أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج منصور - العراق: عندما يتحول الذباب الإلكتروني إلى سلاح للفوضى الناعمة














المزيد.....

العراق: عندما يتحول الذباب الإلكتروني إلى سلاح للفوضى الناعمة


جورج منصور

الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 04:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من أبرز سمات المشهد الإعلامي والسياسي في العراق، خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة الذباب الإلكتروني، التي تُعد من أخطر ظواهر العصر الرقمي، إذ تعمل جاهدة على تكميم الأصوات الشريفة. ولم تعد هذه الظاهرة مجرد نشاط عابر على مواقع التواصل الإجتماعي، بل تحولت إلى منظومة منظمة تستهدف كل من يجرؤ على قول الحقيقة أو انتقاد الفساد أو كشف التلاعب بمصير الناس المغلوبين على أمرهم.
الذباب الإلكتروني، بجيوشه الافتراضية، يُستخدم كأداة قمع رقمية موازية للقمع التقليدي، ولا يعمل بشكل عفوي، بل بتمويل وتخطيط دقيق، ويُستخدم كأداة لتشويه السمعة، عبر نشر الأكاذيب والإشاعات ضد المثقفين والإعلاميين والأصوات الحرة، كما يُغرق النقاشات الجادة بالسباب والشتائم والرسائل المكررة لطمس الفكرة الأساسية، أو استهداف الناشطين، أو يوجه تهديدات للناشطين، ما يخلق بيئة طاردة لأي رأي مخالف.
لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي فضاءً حراً لتبادل الآراء كما يُفترض أن تكون، بل غدت في كثير من الأحيان ساحة لتصفية الحسابات. وهذه الظاهرة، وإن لم تكن جديدة تماماً، فإنها تتخذ اشكالاً أشد قسوة كلما استهدفت شخصيات ثقافية أوفنية تمتلك القدرة على كشف الرداءة، الأمر الذي يثير حفيظة من اعتادوا على تلميع الردئ وتمرير التفاهة على أنها منجز فني.
إن الذباب الإلكتروني ليس مجرد مجموعة من حسابات مجهولة تُطلق الشتائم، بل هو آلة مدروسة تستهدف إسكات الأصوات الشريفة عبر الإبلاغات المتكررة، والتضليل، والتحريض الجماعي، وتشويه السمعة الشخصية والفكرية. وخطورته الحقيقية تكمن في تآكل الثقة بالمعلومة، وإضعاف الإعلام المستقل، وترسيخ الشك في كل ما يُقال أو يُكتب. وهكذا يتحول الرأي العام إلى بيئة مرتبكة، تُهيمن عليها الشائعة، وتُخذيها الخرافة، بينما تتراجع الصحافة الجادة.
وبدل أن يكون الفضاء الرقمي ميداناً للحوار البنَّاء، يتحول إلى ضوضاء افتراضية تُقمع فيها حرية النقاش ويُستلب الصوت الحقيقي لصالح أصوات مصطنعة تُدار من غرف مظلمة، ويصبح الصمت قاعدة ويُترك المجال رحباً للسطحية والشعبوية. وهكذا يجد المثقف أو الصحفي الشريف نفسه وحيداً في مواجهة جيوش منظمة، بينما تغض المؤسسات الرسمية الطرف أو تشارك في اللعبة أحياناً. والنتيجة: خنق الحرية الفكرية، وإقصاء الكفاءات، وترسيخ ثقافة الخوف والصمت.
هذه المارسات لا تستهدف الأفراد فقط، بل تضرب جوهر المجال العام، فتدفع الناس إلى العزوف عن النقاش خوفاً من التشويه والهجوم، وتخلق مناخاً مشوهاً يهيمن فيه الصوت المصطنع على حساب الصوت الحقيقي. والأخطر أن كثيراً من هذه الحملات يدار بغطاء رسمي أو بدعم قوى سياسية نافذة، فتصبح المنصات ساحات حرب ناعمة تُخاض بالهاشتاغات المدفوعة والإعلانات الموجهة، ويُقصى منها أصحاب الرأي المستقل.
وهكذا يُقاد الرأي العام أحياناً بالانفعال لا بالوعي، وبالعاطفة لا بالعقل، فتُختزل القضايا الجوهرية في صراعات مفتعلة، بينما تتوارى ملفات كبرى، مثل التنمية والتعليم والفساد والعدالة.
إن خطر الذباب الإلكتروني لا يكمن فقط في تضليل الناس فحسب، بل في قتله للثقة بالوسيلة الإعلامية، وحتى بالجار والصديق. وحين تنهار الثقة، تنهار معها القدرة على بناء وعي جماعي قادر على التغيير.
ومع ذلك، أثبتت التجارب أن هذه الجيوش الرقمية، مهما بلغت قوتها، تبقى عاجزة أمام الكلمة الصادقة والفكر العميق. فالتاريخ يحفظ أسماء من تصدوا للتزييف والخراب، بينما يطوي بسهولة جحافل الحسابات الوهمية. ومواجهة الذباب الإلكتروني لا تكون فقط بالفضح والتنديد، بل أيضاً بخلق إعلام حر، وتعزيز ثقافة التحقق من المعلومة، وتشجيع الناس على الثقة بالعقول المستقلة لا بالجيوش المأجورة. فالكلمة الحرة أصدق من ألف حساب مزيف، والتاريخ لا يُكتب بيد الذباب الإلكتروني، بل بأيدي من قاوموا التزييف.
في العراق، تجلَّت هذه الظاهرة بوضوح. فكل من يحاول كشف الفساد أو الدعوة إلى إصلاح سياسي أو اجتماعي، يتعرض لحملات تشويه منظمة تستهدف سمعته ومصداقيته. وغالباً ما يواجه الصحفيون والناشطون المدنيون حملات تخوين وتشهير، ما يضعف ثقة الجمهور بأي خطاب نقدي، ويجعل النقاش العام مرهوناً بسطوة الحسابات المجهولة لا قوة الفكر.
واليوم، ومع قرب معركة الإنتخابات، تنتشر تسجيلات صوتية مزيفة على شكل إعلانات ممولة تُنسب إلى سياسيين عراقيين، الغاية منها التسقيط السياسي والإيقاع بهم، وبالتالي تشويه صورتهم لدى الرأي العام.
الذباب الإلكتروني لن يختفي تماماً، فهو جزء من أدوات الدعاية الحديثة، لكنه يمكن أن يُحاصر ويُضعف عبر إرادة سياسية وتشريعات صارمة تفرق بين حرية التعبير وبين الحملات الممنهجة التي يقودها الذباب الإلكتروني. كما أن الشفافية في نشر المعلومات الرسمية تمثّل سلاحاً فعَّالاً، إضافة إلى التعاون الدولي، إذ إن هذه الحملات غالبا ما تتجاوز حدود الدولة الواحدة.
وتتحمل المنصات (فيسبوك، إكس، إنستغرام وغيرها) جزءاً كبيراً من المسؤولية، إذ يتعين عليها تطوير خوارزميات أكثر ذكاءً لكشف الحسابات الوهمية، وإتاحة أدوات سهلة للمستخدمين للإبلاغ عن الحملات الممنهجة، مع تعزيز الشفافية في الإعلانات السياسية.
أمَّا على مستوى الأفراد، فالمواطن نفسه هو الحلقة الأهم: عليه التحقق من الأخبار قبل مشاركتها، وتجاهل النقاشات العقيمة التي يثيرها الذباب، والتبليغ عن الحسابات المشبوهة. كما أن دعم المحتوى الرصين بالمشاركة والتفاعل يساعد على إعلاء صوت الحقيقة فوق ضجيج الوهم.
إن المعركة الحقيقية ليست تقنية فحسب، بل هي معركة وعي وشفافية وإرادة، تبدأ من الدولة والمؤسسات، ولا تنجح إلاَّ حين يدرك المواطن أن مقاومة التضليل هي مسؤوليته أيضاً.



