبلة التاريخ في انتفاضة مارس- ابريل 1985م.وبعد انتفاضة ابريل 1985م ، قاومت كل القوي الديمقراطية والمستنيرة قانون الترابي الذي يفضي الي الدولة الدينية، وتم اسقاطه عن طريق النضال الجماهيري، وتمت محاصرة الجبهة الإسلامية القومية سياسيا وفكريا، حتي شعرت بعزلتها ، ودبرت الانقلاب العسكري علي الديمقراطية الثالثة في البلاد في 30 يونيو 1989م، الذي صادر الحقوق والحريات والديمقراطية وفرض نظاما قمعيا شموليا، اعتقل وشرد وعذب الالاف من المعارضين السياسيين والنقابيين، وتم توسيع الحرب في جنوب السودان بعد التوصل لحل المشكلة بعد إتفاق الميرغني – قرنق، مما ادي لانفصال الجنوب ، ونهب ثروات شعب السودان باسم الدين ، وتوسيع رقعة الحرب لتشمل دارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق وشرق السودان، واطلاق الرصاص علي المظاهرات السلمية للمواطنين والطلاب ، وضد أبناء البجا في شرق السودان، وأبناء كجبار ودال ..الخ، مما أدي الي مقتل العشرات من المواطنين .
علي أنه كان للجمهوريين مساهمات فكرية جيدة خلال فترة ديكتاتورية مايو مثل: كشف زيف لجنة تعديل القوانين بما يتناسب مع الشريعة الإسلامية، كما كشفوا تناقضات بعض القوانين مثل: قانون حظر الخمر ( أنظر علي سبيل المثال: الأخوان الجمهوريون: لجنة تعديل القوانين لن تفلح الا في خلق بلبلة ، ط3، مايو 1978م). كما أسهم الجمهوريون في خلق حركة فكرية ودينية واسعة ضد الاخوان المسلمين والتيارات السلفية الظلامية في الجامعات والمعاهد العليا ، وكانت أساليبهم في العمل: الكتابة في الصحف ، المحاضرات ، عرض الكتب والمناقشة في الساحات والميادين العامة ، أركان النقاش في الجامعات والمعاهد العليا، الطواف علي قري الريف ، كما دعي الأخوان الجمهوريون الي المنابر الحرة ( انظر الأخوان الجمهوريون يدعون الي المنابر الحرة ، ط1، مايو 1976م)، واقترحوا فيها المشاركة بالصفة الفردية لا كممثل لتنظيم ( المنابر الحرة، ص 3)، وحددوا مكانها : الشوارع ، الأماكن العامة ، المعاهد ، المدارس ، الجامعات ، كل المنتديات وكل المجالات. كما أشاروا الي أن القانون وحده هو المسؤول عن تنظيم حرية الرأي وعن حماية حرية الرأي. كما طالبوا النظام القائم بدعم المنابر الحرة ، وطالبوا مجلس الأمن القومي باعادة النظر في قراره بمنع الاستاذ طه وتلاميذه من اقامة المحاضرات والندوات العامة ، لأن هذا القرار ضد المصلحة العامة تماما وهو لايخدم الا الطائفية والسلفية وعناصر التخلف( المنابر الحرة، ص 3-4).
ونلاحظ ضيق مطالبة الجمهوريين هنا ، فكان الأشمل والأوسع المطالبة بالحريات الديمقراطية وحرية التعبير والتنظيم والسماح لنشاط كل الأحزاب والمدارس الفكرية ونشاط قادتها ، وضمان حقها في اقامة الندوات، وليس حصر ذلك في الاستاذ طه فقط ، فلماذا ضَيق الجمهوريون واسعا؟؟!!.
كما نلاحظ ضعف مطلب المشاركة في المنابر العامة بالصفة الفردية لا كممثل لتنظيم. واذا افترضنا أن مجلس الأمن القومي سمح للاستاذ طه باقامة المحاضرات العامة ، هل كان سيمثل نفسه أم يمثل المدرسة الفكرية للجمهوريين أو الأخوان الجمهوريين؟؟!!.
وعند قيام المصالحة الوطنية كان من رأي الجمهوريين " أن الصلح خير بشرط الا تعود الطائفية مرة أخري حتي لاتجهض منجزات ثورة مايو !!" ( أنظر الأخوان الجمهوريون: المصالحة الوطنية – الصلح خير- ط1، 1977م) ، أي أن الجمهوريين لم يصدروا وثيقة شاملة تدافع عن الديمقراطية ، كما فعل الشيوعيون عندما اصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني في اغسطس 1977م وثيقة بعنوان" الديمقراطية مفتاح الحل للأزمة السياسية: جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن"، رفضوا الانقلابات العسكرية كوسيلة للتغيير استنادا الي تجارب انقلاب مايو 1969، وانقلاب يوليو 1971م، وطوروا فيها موقفهم من الديمقراطية ، واكدوا ضرورة الوصول للنظام الوطني الديمقراطي عبر التعددية السياسية والفكرية والديمقراطية ورفضوا الشمولية ونظام الحزب الواحد، وتم تأكيد ذلك في وثائق المؤتمر الخامس للحزب . كما رأي الجمهوريون استمرار الاتحاد الإشتراكي كتنظيم واحد ، وأن المصالحة الوطنية يجب أن تشمل جميع القوي بما فيها الشيوعيين، وهذا موقف غريب اراد فيها الجمهوريون حشر كل القوي السياسية تحت مظلة الحزب الواحد والنظام الشمولي ، وذلك موقف رفضه الشيوعيون.
وخلال فترة ديكتاتورية مايو كان للجمهوريين معارك في ساحات القضاء لخصوها في كتبهم ومنشوراتهم مثل : كتيب النائب العام وقضية بورتسودان ومفترق الطرق ، ط1، 1975م.
وصدرت لهم خمسة كتب حول قضية بورتسودان اضافة لقضية كوستي ، وملخص قضية بورتسودان علي سبيل المثال: أن النائب العام تدخل لمناصرة القضاء الشرعي برفع المادة (105) في وجه الجمهوريين. والقضية هي أن قاضي دوائر الأحوال الشخصية ببورتسودان ابراهيم جاد الله رفع قضية ضد الجمهوريين تحت المادة (105) إثارة الكراهية ضد الحكومة، والمادة( 106) اثارة الكراهية ضد طائفة من الناس ، وذلك بعد أن كان الاتهام في القضية موجها تحت المادة 437 ( القذف)، والمادة (105) كماهو معلوم بعد تعديل القوانين 1974م جاءت علي النحو التالي " كل من يقوم أو يشرع في القيام بأي فعل يؤدي أو يحتمل أن يؤدي الي اثارة معارضة غير مشروعة للحكومة أو إثارة شعور الكراهية أو الاحتقار ضد الدولة أو ضد أي من مؤسساتها الدستورية أو هيئاتها الإدارية أو الأجهزة السياسية في الدولة ، يعاقب بالسجن مدة لاتجاوز ثلاث سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا". وقضية بورتسودان هي القضية التي رفعها الشيخ ابراهيم جاد الله قاضي مديرية البحر الأحمر " دائرة الأحوال الشخصية" ضد الأخوان الجمهوريين المسؤولين عن معرض الفكر الجمهوري الذي اقيم بنادي الخريجين ببورتسودان في ابريل 1974م، ثم اضيف الاستاذ طه الي البلاغ موضوع الاتهام والتهمة الموجهه للجمهوريين هي : اساءة القضاء الشرعي واساءة محكمة الردة.
وانعقدت المحكمة بمدينة بورتسودان في يوم 2/6/ 1975م ، واستمرت حتي 12/6/ 1975م استمعت فيها المحكمة إلي المتحري والشاكي واثنين من شهود الإتهام.
استطاع فيها الجمهوريون تقديم دفاع جيًد ، وكانت المحكمة نفسها أداة للتوعية الدينية والفكرية وحقق فيها الجمهوريون إنتصارا علي الفكر السلفي.
والمحكمة هي استمرار في ظروف الديكتاتورية المايوية لصراع الجمهوريين ضد القضاء الشرعي والفكر الديني السلفي التقليدي ، والذي افضي الي محكمة الردة في فترة الديمقراطية الثانية عام 1968م، ومعلوم أن قرارات محكمة الردة 1968م كانت تتلخص في الآتي:
أ‌- إعلان ردة محمود محمد طه عن الإسلام بما ثبت عليه من الأدلة.
ب‌- حل حزبه لخطورته علي المجتمع الإسلامي.
ت‌- مصادرة كتبه وإغلاق دار حزبه.
ث‌- إصدار بيان للجمهور يوضح رأي العلماء في معتقدات المدعي عليه بعد تطليق زوجته المسلمة منه.
ج‌- عدم السماح لأي من أتباعه التحدث باسم الدين أو تفسير آيات القرآن.
ح‌- مؤاخذة من يعتنق مذهبه بعد ذلك.
خ‌- فصل من كان موظفا ومطاردته.
وأوردت صحيفة " السودان الجديد" بتاريخ: 19/11/1968م، بالعنوان الكبير " المحكمة الشرعية تصدر اول حكم من نوعه في السودان ، ردة محمود محمد طه ، وأمرت بالتوبة عن جميع أقواله"!!.
وجاء في رد الاستاذ طه بعنوان : مهزلة القضاء الشرعي " مايلي:
" أما أمركم بالتوبة عن جميع أقوالي ، فانكم اذل وأخس من أ ن تطمعوا في َ، وما إعلانكم ردتي عن الإسلام ، فما أعلنتم غير جهلكم الشنيع بالاسلام ، وسيري الشعب ذلك مفصلا في حينه ، هل تريدون الحق ايها القضاء الشرعيون؟؟ ، اذن فاسمعوا ؟؟ إنكم آخر من يتحدث عن الإسلام ، فقد افنيتم شبابكم في التمسح باعتاب السلطة والحكام العسكريين ، فاريحوا الإسلام ، وأريحوا الناس من هذه الغثاثة" ( راجع منشور محمود محمد طه : 19/11/1968م).
وربما يري البعض أن محمود محمد طه اشتط في بيانه حين قال: " كان القضاة الشرعيون يلعقون جزم الانجليز " ( المصدر السابق)، ذلك أن فيه تعميم ، فمن القضاة الشرعيين، كان هناك الشرفاء والوطنيون الذين وقفوا ضد الإستعمار ، ولم يأخذوا كسوات شرف، والمقصود في حديث طه هم أقلية من بعض القضاة الشرعيين الذين ربطوا أنفسهم بالدفاع عن الحكم الإستعماري وتبريره دينيا، مثل الذين وقفوا ضد ثوار 1924م باسم الدين ،الذين وصفهم شاعر الثورة بقوله :
الا ياهند قولي وأجيزي رجال الشرع اضحوا كالمعيز
الا ليت اللحي كانت حشيشا فتعلفها خيول الإنجليز.
وايضا المقصود بدقة هم القضاة الشرعيين ورجال الدين الذين دافعوا عن مصالح الحكام الأتراك ، الذين وصفهم الإمام المهدي ب"علماء السوء" ( راجع عبد الله علي ابراهيم: الصراع بين المهدي والعلماء ، 1968م)، وفي الوقت نفسه كان هناك بعض القضاء الشرعيين الذين ساندوا الثورة ضد الحكم التركي، وفي تاريخ السودان الحديث كان هناك بعض القضاة الشرعيين الذين دافعوا عن مصالح الشعب .
علي أن للجمهوريين حجة دامغة توضح أنه ليس من إختصاص المحاكم الشرعية في السودان أن تحكم بكفر أحد أو زندقته أو ردته ، ويستندون في ذلك علي رأي الأستاذ محمد إبراهيم خليل في المحاكم الشرعية علي النحو التالي:
" لعله من المعلوم لدي الناس جميعا أن المحاكم الشرعية في السودان أسست علي قانون المحاكم الشرعية لعام 1902م، وأن إختصاص هذه المحاكم قد حددته المادة السادسة التي تنص علي أن للمحاكم الشرعية الصلاحية في الفصل في :
1- أي مسألة تتعلق بالطلاق والزواج والولاية والعلاقات العائلية بشرط أن يكون الزوج قد عقد علي الشريعة الإسلامية ، أو أن يكون الخصوم من المسلمين.
2- أي مسألة تتعلق بالوقف أو الهبة أو الميراث أو الوصية..الخ.
3- أي مسألة سوي ماذكر في الفقرتين السابقتين ، علي شرط أن تتقدم الأطراف المتنازعة بطلب كتابي ممهور بتوقيعاتهم يلتمسون فيه من المحكمة أن تقضي بينهم مؤكدين أنهم عازمون علي الإلتزام بحكم الشريعة في الأمر المتنازع عليه".(راجع كتاب الجمهوريين الخامس حول قضية بورتسودان ، ص ، 9-10).
وهكذا نصل إلي أنه ليس من إختصاص المحاكم الشرعية في السودان أن تحكم بكفر أحد أو زندقته أو ردته ، وهي حجة دامغة وقوية لصالح الجمهوريين، هذا ناهيك عن الشروط الدقيقة والحذر الشديد في تكفير الآخرين والحكم بردتهم ، ولايجوز تكفير أحد طالما كان يقول " لاله الا الله" ، فمحمود محمد طه مسلم ، وكان يدعو لطريق محمد ، وإلي إجتهاد ومستوي جديد من الإسلام، فالاسلام في جوهره دين الحرية والتسامح ، ويورد العديد من الفقهاء الآيات الكريمة من القرآن التي تدعو إلي الحرية والتسامح مثل:
قال تعالي: " ولو شاء ربك لآ من في الأرض كلهم جميعا ، افانت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين "( يونس: 99).
والآية : " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ، ولايزالون مختلفين الا من رحم ربُك، ولذلك خلقهم " ( هود: 118).
الآية : " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " ( البقرة: 272).
الآية : " لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة: 256).
الآية: " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ( الكهف : 29).
الآية: " فذكر إنما انت مذكر لست عليهم بمسيطر" ( الغاشية: 21،22).
الآية: " يايها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة علي المؤمنين ، اعزة علي الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم" ( المائدة 54).
من كل الآيات السابقة كما يوضح الفقهاء أنها تشير الي التسامح والحرية الدينية اللامحدودة في الإسلام.
أما الحديث " من بدلَ دينه فاقتلوه" ، فهو يتناقض مع الآيات القرآنية المشار اليها اعلاه، ذلك أن القرآن هو الأصل ، فضلا عن أنه حديث آحادي ، ولايؤخذ بالحديث الآحادي في الدماء كما يقول المحققون من المحدثين والفقهاء ( راجع د. صبحي الصالح: الإسلام والمجتمع العصري، دار الآداب بيروت 1977م ، ص 262).
يقول الإمام أحمد بن حنبل: " كنا اذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا ، واذا روينا في الحلال والحرام تشددنا" ، وأي حرام في الإسلام اشد حرمة من قتل الانسان بحديث آحادي؟؟؟!!!.
فتكفير الاستاذ طه أو الحكم عليه بالردة كان كيدا سياسيا ، وبنفس هذا الحكم الخاطئ أ’ عدم الاستاذ طه في يناير 1985م علي يد الطاغية نميري ( راجع بيان الجمهوريين حول قوانين سبتمبر 1983م).،وهو كما ذكرنا كيد سياسي كما حدث للحلاج والسهرودي المقتول ، فالكيد جاء من معارضتهما الحكام ، وليس لآرائهما المعروفة في التصوف الإسلامي. وهناك قول معاوية بن سفيان الشهير " إنني لااحول بين الناس والسنتهم مالم يحولوا بيننا وبين ملكنا".
أي أن الحكام ولأحزاب والطبقات الحاكمة تهمها مصالحها والطبقية والدنيوية ، وعدم اهتزاز حكمها، اكثر مايهمها صحة أو خطأ أقوال الفلاسفة والمفكرين.
خاتمة :
اذا كان طرح الجمهوريين الأساسي والمبدئي هو ضرورة تطوير التشريع الإسلامي من آيات الفروع إلي الأصول ، بحيث يتم تبني الديمقراطية والإشتراكية والحرية السياسية من أصول القرآن، نلاحظ مفارقة الجمهوريين لذلك المبدأ في الممارسة العملية ، عندما أيدوا انقلاب 25مايو 1969م الذي صادر الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية، وشوه مفهوم الإشتراكية عندما تمت مصادرة ممتلكات الناس ونهبها في التأميمات والمصادرة عام 1970م باسم الإشتراكية، ولكن الجمهوريين صمتوا علي جرائم انقلاب مايو في بدايته الذي صادر
الحقوق والحريات الديمقراطية تحت شعارات مختلفة مثل: الاشتراكية والقومية العربية ، كان الانقلاب وبالا علي البلاد فقد فقدت خيرة قادتها استشهادا ودفاعا عن مبادئهم مثل: عبد الخالق محجوب، محمود محمد طه، واسماعيل الأزهري ومحمد احمد المحجوب وغيرهم من العشرات الذين استشهدوا في مقاومة ذلك النظام من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية، كما تم تشريد الالاف من اعمالهم، وتصفية الجيش من خيرة ضباطه بالتشريد والاعتقال والاعدامات، حتي فقد الجيش السوداني تقاليده الراسخة وانضباطه العسكري في تلك الفترة.
كما دمر نظام مايو كل التقاليد السودانية الفاضلة في التسامح واحترام الرأي الآخر، ونشأت في احشاء النظام شريحة رأسمالية طفيلية من المدنيين والعسكريين، وتمكنت تلك الفئة من المحافظة علي وجودها في السلطة وتنمي ثرواتها وأموالها في القطاعات غير الانتاجية، أي النشاط الطفيلي، بالديكتاتورية والقهر والتسبيح بحكم الفرد، ولم تتمكن تلك الفئة الطفيلية أن تبني لها جذور وقواعد سياسية وفكرية في اوساط الجماهير السودانية ، مما يؤكد الطابع الطفيلي والفاسد لتلك الفئة..
كما فرط نظام مايو في استقلال البلاد وفتحها علي مصراعيها أمام اكبر هجمة للمؤسسات الرأسمالية الدولية مثل : صندوق النقد الدولي وتوابعه من الصناديق البترولية، كما فتحها امام السماسرة وشذاذ الآفاق في أكبر عملية نهب شهدتها البلاد، وكانت حصيلتها تدمير الاقتصاد السوداني، ومن خلال التخفيضات المتوالية للجنية السوداني، كما تم تدمير البيئة من خلال السياسات غير المدروسة للتوسع في الزراعة الالية مما أدي للجفاف والتصحر، والمجاعات اضافة لديون بلغت 9 مليار دولار عندما اندلعت انتفاضة مارس – ابريل1985م..
كما شهدت البلاد اكبر عملية تهريب للفائض الاقتصادي(تهريب روؤس الأموال للخارج، بلغت في المتوسط 15 مليار دولار( حوالي 39 مليار جنية سوداني) عام 1985م، والتي هربتها البنوك المحلية والأجنبية. كما فقدت البلاد سيادتها الوطنية واشترك رموز النظام في عملية ترحيل الفلاشا ودفن النفايات النووية..
اكدت تجربة نظام مايو ان الانظمة الديكتاتورية والشمولية مهما بنت من اجهزة قمع وامن وقهر وترسانة من القوانين المقيدة للحريات كما هو الحال في : الأوامر الجمهورية وقانون أمن الدولة وقانون ممارسة الحقوق السياسية 1974م، وتعديلات الدستور في 1975م، قوانين سبتمبر 1983م، لقد كانت أكبر ترسانة من القوانين المقيدة للحريات عرفتها البلاد في تاريخها الحديث منذ بداية الحكم البريطاني – المصري في عام 1898م ، ولكن تلك القوانين لم تحمي النظام، وكان مصيره لزوال في انتفاضة 1985م.
ولم يشعر الجمهوريون بخطورة انقلاب مايو 1969 الابعد إعلان قوانين سبتمبر 1983م ، التي اعلنها النظام بعد هلعه من المد الجماهيري ضده، وبهدف استغلال الدين لتثبيت أركان حكمه، وبعد تحالف النميري مع الجبهة الإسلامية بقيادة الترابي ، التي مكنت لنفسها داخل النظام اقتصاديا عن طريق البنوك الإسلامية مما ادي الي نشؤ الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية داخل احشاء النظام ، والمشاركة في مؤسسات النظام وسعيها الدؤوب لاستلام كل السلطة، في صراعهم داخل السلطة حتي كشفهم نظام نميري في ايامه الأخيرة، وتم اعتقال قادتهم، وتنفيذ قرار محكمة الردة باعدام الاستاذ طه.
أخطأ الجمهوريون عندما صمتوا صمت القبور علي كل جرائم النظام التي أشرنا لها سابقا بحجة أن هذا النظام حائل بين الشعب والطائفية، وبالتالي فان هناك ضرورة للتقويم الناقد لتلك التجربة التي تتناقض مع أصول الفكر الجمهوري ومنها الديمقراطية والاشتراكية والحرية السياسية التي تم استخلاصها من أصول القرآن، مما يعني مفارقة لمبدآ أساسي من مبادئهم.






















