أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج منصور - العراق: المنصب الدبلوماسي مكافأة لا استحقاق














المزيد.....

العراق: المنصب الدبلوماسي مكافأة لا استحقاق


جورج منصور

الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 02:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اثار انتباه العراقيين خبر تصويت البرلمان على قائمة السفراء الجدد، إذ إن معظم من شملهم التصويت لتمثيل العراق في 93 دولة لا يملكون أي خبرة دبلوماسية، ولا يحملون مؤهلات أكاديمية مناسبة. المفارقة أنَّ "المؤهَّل" الأبرز لدى كثير منهم هو قرابتهم أو ولاؤهم للأحزاب والكتل السياسية المتحكَمة بالسلطة.
تذكرتُ هنا تصريح الحاكم لمدني للعراق بعد 2003 بول بريمر في مقابلة أجراها مؤخراً مع الصحفي السعودي مالك الروقي، حين قال: كنت محظوظاً بالسياسيين العراقيين الذين عملوا معي بعد سقوط نظام صدام حسين. "لم ألتقِ بسياسيين حقيقيين، بل بأشخاص يفتقر أغلبهم للخبرة، بعضهم كان يسعى وراء المال، وبعضهم الآخر أضاع وقتي لا أكثر".
وكما جرت العادة، جاءت هذه التعيينات وفق نظام المحاصصة الطائفية الذي تبنته الطبقة السياسية الحاكمة منذ 2003، وهو نظام ألحق أضراراً جسيمة بسمعة العراق وتاريخه ومكانته بين الأمم، وأصبح عقبة كبرى أمام تقدمه وازدهاره.
في عالم الدبلوماسية، السفير ليس مجرد موظف عادي، بل هو "وجه الدولة" وناطقها الرسمي، وصانع جسور بينها وبين البلد المضيف. الدبلوماسية الحقيقية تقوم على الكفاءة والثقافة والقدرة على تمثيل الوطن بجدارة. غير أن الواقع العراقي اليوم يشي بمشهد مغاير؛ فقد تحوَّل المنصب الدبلوماسي في كثير من الأحيان إلى مكافأة سياسية أو محاصصة حزبية، أكثر منه استحقاقاً مبنياً على الخبرة والجدارة.
هذا الخلل انعكس على صورة العراق في الخارج، فكثيراً ما يجد المواطن العراقي نفسه أمام سفراء يفتقرون إلى أبسط أبجديات العمل الدبلوماسي. وبدلاً من بناء شبكة علاقات مؤثرة مع صانعي القرار في الدول المضيفة، ينشغل بعضهم بخدمة مصالح أحزابهم أو الاكتفاء بالظهور البروتوكولي في المناسبات الرسمية. والنتيجة: ضياع فرص استثمارية وثقافية وسياسية، كان يمكن أن تعزز موقع العراق الدولي.
الدبلوماسية ليست مكاناً للتجريب ولا محطة للترضية. فهي ساحة تحتاج إلى رجال دولة حقيقيين، يجمعون بين العمق الثقافي والوعي السياسي والقدرة على التكيف مع بيئات معقدة. أما الزج بأشخاص غير مؤهلين في هذه المواقع الحساسة، فهو لعمري، إساءة للعراق وصورته وهيبته على المسرح الدولي.
إن إصلاح وزارة الخارجية يبدأ من إعادة الاعتبار للكفاءة، وإبعاد المحاصصة عن المناصب الدبلوماسية. فالعراق لا ينقصه الكفاءات، لكنه بحتاج إلى قرار سياسي شجاع يعيد للدبلوماسية هيبتها، ويجعل من سفاراته منصات فاعلة، لا عبئاً على الدولة.
في العالم الدبلوماسي، يُعد السفيروجه الدولة الرسمي، ولا يُنتقى لمنصبه إلا من يجمع بين الخبرة، والوعي السياسي، والقدرة على التمثيل اللائق. لكن الواقع العراقي يعكس أحياناً تحوّلاً مأساوياً: تُكسب المناصب كجوائز أو مكافآت سياسية، بعيداً عن الكفاءة والتمثيل المشرف.
هذه الحالات ليست وقائع فردية، بل هي نتيجة طبيعية لنهج اعتمد بشكل متزايد على التعيين السياسي بدل الجدارة، ما حول السفارات من أدوات قوة ناعمة إلى منصات عبثية، تُساء فيها إدارة صورة العراق أمام العالم. والسفير في الأغلب ليس ضحية، بل مرآة لعجز النظام في حماية مصالح الدولة وتمثيلها بمصداقية.
هكذا هي الأمور، حينما تضع الطبقة الحاكمة في العراق مصالحها الضيقة فوق مصالح الوطن والشعب، حيث يصبح الحكم مجرد وسيلة لتقاسم النفوذ والموارد، لا مشروعاً لبناء دولة عادلة. فالسياسة التي كان من المفترض أن تكون ساحة لخدمة الناس، تحولت إلى مضمار للمساومات والمحاصصات، حيث يُقدَّم الولاء الحزبي والطائفي على حساب الكفاءة والنزاهة، ويُستبعد كل من يملك مشروعاً حقيقياً للإصلاح أو التغيير.
لقد انعكست هذه الذهنية على مجمل الحياة العامة؛ الأقتصاد يعيش على الريع النفطي بلا خطط تنمية حقيقية، فيما تتراجع القطاعات الإنتاجية. والخدمات الأساسية من كهرباء وماء وصحة وتعليم بقيت متعثرة رغم مليارات الدولارات التي صُرفت. والمؤسسات أُضعفت عمداً، فصار الموظف والمواطن رهينة شبكات المحسوبية والفساد.
الطبقة السياسية الحالية، وهي تراكم امتيازاتها، تُمعن في تجاهل حقيقة بسيطة مفادها، أن استمرارها بهذا النهج يعني انهيار الثقة بين الدولة والمجتمع، ويدفع نحو مزيد من الانقسامات والاضطرابات. فالشعب الذي يرى ثرواته تُهدر ومصالحه تُداس، لا يمكن أن يبقى صامتاً إلى الأبد.
إن العراق، بتاريخ حضارته العريق وطاقاته البشرية الشابة، لا يستحق أن يُدار بهذه العقلية الضيقة. ما يحتاجه هو مشروع وطني جامع يعيد للدولة هيبتها ولمؤسساتها فعالياتها، مشروع يضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. غير أن السؤال الملح يبقى: هل تستطيع الطبقة الحاكمة أن تتخلى عن أنانيتها وتلتفت إلى مستقبل البلاد، أم أنها ماضية في طريق يقود الجميع إلى المجهول؟
ففي العراق اليوم، لم تعد السلطة وسيلة لبناء دولة عادلة، بل تحولت إلى غنيمة تتقاسمها الأحزاب المتنفذة وفق منطق المحاصصة والفساد. إن الطبقة الحاكمة وضعت مصالحها الضيقة فوق كل اعتبار، فصارت ثروات البلد تُنهب باسم الديمقراطية، ومؤسسات الدولة تُعطَّل كي تبقى تحت رحمة الولاءات الحزبية والطائفية.
هذه السلطة أثبتت أنها خصم مباشر للشعب، لا ممثل له. فهي لم تبنِ دولة، بل أنشأت شبكات فساد تتحكم بكل مفاصل الحياة. وحين يطالب الناس بحقوقهم، يُقابلون بالقمع أو الإهمال أو الوعود الكاذبة.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد فشل إداري أو ضعف في التخطيط، بل هو جريمة سياسية مكتملة الأركان، ارتكبتها الطبقة الحاكمة بحق بلد وشعب. فالعراق يُدار بعقلية المافيات لا بعقلية رجال الدولة، ولهذا تتفاقم الأزمات بدل أن تُحل، ويستمر النزيف بدل أن يتوقف.
وإذا استمرت هذه السلطة في تجاهل صرخات الناس ومصالح الوطن، فإنها لا تفعل سوى دفع البلاد نحو مزيد من الانهيار وربما الانفجار. التاريخ لن يرحم، والشعب كذلك لن يسكت إلى الأبد.



