|
الشمولية والتحيز اللاواعي - الدخان
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 10:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تساهم الاعتقادات الوثنية والدين السياسي في تهيئة الأرض الخصبة لاحتضان تيارات سياسية مختلفة ، لطالما لا تتعارض مع مصالح الطوائف وتوجهات رجال الدين والكهنة والأسياد ، فالدين السياسي يسمح ببناء ايدولوجيا سياسية فوفق ايدولوجيا الاعتقاد ، فاسحا المجال لشريحة غير واعية للترويج لمبادئ الدكتاتورية مسخرا التحيز اللاواعي لفرض الهيمنة السلطوية على المجتمع ، حاكمية الأمر الشمولي بيد الحاكم والجهاز السلطوي التابع له ، الذي يحاول سد الثغرات المهددة لكيانه السياسي بقوانين صارمة ، تتهم الأفكار التقدمية النهضوية على إنها مؤامرة خارجية ، فرض التحالف المكي الرأسمالي شمولية على المجتمع المكي بأسره ، معتمدا على مبدأ التحيز أللاواعي مسخرا أصحاب الأهواء والرغبات الشخصية كأداة للبطش بالمؤمنين بالله واليوم الأخر، بالفكر العقائدي والتهديد والوعيد غيَّر التنزيل ثقافة المجتمع المكي لصالحه ، قال الله حم ، حرف مقطعة لها علاقة بأرشفة السور التي نزلت في مكة بشكل كامل ، والكتاب المبين ، مبين واضح لاحتوائه على سور وآيات مجتمعة في كتاب ، اكتسب الكتاب منزلة مباركة في ليلة نزوله ، أنا كنا منذرين ، فالإنذار بداية التغير الفكري الذي سيدفع بالواعين الى الأخذ بجديته ، تاركا التحيز للاواعي للمصير المخزي ، إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين
حم{1} وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ{2} إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3}
غَلَق الفكر الوثني الشركي المكي مجتمعه على ايدولوجيا اعتقاديه سدت أفق الوعي لدى الإفراد ، لجعله متقوقعا حول تراث الآباء وملة إبراهيم وحرمة البيت ، رافضا لأي تغير عقائدي يضر بديموغرافيا المصالح السياسية والاقتصادية ، ولما أراد الله إنهاء شمولية الاعتقاد المكي توجه الى ما أحكمته التعاليم الدينية ، قائلا ، فيها تعني الليلة المباركة ، فيها يفرق كل أمر حكيم ، يفرق تعني يفكك كل ما احكمه الشيطان فكريا وذهنيا وعقليا في دائرة التحيز للاواعي ، وبأمر من الله بداء التنزيل بتفكيك ايدولوجيا الاعتقاد الوثني ، قال الله أمرا من عندنا أنا كنا مرسلين
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{4} أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ{5}
يهدف التنزيل الى تفكيك الشمولية المكية بالتأثير الفكري والعقائدي على التحيز اللاواعي ، لبث الوعي الرامي الى الرحمة ، تقسم الرحمة الى نوعين ، رحمة دنيوية وتعني إنقاذ المجتمع المكي من القيود والأغلال البالية المستغلة لدخل الفرد ومصادر عيشه ، كالإسراف المالي على شراء الأشياء المقدسة مثل الصلبان والقلائد والخزف والقواقع البحرية الجالبة للرزق والسعادة والمال ، وبالتالي سيكون لديه فائض مالي يساعده على تحسين وضعه الاقتصادي والمعيشي ، ورحمة أخروية الخلاص من العذاب الأخروي ، قال الله رحمة من ربك انه هو السميع العليم
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{6}
لتفكيك الشمولية المكية بالتأثير الفكري والعقائدي، عرض التنزيل على المجتمع المكي ماهية المبادر بالرحمة الدنيوية والأخروية ، لحصر الربوبية والإلوهية بخالق السماوات والأرض فقط قال الله رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ{7} لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ{8}
ما لا يقبل الشك ان الطبقة الرأسمالية والأسياد والكهنة وأصحاب الأنشطة التجارية ومن لف لفهم من أصحاب الأهواء والرغبات الشخصية ، رفضوا الامتثال لعواقب الإنذار الدنيوي المهدد للمصالح ، لانشغالهم بتراكم رأس المال والملذات فليس لديهم الوقت الكافي للإصغاء لمثل هكذا إنذار، قال الله بل هم في شك يلعبون
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ{9}