الفصل الخامس :
الجمهوريون والمهدية والإخوان المسلمون
سوف نتناول في هذا الفصل آرء الجمهوريين في المهدية والإخوان المسلمين حسب ماورد في منشوراتهم في الفترة تحت الدراسة.
اولا: المهدية أو طائفة الأنصار
تناول الجمهوريون في مؤلفاتهم المهدية أو طائفة الأنصار وانتقدوها في إطار نقدهم للطائفية منذ فجر الحركة الوطنية، ويرون " أن الطائفية كانت ولاتزال هى المعوق الذي يحول بين هذا الشعب وبين أي تقدم يتطلع إليه، بل أكثر من ذلك لن يتم البعث الديني الواعى الا بتحرير هذا الشعب من قبضة الطائفية"( انظر الإخوان الجمهوريون: الصادق المهدى والقيادة الملهمة والحق المقدس!!، ط 6 مايو 1978، ص 3).وينتقدون الصادق المهدى ويرون أنه يحاول إعطاء الطائفية وجها عصريا. وبعد ان يشيرون إلى مؤلفات الصادق المهدى مثل: "يسألونك عن المهدية" ، وأحاديث صحيفة " القبس الكويتية" والصحافة السودانية تأكد للجمهوريين من دراسة هذه المصادر أن الخطر الكبير والماحق ببلادنا إنما يأتي من طموح السيد الصادق، ذلك الطموح الذي ذهب به إلى التفكير والعمل على بعث المهدية من جديد تحت قيادة ملهمة"( نفسه ص 10).
ويرون أن الصادق المهدى نشأ في بيت طائفي وأصبح رئيس وزراء عند بلوغه الثلاثين وعرف لذة الأمر والنهى على حد قول الشاعر:
لقد صبررت عن لذة العيش أنفس
وما صبرت عن لذة النهى والأمر
أي اذا وجدت النفس الفرصة لاشباع ميلها إلى النهى والأمر فإنه يبرز ويعبر عن نفسه ، وهو من خلال هذا التعبير ينمو ويقوى ويستفحل.
ويوردون مثلا لما جاء في كتاب الصادق " يسألونك عن المهدية؟ ص 19 " هؤلاء العمالقة يستجيب الواحد منهم لحاجة جماعية عميقة، ويتحدث بالمنطق السائد في زمانه وبتعبير المعارف المتاحة له الرائجة في ذلك الزمان، ومن صفات هؤلاء العمالقة أن الواحد منهم يفوق أقرانه بثقة مستمدة من يعينه بأنه ملهم".
ويخلصون إلى أن مفتاح شخصية الصادق المهدي هي القيادة الملهمة.
كما يشيرون إلى معالم سلبية في تاريخ حزب الأمة وطائفة الأنصار يمكن تلخيصها في الآتي:
1- إرهاب الطائفية" الأنصار" لرئيس وزراء أكتوبر1964 مما اضطره لتقديم استقالته.
2- وقوف الصادق المهدي وراء حل الحزب الشيوعي عندما اعتبر حكم المحكمة العليا حكما تقريريا، ويوردون كدليل على ذلك ما ماورد في جريدة الرأى العام بتاريخ: 13 /1/ 1967 ما يلي: " تحدث الصادق المهدى رئيس الوزراء في الندوة السياسية التي نقلها التلفزيون والإذاعة عن الأزمة الدستورية، وعن قرار المحكمة العليا، فأكد احترام الحكومة للقضاء في حدود اختصاصه، وقال: إن الجمعية التأسيسية التي تملك الحق في وضع الدستور الدائم للبلاد تملك الحق أيضا في تعديل الدستور المؤقت، وأشار إلى أن الحكومة غير ملزمة بأن تأخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستورية، ولكنها ستسير في إجراءاتها التي اتخذتها، وهي تقديم استئنافها إلى محكمة الاستئناف العليا".
ويرون أن في ذلك تحقيرا للقضاء مما أدي إلى خلق أزمة حادة بين الحكومة والقضاء.
3- الطائفية تقوم على الانقياد الأعمى والتسليم التام لزعماء الطائفية، أي التصويت بالاشارة.
4- إخلاء دائرة انتخابية للصادق بعد بلوغه سن الثلاثين، جاء في جريدة "السودان الجديد" الصادرة بتاريخ: 7/2/ 1966 تحت عنوان " الصادق للجمعية التأسيسية" قولها: (علمت "السودان الجديد" أن السيد بشرى حامد عضو الجمعية التأسيسية عن الدائرة 62 كوستي سيتقدم باستقالته من الجمعية وعلمت السودان الجديد أن السيد بشرى حامد سيتخلى عن هذه الدائرة ليترشح فيها السيد الصادق المهدى رئيس حزب الأمة وفقا لاتفاق سابق مع حزب الأمة).
وقد جاء في جريدة " العلم" الصادرة بتاريخ: 17 /3/1966 تحت عنوان " الصادق يفوز بالتزكية قولها " فاز السيد الصادق المهدى رئيس حزب الأمة بالتزكية في دائرة كوستي 62 والتي قُفل الترشيح ظهر أمس، وربما أدي الصادق القسم بالجمعية التأسيسة خلال الاسبوع القادم".
ويرون أن في ذلك امتهان للنائب المستقيل واحتقار للناخبين.
5- انقسام حزب الأمة جناح الصادق وجناح الهادى وتحالف الصادق مع الإخوان المسلمين ومع حزب سانو تحت إسم " مؤتمر القوى الجديدة".
6- بعد سقوط الصادق في دائرته الإنتخابية وفاز مرشح جناح الهادى، أي بعد فقدان وزنه الطائفي وعى الدرس وعاد إلى عمه فتّوحد مع حزب الأمة، وتقرر إخلاء دائرة إنتخابية ليفوز فيها الصادق، وقد نُشر نبأ هذا القرار بجريدة الصحافة الصادرة بتاريخ: 1 ديسمبر 1968 ، وهذا هو نصه" في نبأ ل و. أ.م أن حزب الأمة قد انخذ قرارا بأن يصبح السيد الصادق المهدى رئيس الحزب عضوا في الجمعية التأسيسية، وأضافت الوكالة أن السيد حماد صالح أحمد نائب الدائرة 188 (العجائرة) قد تقرر أن يتقدم باستقالته من الجمعية في الأسابيع المقبلة حتى تُخلى دائرته للسيد الصادق".
كما ورد في جريدة الرأى العام الصادرة يوم 9 /7 / 1966 العنوان " الاسبوع القادم يشهد إستقالة المحجوب وتكوين حكومة الصادق، ثم تحت العنوان جاء" قرر المكتب السياسي لحزب الأمة أن يجتمع يوميا حتى تنهى الأزمة التي لازمت الحزب لعدة أسابيع.
وقد انتهت تلك الأزمة بإسقاط حكومة السيد محمد أحمد محجوب وإنتخاب الصادق المهدى رئيسا للوزارة وهو في سن الثلاثين، وكان هذا أول منصب يتولاه إذا استثنينا الأشهر التي قضاها بوزارة المالية قبل انقلاب نوفمبر 1958، ولقد تسبب في إسقاط حكومة محمد أحمد محجوب بعد شهر واحد تقريبا من دخول الجمعية التأسيسية، ولقد جاء في مضابط جلسات هذه الجمعية مايلي:
الدورة الأولى – الجلسة رقم 85 الخميس: 23 / 6 / 1966 أدي السيد الصادق المهدى القسم كنائب في البرلمان ، ثم جاء أيضا في الدورة الأولى الجلسة رقم 103 الأربعاء 27 / 7 / 1966 أُنتخب السيد الصادق المهدي رئيسا للوزارة.
7- كما يلاحظ الجمهوريون التدهور الاقتصادي تحت حكومة السيد الصادق مما اضطر الدولة لاستيراد الذرة من الخارج، أوردت جريدة الرأى العام بتاريخ 15 / 11 / 1966 نبأ استيراد 300 طن ذرة.
8 – ويلاحظ الجمهوريون أيضا أن الصادق المهدى كان من الذين دبروا محكمة الردة للأستاذ محمود محمد طه، جاء في جريدة أنباء السودان الصادرة بتاريخ: 29 / 11/ 1968 ما نصه: " علق السيد الصادق المهدى على آراء الأستاذ محمود محمد طه الأخيرة بقوله: " إن أفكار رئيس الحزب الجمهوري خارجة عن نطاق الدين والشريعة الإسلامية، وإن التفكك والانحراف الذي تعيشه بلادنا هو الذي سهل من قبل لدعاوى الكفر والالحاد أن تنتعش، وإذا أردنا حقا القضاء على الردة والالحاد فيجب أن نسعى جميعا لإقامة دولة الإسلام الصحيحة وأضاف السيد الصادق المهدي بأن الوضع الحالي كله خارج الشريعة الإسلامية، وهذا ما مهد قبلا لإعلان مثل هذه الأفكار والدعاوى الغريبة دون أن تجد من يردعها".
ويرون أن مقاومة الجمهوريين للدستور الإسلامي المزيف هى التي أدت لقيام محمكمة الردة.
وبعد وحدة جناحي حزب الأمة جاء في جريدة الصحافة عدد 13 / 4/ 1969 " 1- حزب الأمة حزب عصرى ديمقراطي مفتوح لكل السودانيين،ويكون ملء المناصب القيادية فيه بالانتخاب. 2- بالنظر لزعامة الإمام الهادى في الحزب والبلاد، فإنه هو المرشح الوحيد لحزب الأمة لرئاسة الجمهورية، وينتقد الجمهوريون الدستور الإسلامي المزيف ويصفون ذلك بمؤامرة الدستور الإسلامي المزيف وهو دستور دعا له : جبهة الميثاق، الطائفية، أنصار السنة، الفقهاء.
بعد انقلاب 25 مايو 1969 نلاحظ أن الجمهوريين استخدموا تعبير ثورة والصحيح أنها انقلاب عسكري، يشير الجمهوريون إلى دور الطائفية في أحداث الجزيرة أبا وأحداث شعبان 1973، ومحاولة تدبير انقلاب سبتمبر 1975 ، وتدبير الصادق المهدى مع أحزاب الجبهة الوطنية لمحاولة الغزو من الخارج عام 1976.
كما يشيرون إلى رغبة الصادق المهدي في الحزب الواحد، ويوردون حديثه لجريدة القبس " أما الآن فموضوع عدم الرغبة في التفرق الحزبي والحرص على ايجاد وعاء قومي ديمقراطي لتوجيه الإرادة السياسية هو محل انفاق كل الأطراف.
10 – كما يشيرون إلى دور حزب الأمة في أحداث مارس 1954، كما جاء في جريدة الرأى العام عدد 2 / 3/ 1954 على النحو النالي: " 22 قتيلا بينهم قمندان وحكمدار البوليس : تمخضت المجزرة الدامية عن 22 قتيلا و 217 جريحا، وقد وُزع الجرحى على المستشفيات فأُرسل 33 منهم إلى مستشفي النهر وقد بلغ عددهم تسعين جريحا منهم ثلاثون باصابات بليغة وستون باصابات طفيفة وأُرسل اثنا عشر جريحا إلى المستشفى الإنجليزي، وأودع مستشفي الخرطوم سبعة وعشرون جريحا من أفراد الجمهور وجميعهم أُصيبوا اصابات بالغة تحتاج إلى إجراء عمليات جراحية".
وكان من ضمن من قتل من المدنيين الشاب ابو القاسم ميرغنى الذي تخرج قبل إسبوع من مدرسة الحقوق بكلية الخرطوم الجامعية.
وكان من حق النائب العام البريطاني، حسب اتفاق القاهرة أن يُعلن الأحكام العرفية وأن يوقف كل تطورات البلاد الدستورية، ومع ذلك يلاحظون أن الصادق المهدى يمجد أحداث مارس 1954 وأحداث الجزير أبا وودنوباوى.
11 – ويورد الجمهوريون أن حكومة الصادق المهدى ولأول مرة في تاريخ السودان تستورد الذرة من الهند، وهذاا ليس صحيحا، فقد كانت هناك مجاعة عام 1914 التي اضطرت فيها الحكونة الانجليزية استيراد الذرة من الهند.
12- يوردون حل الصادق لمشكلة الجنوب، إن أول حلوله لمشكلة الجنوب التي طرحها أمام الجمعية التاسيسية يوم 10 / 8 / 1966 هو " مضاعفة الجهد لتحقيق الأمن والنظام في المديريات الجنوبية وذلك بالقضاء على حركة التمرد!!".
كما ركز الجمهوريون على التوعية السياسية والدينية الشاملة باعتبار ذلك هو الخلاص من الطائفية.
ثانيا : الجمهوريون والإخوان المسلمون
شكل الإخوان المسلمون في فكرهم وممارساتهم وأخطائهم مادة خصبة لنقد الجمهوريين ، وصدر للإخوان الجمهوريين كتاب من جزءين، ج1 ط1 1978، وج2 ط2 1978 بعنوان " هؤلاء هم الإخوان المسلمون"، ويتلخص نقد الجمهوريين للإخوان المسلمين في النقاط التالية:
1 – يقدمون صورة خاطئة للفهم الديني، ويسعون لاحراز السلطة لغرض هذا الفهم الخاطئ على المجتمع.
2- الدعوة إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي لاتصلح لظروف القرن العشرين.
3- أسلوب الإخوان المسلمين هو العنف والإرهاب والإثارة بهدف الوصول إلى السلطة.
4 – عجز الإخوان المسلمين تماما عن استنباط الحلول العلمية لمشكلات الحياة المعاصرة من الشريعة الإسلامية الموروثة.
ويرى الجمهوريون أن الحل في الشريعة الجديدة.
5- الإخوان المسلمون يتفادون صياغة رأي محدد في القضايا التفصيلية وفي كيفية تطبيق الشريعة الإسلامية، ويوردون حديث سيد قطب " إن السؤال عن تفاصيل دعوتهم إنما هو لاحراج دعاتها".
6- يدعون للجهاد بالسيف والعنف في حين أن الجهاد الأكبر هو كسب العقول والقلوب بالاقناع والحكمة والموعظة الحسنة وضرب المثل والاسماح والسلام ، وأشكال العمل التي تغذي العنف هي:
- المشاركة في بعض الأعمال العسكرية (حرب فلسطين، حرب السويس. الخ).
- الصراع بينهم وبين الحكومات.
- محاولات الإرهاب والإغتيال للخصوم السياسيين.
- الأحاديث الإنشائية والحماسية.
- الإهتمام بالأعمال العسكرية التي تعدهم لأعمال العنف " الروج العسكرية"، الأسرة، الكتيبة، الفرق العسكرية، "الجوالة"، "الكتائب".
- تنظيمات فدائية، نظام خاص " تنظيم سري".
- الييعة وهي قسم الولاء الذي يؤديه الإخوان المسلمون، يصبح الجهاد في سبيل الله هو الجهاد في سبيل دعوتهم.
ويوردون ما ذكره رفعت السعيد في كتابه حسن البنا، متى؟ ،كيف؟، ولماذا؟ ص 52 نص البيعة كما يلي: " أعاهد الله العلى العظيم على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها والسمع والطاعة في المنشط والمكره وأقسم بالله العظيم على ذلك، وأبايع عليه والله علة ما اقول وكيل"
اذن البيعة هى بيعة ولاء لتنظيم الإخوان المسلمين وليس للإسلام ، وهى بيعة غير مشروطة يكون المبايع ملتزما بحرفية هذه البيعة، وإن حادت الدعوة عن مبادئ الإسلام، مما يحعله مطيعا لقائده إن كانت مؤامرة وتوجيهات عذا القائد مفارقة للدين.
ويرى الجمهوريون أن البيعة في العهد الأول، إنما كانت تقوم على الطاعة في المعروف، وليست على الطاعة المطلقة الآلية" يأيها التبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لايشركن بالله شيئا ولايسرقن ولايزنين ولايقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين ايديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن إن الله غفور رحيم".
ولقد سار على هذه البيعة ابوبكر حينما ولى أمر المسلمين فقال: " لقد وُليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فاعينوتي، وإن رأيتموني على باطل فسددوني!!، اطيعوني ما اطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لى عليكم !! ". هذه هى شروط البيعة في الإسلام – إلتزام من جانب البيعة على طاعة الله ( هؤلاء هم الإخوان المسلمون، ج1 ص 37- 38).
7 – ويرى الجمهوريون أن الشورى ليست ديمقراطية حكم الشورى هو حكم الفرد الرشيد الوصى على قوم قُصّر. والشورى ليست ديمقراطية لأن الوصى ليس ملزما باتباع رأى القاصر، وإذا رأى رأيا يخالفه فالشورى مشاورة تملك حق المخالفة، وماهكذا الديمقراطية، فإن الحكم الديمقراطي يقتضي الالتزام برأى الأغلبية وآية الشورى هى: " فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين".
وعند الجمهوريين آية الديمقراطية هى " فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر".
ولايعرف الإخوان المسلمون مفهوم الديمقراطية أو الاشتراكية في الإسلام، كما أن الشورى ليست ملزمة للمرشد العام، وللمرشد أن يأخذ برأى المكتب ويجوز له أن يخالفه.
8- ويرى الجمهوريون أن رأى الإخوان المسلمين في حقوق غير المسلمين الذي يقوم على الجزية التي هى حالة مهانة " عن يد وهم صاغرون"، بعكس الزكاة التي هى حالة المسلمين حالة كرامة لا يتناسب مع العصر.
كما يرون أن الزكاة تعبر عن التفاوت بين الناس الآية" ويسألونك ماذا ينفقون؟؟، قل العفو!!". قال النبي (ص) " الصدقة أوساخ الناس وهى لاتجوز لمحمد ولا لآل محمد"
ويرى الجمهوريون تطوير التشريع في مجال الاقتصاد والزكاة الصغرى التي كانت على الأمة" الشريعة"، أي الزكاة الكبرى التي كان عليها النبي الكريم " السنة"، غير أن الزكاة الكبرى – انفاق العفو – إنما يتم تطبيقها الجماعي عن طريق الإجراءات الاشتراكية التي تحرّم ملكية وسائل الإنتاج على الأفراد ويضع حدا أعلى وحدا أدنى للدخول لا يتفاوتان تفاوتا يؤدي إلي الطبقية في المجتمع ( المرجع السابق، 54- 55).
9 – ويرى الجمهوريون أن الإخوان المسلمين يهدفون إلى إقامة نظام رأسمالي يقوم على الزكاة وتنظيم الضرائب ، ويرى الجمهوريون أن الملكية الفردية ليست غريزة، بل الغريزة هى الحياة." ولو كانت الملكية الفردية غريزة تساير الفطرة لكانت أولى بأن تكون سنة النبي الكريم وهو صاحب الفطرة السوية، فهو لم يكن يملك مايزيد عن حاجته الحاضرة للحظة" ( نفسه، ص 58). وهم في ذلك يردون على سيد قطب الذي يقول " وتقرير حق الملكية الفردية يحقق العدالة بين الجهد والجزاء، فوق مسايرته للفطرة واتفاقه مع الميول الأصلية في النفس البشرية"( سيد قطب ، العدالة الاجتماعية في الإسلام، ص 112).
ويحدد الأستاذ سيد قطب عشرة من مبادين التملك الفردي ومنها" ملكية السلب – على حد تعبيره – إذ يقول " سابقا الغزو وينشأ عنه ملكية السلب وهو كل ما مع القتيل المشرك الذي يقتله مسلم" ( نفسه، ص 124).
وعند الجمهوريين أن الزائد عن حاجتنا من دخلنا ليس هو ملكنا، وإنما هوملك من يحتاجونه في اللحظة الحاضرة"( هؤلاء هم الإخوان المسامين، ج1 ص 59).
والادخار عندهم هو – إنما هو نقص في قولنا " لا له الا الله" هو استجابة للخوف الذي أملى علينا سوء الظن بالله " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ، يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا ، وما يذكر الا اولو الألباب". وعند الجمهوريين الفحشاء بمعنى البخل " الإدخار".
ويلاحظ الجمهوريون أن الإخوان المسامين يدافعون عن النفاوت في الأرزاق ويعتبرونه الصورة المثلى للعدل التي يرضى عنها الإسلام، يقول الأستاذ سيد قطب" لا يفرض الإسلام إذن المساواة الحرفية في المال لأن تحصيل المال تابع لاستعدادات ليست متساوية فالعدل المطلق يقتضى أن تتفاوت الأرزاق وأن يفضل بعض الناس بعضا فيها".( سيد قطب المرجع السابق، ص 32).
ويستند الإخوان المسلمون على الآيات" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولاتبسطها كل البسط وتقعد ملوما نحسورا"، والاية " والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فُضلوا برادى رزقهم على من ملكت إيمانهم فهم فيه سواء إفبنعمة الله يحجدون".
والجمهوريون يعالجون الموضوع في مستوى صوفي راقى ينبذ زينة الحياة الدنيا ونيل النصيب الأكبر من الحكمة.
10 – يلاحظ الجمهوريون أن الإخوان المسلمين في السودان رغم حديثهم عن الشريعة والحجاب ومنع اختلاط الرجال مع النساء ومنع حق المرأة في المناصب الرئيسية في الدولة، رغم كل ذلك فإنهم يتراجعون عن ذلك ويسمحون بالاتي:
أ – ممارسة الاختلاط في معاهد العلم والمكاتب وفي المجالات السياسية.
ب – إعطاء المرأة حق التصويت وحق الترشيح على قدم المساواة مع الرجل في الإنتخابات بعد ثورة أكتوبر 1964. ويلاحظون تناقض ممارساتهم السياسية مع مبادئهم حول "قوامة الرجال على النساء"، والآيات القرآنية الواضحة" وقرن في بيوتكن ولا تتبرجن تبرج الجاهلية الأولى " ، والآية" ةإذا سألتموهن متاعا فأسألوهن من وراء حجاب".
الآية " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعضهم وبما انفقوا من أموالهم والصالحات قاننات حافظات للغيب، بما حفظ الله واللائي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجرونهن في المضاجع واضربوهن فإن اأطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليما كبيرا"
الآية" واللائي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة شهداء فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن االموت أو يجعل الله لهن سبيلا".
والفاحشة طرف من الزنا إن لم تبلغ مستوى الزنا ومع ذلك دفع الإخوان المسلمون لمرشحتهم ثريا أمبابي إلى دائرة الخريجين في إنتخابات الجمعية التأسيسية ، وظلوا يرشحون الأخوات المسلمات لعضوية إتحاد طلاب جامعة الخرطوم !!، والأخوات المسلمات أصبحن عضوات في المجلس الأربعيني للاتحاد وعضوات في اللجنة التنفيذية، وبدأت تظهر صورهن بعد ان كان يرد الإسم بدون صور للمرشحات.
11 – لايرى الجمهوريون أن الأخ المسلم تتوفر فيه خصائص الداعى التي عندهم كالآتي:
ا – استسلام راضى بالإرادة الإلهية من غير اعتراض عليها لا في السر ولا في العلن.
ب – عزوف عن شهوة السيطرة على الآخرين.
ج – عزوف عن شهوة التملك.
د – عدم السعى للسلطان أو تملق السلاطين.
ه – يقتنع بعيشة الكفاف بسد حاجته الماثلة. ثم تنعكس هذه الحرية الداخلية على فكره صفاءً وعلى قلبه سلاما، فينفذ بفضل الله، ثم يفضل كل أولئك إلى معرفة حقائق الدين، فيستنبط منها الحلول لمشاكل الحياة المعاصرة عن وعى عميق بهذه المشاكل( هؤلاء هم الإخوان المسلمون، ص 71).
12 – ويلاحظ الجمهوريون استعلاء الإخوان المسلمين الذي هو من استعلاء الإيمان والذي يقوم على الطاعة المطلقة للمرشد ومن التعاليم التي يتلقاها الإخوان المسلمين من مرشديهم التي تعمق فيهم روح الوصاية والاستعلاء على كافة الناس ممن لا ينضون تحت لواء تنظيمهم، فالاخ المسلم ولو كان عمره في التنظيم لا يعدو الأيام القليلة، إنما يوجه ليشعر بكمال دينه وبنقصان دين الآخرين. ومن ثم بروح الاستعلاء عليهم ويسمى الأستاذ سيد قطب ذلك استعلاء الإيمان ويفرد له بابا كاملا بهذا الإسم في كتابه "معالم في الطريق". ويرى الجمهوريون في ذلك استخفاف بالمجتمع والجرأة على الكبار، وصرف النظر عن العيوب الذاتية، وتسويغ للعنف والإرهاب والإثارة، ويوردون توجيه الشيخ حسن البنا إلى الإخوان المسلمين الذي جاء فيه ما يلي: " نحن أيها الناس ولافخر أصحاب رسول الله(ص) وحملة رايته من بعده، ورافعوا لوائه كما رفعوه وناشروا لوائه كما نشروه ، وحافظوا قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته منا بشروا، ورحمة للعالمين ولتعلمن نبأي بعد حين". " أيها الإخوان هذه منزلتكم، فلا تصغروا من أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم".
هكذا كما يلاحظ الجمهوريون – يضع الشيخ حسن البنا أعضاء تنظيمه في منزلة أبي بكر وعمر وعثمان وعلى.
13 – كما يلاحظ الجمهوريون – أن السلطة عند الإخوان المسلمين مقدمةعلى التربية، فهم يرون أن تفاصيل الفكرة الإسلامية أمر يجئ الاهتمام به بعد الاستيلاء على السلطة، معتمدين في ذلك على فهم خاطئ لهذه القولة الحكيمة" إن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن".
ويستند الجمهوريون على مؤلفات حسن البنا مثل" مذكرات الدعوة والداهية"، ود. رفعت السعيد" حسن البنا كيف؟، ومتى ؟ ولماذا؟، ود. رؤوف شلبي " الشيخ حسن البنا ومدرسته"، ومؤلفات محمد قطب وسيد قطب، مؤلفات حسن العشماوى، وإيراد أمثلة كثيرة لميل الإخوان المسلمين إلى العنف ونتائجه في محاولة إغتيال الخازنداروالنقراشي ، ومحاولة إغتيال عبد الناصر، وتكوين فرق الجوالة والجهاز السري وتسليحه واستخدام آساليب الإثارة وحفلات التكريم واستغلال الدين للأغراض السياسية.
ولا يتورعون عن استلام المبالغ من مدير شركة القنال " البارون ديوا" – ملغ 500 جنية وموقفهم حول تحريم التماثيل.
14 – كما يورود الجمهوريون أمثلة لممارسات تنظيم الإخوان في السودان والتي تتلخص في الآتي:
أ – موقفهم الموالي لمدبري انقلاب 17 نزفمبر مما أدي لاستقالة الرشيد الطاهر.
ب – بعد أكتوبر تحالف الإخوان المسلمون " جبهة الميثاق" مع الأحزاب الطائفية في الجبهة القومية للهيئات.
ج – دورهم في حل الحزب الشيوعي وتقويض الدستور والديمقراطية ومحكمة الردة للأستاذ محمود محمد طه .
د – ادخال العنف في الحياة السياسية وآساليب الإرهاب والإثارة.
ملاحظات على نقد الجمهوريين للإخوان المسلمين
مع انفاقنا مع ماورد أعلاه حول خطأ منهج الإخوان المسلمين وممارساتهم التي قادت لكوارث كثيرة ، والتي تقوم على العنف الإرهاب والاستعلاء والإثارة، وعدم الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، لاشك أن العنف يولد العنف والإرهاب يولد الإرهاب ، وتكون النتيجة دمار للمجتمع وإغتيال لحربة الفكر والتعبير التي هي الشرط للتقدم وازدهار.
عرض الجمهوريين كما وورد في مصادر الإخوان ورصد لممارساتهم هو صحيح، لكنه وصفي، ولا يغوص في الكشف عن الجذور العميقة السياسية والاقتصادية والطبقية لنشؤ ظاهرة الإخوان المسلمين ونموها السرطاني، فهي ظاهرة ليست جديدة، مع اختلاف الشكل، فقد شهدت المجتمعات الغربية مثل : ايطاليا والمانيا الفاشية والنازية على التوالى، التي عبرت عن مصالح القوى الطبقية اليمينية المتطرفة المعادية للشيوعية، وكان منهجها أيضا العنف والإرهاب والإثارة والاستعلاء والتعصب القوني والعرقي، وإلغاء التعددية السياسية والفكرية وهيمنة الدولة المطلقة على المجتمع وعسكرته ، وإتشاء فرق الجوالة وشحن الشباب بشحنات كبيرة من العواطف الوطنية والقومية، وكان من نتائج الفاشية والنازية حرب عالمية ثانية أحدثت دمارا كبيرا.
في ايطاليا أخذت شكل القومية الايطالية " ايطاليا فوق الجميع"، وفي ألمانيا ـ أخذت شكل استعلاء الجنس الآري فوق الجميع.
ومعلوم أن حسن البنا في بدايات تكوينه تأثر بالنظم العسكرية للنازية والفاشية وأعجب بها، اذن ظاهرة الإخوان نتيجة تفاعل لعوامل داخلية وخارجية.
هذا إضافة للنظم الديكتاتورية التي ساعدت في نمو ظاهرة الإخوان المسلمين مثل: ديكتاتورية عبود ودكتاتورية النميري التي صادرت الحريات الديمقراطية ، اضافة لتحالف الطائفية معهم بعد ثورة أكتوبر 1964 وتغلغلهم في التعليم لدرجة كان من المقررات في المدارس كتاب محمد قطب " شبهات حول الإسلام"، مما يفرض المواجهة العميقة لهذا الداء واقتلاعه فكريا من المجتمع، وغرس قيم الحرية والديمقراطية والعقلانية والتسامح في الأجيال الجديدة والتربية الفكرية والدينية السليمة.