#جورج_منصور (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف العراقي: مرآة لخيبة نظامين
- في اليسار العراقي.. مجرد رأي
- العراق: حين يُستهان بالعلم ويُحتفى بالخرافة
- -الرحلة-: لم تكن كأي رحلة
- طهران.. ما أشبه اليوم بالبارحة
- -وادي الفراشات- .. حين ضاقت السماء على الأرض
- جولة حرة في الموصل.. الطيور الهاربة لم تعد إلى اعشاشها بعد
- شكرا لهذا الاحتفاء المُبهر
- (ذاكرة يد).. مدخلٌ إلى جحيم أقبية الموت
- عروض التعازي طقوس درامية
- حوار لم يُنشر مع شيركو بيكه س
- لقاء في قم
- بغداد 2003: عندما كشّر الموت أنيابه*
- الفنان الآشوري هانيبال ألخاص كما عرفتهُ
- حكايتان من الجبل: الساقية والبغل
- عن الهجوم الكيمياوي على حلبجة كًلستان*
- مشياً على الأقدام بإتجاه الوطن: من موسكو الى قرية نائية .. ه ...
- هل رفع خيم المتظاهرين تفكيك لإنتفاضة تشرين؟
- حكاية لقائي مع غائب طعمة فرمان وزهير الجزائري في موسكو
- مع مصطفى الكاظمي (ذاك يوم.. وهذا يوم)


المزيد.....




- بعد الغيبة لماذا استدعى المرشد الإيراني علي لاريجاني؟
- زامير يبلغ الحكومة: حماس لن تُهزم حتى بعد احتلال غزة
- أونروا: قطاع غزة بدأ يتحول إلى أرض قاحلة غير صالحة للسكن
- تضامن -عربي - إسلامي- مع قطر ضد -الاعتداء الإسرائيلي-
- مشاهد الانقسام.. أميركيون يفقدون وظائفهم لانتقادهم كيرك
- السودان.. هجوم بالمسيرات يستهدق مواقع استراتجيية في كوستي
- نتانياهو: زيارة روبيو تظهر -قوة التحالف الإسرائيلي الأميركي- ...
- قمة الدوحة الاستثنائية: رسالة قوية للسلام والسيادة الخليجية ...
- نتنياهو يحتفي بـ-وحدة اليمام-: -لا يوجد أفضل منها بالعالم-
- رئيس وزراء قطر: الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة -إرهاب دولة- ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج منصور - العراق: المنصب الدبلوماسي مكافأة لا استحقاق