|
مدخل إلى خطاب المظلومية
معتز حيسو
الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 02:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عانى السوريون ظلماً وطغياناً امتد عشرات السنين. فقد مارست الطغمة الأسدية طغياناً طال كل من تجرأ على نقدها أو نقضها معرفياً، سياسياً واقتصادياً. فكان معارضو السلطة الأسدية يواجهون الاعتقال والقمع والتنكيل والقهر والتصفية الجسدية. وقد عملت السلطة الأسدية المخلوعة على تغييب معياري الكفاءة والنزاهة في سياق فرضها مبدأ الولاء والطاعة. إضافة لاشتغالها على تعميق وتعميم الفساد والإفساد. فكان فساد السلطة مدخلاً للإفساد المعمم. إن عقوداً من الظلم والقهر والطغيان والاستلاب الأسدي أسست لنشوء مظلومية إثنية ومذهبية وأيضاً سياسية واقتصادية ساهمت في تفتيت البنى المجتمعية وتذريرها وانقسامها عمودياً على أساس الدين والطائفة والعرق، وأفقياً على مستوى التناقض السياسي والاقتصادي. تقاطع ذلك مع سياسات السلطة الأسدية على منع تشكُّل هوية وطنية جامعة. أو تأسيس مشروع وطني جامع يستغرق انتماءات السوريين قبل الوطنية ويؤسس في سياق تطور تراكمي إلى تمكين المواطنة المتساوية. بعد انطلاق الثورة السورية ربيع عام 2011، تركز قمع السلطة الأسدية في السجون والمعتقلات على إخوتنا المسلمين السنَّة أكثر من باقي الطوائف. تزامن ذلك مع التغيير الديمغرافي من خلال التهجير القسري إلى الشمال السوري بالقوة العسكرية والتغُّول الأمني وكافة أشكال الإذلال والقمع، وصولاً إلى الإبادة الجماعية. ومن الطبيعي إن يوّلد ذلك ما بات يعرف بالمظلومية السنيّة. ومن خلاله وعلى أساسه تقوم جهات وأطراف مختلفة حالياً بالانتقام من (الأقليات) كونها حسب رأيهم ساعدت السلطة الأسدية على تهجير وقتل المسلمين السنّة.علماً أن الطغيان الأسدي لم يكن يمثل أي من فئات المجتمع السوري. لكنها أي السلطة الأسدية المخلوعة إشتغلت وفق آليات متعددة لإخضاع المجتمع السوري بما فيه الأقليات. وهذا لا يتعارض مع أن كثير من إخوتنا المسلمين السنَّة تبوؤوا مناصب قيادية، وكان لهم دور بارز ومؤثر في السلطة، وشاركوا بعمليات القمع الذي تعرض لها السوريين. ويجب ألا ننسى أن كبار التجار والصناعيين من المسلمين السنّة... كان لهم دور ملحوظ في دعم استقرار السلطة الأسدية. لقد ساهم دأب السلطة الأسدية على منع تشكُّل هوية وطنية جامعة، في تمحور وعي الفرد حول أناه الإثنية والطائفية واعتماد مبدأ الخلاص الفردي. وكان تأثير ذلك واضحاً في إطالة عمر السلطة التي اعتمدت كذباً خطاب الوطنية والسيادة وحماية الأقليات. وقد مارست السلطة المخلوعة تحت يافطة الشعارات المذكورة أشد أشكال وأنواع القمع والتخوين الذي طال كل من رفض الخضوع لها.