الفصل السادس:
مصادر الفكر الجمهوري
من القضايا التي اهتميت بها في دراسة الفكر الجمهوري هي: مسألة مصادر الفكر الجمهوري، ومعلوم أن اي فكر أو نظرية لابد أن تستند علي التراكم المعرفي السابق، وبعد الدراسة النقدية للتراث السابق يتم اضافة الجديد.
علي سبيل عندما أسس ماركس نظريته عن تطور المجتمع تناول بالدراسة والنقد منجزات الفكر الفلسفي والاقتصادي والاشتراكي السابق الذي تطور في : الفلسفة الألمانية " ديالكتيك هيغل ومادية فورباخ ..الخ، ومنجزات الاقتصاد السياسي في انجلترا الذي تطور علي يد: آدم سميث ، وريكاردو..الخ، ومنجزات الفكر الاشتراكي الخيالي الذي تطور في فرنسا علي يد :فورييه وأوين..الخ، وكانت حصيلة الدراسة النقدية: اكتشاف المفهوم المادي للتاريخ الذي أوضحه في مؤلفه " الايديولوجية الألمانية" ، واكتشاف سر الاستغلال الرأسمالي الذي تجلي في نظرية فائض القيمة التي اوضحها في مؤلفه " الرأسمال" الذي يحمل عنوانا فرعيا" نقد الاقتصادي السياسي البورجوازي".
علي أنه عند دراسة الفكر الجمهوري لاتجد إشارة واضحة للمصادر المعرفية للفكر الجمهوري ،وسوف نتناول في هذا البحث مصادر الفكر الجمهوري التي تم استخلاصها من مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه ، فماهي مصادر الفكر الجمهوري؟؟.
يمكن أن نستخلص مصادر الفكر الجمهوري كما وردت في مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه علي النحو التالي:
1- القرآن والسنة والفقه والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بشكل عام، وفي الإسلام يشكل التصوف الإسلامي مصدرا مهما من مصادر الفكر الجمهوري.
2- الفكر الإنساني أو التراث البشري ، كما يرد في مؤلفات الجمهوريين حيث يقولون أن مقياسهم " لاإله الا الله " وأخذ الصالح من التراث البشري ونبذ الطالح.
التصوف الإسلامي:
في مؤلفات محمود محمد طه نجد استشهادات مختلفة في أماكن مختلفة لأقطاب التصوف الإسلامي مثل : العارف الجنيد ، وأبو عطاء السكندري ، ابن عربي ..الخ. فمثلا يورد طه الأمثلة التالية :
قال سلطان العاشقين ابن الفارض :
زدني بفرط الحسن فيك تحيرا
وأرحم حشي بلظي هواك تسعرا
كما يورد حكمة لإبن عطاء السكندري :
" رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا"( محمود محمد طه: القرآن ومصطفي محمود والفهم العصري، مطبعة مصر سودان ليمتد يناير 1971م ، ص 107").
كما يورد للعارف النابلسي :
وخلق حجاب الكون ماانت طالب
ومن لفظه المقهور يلزم قاهر ( نفسه ص 13).
ويورد للصوفي محي الدين بن عربي :
دخلوا فقراء علي الدنيا
وكما دخلوا منها خرجوا ( نفسه ص 124).
ويورد لابن يزيد البسطامي : روي أن أبا يزيد البسطامي قال: " الزهد عندي ليس بشئ ، فقد مكثت فيه ثلاثة أيام ، ففي اليوم الأول زهدت في الدنيا ، وفي اليوم الثاني زهدت في الآخرة ، وفي اليوم الثالث زهدت في كل ماسوي الله ، فقيل لي ماتريد؟؟ : فقلت أريد الا أريد..".
كما يورد حكمة أخري لإبن عطاء السكندري " ترحل من كون الي كون كحمار الرحي ، المكان الذي انتقل منه هو المكان الذي يصل اليه، ولكن انتقل من الأكوان الي المكون" ( نفسه ص 155).
ويشير الي قول العارف النابلسي : " لم تكن بالله قائم ، لم تكن بل أنت هو " ( نفسه ص 186).
كما يشير الي قول ابو القاسم الجنيد:
تظهر بماء الغيب إن كنت ذا سر
والا تيمم بالصعيد وبالصخر
وقدم اماما كنت أنت امامه
وصل صلاة الفجر في أول العصر
فتلك صلاة العارفين بربهم
فان كنت منهم فانضح البر بالبحر ( نفسه ص 200).
ويلخص طه منهج الصوفية في المعرفة علي النحو التالي: " وجل ما أريد هو أن يأخذ الناس – كل الناس- أنفسهم بالسير خلف المعصوم في إتقان وتجويد لتقليده في اسلوب عبادته وفيما يطيقون من أسلوب عادته حتي يأخذوا من سمت هذه الحياة الخصبة ، المهتدية الهادية ، مفتاح مغاليق القرآن ، فيتهيأوا لذلك للأخذ من الله كفاحا ، ويكون سبيلهم الي صفاء عقولهم والي سلامة عقولهم ، فتتم لهم بذلك الحياة الكاملة حياة الفكر والشعور " ( نفسه ص 212).
كما أن منهج الصوفية في وحدة الوجود والكون نجده واضحا في منهج طه وفي دعواته مثل : وحدة التعليم المدني والديني ، وحدة القضاء الشرعي والمدني ، وحدة المجتمع البشري، وحدة الدين وتطوره في سلم سباعي يبدأ بالاسلام البدائي، الايمان، الاحسان، علم اليقين ، علم عين اليقين ، ثم علم حق اليقين، ثم الإسلام.
كما يتحدث طه عن طريق لولبي ، كلما أتم دورة منه ، دخل في دورة جديدة هي الطف من سابقتها ، وهكذا دواليك ، فهو يحدد علمه وحياته كل حين متخلقا في ذلك بأخلاق الله تبارك وتعالي " كل يوم هو في شأن".
ومنهج الصوفيه ايضا نجده عند طه الذي يتسم بالتواضع وعدم الرضي عن النفس يقول طه " الراضي عن نفسه لايري ضرورة للتغير" .
وعند طه : التقليد ليس غاية في ذاته ، وأنما هو هو وسيله الي الأصالة يقول طه " إن التقليد ليس غاية في ذاته ، وانما هو وسيلة الي الأصالة، وعند الأصالة تزول واسطة النبي من بيننا وبين ربنا ، وذلك لكمال تبليغه ، ويرفع بزوالها عنا الحجاب الأعظم ، ونأخذ من الله بلا واسطة، ويكون الله هو معلمنا اللدني"( نفسه ، ص 33).
وهذا يشير بوضوح الي منهج الصوفيه ، كما سنوضح لاحقا ، ومع ذلك يحاول طه أن يصور للقراء بأن قوله صحيح وحق بشكل مطلق ، ولم يقل به أحد من الأمة ، يقول طه " أما بعد ، فان هذا القول غريب ، ولم يقل به أحد من الأمة من لدن نزول القرآن والي اليوم ، ولكنه صحيح ، وهو حق ، بل ليس غيره حق اليوم " ( نفسه ص 36).
هذا علما بأن مفاهيم مثل " وحدة الوجود" و"الإنسان الكامل" الذي يتلقي عن الله مباشرة ودون واسطة نتيجة للمجاهدة والكشف وردت في مؤلفات مشاهير الصوفية مثل : ابن عربي ، والحلاج ، والسهروردي المقتول..الخ.
بل حتي مفاهيم مثل سقوط التكاليف الشرعية من أقطاب التصوف نجدها من أركان الفكر الصوفي علي مستواه الفلسفي ، كما ورد عند ذي النون المصري ، والحلاج ، وابن الفارض ، والجنيد...الخ.
علي أن طه يدعي بأن ما أورده هو " حق بل ليس غيره حق اليوم" ، أي أنه صاحب الحق الوحيد ، أو صاحب الحقيقة المطلقة . وهذا الحديث يتعارض مع مفهوم متقدم لابن عربي الصوفي المسلم الذي قال:
لقد صار قلبي قابلا كل صورة .
فمرعي لغزلان ودير لرهبان
وبيت لاوثان .. وكعبة طائف
والواح توراة ومصحف قرآن
ادين بدين الحب أني توجهت ركائبه
فالحب ديني وايماني
فابن عربي هنا لايدعي أنه صاحب الحق الوحيد ، بل أن قلبه اصبح قابلا كل صورة ، أي يقبل الوجود من خلال التعدد والتنوع ، وهو مستوي راقي من التسامح.
وترجع جذور الزهد والتصوف الي عهد النبي ( ص) والخلفاء الراشدين ، يقول الباحث نيكلسون " وجدت في القرن الأول في الإسلام العوامل الكثيرة التي شجعت علي ظهور الزهد وانتشاره ، كالحروب الأهلية الطويلة التي وقعت في عهد الصحابة وبني أمية ، والتطرف العنيف في الأحزاب السياسية وإزدياد التراخي في المسائل الأخلاقية، وماعاناه المسلمون من عسف الحكام المستبدين" ( رينولد الن نيكلسون: ي التصوف الإسلامي ، ترجمة ابو العلا عفيفي ، القاهرة 1947م ، ص 47).
كما يورد المسعودي في كتابه " مروج الذهب.." أمثلة مختلفة للصحابة من حيث الغني الثروة وجمع الاموال، ومن حيث الزهد في الدنيا، يقول عن عثمان بن عفان مايلي: " وكان عثمان غاية في الجود والكرم والسماحة والبذل القريب والبعيد ، فسلك عماله وكثير من أهل عصرهوطريقته ، وتآسوا به في فعله ، وبني داره في المدينة ، وشيدها بالحجر والكلس ، وجعل أبوابها من الساج والعرعر واقتني أموالا وجنانا وعيونا بالمدينة " ، وعن ثروته يقول المسعودي : " وذكر عبد الله بن عتبه أن عثمان يوم قتل كان له عند خازنه من المال خمسون ومائة ألف دينار والف الف درهم( مليون درهم)، وقيمة ضياعه بوادي القري وحنين وغيرهما مائة الف دينار ، وخلف خيلا كثيرا وابلا " ( المسعودي: مروج الذهب ، ج1، ص 543- 544).
وعن ثروة الزبير بن العوام يقول المسعودي: " وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلف الزبير الف فرس والف عبد وأمة" ( المسعودي، ص 544).
وعن ثروة طلحة بن عبد الله التيمي يقول المسعودي: " وكذلك طلحة بن عبد الله التيمي : ابتني داره بالكوفة المشهورة به المعروفة بالكنانه بدار الطلحين ، وكان عليه من العراق كل يوم الف دينار وقيل أكثر من ذلك، وبناحية الشراء أكثر مما ذكرنا ، وشيد داره بالمدينة وبناها بالآجر والجص والساج" ( المسعودي : ص، 544).
وعن ثروة عبد الرحمن بن عوف يذكر المسعودي مايلي: " وكذلك عبد الرحمن بن عوف الزهري ابتني داره ووسعها وكان علي مربطه مائة فرس ، وله الف بعير ، وعشرة الآف شاه من الغنم ، وبلغ بعد وفاته ربع ثمن ماله اربعة وثمانين الفا" ( المسعودي ، ص 544).
في حين يورد المسعودي عن زهد عمر بن الخطاب مايلي: " وحج عمر فانفق في ذهابه ومجيئه الي المدينة ستة عشر دينارا ، وقال لولده عبد الله : لقد أسرفنا في نفقتنا في سفرنا هذا".
كما عزل عمر سعد بن وقاص عندما شكا الناس منه ، وبعث الي الكوفة عمار بن ياسر علي الثغر وعثمان بن حنيف علي الخراج وعبد الله بن مسعود علي بيت المال ، وأمره أن يعلم الناس القرآن ويفقهم في الدين ، وفرض لهم في كل يوم شاه ، فجعل شطرها وسواقطها لعمار بن ياسر ، والشطر الآخر بين عبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف" ( المسعودي، ص، 545).
ويقول المسعودي عن سليمان الفارسي :" سليمان الفارسي كان يلبس الصوف ويركب الحمارببردعته بغبر اكاف ، ويأكل خبز الشعير، وكان ناسكا زاهدا، عندما توفي لم يكن في بيته الا : ادواه وركوة ومطهره ".وغير ذلك من الامثلة المعروفة عن زهد وغني الصحابة ، والصراع بين عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب معروف في التاريخ الإسلامي ، وكذلك بين ابي ذر الغفاري وعثمان بن عفان حول الاموال والثروات ، وكان من نتائجه نفي ابي ذر الي الربذة.
علي أن التصوف في البداية ظهر كحركة زهد كان لها ارتباط بهذا القدر أو ذاك بالثورة علي السلطة القائمة ، كما أن كثيرا من المسلمين لجأوا اليه احتجاجا علي ماينكرون من حكومة ونظام الي الاعتكاف والزهد ( غولد تسيهر :العقيدة والشريعة في الإسلام، ص 159).
يقول ابو نصر السراج الطوسي في كتابه اللمع " حب الدنيا رأس كل خطيئة والزهد في الدنيا رأس كل خير وطاعة ".
ويرجع حسين مروة في مؤلفه: "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"، نواة منهج التأويل الي تفسير الآية " المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير ثوابا وخير أملا" ( الكهف: 46). فالصوفية جعلوا الآية هذه دليلا علي بطلان " الحياة الدنيا وتبريرا لازدرائها والتخلي عنها سعيا وراء الباقيات الصالحات" ( حسين مروة: المرجع السابق).
كما ورد عن الحسن البصري أنه كان يقول : " اذا أراد الله بعبد خيرا لم يشغله بأهل (زوج) ولا ولد" ( الطبقات الكبري ، ج1، ص 25).
وانتشرت حركة الزهد بعد أن أسس معاوية بن سفيان دولة بني أمية سنة 40 ه / 660م، وجعل معاوية النظام السياسي لهذه الدولة نظاما ملكيا مطلقا ، ثم جعل "الملكية " وراثية سلالية .
ويرد في تاريخ المسعودي عن تطور الصراع الإجتماعي والسياسي في أواخر العصر الأموي " أن بعض شيوخ بني أميه سئل بعد سقوط الدولة الأمويه عن سبب سقوطها ، فقال: " انا شغلنا بلذاتنا عن تفقد ماكان تفقده يلزمنا ، فظلمنا رعيتنا ، فيئسوا من انصافنا ، وجار عمالنا علي رعيتنا فتمنوا الراحة منا، وتحومل علي أهل خراجنل فجلوا عنا ، وخربت ضياعنا فخربت بيوت أموالنا ، ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم علي منافعنا ، وأمضوا أمورا دوننا أخفوا علمها عنا ، وتأخر عطاء جندنا ، فزالت طاعتهم لنا ، واستدعاهم عدونا فظاهروه علي حربنا ، وطلبنا أعداءنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا" ( المسعودي، ص 194).
ويورد حسين مروة تعريف معروف الكرخي كما ورد في الرسالة القشيرية " التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق"( مروة، ص ، 189).
وفي العصر العباسي أصبح الخليفة " خليفة الله في أرضه " . وهناك خطبة أبي جعفر المنصور المشهورة التي جاء فيها : " ايها الناس ! انما أنا سلطان الله في أرضه ، أسوسكم بتوفيقه وتسديده ، وحارسه علي ماله، اعمل فيه بمشيئةارادته وأعطيه بأذني" ( ابن عبد ربه : العقد الفريد، ط- مصر 1302ه، ج1، ص 179).
ويلاحظ مؤرخي التصوف الاسلامي مثل : حسين مروة ، وماسينيون، وتوفيق الطويل ..الخ ، أن التصوف الإسلامي تطور وإزدهر علي المستوي الفكري والفلسفي في العصر العباسي الذي شهد تطورات سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية معروفة ، وازدهرت فيه العلوم والثقافة رغم العسف ، وظهر أقطاب أو أعلام الصوفية في ذلك العهد مثل: دو النون المصري "225ه/859"، وابويزيد البسطامي (مروة: المرجع السابق).
وتبلورت مفاهيم التصوف الإسلامي مثل : "الظاهر والباطن"، "الشريعة والحقيقة" ، مفهوم "الإتحاد"، مفهوم "الحلول "، "وحدة الوجود"، ومراتب "الفناء والبقاء" ، و"التصوف الإشراقي" " السهروردي المقتول"، و"الإنسان الكامل" " ابن عربي".
يقول ابو يزيد البسطامي "261ه/ 872م" الذي اشتهر بالزهد والعبادة والعلم والمعرفة : " تالله أن لو ائي اعظم من لواء محمد ، لوائي من نور تحته الجان والجن والإنس كلهم من النبيين"( مروة، ص 208).أي أن أقطاب الصوفية يضعون أنفسهم في مقام أعلي من النبيين ان لم يكونوا في مستواهم. أما أحمد بن عطاء السكندري" 369ه/979م" فيقول: " المعرفة معرفتان: معرفة حق ،ومعرفة حقيقة ، فمعرفة الحق معرفة وحدانية علي ماأبرز للخلق من الأسامي والصفات ومعرفة الحقيقة علي أن لاسبيل اليها ، لامتناع الصمدية وتحقيق الربوبية ( السراج الطوسي : اللمع ، ص 56). ثم يستشهد أحمد بن عطاءعلي امتناع معرفة الحقيقة بالآية " ولايحيطون به علما" (طه: 180). وكان سعيد أحمد بن عيسي الحراز " 286ه /899م) يقول : المعرفة تأتي من وجهين: من عين الجود وبذل المجهود " ( السراج، اللمع، ص 56). ويقال أنه أول من تكلم ب(الفناء) ، أي" فناء " ذات الصوفي بالله في حالة " الإتصال"( مروة ، ص، 210).
أما مسألة "الظاهر والباطن" ومسألة "التأويل" ، فقد وجد لها أصل في القرآن نفسه كما تدل الآية " هو الذي أنزل اليك الكتاب منه آيات محكمات وآخر متشابهات ، فاما الذين في قلوبهم زيغ قيتبعون ماتشابه منه اتقاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله الإ الله والراسخون في العلم( عمران: 7).
وفي القرآن ترد الآية " وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليه.." ( يوسف:6). كما ترد الآية " ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم ، فان تنازعتم في شئ فردوه الي الله والرسول، ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وذلك خير وأحسن تأويلا( النساء: 59). أي حصر حق التأويل في الله والرسول وأولي الأمر ، وأختلف الشيعة وأهل السنة والصوفية في أولي الأمر :
- الشيعة قالوا: الائمة من أهل البيت.
- السنة قالوا:الخلفاء القائمون علي رأس النظام الإجتماعي.
- الصوفية قالوا:: أهل الولاية" منهم.
مفهوم الإتحاد:
الاتحاد عن الصوفية هو : أن يبلغ " الإتصال" بالله حدا يتلاشي فيه الإزدواج بين المحب والمحبوب ، اذ يصبحان شيئا واحدا في الجوهر والعقل ، وحينما يتحقق الإتحاد تختفي الإشارة الي كل من الصوفي والله( ابوريان : تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، ص : 296-297). وقد عبر ابو يزيد البسطامي عن هذا "الإتحاد" في شطحاته المعروفة بمثل قوله " إني أنا الله لااله الا أنا فاعبدوني" ( حسين مروة المرجع السابق).
مفهوم الحلول:
ويمثله الحلاج الحسين بن منصور " 242-309ه/ 858- 921م" ، وقد عبر الحلاج عن فكرة الحلول بمثل قوله شعرا :
سبحان من أظهر ناسوته سرً سنا لاهوته الثاقب
ثم بدأ لخلقه ظاهرا في صورة الآكل والشارب
حتي لقد عاتبه خلقه كلحظة الحاجب للحاجب
(ديوان الحلاج، تحقيق ماسينيون ، باريس 1955م ص 37).
وحدة الوجود:
يمثل ابن عربي " 560-638ه/ 1164-1240م" مذهب وحدة الوجود في التصوف الإسلامي ، وهو يري أن الوجود كله واحد : الله هو الوجود الحقيقي ، أما العالم فهو مرآة يتجلي فيها الوجود الآلهي (ابن عربي، فصوص الحكم ، نص حكمة إلهية في كلمة آدمية).
مراتب الفناء والبقاء:
" الفناء " و" البقاء" ناحيتان لمرحلة واحدة في التجربة الصوفية ، وقد وصف القشيري مراتب " الفناء" و" البقاء" بقوله " فناء عن نفسه – يقصد الصوفي- وصفاته ، ببقائه بصفات الحق " الله" ، ثم فناؤه عن صفات الحق ، ثم فناؤه عن شهود فنائه باستهلاكه في وجود الحق" . وعبر السري السقطي عن وضع الصوفي وهو في درجة "الفناء " بأنه لو ضرب بالسيف لما أحس به" ( حسين مروة: ص220). يقول الحلاج في مناجاة الله " ياهو أنا وأنا هو لافرق بين آنيتي وهويتك الا الحدث والقدم" ( أخبار الحلاج: نشره ماسينيون ، وب . كراوس ، باريس 1979 ، ص 210). يقول ابن عربي ب " سريان الحق في الموجودات"(ابن عربي:فصوص الحكم ، باب حكمة الهية في كلمة آدمية).
ويقول الحلاج :
القاه في اليم مكتوفا وقال له اياك اياك أن تبتل بالماء
ويقول ايضا:
مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمره بالماء الزلال
اذا مسك شئ مسني فاذا أنت أنا في كل حال.
(الحلاج :كتاب الطواسين ، ص 134).
الإنسان الكامل:
مفهوم الانسان الكامل عند ابن عربي هو المتمكن من إدراك انسانيته " الباطنية" ، أي من حيث المظهر الوجودي لله ، وادراك أن إنسانيته بهذا المعني جامعة للصفات الكلية للعالم من جهة، وللصفات الآلهية من جهة أخري ، وكونها – لذلك – مركز العالم وأصل الوجود و" العالم الصغير"الذي يلخص ممكنات العالم الأكبر أو "الإنسان الأكبر" كله ، إن كل انسان تمكن من مثل هذا الإدراك ، كان هو الإنسان الكامل ، فهو بذلك يعرف الله أسمي معرفة ، بهذا الإدراك فهم ابم عربي الحديث المنسوب الي النبي محمد ( ص) " من عرف نفسه فقد عرف ربه".
وأن "الإنسان الكامل " من هذه الجهة الثالثة المعرفية يمكن أن يتحقق في كل إنسان ، أي أن كل إنسان من حيث مؤهل للوصول إلي مرتبة " الإنسان الكامل " ، ولكن من حيث الواقع الفعلي ، لم يتحققذلك الا للانبياء وأقطاب الصوفية " ( ابن عربي : فصوص الحكم، الفصل الأول: نص حكمة الهية في كلمة آدمية).
وهناك مراتب السهروردي ، يقول السهروردي " فان كل مافي العالم الجسماني من الجواهر والأعراض فهي آثار وظلال لانواع وهيئات نورية عقلية ، فاذا اعدت الحركات الفلكية والأوضاع الكوكبية وانواع العنصرية لأمر من الامور الجوهرية أو العرضية ، أفاض العقل المفارق ، الذي هو رب ذلك التنوع المستعد ، هيئاته العقلية المناسبة للاعداد الجرمي الشعاعي المناسب أيضا له ، وعلي الجملة فكل مافي عالم الأجرام من العجائب والغرائب فهو من العالم النوري المثالي" ( مروة ، المرجع السابق ص 246).
وينهي السهروردي في عرض هذه المراتب الي أن الواصلين مقام الفحول من الأنبياء والحكماء حين يصلون الي هذا المقام " تفني لديهم كلمات هو ، أنت وأنا ي بحر " الفناء"، وهناك تسقط الأوامر والنواهي" ( مروة، ص 253).
وهكذا نصل إلي غني وخصوبة وتنوع فكر اقطاب التصوف الإسلامي مثل : ابن عربي، ابويزيد البسطامي، السهروردي ، ذو النون المصري، ..الخ. كما نلاحظ إسهام التصوف الإسلامي في إخصاب الفلسفة العربية الإسلامية ، والدور الثوري للمتصوفة الأوائل في صراعهم ضد الإستبداد السياسي في العصرين الأموي والعباسي ،افي عصور الخلفاء الذين كانوا يحكمون بإسم الله.
ونكاد نلاحظ أن جل فكر الاستاذ محمود محمد طه ومنهجه استمده من الفكر الصوفي الإسلامي.
كما نلاحظ أن صراع طه مع السلفيين من علماء وفقهاء وقضاء شرعيين في جوانب كثيرة منه كصراع الفقهاء وأهل السنة مع أهل الصوفية ، ذلك الصراع الذي انتهي بقرار محكمة الردة الجائرعام 1968م، والذي نفض عنه الغبار الديكتاتور نميري بعد اعلانه قوانين سبتمبر1983م، ونفذه باعدام الأستاذ محمود محمد طه، والذي كان اغتيالا سياسيا ،بعد أن عارض الجمهوريون قوانين سبتمبر التي اذلت الشعب السوداني.

