أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - حسين أحمد - رحلة حزب العمال الكردستاني في متاهة الأيديولوجيا: من دولة كردية حمراء إلى أمّة ديمقراطية خضراء














المزيد.....

رحلة حزب العمال الكردستاني في متاهة الأيديولوجيا: من دولة كردية حمراء إلى أمّة ديمقراطية خضراء


حسين أحمد
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 20:31
المحور: القضية الكردية
    


منذ تأسيسه في أواخر السبعينات، كان حزب العمال الكردستاني يجمع بين يسار عالمي متراجع، وحركة قومية كردية تبحث عن أفق جديد. في تلك اللحظة، قرّر الحزب أن يرفع راية الماركسية – اللينينية، لا باعتبارها خياراً فلسفياً عميقاً، بل باعتبارها الموضة الثورية الرائجة آنذاك. فجأة صار الفلاح الكردي في المناطق الكردية في تركيا يتحدث بلغة البروليتاريا الأممية، وكأنّ المشكلة الأساسية في كردستان هي فائض القيمة لا التهميش القومي. لكن الواقع كان أبسط: الحزب أراد دولة كردية مستقلة بأي ثمن، فصبغ الهدف القومي بلون أيديولوجي أحمر كي يبدو أكثر ثورية!

في الثمانينات والتسعينات، تحوّل الحزب إلى آلة حرب. الكفاح المسلّح صار غاية بحد ذاته، حتى بات الرصاص يسبق الفكرة، والكمين يسبق النقاش. كان الحزب يقول إنه يحارب "الدولة التركية الفاشية"، لكن كثيراً من القرى الكردية دفعت ثمن وجوده قبل أن تدفعه أنقرة. في تلك الحقبة، لم يكن هناك مشروع فكري متماسك بقدر ما كان هناك إيمان بالسلاح كطريق وحيد. حتى صار السلاح هوية الحزب، لا أداته.

عام 1999، سقطت الورقة الأقوى: اعتقال عبد الله أوجلان. هنا بدأ التحوّل الكبير، أو بالأحرى الاستدارة الاضطرارية. فجأة تحوّل أوجلان من قائد ثورة مسلحة يطالب باستقلال كردستان إلى حكيم مسجون يلعن الدولة القومية جملة وتفصيلاً، بما فيها الدولة الكردية التي ناضل من أجلها لعقود. استلهم أفكار موراي بوكتشين عن "البلديات الديمقراطية" و"الإيكولوجيا"، وخرج بفلسفة "الأمّة الديمقراطية". باختصار، تخلّى الحزب عن مشروع الدولة ليقدّم مشروعاً بلا دولة، أشبه بحلم مثالي في الهواء. الحقيقة أنّ هذا التحوّل لم يكن "نضجاً فكرياً" كما يُسوَّق، بل محاولة للبقاء: إذا كانت تركيا والعالم يرفضون دولة كردية، فليكن لدينا مشروع بديل لا يصطدم مباشرةً بالخرائط الدولية.

ومع اندلاع الثورة السورية 2011، وجد الحزب أرضاً خصبة ليزرع شعاراته الجديدة. في روج آفا، أقيمت "الإدارة الذاتية الديمقراطية"، وصارت واجهة عملية لمشروع الأمّة الديمقراطية. الإعلام الغربي احتفى بالمقاتلات الكرديات وكأنهنّ يحرّرن العالم من ذكوريته، وصار علم وحدات حماية الشعب أكثر حضوراً من علم كردستان التقليدي في نشرات الأخبار. لكن خلف هذه الصورة الرومانسية، كانت هناك حقيقة أكثر قسوة: سلطة حزبية مركزية تسيطر على كل شيء، من المجالس المحلية إلى توزيع الخبز. الديمقراطية المباشرة التي نادى بها الحزب لم تكن سوى غطاء لسيطرة بيروقراطية حزبية صارمة، لا تقل انغلاقاً عن أي نظام قومي أو شمولي في المنطقة.

أما شعار "تحرير المرأة"، فقد تحوّل إلى أيقونة دعائية عالمية. صحيح أنّ الحزب فتح باب المشاركة أمام النساء بصورة غير مسبوقة، لكن سرعان ما تحوّلت هذه المشاركة إلى جزء من أسطورة أوجلان نفسه. المرأة صارت تُقدَّم كرمز لمشروع الحزب، لا كفاعل مستقل يفرض وجوده خارج هيمنة الأيديولوجيا. تحرير المرأة كان موجوداً، لكنه محكوم برؤية ذكورية مقلوبة، تجعلها أداة في خدمة صورة الحزب أمام العالم.