علماً أن غالبية أبناء الأقليات العرقية والمذهبية كانوا يرفضون سياسات السلطة الأسدية القمعية. مع ذلك يُنظر للأقليات كأعداء للأكثرية الدينية. انطلاقاً من ذلك نلحظ مواجهات ذات ملمح طائفي تستهدف الأقليات. نشير هنا إلى أن الخروج من المأزق الذي يعاني منه السوريين عموماً، يستوجب تبني رؤية وطنية جامعة، وتمكين مبدأ المواطنة المتساوية وإطلاق الحريات العامة المدنية والسياسية ونشر ثقافة التسامح وسيادة القانون... دون أن يعني ذلك إغفال ضرورة تمكين العدالة الانتقالية ومحاسبة المجرمين والمرتكبين وكل من تلطخت يده بدماء السوريين، وأيضاً جبر الضرر وإعادة الحقوق لأصحابها. بمعنى آخر يجب وضع حد للممارسات المستندة إلى قاعدة رد المظلومية، وذلك كونه يؤسّس إلى نشوء مظوميات أخرى نتيجة استخدام العنف ضد فئات وأفراد عانوا من المظلومية بدرجات وأشكال ومستويات مختلفة. فالعنف كما هو معلوم يؤسس إلى عنف مضاد. وذلك يؤكد على ضرورة التخلي عن لغة العنف واستخدام لغة العقل والمنطق والتسامح والمصالحة، ونشر ثقافة العيش المشترك للحد من تجدد دورة العنف المجتمعي، وللخروج من دوامة العنف والعنف المضاد إن المساواة أمام القانون يشكّل المدخل الأساس لاستقرار المجتمع وبناء دولة المواطنة المتساوية. في سياق مختلف نشير إلى إن منهج«صدام الحضارات» يُشكّل الإطار التحليلي العام لخطاب المظلومية. انطلاقاً منه وعلى أساسه يحلل كثيرُ من الكتَّاب معطيات الصراع السوري ومستوياته وأشكال تجلياته المتداخلة والمتشابكة. ولذلك علاقة مباشرة بانزياح طرق وآليات التفكير السياسي إلى حقل التحليل الديني واعتماد تجلياته وتمظهراته اليومية مرجعاً للتحليل. ما يؤدي إلى وقوع دعاة خطاب المظلومية في إشكالية منهجية تُبعدهم عن الجذر السياسي للأزمة، وارتباطها العضوي بتناقض وتداخل السياسات والمصالح الدولية والإقليمية. علماً أن غير حكومة حمَّلت منطلقات «الربيع العربي» على مقدمات دينية وطائفية تُناقض مقدماته وأبعاده ودوافعه الأساسية، ما دفع بالأوضاع في سوريا تحديداً إلى حقل صراع ديني، مذهبي وطائفي إشكالي، تجاوزت تداعياته حدود الجغرافيا الوطنية. لقد عانى إخوتنا المسلمون السنَّة حقيقة مظلومية يكشف عن تجلياتها صراع ارتبط بسيطرة سلطة أقلوية على السلطة والدولة والمجتمع. بيد أننا نتساءل بذات اللحظة عن أوضاع أبناء الأقليات. ألم يعاني أبناء المجتمع الواحد بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والعرقية من مظلومية، طبعاً باستثناء ذوي الامتياز والنفوذ بغض النظر عن انتمائهم. ما يعني إن اهتمام الطغمة المخلوعة تركّز بالدرجة الأولى على تمكين مبدأي الولاء والخضوع. ومن يغرد خارج السرب يتعرض للقمع والاضطهاد أياً يكن انتماؤه. ولا يغيِّر من طبيعة ذلك ما نلحظه من ارتفاع منسوب الانزياح إلى حقل التفكير والممارسة الدينية، المذهبية والطائفية. فجوهرها يتبلور في سياق صراعات سياسية وظيفية تتسم بالتبعية والارتهان. وفي ذات السياق تندرج تموضعات متداخلة هجينة غير أصيلة وغير مستقرة، تربطها علاقة إشكالية بأسباب الصراع وتداعياته. أما محاولات إبعاد مجريات الصراع عن جذره السياسي فإنه أدخل فئات اجتماعية واسعة في حالات تناقض استقطابي انعكست تداعياته واستندت بآن إلى أشكال من الوعي الاجتماعي دون وطني. إن تحميل الأوضاع السورية على مفهوم المظلومية يَحُط من قيمة السوريين ويبخسهم حقهم، ويتناقض مع مساعيهم الهادفة للتغيير الوطني الديمقراطي. كذلك فإن اعتماد خطاب المظلومية لإنصاف أهل السنَّة ورفع المظلومية عنهم يؤسس لصراعات مفتوحة تعزز من تفاقم الاستقطاب الطائفي والمذهبي. وفي ذلك تجاهلاً لمواقف أبناء الأقليات الذين وقفوا ضد الطغمة