|
المصير الأخروي للوجودية اللادينية - الجاثية
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 09:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قلنا سابقا ، يفقد المجتمع ثقافة الأنبياء والرسل والكتب المنزلة تدريجيا ، حتى يستقر فكريا وثقافيا وتراثيا على اعتقادات ، إما وثنية ، وإما دين سياسي ، يرافقه انحدار بمستوى الوعي يصل الى الدوغمائية بسب تأثير خرافات وأساطير الاعتقادات والدين السياسي ، ان السعي وراء الملذات والشهوات دون الخوف من العواقب الدنيوية والأخروية يغلق أفق الوعي لدى الفرد ، وهذا ما لاحظناه في إصرار الوجودية اللادينية على رفض الإيمان بالله واليوم الأخر ، فمن باب التوعية المصيرية دعاها التنزيل الى الأعمال الصالحة للتخلص من انشغال الفكر في اشباع الغرائز والملذات ، واغتنام فرصة التفكير بما هو مصيري ،عرضا عليها واقع حال مشهد الساعة ، ودور العمل الصالح في النجاة من العذاب الأخروي ، قال الله ، فأما الذين امنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك الفوز المبين ، كما عرض أيضا المصير الأخروي على الرافضين للآيات الدالة على البعث والنشور ، فقال وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ{30} وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ{31}
قلنا سابقا ، ظهرت الوجودية اللادينية في المجتمع الإسرائيلي في القرن السادس الميلادي ، كفكر سياسي بعد غياب الإيمان بالله واليوم الأخر عن الوعي المجتمعي ، غيبه الدين السياسي مبلورا البراغماتية اللادينية لرفض نظرية النص الديني ، إلا بمشاهدة النتائج العملية على ارض الواقع ، فمن أفكارها السياسية التي جابهت بها الدعوة القرآنية في تلك الفترة عدمية الماضي وعدمية الوجود ، فأي عمل دنيوي سواء ان كان سلبي أو ايجابي له انعكاسات على المصير الأخروي ، ولما كذبت البراغماتية اللادينية بالساعة وبالبعث والنشور أخضعت للاستجواب الأخروي ، لافتا الانتباه الى ان مشهد الساعة لا يغادر قولا ولا عملا إلا وأتى به ، قال الله وإذا قيل ان وعد الله حق والساعة لا ريب فيها ، قلتم ما ندري ما الساعة ان نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين
وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ{32}
برز على ساحة الحوار العقائدي مصطلح جديد يحمل اسم العبادة الوجودية ، وهي عبادة تتخذ من ملذاتها وأهوائها الدنيوية آلهة لها ، من جملة أفكارها عدمية الوجود ، وتعقد ان كل ما يحصل عليه الفرد ماديا أو معنويا مصيره الى العدم ، كمصير الحياة الى الفناء ، ذلك مما دفع بها الى التكالب على الملذات والشهوات الدنيوية بكل قواها العقلية وقدراتها المادية والجسدية ، متصدين للتنزيل بأشد عبارات الاستكبار والاستهزاء ، الى درجة أنهم نسوا الآيات الدالة على البعث والنشور، قال الله وبدا لهم سيئات ما عملوا أي انعكست عليهم أعمالهم السيئة ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ، ان نسيان لقاء الله والساعة انعكس على الوجودية اللادينية أخرويا ، قال الله وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون{33} وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ{34}
قلنا سابقا ، ان الوجودية اللادينية ليس لها أدلة مادية ميدانية على العبادة ، لأنها تتخذ من أهوائها وملذاتها وشهواتها آلهة لها ، وهي اخطر أنواع الاعتقادات لأنها تتميز بالغموض وعدم الاستقرار، ويعتمد نشاطها الفكري والسياسي على إثارة الخلافات التاريخية والتراثية بين الأديان السياسية والاعتقادات الوثنية ، لاستقطاب الأفراد الى ما يسمى بالتنوير والحداثة ، فتراها أكثر تفاعلا مع الملذات الشخصية والأهواء الرغبوية دون غيرها من الاعتقادات ، فلم تعطي لنفسها فرصة التفكير بمصيرها الأخروي ، وبالرغم من كل ما قُدَّم لها من أدلة مادية على البعث والنشور كالظواهر المتجددة في الطبيعة ، إلا أنها استهزأت وغرتها الحياة الدنيا ، قال الله ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا ، فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون
ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ{35}
ان جمع السماوات والأرض والناس على ارض الحشر، يدل على عائدية كل شيء للمالك الأصلي وحده ، حينئذ يضع الله الآلهة التي كانوا يعبدونها من دونه في خانة اللاوجود ، عندما يكون هو موجود ، حينها تندثر الرأسمالية والأديان السياسية والوثنية والظنية الاعتقادية والوجودية اللادينية ، وتكون الغلبة لله وحده ، قال الله فلله الحمد رب السماوات والأرض رب العالمين ، وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{36} وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{37}
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوجودية وديموغرافيا الجيوعقائدية - الجاثية
-
الدين السياسي دين للادينيين - الجاثية
-
الوجودية اللادينية والتحيز اللاواعي - الجاثية
-
الوجودية اللادينية والدين السياسي- الجاثية
-
المصير الأخروي للشمولية الوجودية - الدخان
-
التاريخ المخزي للشمولية الفاشية - الدخان
-
الشمولية والتحيز اللاواعي - الدخان
-
الديانة الإبراهيمية وامبريالية الثيولوجيا - الزخرف
-
الديانة الإبراهيمية وفيلولوجيا النصوص - الزخرف
-
الديانة الإبراهيمية ولاعتقاد الأركيولوجي- الزخرف
-
الرأسمالية بين الراديكالية ودوغمائية البنات - الزخرف
-
الرأسمالية وميثولوجيا بنات الرحمن - الزخرف
-
ميثولوجيا بنات الرحمن- الزخرف
-
لماذا قرأنا عربيا - الزخرف
-
الظلم والاستبداد الطبقي الرأسمالي - الشورى
-
الكادحون بين الرأسمالية والتنزيل - الشورى
-
الله والمال والشريعة - الشورى
-
الاستاتيكية وعلمية الماضي الغيبي - الشورى
-
الوجودية بين التراجيديا والرفاهية - فُصِّلَتْ
-
النشأة التاريخية للإلحاد الوجودي - فُصِّلَتْ
المزيد.....
-
ترامب يلتقي قادة دول عربية وإسلامية على هامش اجتماعات الأمم
...
-
العراق يسعى لاعتماد بغداد عاصمة للسياحة الإسلامية في 2028
-
الاحتلال يقتحم قراوة بني حسان والزاوية غرب سلفيت ويعتدي على
...
-
مقتل 15 شخصا في غارات إسرائيلية على غزة وترامب يجتمع مع قادة
...
-
ترمب يجتمع مع قادة دول عربية وإسلامية: سنبحث حرب غزة وربما ن
...
-
ماذا قال ترامب عن اجتماعه مع قادة دول عربية وإسلامية بشأن غز
...
-
خبير دولي: الأقليات الدينية أكثر المتضررين من تبعات غزو العر
...
-
عاجل | مراسلة الجزيرة: انتهاء اجتماع بشأن غزة بين ترامب وعدد
...
-
عاجل | مراسلة الجزيرة: انتهاء اجتماع بشأن غزة بين ترامب وعدد
...
-
المرشد الأعلى الإيراني يرفض التفاوض المباشر في الملف النووي
...
المزيد.....
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
المزيد.....
|