|
الله والمال والشريعة - الشورى
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 10:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تختلف صورة الله من معتقد الى أخر فالمجتمع الزراعي يصور الله كاله يرمز للزراعة ، ارتبط اعتقادا بأحد الكواكب لتخضع تحت تدبيره مسخرات سماوية كالرياح والسحب والمطر ، ومع اقتراب موعد الزراعة يقدم المزارعون الى تقديم النذور والأموال والهدايا قربانا للإله ، فينتفع منها الكهنة والقائمين على المعابد ، فاختلط الله بمصادر الدخل المعيشي والمنافع الاعتقادية ، إما المجتمع الذي يعتمد على الثروة الحيوانية ، يخضع لتحريم بعض الولادات من الذكور أو الإناث وبعض إناث المواشي كالتي تضع أكثر من عشرة بطون ، فالمحرم إما ان يتلف افتراءا على الله ، وإما ينقله الأسياد والرأسماليين الى أمكان أخرى للمتاجرة به ، فاختلط الله بمصادر الدخل وبمنافع التحريم ، أما المجتمع التجاري فتنشط حول معابده الصناعات اليدوية والحرفية للمتاجرة ببعض الأعمال المقدسة التي يعتقد أنها تكمل نواقص الفرد كالرزق أو الزواج أو الحامل والإنجاب فاختلط الله بالمثلوجيا والمال ، قلنا ان الاستعانة بالعلمية الغيبية للماضي توعية ثقافية ساهمت في كسر استاتيكية التراث الديني المكي ، والتي من تداعياتها المجتمعية صناعة الفرقاء ، فالذين ارتبطت مصالحهم السياسية والاقتصادية مع اسم الله لم يستجيبوا للتغير العقائدي ، بل حاجون في الله ، دفعا عن الله المصالح نقصد بالله المصالح ، هي الطائفة التي تطلق على الشريك مع الله ، اسم الله ، قال الله والذين يحاجون في الله ، بمعنى يحاجون الله الحق ، بالله المصالح من بعد ما استجيب له ، حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ، ولهم عذاب شديد
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ{16}
ثلاثة منازل قرآنية وضعت الذين ارتبطت مصالحهم السياسية والاقتصادية مع الله المصالح في دائرة الغضب والعذاب الشديد ، منها الكتاب ، الله الذي انزل الكتاب بالحق ، فالذين حاجون بالله على مصالحهم ليس على حق لان الكتاب الذي انزل بالحق سيشهد عليهم يوم القيامة ، الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان ، الميزان يعني العقل الذي لا تغيبه المصالح السياسية والاقتصادية عن الحق ، ويميل على الأرجح الى الإيمان بالله واليوم الأخر ، البعد السياسي من استبعاد وقوع الساعة على المدى القريب ، لتغيب الساعة والعذاب الأخروي عن الوعي الجماهيري المستجيب للتغير العقائدي ، قال الله ،الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان ، وما يدريك لعل الساعة قريب
اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ{17}
ان استجابة العقل والفطرة السليمة لغيبية الساعة شق المجتمع المكي الى فريقين ، فريق امن بها وفريق كذبها ، ورغم أدلة وقوعها ، لكن لم تكن كافية من وجهة نظر الرافضين لها ، ان استعجال المكذبين بقيام الساعة هو تحدي لله ، بينما هي مخاوف بالنسبة للمؤمنين بها ، قال الله يستعجل بها أي بالساعة الذين لا يؤمنون بها ، والذين امنوا مشفقون منها ، ويعلمون أنها الحق من ربهم ، ان الذين يمارون بالساعة ، يشككون بها بأطروحات سياسية تستبعد وقوعها ، لفي ضلال بعيد
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ{18}
الساعة أعظم تهديد للمجتمع المؤمن بشراكة الملائكة مع الله ، استعان به التنزيل لتفكيك المصالح السياسية والاقتصادية المرتبطة بتجارة الأوثان ، وكرد فعل سياسي انتقامي قرر رافضو الساعة بتسريح الطبقة العاملة التي تعمل في مصالح الرأسماليين ، لهذا الإجراء التعسفي أبعاد سياسية منها ، إرغام مؤمنو الطبقة العاملة على الإيمان بالله المصالح ، رد الله عليهم قائلا ، الله لطيف بعبادة ،عكس الله المصالح المهدد بالمجاعة وقطع الرزق ، الله لطيف بعبادة يرزق من يشاء وهو القوي العزيز
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ{19}
قلنا سابقا ان العدالة الإلهية تتطلب تنبيه وتحذير المجتمعات قبل بلوغ الساعة ، أما البعد الديناميكي من نقل التنزيل لوصايا الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من الماضي الغيبي الى حاضر الدعوة القرآنية ، لتفكيك الأمة الواحدة باستقطاب الشرائح المتضررة من الاحتكار الرأسمالي والاستبداد السلطوي للزعماء ومنظري الاعتقادات الدينية ، كما ان الاستعانة بالعلمية الغيبية للماضي توعية ثقافية ساهمت في كسر استاتيكية التراث الديني المكي ، والتي من تداعياتها المجتمعية صناعة الفرقاء ، لعبت الفطرة السليمة والساعة والميزان العقلي درا كبير في شق المجتمع المكي الى مؤمنين ومكذبين ، تاركا للفرد حرية الاختيار ما بين الدنيا والآخرة ، قال الله من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ، وما له في الآخرة من نصيب
مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ{20}
مقولة طائفية رأسمالية مفادها من يملك المال يكتب الشريعة ، ولتحقيق هذه الإستراتيجية الربوية يتبع النظام السياسي الطائفي خطوات جوهرية منها ربط الله بالمال والدين والمقدسات ، قديما يفرض الربا على الأفراد والتجمعات البشرية ، أما حديثا تفرضه الرأسمالية العالمية على الدول المتضررة من جراء الأزمات الاقتصادية والحروب العقائدية المفتعلة ، الربا نظام ديني يراكم رأس المال تمارسه الطبقية الرأسمالية تحت ذريعة مكافحة الفقر ، كما تمارسه الطوائف الدينية تحت ذريعة جمع المال في سبيل الله ، يبرز الربا كديناميكية تراكمية للمال في المجتمعات التي ينهك أفرادها الدخل على الملذات الدنيوية ، كالتي تلغي التوبة وتنكر البعث والنشور الأخروي ، وتتفاعل عاطفيا مع دراماتيكية هرطقة التاريخ والتراث ، وتبيح الخطيئة الملبية للأهواء والرغبات الشخصية ، وتؤمن بتكفيرها بالطقوس الدينية ، وتعتقد بمثلوجيا القتل والصلب ، بداية تدعم الرأسمالية العالمية الطوائف التي تؤمن بالمظلومية السياسية كالصلب والقتل الطائفي ، وبدوافع الأطماع الشخصية الدنيوية ينفذ رجال الدين الشريعة الرأسمالية ، بتوسيع طقوس تكفير الخطيئة والإكثار من المناسبات الدينية التي من تداعياتها الاقتصادية أنهاك دخل الفرد وثروات الشعوب ، بالهدر والإسراف والفساد المالي والسرقة فما يجمعه رجال الدين من المناسبات الدينية يودع في البنوك الرأسمالية العالمية ، ونتيجة للإنهاك المستمر لمقدرات الفرد والدولة تضطر الى الاقتراض الربوي من البنوك التي قدمت لها الدعم المالي مسبقا ، ولضمان سداد القروض يفرض البنك الرأسمالي أسعار جديدة على قطاع النفط والطاقة والتجارة ، فالمال هنا رسم الشريعة ونفذها رجال الطوائف المؤمنون بالشريك مع الله أو الله المصالح ، قال الله أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ، ولولا كلمة الفصل أي تأجيل عذابهم الى يوم القيامة لقضي بينهم وان الظالمين لهم عذاب اليم ، المصير الأخروي لمشرعي الشريعة الرأسمالية ومنفذيها من أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية ، قال الله ترى الظالمين مشفقين ، مما كسبوا والكسب هنا الكسب المالي وهو واقع بهم أي وقوع العذاب بهم ، والذين امنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك الفضل الكبير
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{21} تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ{22}
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستاتيكية وعلمية الماضي الغيبي - الشورى
-
الوجودية بين التراجيديا والرفاهية - فُصِّلَتْ
-
النشأة التاريخية للإلحاد الوجودي - فُصِّلَتْ
-
الكون بين الوجودية والدين - فُصِّلَتْ
-
النشأة التاريخية للاعتقادات الكونية - فُصِّلَتْ
-
دراماتيكية الشيطنة والعلوم الدينية - غافر
-
المقدسات والشرك بالله - غافر
-
المصير الأخروي للتبعية السياسية - غافر
-
اليسار بين الوجودية واليمين الديني - غافر
-
الدكتاتورية بين البراغماتية والدين السياسي – غافر
-
أيديولوجيا الخطيئة والمقت السياسي - غافر
-
ديالكتيكية التوبة والعقاب - غافر
-
انثروبولوجيا المجتمعات والحساب الأخروي - الزمر
-
كورنولوجيا الرأسمالية والمصير الأخروي - الزمر
-
الإسراف الرأسمالي والبعث والنشور - الزمر
-
فوبيا الوطأة وشفاعة شركاء الله - الزمر
-
راديكالية المتشاكسون على شركاء الله - الزمر
-
جيوبوليتيكية المهجر والردة عن الدين - الزمر
-
الدين الخالص وخرافة أولياء الله - الزمر
-
ميتاترون وخرافة الملأ الأعلى – ص
المزيد.....
-
الحاج بدر أبو اسنينة.. 47 عاما في حراسة المسجد الأقصى
-
مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية يدعو مجلس النواب للتصويت ب
...
-
صحيفة روسية: باريس وواشنطن تخوضان صراعا في الفاتيكان
-
تنزيل أحدث تردد قناة طيور الجنة 2025 DOWNLOAD TOYOUR EL-JAN
...
-
’إيهود باراك’ يدعو إلى عصيان مدني لإنقاذ الأسرى والكيان من ’
...
-
ما قصة الحرس السويسري ذي الملابس الغريبة؟ وكيف وصل إلى الفات
...
-
اغتيال بن لادن وحرب النجوم أبرز محطات أسبوع مايو الأول
-
بعدما نشر صورته بزي بابا الفاتيكان.. هكذا جاءات الانتقادات ل
...
-
حقوق الاسير بين القيم الاسلامية والمنظومة الغربية
-
خامنئي: لو توحد المسلمون لما ضاعت فلسطين ونزفَت غزة
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|