إنذار الرسل للمجتمعات عبارة عن تحذير دنيوي من العوارض المهلكة ، كالكوارث الطبيعية المهددة للوجود البشري ، أو من الانهيارات الاقتصادية والمالية ، أو من التغير الديموغرافي المستبدل للمجتمعات والشعوب ، وهذا ما سنطلع عليه لاحقا في قصة موسى وفرعون ، البعد العقائدي للإنذار الميداني لتوضيح قدرة الله على الإيمان القهري تحت ضغط التهديد المصيري ، ويمكننا استيعاب ذلك من خلال الانقلاب السيكولوجي للمشركين على آلهتهم ، قال الله فارتقب يا محمد يوم تأتي السماء بدخان مبين ، الدخان اضطراب مناخي مفاجئ يخلط غبار الأرض مع تيارات هواء السحب التراكمية مشكلا أدخنة داكنة لم يعتاد عليها أهل مكة من قبل ، يغشى الناس هذا عذاب اليم ، يخاف الناس على ان يكون هو العذاب الذي وعد به محمد ، رد فعل المشركين ميدانيا على الإنذار ، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون إيمان قهري ، أنى لهم الذكرى بمعنى ذكرناهم من قبل لكنهم كانوا في شك يلعبون ، وقد جاءهم رسول مبين ، مبين واضح من أهل مكة ، ولما ألقى محمد الإنذار على المشركين قبل وقوعه ، استهزئوا به ثم تولوا عنه ، وقالوا معلم مجنون ، معلم بمعنى تعاليم مؤامرة خارجية على أهل مكة ، رد الله على إيمان المشركين بعد رؤية الدخان إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ، عائدون للإشراك بالله ، يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ، كانت سنة ثمانية للهجرة نهاية التحالف المكي الرأسمالي
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ{10} يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ{11} رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ{12} أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ{13} ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ{14} إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ{15} يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ{16}
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديانة الإبراهيمية وامبريالية الثيولوجيا - الزخرف
-
الديانة الإبراهيمية وفيلولوجيا النصوص - الزخرف
-
الديانة الإبراهيمية ولاعتقاد الأركيولوجي- الزخرف
-
الرأسمالية بين الراديكالية ودوغمائية البنات - الزخرف
-
الرأسمالية وميثولوجيا بنات الرحمن - الزخرف
-
ميثولوجيا بنات الرحمن- الزخرف
-
لماذا قرأنا عربيا - الزخرف
-
الظلم والاستبداد الطبقي الرأسمالي - الشورى
-
الكادحون بين الرأسمالية والتنزيل - الشورى
-
الله والمال والشريعة - الشورى
-
الاستاتيكية وعلمية الماضي الغيبي - الشورى
-
الوجودية بين التراجيديا والرفاهية - فُصِّلَتْ
-
النشأة التاريخية للإلحاد الوجودي - فُصِّلَتْ
-
الكون بين الوجودية والدين - فُصِّلَتْ
-
النشأة التاريخية للاعتقادات الكونية - فُصِّلَتْ
-
دراماتيكية الشيطنة والعلوم الدينية - غافر
-
المقدسات والشرك بالله - غافر
-
المصير الأخروي للتبعية السياسية - غافر
-
اليسار بين الوجودية واليمين الديني - غافر
-
الدكتاتورية بين البراغماتية والدين السياسي – غافر
المزيد.....
-
الناخبون اليهود في نيويورك يفضلون ممداني على المرشحين الآخري
...
-
الأردن يحيل شركة أمن معلومات تابعة لجماعة الإخوان المحظورة إ
...
-
كيف تدعم -خلية أزمة الطائفة الدرزية- في إسرائيل دروز سوريا؟
...
-
الخارجية الفلسطينية تدين دعوات اقتحام المسجد الأقصى غدًا بحج
...
-
3 أسباب تُشعل الطائفية في سوريا
-
آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وسط قيود
...
-
جولي دهقاني في بلا قيود: لدينا أفراد في الكنيسة لا يقبلون سل
...
-
40 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى
-
الإفراج عن خطيب المسجد الأقصى وقاضي قضاة مدينة القدس بعد أن
...
-
رئيس تحرير جيروزالم بوست ليهود نيويورك: هذا دليلكم للإطاحة ب
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|