2- الفكر الإنساني:
المصدر الثاني من مصادر الفكر الجمهوري هو: الفكر الإنساني ، ونعني به الفكر الإنساني الذي تبلور بعد الثورة الفرنسية التي طرحت الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والإخاء والمساواة بين الناس غض النظر عن الدين أو الجنس ، فظهرت الديمقراطية الليبرالية ، وحقوق الإنسان، وفصل الدين عن السياسة أو الدولة ، وظهرت أفكار الاصلاح الديني التي تناسب تطور المجتمع الرأسمالي الحديث ، ونظريات الإقتصاد الحر.
ومع تطور المجتمع الرأسمالي برزت الأفكار الاشتراكية المختلفة التي صورت مآسي المجتمع الرأسمالي والاستغلال البشع للعمال والنساء والاطفال وشعوب المستعمرات .
كما تطور الفكر الفلسفي والعلمي والإقتصادي والإجتماعيبشكل كبير ، وظهرت أفكار مساواة المرأة بالرجل ، وحق تقرير المصير باعتباره حق ديمقراطي وانساني، والغاء نظام الرق.
والدارس للفكر الجمهوري يجد انعكاس الفكر الإنساني واضحا وضوح الشمس في رائعة النهار ، في الفكر الجمهوري الذي نادي بالديمقراطية، والإشتراكية ، ومساواة المرأة بالرجل ، والغاء الرق ، وبحث لها عن مصادر في اصول الإسلام ( آيات الأصول).
هذا فضلا عن التجربة العملية للاستاذ محمود محمد طه التي تعتبر ايضا من مصادر الفكر الجمهوري، ومحمود نفسه هو نتاج التعليم المدني الحديث الذي نشأ في السودان بعد إعادة احتلاله عام 1989م ، وقامت كلية غردون بهدف تخريج كتبة وفنيين ومهندسين لتسيير دولاب الدولة ، وتخرج الأستاذ محمود في كلية غردون مهندسا ، وعمل مهندسا بمصلحة السكة الحديد بعطبر وكوستي وغيرهما، واحتك بالحياة الإجتماعية الحديثة التي نشأت في البلاد في فترة الإستعمار البريطاني التي تتمثل في قيام الحركات السياسية الحديثة" الاتحاد السوداني ،اللواء الأبيض" ، مؤتمر الخريجين، المدن، الصحافة، والأندية الثقافية والرياضية، الحركة النقابية، وقيام الأحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية..الخ.وأسهم الأستاذ محمود محمد طه في مقاومة الإحتلال البريطاني ، يقول التيجاني عامر في مذكراته "إن الحزب الجمهوري الذي أسسه محمود محمد طه في فترة من فترات الإحتلال البريطاني كان عباره عن جمعية إرهابية تضرب وتحرق وتخرب ، ولكن في سبيل المصلحة بنوايا نقيه وذمة طاهرة ، وشيئا فشيئا " تملص" عن محمود الأعضاء الذين كانوا يؤمنون " بالتقية" وجماعة "حب السلامة" ، وتركوه يناضل الإدارة البريطانية مع جماعة الشبان المغامرين أمثال : أمين صديق وغيره" ( مذكرات التجاني عامر: صحيفة الصحافة بتاريخ : 16/ 4/ 1975م).
فاذا صح ماأورده التجاني عامر يكون محمود ربما تأثر بالتنظيمات الإرهابية الوطنية مثل : جماعة مصر الفتاة في مصر التي كانت تسلك طريق الإرهاب في مقاومة الإنجليز.
وبعد سجن الأستاذ محمود بسبب مقاومته القانون الإنجليزي( حادثة رفاعة) الذي يمنع الخفاض الفرعوني ، وخروجه من السجن سلك طريقا مغايرا للطريق السابق ، ونلاحظ تجميد نشاط الجمهوريين بعد حادثة رفاعة واعتقال محمود محمد طه لمدة عامين ، وبعد إطلاق سراحه اعتكف لمدة أربعة أعوام ، وخرج من إعتكافه في نوفمبر 1951م ، ومن ثم استأنف الجمهوريون نشاطهم الذي بدأ باجتماع عام عقد في : 30 /11/1951م، وبعد ذلك بدأ تفصيل فكرة الجمهوريين التي تتلخص عناصرها في الآتي:
• حرية الفرد وحق الجماعة في العدل.
• تحرر الفرد من الجهل
• للتحرر من الجهل ، لابد من ايجاد نظام يكفل للفرد المأكل والمأوي والمسكن ، أي المساواة الإقتصادية,
• الحرية الجماعية "الديمقراطية"
• الديمقراطية الحقة هي الديمقراطية الشعبية
( راجع الأخوان الجمهوريون: معالم علي طريق الفكرة الجمهورية،1945- 1975م، ط2 مايو 1976م، ص 54).
وطور الجمهوريين افكارهم في مؤلف محمود محمد طه: الرسالة الثانية ، ط5، ( راجع كتاب محمود محمد طه: الرسالة الثانية، ط5 ، ومؤلفه :من دقائق حقائق الدين ، ط3 ، مارس 1977م).
أي انه بعد خروج محمود من السجن والاعتكاف تطور في تفكيره السياسي والاجتماعي والديني ، وسلك السبيل السلمي الديمقراطي.
خاتمة:
هكذا نصل الي أن الأستاذ طه تطور في تفكيره السياسي والاجتماعي والديني ، وأن فكره كان حاصل أخلاط أو أمشاج من الفكر الديني الصوفي والفكر الانساني ، وقدم حاصل هذا التفاعل بأنه" رسالة ثانية "أو فكر لايأتيه الباطل من بين يديه او خلفه.
ولو أن الاستاذ طه قدم فكره أو نظريته كفكر انساني عادي ، يقبل الأخذ والرد والاثبات والدحض والاغناء والتطوير كما فعل ماركس ، لكان الأمر طبيعيا وعاديا . أو اذا كان قدم اجتهاداته في الدين مثل المجددين الدينيين مثل : الامام محمد عبده في الاسلام لكان الأمر ايضا عاديا.
ولكن اشتط محمود وقدم فكره ، وكأنه رسالة ثانية أو اكسير الحياة ـ أو كأنه يمثل الحقيقة المطلقة ، وقدمه في شكل" رسالة ثانية "أو رسالة كونية تصلح للعالم الحديث ، ومن هنا كانت المفارقة في عالم متغير ومتطور ومتنوع وفي حالة تجديد مستمر ، بحيث لا يمكن صبه في قالب واحد ، بل اصبح اكثر فاكثر قابلا لكل صورة كما أشار القطب الصوفي ابن عربي.
فالتجديد في الفكر الديني أو الانساني له أصوله ومناهجه وقواعده ، ومهم وضروري ، طالما كان الواقع في حالة تطور وتبدل مستمرين كما يقول الفيلسوف الألماني هيغل.