الأسدية المخلوعة لاستعمالها العنف الطائفي. وأيضاً رفضها زج الأقليات في حرب السلطة ضد السوريين. لقد ادَّعت السلطة المخلوعة لتأبيد سيطرتها حماية الأقليات،علماً إن أوضاع الأقليات كانت سيئة للغاية. وموقف النظام من المعارضين من أصول أقلوية، لم يختلف عن موقفه من المعارضين من أصول أكثروية. مع ذلك فإن بعض أنصار الثورة السورية، يصرون على التعامل مع الأقليات بكونها ارتهنت للسلطة المخلوعة ودعمتها. ما أسهم بنشوء مظلومية أقلوية مركّبة نتيجة تموضع الأقليات بين طرفي استقطاب قصووي. في السياق فإن تساؤلات كثيرة تتعلق بأسباب وأهداف استهداف المجموعات الجهادية للمخالفين لهم من أبناء جلدتهم. وجميعها تجلَّى في سياق معارك التصفية والإبادة المتبادلة داخل الأطراف الجهادية، «المعتدلة منها والمتطرفة» وجميعهم من المسلمين السنَّة. ألا يخالف ذلك جوهر خطاب المظلومية؟ إذاً كيف لنا أن نفصل معرفياً وسياسياً بين تجليات الصراع الظاهرية، ودوافعه المخفيِّة؟. أخيراً إن أبعاد الصراع السوري تتجاوز حدود الانتماء الديني،الطائفي والعرقي. علماً أن هذه الانتماءات يتم توظيفها سياسياً. وذلك يدفعنا للتمسك بخطاب عقلاني موضوعي ديمقراطية يؤسس لمبدأ المواطنة المتساوية، ويمكّن الحريات العامة والتعددية السياسية وسيادة القانون، ويكون مدخلاً لبناء دولة تعددية ديمقراطية موحدة أرضاً وشعباً تتمتع بالسيادة على كامل الجغرافية الوطنية، وباستقلال القرار الوطني.
#معتز_حيسو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بخصوص ثقافة العنف
-
عود على بدء سؤال الهوية من جديد
-
عود على بدء سؤال الهوية من جديد
-
مقدمات أولية للحوار عن إشكاليات الأيديولوجيات الكبرى
-
قراءة أولية في وثيقة الإعلان الدستوري
-
بخصوص الوطنية والمواطنة
-
قراءة في مستقبل الاقتصاد السوري
-
المدخل إلى التعايش المجتمعي
-
من تحديات العمل السياسي والمدني في اللحظة الراهنة
-
معاً نبني سوريا حرة موحدة ديمقراطياً
-
الدولة هوية
-
عن إشكاليات إعادة إنتاج الذات العربية
-
عن إشكالية إعادة تصنيع العقل البشري عولمياً
-
سوسيولوجيا الهشاشة والفقر: سوريا أنموذجاً
-
المثقفون الرُّحّل
-
المثقفون الرُحّل
-
الدستور وقضايا التغيير في سوريا
-
مَن أنتم؟ هل كان القذافي محقا؟
-
التحوّلات الدولية وعلاقتها بمستقبل سوريا السياسي
-
عن إشكالية التغيير السياسي في سوريا
المزيد.....
-
اعتراض إسرائيل لـ-أسطول الصمود-.. إليكم القصة الكاملة وردود
...
-
اليوم 727 لحرب غزة: قصف مستمر والبحرية الإسرائيلية تسيطر على
...
-
-أسطول الصمود- المتجه إلى غزة يواصل رحلته رغم اعتراض البحرية
...
-
ذوبان قياسي لأنهار سويسرا الجليدية بفعل الحرارة ونقص الثلوج
...
-
ترامب يستغل الشلل الفيدرالي لتسريح موظفين ومعاقبة منتقديه
-
15 عاما والقامشلي بلا بنك دم
-
مجزرة في دير البلح وتحذير إسرائيلي جديد لسكان مدينة غزة
-
أناشيد أفريقيا الوطنية.. حناجر الهوية والوحدة
-
البيت الأبيض: مناقشات حساسة بشأن خطة ترامب لإنهاء الحرب بغزة
...
-
عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي سيطر حتى الآن
...
المزيد.....
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|