سماك العبوشي
الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 00:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما أن انتهى الاجتماع الذي بشرّ به الرئيس الأمريكي ترامب يوم الثلاثاء 23/9/2025 والذي عُقد برعايته وحضوره شخصيا بمشاركة مجموعة مختارة ومنتقاة من القادة العرب والمسلمين (المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، وقطر، مصر، الأردن، تركيا، إلى جانب رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف) لإجراء محادثات مغلقة تدور حول (الأمن الإقليمي وحرب غزة!!)، ولمناقشة خطة أمريكية بشأن إنهاء الحرب في غزة ومستقبل القطاع الفلسطيني، فإذا بالأنباء تترى لتزفّ الينا بشرى اختيار ترامب لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير – تحديدا ودون غيره!!- ليترأس مجلسا إشرافيا يحمل اسم "السلطة الانتقالية الدولية لغزة"، تعمل هذه الهيئة في البداية من مقر في جمهورية مصر العربية (في العريش تحديداً)، قبل دخولها القطاع بدعم قوة متعددة الجنسيات معتمدة دولياً.!!
كنت قد حذرت في مقالي السابق، والذي جاء بعنوان "هل يصدق ترامب هذه المرة!!"، المنشور في موقع حوار متمدن بتاريخ 24/9/2025 من أن ترامب الذي وقف الى جانب العدوان الإسرائيلي على غزة، وأمد قوات الاحتلال بأعتى أنواع الأسلحة والقذائف والصواريخ لقتل أبناء غزة، كما وأمر مندوبة بلاده في مجلس الأمن لإجهاض صدور قرار أممي بإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، فإنه لن يكون يوما ما سببا في إنهاء محنة أبناء غزة، وأقتبس نص مقطع ذكرته بخصوص نوايا ترامب الحقيقية: "من يعتقد أن حال إبليس سينصلح يوما ما فنراه قد دخل الجنة فهو واهم وساذج، وهذا لعمري ما ينطبق على ترامب إلى حد كبير، وستثبت لكم الأيام صدق المثل العربي الشهير هذا، لاسيما وأن من يتحكم بعقلية ونهج ترامب هو تيار الصهيونية المسيحية، وهي رؤى متشددة تجاه الإسلام، وفلسطين، مع دعم مطلق لإسرائيل"!!... انتهى الاقتباس.
هذا كما وتساءلت في مقالي السابق وأقتبس نصا: "أيعقل أن ترامب هذا، الداعم الأكبر للنتن ياهو، والذي تماهى كثيرا طيلة السنتين الماضيتين مع العدوان الإسرائيلي على غزة، سيكون صادقا تماما في دعوته الأخيرة هذه للبحث مع هؤلاء القادة في كيفية إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة!!، أم أنه يخبئ في جعبته أمرا ما كي يُفشل هذا الاجتماع من خلال طرحه لاقتراحات وأوامر سيمليها على قادة هذه الدول العربية والإسلامية - كإدخال قوات عربية وإسلامية على سبيل المثال لا الحصر- بذريعة امساك أرض غزة والعمل على تجريد المقاومة من سلاحها، تمهيدا لما يسمى (اليوم التالي للحرب)، وقد ترفض المقاومة الفلسطينية في غزة تسليم سلاحها وإلقائه، مما سيدفع هذه القوات العربية والإسلامية المشتركة لمقاتلة أبناء غزة، مما سيعطي ذريعة جديدة للتدخل الأمريكي أو الإسرائيلي في غزة لاستكمال مخططها الذي عجزت عن تحقيقه سابقا لما واجهته من احتجاجات ومعارضة دولية لجرائم الإبادة في غزة!!"... انتهى الاقتباس.
ولم تمض إلا أيام معدودة ليصدق ظني فيما تنبأت به وذكرته بمقالي السابق آنف الذكر، فثمة والله وتالله وبالله ما يقلقني، كما ويقلق حتما كل شرفاء أمتنا العربية لاختيار ترامب لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير تحديدا دون غيره ليترأس هذا المجلس المكلف بإدارة غزة لفترة انتقالية، وذلك لجملة أسباب، تتعلق جميعها بتاريخ هذا الرجل السياسي البريطاني المعروف بعلاقاته الوثيقة بالمؤسسة الإسرائيلية واليمين الأمريكي، أكثر من قربه إلى أي فكرة عن الحقوق الفلسطينية العادلة، إضافة لتداعيات ما قام به خلال ثلاث فترات كانت له فيها بصمات سيئة في صناعة أحداث مأساوية في منطقتنا العربية وهي كالتالي:
أولا... خلال فترة رئاسته للحكومة البريطانية:
كلنا يذكر جيدا دوره الداعم للخيار العسكري في غزو العراق أثناء فترة رئاسته للحكومة البريطانية، حيث أرسل قوات بلاده للمشاركة في غزو العراق جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية، كما كان بلير من أكبر حلفاء الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن في تبرير غزو العراق استنادا الى معلومات وبيانات كاذبة ومزورة عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي ظهر كذبها فيما بعد، حيث تم إجراء تحقيق بريطاني رسمي عام 2016 وصدر تقرير عنه سمي "تقرير تشيلكوت"، أظهر فيه إلى أن الحكومة البريطانية آنذاك (ولا سيما مكتب رئيس الوزراء توني بلير) قد بالغت في استعراض حجم التهديد، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن المخاطر الإقليمية والتبعات الداخلية للعراق (والتي كانت معروفة مسبقاً) لم يتم الأخذ بها، ما ترتب على ذلك الغزو والاجتياح من تداعيات مدمرة في العراق بما يشمل ملايين الضحايا وانهيار مؤسسات الدولة مع انزلاق البلاد سريعا إلى حرب طائفية مريرة!!، في حين اعترف توني بلير لاحقا بالمسؤولية الكاملة عن ذلك، ما أسفر عن اتهامات أطلقت عليه لقب "الوسيط غير المحايد"!!