الفصل السابع
في ذكرى استشهاده والكيد السياسي في إعدام الأستاذ محمود
1 - إعدام الأستاذ محمود محمد طه كيد سياسي
أشرنا في دراسة سابقة بعنوان " الجمهوريون وانقلاب مايو 1969م" الي أن تكفير الاستاذ محمود محمد طه أو الحكم عليه بالردة كان كيدا سياسيا ، وبنفس هذا الحكم الخاطئ أ’عدم الاستاذ طه في يناير 1985م علي يد الطاغية نميري ،وهو كما ذكرنا كيد سياسي كما حدث للحلاج والسهرودي المقتول ، فالكيد جاء من معارضتهما الحكام ، وليس لآرائهما المعروفة في التصوف الإسلامي. وهناك قول معاوية بن سفيان الشهير " إنني لااحول بين الناس والسنتهم مالم يحولوا بيننا وبين ملكنا".
أي أن الحكام والأحزاب والطبقات الحاكمة تهمها مصالحها الطبقية والدنيوية ، وعدم اهتزاز حكمها، اكثر مايهمها صحة أو خطأ أقوال الفلاسفة والمفكرين.
ونكمل في هذا المقال بتجربتي الحلاج والسهروردي المقتول الذين راحا ضحية للكيد السياسي ، فماهي أهم معالم تلك التجربتين؟؟.
أولا : الحلاج ( ت 309ه/ 922م):
الحلاج هو الحسين بن منصور الملقب بالحلاج ، ويقال أن لقب الحلاج جاء من عمله أو عمل والده في حرفة أو صناعة حلج القطن. والحلاج هو صاحب نظرية الحلول بمعني حلول الله في مخلوقاته، والتي عبر عنها بقوله : " أما الحق فما في الجبة غير الله". وكان الحلاج يجمع بين التصوف وعلم الكلام ، واعتنق نظرية "الفناء" التي أنشأها ابو يزيد البسطامي ، ومؤداها أن المسلم بعكوفه علي العبادة وانقطاعه الي الله ، وإعراضه عن زخرف الدنيا وزينتها ، والزهد فيما يقبل عليه الناس من لذة ومال وجاه لينتهي بهذه الرياضة الروحية إلي تصفية النفس وتحررها من شهوات البدن وأهوائه ، بالمجاهدة والتهجد والصيام والعبادة حتي يكون "الفناء" ، أي فناء الإنسان عن نفسه ، وفقدانه الشعور بذاته مع شعوره بالله يفقد المؤمن إرادته ووعيه، ويتحقق بأن الإرادة الحقيقية هي إرادة الله ، فلا يري الا الله ، ولا يشعر الا بفاعلية الله . فاذا افني الإنسان عن ذاته وفقد شعوره بغيره وتلاشت رؤيته بكل ماعدا ذلك في فترة محو يعقبها صحو ، ربما صدرت عنه شطحات ، وهو في غير وعيه أ و بغير إرادته، فيقول كلاما اذا أخذناه علي ظاهره كان متنافيا مع الشريعة ( د.توفيق الطويل:" التصوف الإسلامي"، في تراثنا العربي الإسلامي ، الكويت 1985م ).
ومعلوم أن الحلاج اعتنق ايضا دعوة القرامطة الذين كانوا من ألد أعداء دولة الخلافة الإسلامية ، وتصدي للتبشير بها في خراسان وفارس والهند وغيرها . ومعروف أيضا أن الحلاج سيق بتهمة الزندقة أمام قضاة بغداد وأ’عدم في قضيته الشهيرة " مأساة الحلاج سنة 309ه".
ويري كل من د.توفيق الطويل في مؤلفه السابق ذكره والمستشرق رينولد نيكلسون الذي درس التصوف الإسلامي لأكثر من خمسين عاما ، ومن أهم مؤلفاته " في التصوف الإسلامي " القاهرة 1947م، ترجمة ابو العلا عفيفي، أن الحلاج راح ضحية أحقاد سياسية ، كما يري ايضا د. حسين مروة في مؤلفه" النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" ، أن اضطهاد المتصوفة دوافعة ايديولوجية سياسية ، صبغت بصبغة دينية " مواقف الحكام ومواقف الفقهاء ، ومواقف الصوفية المنحازين للجماهير الشعبية". وأشار نيكلسون بأن من أسباب محاكمة الحلاج إتهامه بالدعوة سرا إلي مذهب القرامطة الذين كانوا معارضين لدولة الخلافة. ويضيف نيكلسون ، بقوله: أن موقف المسلمين من أمثال بن عربي في إعتناقه "وحدة الوجود" ، وابن يزيد البسطامي الذي قال: "سبحاني" معبرا عن مذهبه في "الإتحاد" ،أو الحلاج الذي قال: "أنا الحق" ، معبرا عن مذهبه في " الحلول" ، أو ابن الفارض الذي يقول: " أنا هي"، (أي المحبوبة ، أي الذات الإلهية ، فهما في حالة إتحاد)، كان مشبعا بروح التسامح.
يقول نيكلسون : أن موقف المسلمين من هؤلاء الصوفية كان في ابعاده مشبعا بروح التسامح ، لأنهم كانوا يعتقدون أن أولياء الله علي اتصال بهم ، وهذا يستدعي الإحترام بالغا ما بلغ تعارض أقوالهم مع ظاهر الشرع.
يواصل نيكلسون ويقول : بأن قولة الحلاج " أنا الحق" ، لم تكن الا تهمة من اربع قُدم من أجلها إلي المحاكمة ، ولو اقتصر الإتهام علي هذا علي هذا الإدعاء ، لكان من المحتمل أن ينجو من مصيره المحزن ، رغم أن كلماته التي آثرت عنه في هذا الصدد كان في ظاهرها تتعارض مع معتقدات أهل السنة من المسلمين.
ثانيا : السهروري ( 549ه- 587ه/ 1153م – 1191م):
هو السهروردي شهاب الدين المقتول مؤسس المدرسة الإشراقية في التصوف والرأي عندها أن : الله نور الأنوار ، ومصدر جميع الموجودات ، بمعني أن العالم قد صدر عن إشراق الله وفيضه ، ومتي تجردت النفس عن علائق البدن وشهواته ، تيسر لها الاتحاد بالله والاتصال بنور الأنوار ، وعندئذ ينكشف له الغيب في يقظة أو منام ( د. الطويل: المصدر السابق).
ويري د. حسين مروة : أن السهروردي عندما يقول " بأن الواصلين الي مقام الفحول والأنبياء والحكماء " حين يصلون إلي هذا المقام " تفني لديهم كلمات : هو وانت وأنا في بحر الفناء ، وهناك تسقط الأوامر والنواهي ، أي تسقط عنهم التكاليف الشرعية ، وهذا تعبير عن رفض النظام الإجتماعي الذي تمثله فكرة النبوة والوحي والشريعة ( مروة: المصدر السابق).
وتم إعدام أو قتل السهروردي ، وهو في السادسة ( أو الثامنة ) والثلاثين من عمره ( 587ه/ 1191). ويرجع مصرعه إلي أسباب سياسية وصراعه مع الفقهاء وتمسكه برأيه واعتزازه بعقله ، إلي جانب أن صلاح الدين الأيوبي قد لقي عنتا شديدا في سحق الدولة الفاطمية التي كانت معقد آمال القرامطة ، فكان شديد التخوف من المتصوفة أو دعاة الدعوات الباطنية ، وكان السهروردي – كما كان الحلاج- من هؤلاء. والمتتبع لأحداث مقتل السهروردي، يلاحظ وجوه الشبه بين الدوافع التي أدت إلي قتله والبواعث التي أفضت إلي مصرع الحلاج، وهي بوجه عام اتصالهما بالدعوة الباطنية التي كان يمثلها "القرامطة" من ناحية ( اي أسباب سياسية) ، وحقد الفقهاء وحسدهم من ناحية أخري .
يقول د. الطويل :" ولو لا تدخل السياسية في الحالتين ماتسني للفقهاء أن ينالوا منهما ( السهروردي والحلاج)، ولا أن يمسوهما بسوء ، فان موقف المسلمين حتي من هؤلاء الصوفية كان في العادة مشبعا بروح التسامح.
هكذا نصل الي أن إعدام محمود محمد طه في يناير 1985م، كما الحلاج والسهروري كان كيدا سياسيا من الحكام والفقهاء الذين اصدروا الفتاوي الدينية بالردة والزندقة، فموقف المسلمين في السودان عموما كان متسامحا مع المتصوفة، ولكن الكيد السياسي جاء من معارضة الاستاذ طه لقوانين سبتمبر 1983م التي اصدرها الطاغية النميري لقمع الحركة الجماهيرية التي كانت متصاعدة ضده، تلك القوانين التي استغلت الدين ، واذلت شعب السودان، وعندما عارض الاستاذ طه قوانين سبتمبر، كان مصيره الإعدام مثلما كان مصير الحلاج والسهروردي.