اليوم، بعد أكثر من أربعة عقود، يظهر حزب العمال الكردستاني وكأنه تغيّر كثيراً، لكن جوهره لم يتغيّر. في البدايات رفع شعار الدولة الكردية المستقلة، ثم تبرّأ من الدولة القومية، ثم تبنّى مشروعاً عابراً للقوميات يزعم أنه بديل للأنظمة القومية والدكتاتورية في الشرق الأوسط. غير أنّ النتيجة النهائية واحدة: الحزب يريد السلطة، سواء تحت اسم الدولة أو باسم الإدارة الذاتية أو حتى باسم الأمة الديمقراطية. يلعن الدولة من جهة، ويؤسس سلطة أكثر صلابة من الدولة من جهة أخرى. يتحدث عن الحرية، بينما يفرض وصايته الفكرية والتنظيمية على المجتمعات المحلية.

التحولات الفكرية للحزب إذن ليست رحلة فلسفية متصاعدة، بل سلسلة من الاستجابات للواقع والضغط: من ماركسية لينينية مستعارة، إلى قومية مسلّحة متوحشة، إلى مراجعات مضطربة من خلف القضبان، وصولاً إلى مشروع مثالي يُستخدم غطاءً لممارسة سلطة أمر واقع. بهذا المعنى، لم يكن حزب العمال الكردستاني يوماً صاحب "مشروع ثابت"، بل صاحب قدرة عالية على إعادة طلاء نفسه بما يضمن بقاءه.

ولعلّ المفارقة الكبرى أنّ الحزب الذي بدأ كحركة استقلال قومي، وانتهى كحركة عابرة للقوميات، لم يتحرّر من عقدة واحدة: عقدة الهيمنة. كل شيء تغيّر: الشعارات، الرموز، حتى المقولات الفلسفية. لكن السلطة بقيت هي الثابت، والآخرون – سواء كانوا أعداءً أو حلفاء – مجرّد أدوات في مسرحية طويلة اسمها: "كيف يبقى الحزب حيّاً، حتى لو استهلك كل الأفكار الأيديولوجيات".



#حسين_أحمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الحراني - السرياني في رواية -الحراني-
- إسطنبول في عين العاصفة: أزمة حزب الشعب الجمهوري وتداعياتها ا ...
- بين الرسمي والتسريبات: قراءة في خطاب أوجلان ومآلات المسار ال ...
- ماهر تشايان: مسار من الفكر إلى العمل المسلح إلى إلهام أوجلان
- ​إبراهيم كايباكايا (إيبو): قائد ومنظر الماوية في تركيا
- توم باراك يضرب الأرض برجليه كطفلٍ فَقَدَ لعبته: صراع النفوذ ...
- خطاب أردوغان التاريخي: هل هو خطاب تاريخي أم دعاية للخطاب
- تبعات تدخل حزب العمال الكردستاني في الصراع السوري: خسائر جسي ...
- واقع عملية السلام في تركيا وآفاق الحل
- الحوار الكردي بعيون تركية: السياسة تقودها المصالح لا الأوهام
- قراءة في كتاب قبل حلول الظلام للمعتقل السابق معبد الحسون
- كتاب عملية ماموت
- قلم اللاجئ في مواجهة العنصرية
- محطات بارزة في راهن الكرد في سوريا
- مقتطفات من تاريخ الحركة الكردية في سورية
- مقتل قاسم سليماني سيغير معادلات كثيرة في المنطقة
- ما الذي يجري في العالم ..؟؟؟
- داعش و الغرب في علاقة إستراتيجية .؟؟
- نظرة الغرب الاستراتيجية للكورد
- حوار مع الشاعرة الأمازيغية المتمردة مليكة مزان


المزيد.....




- مصافحة حارة بين ترامب والشرع بعد خطابه في الأمم المتحدة
- عباس يخاطب الأمم المتحدة عبر الفيديو ويعلن استعداده للعمل مع ...
- خليفة يطلع برلمانيين بولنديين على خطورة الوضع الإنساني في غز ...
- الجالية السورية تحتفل بزيارة أحمد الشرع أمام مقر الأمم المتح ...
- قراءة في خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة
- الرئيس الفلسطيني يدعو إلى الإفراج عن جميع الرهائن والأسرى من ...
- محمود عباس مخاطبًا الأمم المتحدة: إسرائيل قتلت وأصابت أكثر م ...
- تل أبيب تعلن اعتقال إسرائيلي هدد باغتيال نتنياهو
- رئيس دولة فلسطين يلقي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحد ...
- اجتماع خاص في الأمم المتحدة يطالب بحماية الصحفيين في غزة


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - حسين أحمد - رحلة حزب العمال الكردستاني في متاهة الأيديولوجيا: من دولة كردية حمراء إلى أمّة ديمقراطية خضراء