#جورج_منصور (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنانة هديل كامل: الحياة.. كجملة ناقصة
- العراق: المنصب الدبلوماسي مكافأة لا استحقاق
- المثقف العراقي: مرآة لخيبة نظامين
- في اليسار العراقي.. مجرد رأي
- العراق: حين يُستهان بالعلم ويُحتفى بالخرافة
- -الرحلة-: لم تكن كأي رحلة
- طهران.. ما أشبه اليوم بالبارحة
- -وادي الفراشات- .. حين ضاقت السماء على الأرض
- جولة حرة في الموصل.. الطيور الهاربة لم تعد إلى اعشاشها بعد
- شكرا لهذا الاحتفاء المُبهر
- (ذاكرة يد).. مدخلٌ إلى جحيم أقبية الموت
- عروض التعازي طقوس درامية
- حوار لم يُنشر مع شيركو بيكه س
- لقاء في قم
- بغداد 2003: عندما كشّر الموت أنيابه*
- الفنان الآشوري هانيبال ألخاص كما عرفتهُ
- حكايتان من الجبل: الساقية والبغل
- عن الهجوم الكيمياوي على حلبجة كًلستان*
- مشياً على الأقدام بإتجاه الوطن: من موسكو الى قرية نائية .. ه ...
- هل رفع خيم المتظاهرين تفكيك لإنتفاضة تشرين؟


المزيد.....




- مصر.. فيديو لشخصين وما فعلاه بفتاة خلال سيرها مع شقيقتها وال ...
- عندما تُشعل هواتف الشباب الثورات: كيف يقود جيل زد الاحتجاجات ...
- بي بي سي ووكالات أنباء دولية يطلقون فيلماً يدعو إسرائيل إلى ...
- خاركيف تتعرض لهجمات بطائرات مسيرة روسية
- تشديد تأشيرات H-1B يهز -الحلم الأمريكي-..طلاب الهند يبحثون ع ...
- فرنسا: القضاء يصدر حكمه بحق ساركوزي في قضية اتهامات بتقاضي أ ...
- الصين تدعم صندوقا برازيليا بقيمة 125 مليار دولار لحماية الغا ...
- سؤال وجواب.. لهذه الأسباب لا تتكرر هبّة النفق رغم استباحة ال ...
- إيران تنشر وثائق بشأن برنامج نووي إسرائيل
- نتنياهو يعلن شروطه للوصول إلى اتفاق مع سوريا


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج منصور - العراق: عندما يتحول الذباب الإلكتروني إلى سلاح للفوضى الناعمة