2 – في ذكرى استشهاد الأستاذ محمود محمد طه
ما أشبه الليلة بالبارحة!!
يصادف يوم 18 يناير من كل عام ذكرى استشهاد الأستاذ محمود محمد طه، وعندما نرجع البصر كرتين لتأمل تلك الايام الحالكة السواد في تاريخ السودان السياسي الحديث التي أعلن فيها الديكتاتور النميري قوانين سبتمبر 1983م بهدف اسكات وارهاب صوت الحركة المطلبية والجماهيرية الذي كان متصاعدا، مثلما يفعل نظام البشير الحالي الذي عدل الدستور لتكريس حكم الفرد المطلق ولوقف تيار الاحتجاجات الجماهيرية المتصاعد واتجاه المعارضة للوحدة بعد التوقيع علي وثيقة" نداء السودان"، وتوجيه جهاز الأمن لمجلس الأحزاب لحل حزب الأمة وتقديم رئيسه السيد الصادق المهدي لمحاكمة تصل عقوبتها للاعدام، وكذلك توجيه تهمة تقويض النظام لرئيسة تحرير الميدان، التي تصل عقوبتها للاعدام، اضافة لمواصلة حملة الاعتقالات مثل اعتقال الاستاذين فاروق ابوعيسي وأمين مكي مدني وغيرهم.
نقول: ما اشبه الليلة بالبارحة!!!.
كما هو معلوم ، راكمت الحركة السياسية والفكرية السودانية تجارب كبيرة في الصراع ضد استغلال الدين في السياسة، وضد القوى التي ضاقت بالحقوق الديمقراطية للجماهير وسعت لمصادرتها باسم الاسلام، وأن الدولة الدينية تصادر الحقوق والحريات الديمقراطية وتؤدي الي التكفير والصراعات الدموية، وأن (الطريق الرأسمالي لايفرق في ضحاياه بين مسلم وغير مسلم، فالمحصلة النهائية لحصيلة تجربة قوانين سبتمبر 1983م ومجتمع الرأسمالية الطفيلية الأسلاموية منذ 30/يونيو/1989 لم تميز بين السودانيين علي أساس ديني فقط، وانما علي أساس اجتماعي وسياسي، واصبح اكثر من 90% من السودانيين الآن تحت خط الفقر).
ومعلوم أنه كان من اهم معالم الفترة مابعد اكتوبر 1964م ضيق القوى المعادية للديمقراطية وعلي رأسها الاسلامويون بالحقوق والحريات الديمقراطية والتي رفعت شعار الدستور الاسلامي والجمهورية الرئاسية، وكان الهدف الاساسي ليس تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الامن من الجوع والخوف، ولكن كان الهدف مصادرة الحقوق والحريات الأساسية باسم الاسلام، ومصادرة حرية الفكر والضمير والمعتقد، ومصادرة نشاط الحزب الشيوعي السوداني القانوني وفرض طريق التنمية الرأسمالي، و نظام شمولي ديكتاتوري يحكم بالقهر وباسم الاسلام. كما وقف الحزب الشيوعي السوداني وكل القوى الديمقراطية والمستنيرة ضد محكمة الردة للاستاذ محمود محمد طه عام 1968م، بعد أن ضاقت القوي السلفية الظلامية بافكاره التي كانت تدعو الي العدالة الاجتماعية وتجديد التشريع الاسلامي بما يناسب العصر، واستخلاص المساواة بين المرأة والرجل والعدالة الاجتماعية والديمقراطية من اصول الاسلام.
أى كانت هناك محاولات من قبل الاحزاب التقليدية لاقامة دولة دينية تحكم بالشريعة الاسلامية ولتكريس طريق التطور الرأسمالي ومصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية باسم الاسلام، مما زاد من حدة الصراع والانقسام في المجتمع وتعميق حرب الجنوب، وكان من نتائج ذلك انقلاب 25/مايو/1969.
وجاء نظام النميري الذي استمر مدنيا(شموليا) حتى سبتمبر 1983، عندما اعلن النميري قوانين سبتمبر لتقوم علي أساسها دولة دينية تستمد شرعيتها من قدسية السماء وبيعة الامام.
وجاءت مقترحات بتعديل الدستور في 10/6/1984 بعد تطبيق قوانين 1983 التي تنص علي الآتي:
•) دورة الرئاسة تبدأ من تاريخ البيعة ولاتكون محددة بمدة زمنية(مدى الحياة).
• لاتجوز مساءلة أو محاكمة رئيس الجمهورية
• رئيس الجمهورية مع الهيئة القضائية مسئول أمام الله
أى تعديلات تعطى سلطات مطلقة لرئيس الجمهورية كما في التعديلات الحالية للجنة بدرية سلمان التي اعطت البشير سلطات مطلقة، والجدير بالذكر أن قوانين سبتمبر 1983م صاغتها لجنة كان بها بدرية !!. وجاءت قوانين سبتمبر بعد أن ضاق نظام النميري ذرعا بنمو الحركة الجماهيرية والنقابية المطالبة بتحسين الاوضاع المعيشية وضد غلاء الاسعار والغاء القوانين المقيدة للحريات، وكانت هناك اضرابات المعلمين والفنيين والاطباء والقضاء وانتفاضات الطلاب.
وكانت تلك الفترة حالكة السواد في تاريخ البلاد تضاعف فيها القهر والفساد والجوع والامراض وغلاء الاسعار ، وضرب البلاد الجفاف والتصحر، وبلغت ديون السودان الخارجية 9 مليار دولار، وفاق عدد الايادي المقطوعة في نصف عام عدد الايدي المقطوعة في كل عهد الملك عبد العزيز آل سعود في ربع قرن!!. وتم اعدام الاستاذ محمود محمد طه في 18 يناير 1985م، بعد نفض الغبار عن احكام محكمة الردة 1968 ، وكان الاستاذ محمود محمد طه قد عارض قوانين سبتمبر ووصفها بأنها اذلت الشعب السوداني، وانفجرت حرب الجنوب بشكل اعنف من الماضي ، وكانت انتفاضة مارس – ابريل 1985 التي اطاحت بنظام نميري.
وبعد انتفاضة مارس – ابريل 1985 استمر الصراع:هل تبقي الدولة مدنية ديمقراطية أم دولة دينية؟ ودافعت قوى الانتفاضة عن مدنية وعقلانية الحياة السياسية والدولة ضد اتجاه الجبهة القومية الاسلامية لفرض قانون الترابي الذي يفضي للدولة الدينية، وتمت هزيمة مشروع قانون الترابي.
وبعد أن ضاقت الجبهة الاسلامية بالديمقراطية والحقوق والحريات الاساسية، نفذت انقلاب 30/يونيو/1989 الذي الغي الدولة المدنية والمجتمع المدني والغي الحقوق والحريات الاساسية، واقام دولة دينية كانت وبالا ودمارا علي البلاد ، وازدادات وتوسعت حرب الجنوب التي اتخذت طابعا دينيا ، وبلغت خسائرها 2 مليون نسمة، وشردت 4 ملايين الي خارج وداخل السودان مما أدي الي انفصال الجنوب، وتعمقت الفوارق الطبقية واصبحت الثروة مركزة في يد 5% من السكان و95% من السكان يعيشون تحت خط الفقر ، ورغم استخراج وانتاج وتصدير البترول الا أن عائده لم يدعم الانتاج الزراعي والحيواني والصناعي والتعليم والصحة والخدمات، وتوقفت عجلة الانتاج والتنمية وانهارت المشاريع الصناعية والزراعية وانتشر الفساد بشكل لامثيل له في السابق، وتعمقت التبعية للعالم الرأسمالي حيث بلغت ديون السودان الخارجية 43 مليار دولار، وتم تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي(الخصخصة، سحب الدعم عن السلع الاساسية، رفع الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة، بل ما تم كان اسوأ مما يحدث في العالم الرأسمالي نفسه). ونتيجة للضغوط الداخلية والخارجية تم توقيع اتفاقية نيفاشا والتي لم يتم تنفيذ استحقاقتها وكانت النتيجة انفصال الجنوب العدائي واعادة انتاج الحرب من جديد..
ولابديل لدولة المواطنة والديمقراطية كما جاء في وثيقة " نداء السودان" التي تحقق المساواة بين الناس بغض النظر عن اديانهم أواعراقهم، ولن يتم ذلك الا بتصعيد النضال الجماهيري ، وتوحيد وحشد قوي المعارضة من أجل اسقاط النظام واستعادة الديمقراطية وقيام المؤتمر الدستوري، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات السياسية والنقابية واستعادة أموال الشعب المنهوبة ورد المظالم