ثانيا ... دوره المشبوه خلال فترة تعيينه مبعوثا للجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط:
بعد استقالة توني بلير من منصبه كرئيس للوزراء في يونيو 2007، فقد تم تعينه مبعوثاً للجنة الرباعية الدولية الخاصة بالسلام بالشرق الأوسط، واستقال منها في يونيو 2015. وخلال وجوده في هذا المنصب فقد ارتبط اسمه بالكثير من الأمور، ولعل آخرها ما كانت قد كشفته صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، بتاريخ 10/9/2020، بشأن علاقة بلير بالاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، حيث قالت إنه هو من بدأ المفاوضات السرية بين الجانبين، والتي انتهت بإعلان التطبيع في 13/8/ 2020، حيث ذكرت الصحيفة بقيام بلير بوساطة شخصية عام 2015 لبدء لقاءات سرية بين إسحاق مولخو، المستشار السابق لرئيس حكومة الاحتلال، ومسؤولين إماراتيين في العديد من العواصم الأوروبية والخليجية. وسهّل اجتماع "مولخو" مع وزير إماراتي في لندن وأبوظبي ونيقوسيا (عاصمة قبرص)!!.
ثالثا ... دوره المشبوه ما بعد استقالته من اللجنة الرباعية، في الدعوة للتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل:
لقد سعي توني بلير حثيثا لخدمة الكيان الإسرائيلي من خلال تسهيل عمليات التطبيع بين الأنظمة العربية مع تأكيده على عدم إدراج القضية الفلسطينية في المرحلة آنذاك!!، حيث نشرت قناة i24 (والتي تبث من يافا وتل أبيب) بتاريخ 24 أيلول / سبتمبر 2020 خبرا هذا نصه وأقتبس: "دعا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، اليوم الخميس، الذي شغل منصب الموفد الخاص السابق للجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة إلى تحقيق التطبيع أولا بين الدول العربية وإسرائيل. وقال بلير في مؤتمر صحيفة جيروساليم بوست: "يجب أولا إحلال السلام بين الدول العربية وإسرائيل، وبعد ذلك يجب إدراج القضية الفلسطينية"!!
هذا غيض من فيض ما عُرف عن مواقف توني بلير، وما خفي كان أعظم، يضاف لذلك كله المخاوف التي صدرت من وسائل الإعلام الفلسطينية وتصريحات صادرة عن الفصائل، والتي تتوقع تحيزا متوقعا من توني بلير لصالح إسرائيل من قبل توني بلير، التي كررت رفضها لفكرة "الوصاية الدولية" على قطاع غزة ، لاسيما وأن توني بلير كان قد اعترف أيضاً بأن دور حكومة بلاده في "مقاطعة حماس" بعد فوزها في انتخابات عام 2006 كان "خطأً"، ما أسفر عن "عزل غزة" وترسيخ الانقسام الفلسطيني، وكرس واقعا إنسانيا وسياسياً صعباً بدلاً عن محاولة "جذب حماس للحوار"!!
لهذا كله مجتمعا فإن اختيار ترامب لتوني بلير لتولي هذه المهمة مشبوهة المقاصد وسيئة الغايات غير موفق، ولم يكن ذلك الاختيار وليد الصدفة أو أنه قد جاء اعتباطيا كما يظن أو يحلو للبعض أن يذكره، بل كان اختياره مبيتا ومطبوخا ومهيأ منذ فترة ليست بالقصيرة، فسيرة الرجل التي ذكرناها آنفا تؤكد صحة حدسنا بعدم حياديته، وما يؤكد صحة ظننا بسوء اختياره، ما كانت قد أوضحته صحيفة الفايننشيال تايمز، حيث نقلت بتاريخ 25/9/2025 عن مصادر مطلعة بأن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير كان يسعى لتولي دور بارز في إدارة شؤون غزة بعد الحرب بموجب خطة سلام تعمل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تطويرها، وأضافت الصحيفة أن اسم بلير طُرح لرئاسة مجلس إشرافي يحمل اسم "السلطة الانتقالية الدولية لغزة"، وأن بلير قد شارك في اجتماع عُقد أواخر أغسطس برئاسة ترامب لمناقشة حرب إسرائيل في غزة و(خطط ما بعد الحرب للمنطقة!!)، هذا كما وذكرت الصحيفة أن "معهد توني بلير" قد شارك خلال شهر تموز / يوليو في مشروع لوضع خطة لما بعد الحرب في غزة ، وكشفت تقارير صحفية، أواخر أغسطس الماضي، تفاصيل الاجتماع الذي جمع بين الرئيس ترامب وبلير، وصهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، وعدد من المسؤولين، في البيت الأبيض!!.
ختاما ... أردد ما قالته العرب في الأمثال عن الندامة والغدر: "كيْفَ أُعَاوِدُكَ وَهَذَا أَثَرُ فَأَسِكَ"!!
قال تعالى في ترامب وبلير ومن شابههما:
"وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)" (سورة البقرة).
27 أيلول / سبتمبر 2025
#سماك_العبوشي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