الملاحق
ملحق 1
لمحات من حياة الأستاذ محمود محمد طه
بقلم: محمود محمد طه
* سوداني من قبيلة الركابية برفاعة النيل الأزرق أوائل عام 1911م هذا في أغلب الظن.
بدأ تعليمي في الخلوة في زمن مبكرولكني لم أحفظ القرآن.
* بدأ تعليمي في المرحلة الأولية برفاعة سنة 1924 وفي نهاية 1931 أتممت المدرسة الوسطى، وفي أوائل عام 1932 دخلت المدرسة الثانوية (كلية غردون) قسم المهندسين، وتخرجت منه عام 1936، والتحقت بمصلحة السكة الحديد في أوائل هذا العام حيث مكثت ست سنوات واستقلت في أواخر عام 1941، وعملت بعض الوقت مع الجيش الأمريكي بوادي سيدنا ، ثم عملت مع الجيش البريطاني (الإدارة المدنية) لحراسة أموال الأعداء بارتريا في (على قدر) الزراعي كمهندس (رى).
* في أواسط عام 44 بدأت الأعمال الحرة كمهندس ومقاول ولم أباشر في المقاولات أي أعمال كبيرة غير أنني وشريك لي مهندس قد اشترينا انقاضا من مباتى مخازن للجيش البريطاني بالقرب من بورتسودان، وكان هذا عملا كبيرا،
* وفي أواخر أكتوبر عام 1945 نشأ الحزب الجمهوري وكان حزبا سياسيا، وقد انتخبت رئيسا له في نفس اشهر، وقد كتبت بيانه الأول وكان يدعو إلى بعث الإسلام من جديد ولم نكن يومئذ نعرف تفاصيل مايعنى بعث الإسلام من جديد ، فانصرفنا في عملنا الحزبي إلى تصعيد المعارضة للاستعمار البريطاني في منشورات (بالرونيو) توزع بالليل وبالنهار على المواطنين.
* تسبب هذا الصنيع في إرسالي للسجن لمدة عام وذلك في شهر يونيو عام 46، وذلك لأنه قد طُلب منى أن امضى تعهدا بحسن السلوك والاقلاع عن التحدث في السياسة لمدة عام، فلما رفضت قرروا أن اقضى العام في السجن أو أمضى التعهد، وفي اي وقت يتم الإمضاء أخرج من السجن ، لم اقضى العام ولم امض التعهد ، ومع ذلك ونسبة لمقاومتى لقوانين السجن قد خرجت بعد خمسين يوما باستصدار عفو شامل من الحاكم العام البريطاني كان موضوع المنشورات الذي بسببه دخلت السجن الخفاض الفرعوني.
* وبعد خروجي من السجن بشهرين وقع حادث برفاعة حيث سُجنت إمرأة خفضت بنتها خفاضا فرعونيا ، فقاومت هذا السجن وتحرك عى الجمهور لخروج السجينة التي صدرت براءتها بعد هذا الصتيع وأُخلى سبيلها، ولكن أُلقى القبض علىّ وعلى بعض المواطنين وأُرسلت للسجن للمرة الثانية لمدة عامين.
* انقضت في السجن اربعة وعشرين شهرا أثناءها أخذت بنهج الصوفية ، وعندما اعتكفت برفاعة لمدة ثلاثة أعوام، واصلت فيها تحنثى واتضحت في هذا الأثناء في ذهني معالم فكرة التجديد.
* في أكتوبر من عام 1951 تركت اعتكافى برفاعة وواصلت نشاط الحزب من جديد وقد نام مدة هذه السنوات الخمس.
* في 1952 ظهر المؤلف الأول بعنوان (قل هذا سبيلي) وتوالت المنشورات والمقالات والمحاضرات والندوات عن موضوع بعث الإسلام من جديد.
* في عام 1955 صدر كتاب (أسس دستورالسودان) ، وفي عام 1960 صدرت؟ الإسلام بالاضافة إلى بعض الكتيبات التي كانت تصدر ين عامى 1952 – 1960.
* كنت منذ 1955 قد أخذت في العمل الموسمي كمهندس(رى) في المشاريع الخصوصية بمنطقة كوستي مشاريع الطلمبات أعمل كمقاول أقوم بالجانب الفنى في المساحة وتصميم القنوات والتنفيذ على الطبيعة – الجانب الفنى فقط – وأما العمال والمقاول فإنه يدفع عنهم أصحاب المشاريع.
* بقي أن أقول بين عامى 1952- 1954 قد كنت أعمل بالمرتب الشهري كمهندس مدنى بشركة النور والقوة الكهربائية "الإدار المركزية فيما بعد".
* ومنذ ثورة أكتوبر 1964 وإلى اليوم توالت المؤلفات حتى قاربت العشرين مؤلفا ضغيرا أوسعت فكرة البعث شرحا وتفسيرا وتبسيطا.
* في عام 1965 بدأت مرحلة التأليف الجادة وذلك عقب ثورة أكتوبر 1964، وكانت أعوام الحكم العسكري الذي قوضته هذه الثورة أعوام نشاط جم في الندوات والمحاضرات في الدور والأندية.
* في عام 1966 تركت الهندسة نهائيا وتفرغت تفرغا تاما للتأليف ونشر الفكرة الجمهورية.
* آخر كتبي الآن هو (تطوير شريعة الأحوال الشخصية) وفيه تبرز فكرة البعث الإسلامي بصورة متكاملة وقريبة لحياة الناس.
* في عاشوراء يوم 9 محرم عام 1392 ه أعلنا بدء الثورة الثقافية وكنا ندعو دائما إلى مواصلة ثورة 21 أكتوبر 1964 من الصعيد العاطفى الذي تمت به إلى الصعيد الفكري وقد ظهرت هذه الدعوة بصورة قاطعة.
* في مقدمة كتابنا (لااله الا الله) الذي صدرت طبعته الأولى في يوم 25 مايو 1969 نفس اليوم الذي ظهرت فيه ثورة مايو ستكون الثورة الثقافية شغلنا الشاغل منذ اليوم انشاء الله وهى في جملتها تقوم على الدعوة الواعية إلى بعث (لااله الا الله) قوية خلاقة في صدور الرجال والنساء حتى يعود بها الدين جذعا بأقوى وأشمل مما عهدناه في شعاب (مكة) في القرن السابع الميلادي.
محمود محمد طه
أم درمان : 26 / 2 / 1972.
المصدر : الصحافة يوم الثلاثاء 18 /1 / 2000 ، أوراق العمر ، حوار فيصل الباقر مع بتول محمود محمد طه.


















ملحق 2
رأي الجمهوريين في قوانين سبتمبر 1983 الصادر بتاريخ 25 / 12/ 1984.
غايتان شريفتان وقفنا نحن الجمهوريين حياتنا حرصا عليها وصونا لهما، وهما الإسلام والسودان، فقدمنا الإسلام في المستوى العلمي الذي يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة، وسعينا لنرعى ما حفظ الله تعالى على هذا الشعب من كرائم الأخلاق وأصيل الطباع ما يجعله وعاءً صالحا يحمل الإسلام إلى كافة البشرية المعاصرة التي لامفازة لها ولاعزة الا في هذا الدين العظيم.
وجاءت قوانين سبتمبر 1983، فشوهت الإسلام في نظر الأذكياء من شعبنا، وفي نظر العالم، وأساءت إلى سمعة البلاد، فهذه القوانين مخالفة للشريعة ومخالفة للدين. ومن ذلك أنها أباحت قطع يد السارق من المال العام مع أنه في الشريعة يُعّزر ولايُحد ، القيام شبهة مشاركته في هذا المال، بل أن هذه القوانين الجائرة إضافة إلى الحد عقوبة السجن، وعقوبة الغرامة مما يخالف حكمة الشريعة ونصوصها، هذه القوانين قد أذلت هذا الشعب وأهانته، فلم يجد على يديها سوى السيف والسوط، وهو شعب حقيق بكل صور الإكرام والإعزاز، ثم أن تشاريع الحدود والقصاص لاتقوم الا على أرضية من التربية الفردية، ومن العدالة الاجتماعية، وهي أرضية غير محققة اليوم.
إن هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد، وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب وذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العوامل الأساسية التي أدت لتفاقم مشكلة الجنوب. إن من خطل الراى أن يُزعم أحد أن المسيحي لا يضار بتطبيق الشريعة ، ذلك بأن المسلم في هذه الشريعة وصى على غير المسلم بموجب آية السيف وآية الجزية فحقوقهما غير متساوية، أما المواطن اليوم فلا يكفى أن تكون له حرية العبادة وحدها، وإنما من حقه أن يتمتع بسائر حقوق المواطنة، وعلى قدم المساواة مع كافة المواطنين الآخرين. إن للمواطنين في الجنوب حقا في بلادهم لاتكفله لهم الشريعة، وإنما يكفاله لهم الإسلام في مستوى أصول القرآن( السنة). ولذلك فنحن نطالب بما يلي:
1- نطالب بإلغاء قوانين سبتمبر لتشويهها اولاذلالها الشعب ولتهديدها الوحدة الوطنية.
2 – نطالب بحقن الدماء في الجنوب واللجؤ إلى الحل السياسي والسلمي بدل الحل العسكري ، ذلك واجب وطني يتوجب على السلطة، كما يتوجب على الجنوبيين من حاملى السلاح، فلا بد من الإعتراف الشجاع بأن للجنوب مشكلة ثم لا بد من السعى الجاد لحلها.
3 – نطالب باتاحة كل فرص التوعية والتربية لهذا الشعب حتى ينبعث فيه الإسلام في مستوى السنة (أصل القرآن) فإن الوقت هو وقت السنة لا الشريعة (فروع القرآن).
قال النبي صلى الله عليه وسلم " بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، كما بدأ، فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يارسول الله ؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها!!"، بهذا المستوى من البعث الإسلامي تتحقق لهذا الشعب عزته وكرامته، ثم أن في هذا البعث يكمن الحل الحضاري لمشكلة الجنوب، ولمشكلة الشمال معا. أما الهوس الديني، والتفكير الديني المتخلف فهما لايورثان هذا الشعب الا الفتنة الدينية والحرب الأهلية.
هذه نصيحتنا خالصة مبرأة نسديها في عيد الميلاد وعيد الاستقلال، ونرجو أن يوطئ الله تعالى أكتاف القبول، وأن يجنب البلاد الفتنة ويحفظ استقلالها ووحدتها وأمنها ، وعلى الله قصد السبيل.





















ملحق 3
كلمة الأستاذ محمود محمد طه أمام المحكمة الأثنين 17 / 1 / 1985.
" لقد أعلنت رأي مرارا في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة الإسلامية وللإسلام، أكثر من ذلك أنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام ونفرت عنه، يُضاف إلى ذلك أنها وُضعت وأُستغلت لإرهاب الشعب وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله ثم أنها هددت وحدة البلاد، هذا من حيث التنظير.
أما من حيث التطبيق، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا أخلاقيا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب وتشويه الإسلام وإهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين.
ومن أجل ذلك فإنني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر، والتنكيل بالمعارضين السياسيين".












ملحق 4: أمل دنقل في رثاء الأستاذ محمود

شعر أمل دنقل
ليت (أسماء) تعرف
أن أباها قد صعد
لم يمت
هل يموت الذي كان يحى
كأن الحياة أبد!
وكأن الشراب قد نفد
وكأن البنات الجميلات
يمشين فوق الزبد
عاش منتصبا، بينما ينحنى القلب يبحث عما فقد
ليت أسماء تعرف أن
أباها
الدي
حفظ الحب والأصدقاء
تصاويره
وهو يضحك وهو يفكر
وهو يفتش عما يقيم
الأود.



المصادر والمراجع
أولا: مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه
1- محمود محمد طه: الرسالة الثانية من الإسلام ، ط5
2- محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد، ط2 مايو 1977.
3- محمود محمد طه: أسس دستور السودان، نوفمبر 1968.
4- محمود محمد طه: من دقائق حقائق الدين، ط2 مارس 1977.
5- محمود محمد طه: القرآن ومصطفي محمود والفهم العصري ، مطبعة مصر سودان – ليمتد يناير 1971.
6- محمود محمد طه: السفر الأول، ط2 1976.
7 – الأستاذ محمود محمد طه يحدث النساء في حقوقهن، ط2 1976.
8 – محمود محمد طه: خطوة نحو الزواج في الإسلام، ط2 مارس 1977.
9 –محمود محمد طه: قل هذا سبيلي ، ط2 1976.
10 – محمود محمد طه: الماركسية في الميزان ، ط2 أبريل 1977.
11 – محمود محمد طه: الثورة الثقافية، 1972.
12- محمود محمد طه: زعيم حبهة الميثاق في ميزان أ- الثقافة الغربية، ب – الإسلام، ط1 1967.
13- محمود محمد طه رسائل ومقالات – الكتاب الأول ، ط1 1973.
14 – محمود محمد طه: رسائل ومقالات – الكتاب الثاني، ط1 1973.
15- محمود محمد طه: مشكلة الشرق الأوسط، ط1 1967.
16- محمود محمد طه: أسئلة واجوبة، الكتاب الثاني 1971.
17- محمود محمد طه: تطوير شريعة الأحوال الشخصية، ديسمبر 1971.
ثانيا: منشورات الإخوان الجمهوريين:
1- الإخوان الجمهوريون: معالم على طريق الفكرة الجمهورية، 1945- 1975، ط2 مايو 1976.
2 – الإخوان الجمهوريون: هؤلاء هم الإخوان المسلمون- الجزء الأول ط1 أغسطس 1978.
3 – الإخوان الجمهوريون: هؤلاء هم الإخوان المسلمون، الجزء الثاني – ط2 ديسمبر 1978.
4- الإخوان الجمهوريون: بيت الطاعة: المشكلة والحل ، عام المرأة العالمي 1975.
5 – الإخوان الجمهوريون: الطلاق ليس أصلا في الإسلام، ط2 أبريل 1977.
6 – الإخوان الحمهوريون: المرأة مكانها البيت، ط2 مايو 1977.
7 – الإخوان الجمهوريون: حقوق المرأة في الدين، الشريعة، الفقه، ط3 نوفمبر 1978.
8 – الإخوان الجمهوريون: خلف الله الرشيد وقامة رئيس القضاء، ط2 مايو 1976.
9 – الإخوان الجمهوريون يدعون إلى المنابر الحرة، ط2 مايو 1976.
10 – الإخوان الجمهوريون: الغرابة في الدعوة الإسلامية الجديدة، ط2 مايو 1977.
11 – الإخوان الجمهوريون: المؤامرة من جديد ، ط 1 مايو 1975.
12- الإخوان الجمهوريون: القضاة الشرعيون أكبر عقبة أمام عودة الدين مايو 1975.
13 – الإخوان الجمهوريون: – 5 أجزاء - قضية بورتسودان ، ط1 يوليو1975.
14 – الإخوان الجمهوريون: لجنة تعديل القوانين لن نفلح الا في خلق بلبلة، ط3 مايو 1978.
15 - الإخوان الجمهويون: الصادق المهدي والقيادة الملهمة، ط 6 مايو 1978.
16 – سعيد الطيب شايب: قضايا كوستي، ط1 يوليو 1975.
17- الإخوان الجمهوريون: المصالحة الوطنية – بالانجليزي – سبتمبر 1977.
18 – عبد الله أحمد النعيم: نحو تطوير التشريع الإسلامي، ترجمة وتقديم حسين أحمد أمين ، سينا للنشر، 1994 .
19 – عمر القراى: من لهذا الوطن – الكتاب الأول – الشركة الوطنية للنشر 2014.
ثالثا: كتب:
1- المسعودى: مروج الذهب ومعادن الجوهر، المجلد 1 -2.
2- الشعرانى: الطبقات الكبرى ، مجلد 1
3- الإمام الغزالي: إحياء علوم الدين، المجلد 1 – 4.
4 - ف. أنجلز: انتى دوهرينغ، دار التقدم موسكو1984.
5 – أدونيس: الثابت والمتحول – الجزء الأول- دار العودة بيروت 1973.
6 – تاج السر عثمان الحاج: دراسات في التاريخ الاجتماعى للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010.
7- تاج السر عثمان الحاج: خصوصية الأيديولوجية المهدية في السودان، بحث غير منشور.
8 – توفيق الطويل: في التصوف الإسلامي في تراثنا العربي الإسلامي الكويت 1985.
9 – حسين مروة: النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية – الجزء الثاني- ط2 دار الفارابي بيروت 1984.
10 – رينولد تيكلسون: في التصوف الإسلامي، ترجمة ابو العلا العفيفي، القاهرة 1947.
11- محى الدين بن عربي: فصوص الحكم – بالانجليزي –
12- معوض محمد مصطفى سرحان: الأحوال الشخصية، الاسكندرية 1953.
13 – حيدر إبراهيم على " مشرف ومحرر": الأستاذ محمود محمد طه: رائد التجديد الديني في السودان، مركز الدراسات السودانية، الدار البيضاء، يونيو 1992.
14 – حميد الخاقانى: ترويض العقل أم حرية الأفكار وجدلها، الحوار المتمدن، 4 / 2 / 2015.
15 – سيد القمنى: هل كان تاريخنا ماضيا سعيدا؟، الحوار المتمدن: 4 /2/ 2015.
16 – عبد الله الفكى البشير: صاحب الفهم الجديد للإسلام، محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ ، دار رؤية للنشر القاهرة 2013.





السيرة الذاتية
• تاج السر عثمان الحاج
• اللقب: السر بابو.
• من أبناء أمبكول بمنطقة مروي بالولاية الشمالية.
• من مواليد مدينة عطبرة، يناير 1952م.
• تلقي تعليمه الأولي والأوسط والثانوي بمدينة عطبرة.
• تخرج في جامعة الخرطوم أبريل 1978م.
• باحث ومهتم بتاريخ السودان الاجتماعي.
• صدر له:
1- تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي، دار عزة 2003م.
2- لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004م.
3- تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي، مكتبة الشريف 2005م.
4- النفط والصراع السياسي في السودان، بالاشتراك مع عادل أحمد ابراهيم، مكتبة الشريف 2005م.
5- خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية 2006م.
6- الجذور التاريخية للتهميش في السودان، مكتبة الشريف 2006م.
7- التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي في السودان، مركز محمد عمر بشير 2006م.
8- تطور المرأة السودانية وخصوصيتها، دار عزة 2006م
9- الدولة السودانية: النشأة والخصائص، الشركة العالمية 2007م.
10- تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني (1946- 1989م) ، دار عزة 2008م.
11- دراسة في برنامج الحزب الشيوعي السوداني، الشركة العالمية 2009م.
12- أوراق في تجديد الماركسية، الشركة العالمية 2010م.
13- دراسات في التاريح الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010م
14- قضايا المناطق المهمشة في السودان، الشركة العالمية 2014
15- أسحار الجمال في استمرارية الثقافة السودانية ، مدارات للنشر 2021.
16- الهوية والصراع الاجتماعي في السودان ، دار المصورات ، 2021.
17- دراسات ومواقف في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، دار عزة 2023.
18 – في ذكراها المئوية دور ثورة 1924 في تطور الحركة الوطنية والثقافية، الشركة العالمية 2025.
19 – الأرض والصراع الطبقي والاجتماعي في السودان، دار المصورات، 2025.
• كاتب صحفي وله عدة دراسات ومقالات ومنشورة في الصحف السودانية والمواقع الالكترونية، ومشارك في العديد من السمنارات وورش العمل داخل وخارج السودان.
• عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني
• أُعتقل مرتين خلال ديكتاتورية نميري عامي 1973م، و1977م، ومرتين خلال ديكتاتورية الانقاذ عام 1995م لمدة سنة وتعرض لتعذيب وحشي.، وفي مارس 2018 بعد الهبة الجماهيرية في 16 يناير 2018 .
• متزوج وأب



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب وخطر الخطاب الإسلاموي العنصري
- كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي للسودان القديم
- الطريق لوقف الحرب وترسيخ السلام والديمقراطية
- ظروف غير مواتية لتعديل مناهج التعليم
- الاتفاقات مع روسيا هل تنقذ سلطة الامر الواقع؟
- مع اتساع قاعدة وقف الحرب لابديل غير الحكم المدني الديمقراطي
- حرب لمواصلة تفكيك الدولة السودانية وتمزيق وحدتها
- جريمة قتل المدنيين داخل المسجد بالفاشر
- كيف خطط الكيزان لتصفية الثورة منذ أيامها الأولى؟
- كيف فشلت الحلول الخارجية؟
- مازالوا متشبثين بالحرب بعد أن ذهبوا إلى مزبلة التاريخ
- الذكرى ٩٨ لميلاد عبد الخالق محجوب
- كيف يتم الانتقال الديمقراطي بعيدا عن التدخل الخارجي؟
- إيقاف مديرة قناتي -العربية -و-الحدث- استمرار لمصادرة الحريات
- بعد بيان الرباعية دور الحركة الجماهيرية حاسم
- كيف تم التدخل الخارجي لقطع الطريق أمام الثورة؟
- تصعيد الحركة الجماهيرية لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة
- لماذا إصرار الإسلامويين على استمرار الحرب الدمار؟
- وقف الحرب وعدم تكرار التسوية التي تعيدنا لمربع الحرب
- الذكرى ٥٥ لانقسام سبتمبر 1970 في الحزب الشيوعي


المزيد.....




- -معاداة للسامية-.. رئاسة السلطة الفلسطينية تُدين الهجوم على ...
- مستوطنون يهاجمون مزارعين فلسطينيين أثناء قطف الزيتون غرب سلف ...
- مستعمرون يجبرون المواطنين على مغادرة أراضيهم في فرخة غرب سلف ...
- رجل بريطاني من أصل سوري يقتل رجلين في عملية دهس وطعن قرب كني ...
- 3 قتلى بهجوم خارج كنيس يهودي في مانشستر
- مغامر يصعد 999 درجة للوصول إلى -بوابة الجنة- في الصين
- وزير خارجية باكستان: خطة ترامب بشأن غزة لا تتوافق مع مسودة ا ...
- قتيلان في هجوم قرب كنيس يهودي بمدينة مانشستر شمالي غرب انجلت ...
- الشرطة البريطانية تُعلن عن هوية المشتبه به في هجوم الكنيس ال ...
- بابا الفاتيكان يُشير إلى أن سياسات الهجرة الأمريكية ليست -مؤ ...


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تاج السر عثمان - كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان