أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ابراهيم ازروال - في الاستغراب والاستغراب المعكوس















المزيد.....



في الاستغراب والاستغراب المعكوس


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 20:11
المحور: قضايا ثقافية
    


بقلم: إبراهيم أزروال

-سياق التفكير في علم الاستغراب:
وضع حسن حنفي قواعد "علم الاستغراب " في سياق موسوم بتحولات ومجاذبات وتفاعلات ومجابهات بين الفاعلين على صعيد جغرافيا الأنا وعلى صعيد جغرافيا الآخر.
1-صعيد الأنا:
عرفت البلدان العربية، مجادلات ومساجلات ومطارحات كبرى حول التراث والتغريب والهوية الحضارية بعد الثورة الإسلامية بإيران وصعود الحركات الإسلامية إلى مقدمة المشهد السياسي-الثقافي منذ السبعينيات وتراجع القومية العربية، فكرا وفكرانية وتنظيمات سياسية. وقد رافق إثبات المقومات التاريخية للأنا وتجذرها التاريخي –الحضاري في نطاقات جغرافية –حضارية عريقة، نقد حاد للغرب والتغريب والاستعمار الثقافي.
وقد صاحب هذه المجادلات الفكرية والسياسية، نقد جذري للاستشراق ولمدارسه وتياراته ومناهجه واستشكال حاد لمنازعه وأغراضه الاستعمارية وخفاياه اللاهوتية والإثنية. و قد صدر نقاد الاستشراق إما عن خلفيات أو مرجعيات أو غايات عقدية أو سياسية-إيديولوجية (محمد البهي و أنور الجندي ومحمد عمارة .......إلخ) في الغالب أو منهجية –نظرية أو فكرية –معرفية (إدوارد سعيد و عبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي و محمد عابد الجابري و بنسالم حميش ...إلخ) أحيانا.
فعلاوة على نقد العقل العربي، أضحى نقد العقل الأوروبي، حسب محمد عابد الجابري، ضرورة معرفية وفكرية، لا مناص من تحقيقها وإنجازها.
(لقد كان هدف العقل الأوروبي ولا يزال هو إضفاء الوحدة والاستمرارية على تاريخه .وهذه عملية إيديولوجية يجب أن ينصرف إلى فضحها النقد الذي نشعر بالحاجة إليه، نقد العقل الأوروبي من طرف عقل غير أوروبي.) -1-
فلئن استغرق المفكرون في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين في نقد تراث الأنا وتاريخها الحضاري ( زكي نجيب محمود و أدونيس وهادي العلوي ونصر حامد أبو زيد ومحمد جابر الأنصاري ورضوان السيد ...إلخ) والكشف عن تاريخية وبنية العقل العربي والإسلامي ( محمد عابد الجابري ومحمد أركون )و إبراز النزعات المادية أو العقلانية او الوجودية في التراث ( طيب تزيني وحسين مروة وعبد الرحمن بدوي )،أو في إيجاد المعادلات التراثية للإنسية والفضائل الكونية في التصوف ( أدونيس )،فإنهم كانوا مدركين لقيمة وضرورة نقد الغرب ،واستكشاف وعيه وكيفية تشكله وترقيه واعتلاله واستشراف آفاق تطوره .
(لا أنكر ما أعجبت به من معالم الحضارة ،وقيم النظام ،وسيادة العلم واحتدام روح الصراع الاجتماعي والبحث عن الخلاص ...ولكني كنت أحس بالبناء الاجتماعي في أوروبا الغربية ،يعاني أزمة حادة، تحاول أن تخفيها واجهات مضيئة ما أشد ما كانت تخطف البصر ،إلا أنها لا تستطيع أن تخفي ما وراءها من أقبية مظلمة عفنة ،وقسمات شاحبة مريضة.) -2-
2-صعيد الآخر الغربي:
كتب حسن حنفي "مقدمة في علم الاستغراب "،في زمان استحكام تيارات ما بعد الحداثة .فقد استغرقت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ،في استشكال إبدالاتها و نظمها و أنساقها ،وفي تفكيك نصوصها الفكرية المرجعية (نصوص ديكارت وكانط وهيجيل وماركس ...إلخ)،للكشف عن عدم تماسكها واتساقها وارتهانها بمعنى نسباني للحقيقة والمعنى ( ميشيل فوكو و جاك دريدا وجيل دولوز...إلخ) .وعملت الثقافة المضادة ،على التشكيك عمقيا ،في المعايير والثوابت البورجوازية وفي أنماط العيش والإنتاج و الاستهلاك ،وانبرى المثقفون الثوريون لنقد "مجتمع الاستهلاك "( جان بودريار ) ومجتمع الفرجة ( غي ديبور) والإنسان ذو البعد الواحد "(هربرت مركوز) والعقل السياسي الغربي ( رجيس دوبريه ).
مال الفكر والوعي الأوروبيان، إلى التفكيك والتقويض وهدم الميتافيزيقا الغربية والعقل الأداتي ، واستشكال قوة المعرفة العلمية والوضعانية والتاريخانية. وأيا كانت الاختلافات بين التفكيك و الثقافة المضادة ،فإنهما يرنوان إلى نقض الفكر الأنواري ونزع الشرعية المعرفية والتاريخية عن النموذج الحضاري الأنواري.
(كثر الحديث عن أزمة القرن العشرين، وإفلاس المشروع الحضاري الغربي: أكثر قدر ممكن من الإنتاج لأكبر قدر ممكن من الاستهلاك لأكبر قدر ممكن من السعادة. فالإنتاج في أزمة بعد تحرر شعوب العالم الثالث وسيطرتها على مواردها الأولية وأسواقها وبعد أزمة الطاقة والعمالة. والاستهلاك في أزمة بعد رفض الثقافة المضادة في الغرب والتي تمثلها أجيال جديدة من الشباب خاصة بعد 1968،[و] رفضها أنماط الاستهلاك.)- 3-
لقد كتب حسن حنفي "مقدمة في علم الاستغراب " بعد أن شرعت أوروبا، في نقد أطرها المرجعية ونموذجها الحضاري، وسعت إلى اعتماد معياريات جديدة، أقل نسقية وتطلبا وصرامة ويقينا، وبنت سرودا جديدة، تتفق في كثير من لمحاتها ومظاهرها مع سرود الفكر التقليدي في الأطراف.
من البين إذن ،أن تدشين علم الاستغراب ،تم بعد أن أوغلت أوروبا في تفكيك نموذجها الثقافي-الحضاري ،ورفعت بيرق النسبانية الثقافية ونسبانية المعرفة العلمية ، وبطلان الحتميات و الفكر التاريخاني ،وانفتحت على الفكر والفكريات والجماليات الشرقية والآسيوية والإفريقية (مسرحية المهابهارتا لبيتر بروك مثلا) .
من الجلي أن حسن حنفي، قد صاغ مشروع علم الاستغراب بعد انصرام عقود على نقد الغرب للحداثة والأنوار والتقدم والحتمية التاريخية والحياة البورجوازية. ومعنى ذلك أنه هفا إلى نقد الحداثة بعد أن حل ما بعد الحداثة محلها في قطاعات معرفية وفكرية واجتماعية كثيرة.
3-صعيد الآخر الشرقي:
جمعت القوى الآسيوية الصاعدة (الصين والهند و كوريا الجنوبية وماليزيا ..إلخ) بين المحاكاة الصناعية والتقنية واجتياف المعارف والخبرات التقنية الغربية و بين المقاومة الثقافية للقيم الأوروبية و الغربية .وقد أبانت النخب السياسية والثقافية الآسيوية، عن تمسكها بالمنظومات القيمية الآسيوية القديمة المستمدة إما من الكونفوشيوسية أو الطاوية أو البوذية أو الشنتوية أو الإسلام. وبينما تقبل هذه القوى التصنيع والتقانة الغربية، فإنها ترفض التغريب الثقافي والاجتماعي. بل تصر في غمرة دفاعها عن القيم الآسيوية على نقد الغرب، ومبادئه ومسالكه وأخلاقه ومؤسساته.
ينتقد دعاة القيم الآسيوية ( المثقفة الهندية فندانا شيفا و المثقف الياباني شنتارو إيشيهارا والمثقف الياباني تاكيشي أمهارا والكاتب الهندي كلود ألفاريس .. إلخ) ، النهج الغربي المؤدي إلى تنميط العالم وتدمير التقاليد الثقافية والتنوع الثقافي وتسطيح ثقافات العالم وفرض ديمقراطية شكلية وفردية قلقة على الأفراد والجماعات.
-نقد التغريب والاستغراب المعكوس:
1-التغريب النظري والمنهجي:
لا يكفي نقد الاستشراق، بل لا بد في اعتبار حسن حنفي من نقد التغريب النظري والمنهجي، وتماهي المفكرين الشرقيين مع الفكر الأوروبي وتشبعهم بنظرياته ورؤاه الثقافية والحضارية ومناهجه التحليلية. فبدلا من إضاءة عتمات النظريات أو الظواهر الفكرية المحلية، استنادا إلى منظورات ومناهج الأنا، يغرق الكثيرون في قراءة الأنا من منظور الآخر. وقد اعتبر دراسة هشام جعيط "الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي" ،نموذجا للدراسة المستندة إلى التاريخ الأوروبي والثقافة الغربية كإطارين مرجعين أوحدين. ولم تكشف هذه الدراسة عن التغريب النظري والمنهجي فقط ، بل تكشف كذلك عن اغتراب ثقافي ظاهر.
2-الاستغراب المقلوب أو المعكوس:
يعني الاستغراب المقلوب أو المعكوس، رؤية الأنا في مرآة الآخر عوض رؤية الآخر في مرآة الأنا.ومن سمات الاستغراب المقلوب ،توظيف المناهج الغربية ( الماركسية أو الوجودية أو الوضعية أو الشخصانية أو الجوانية أو الفينومينولوجيا أو التفكيكية... إلخ)في قراءة النصوص والظواهر الفكرية المحلية وكأنها نشأت في سياقات ثقافية لم تبلور مناهجها الخاصة .
(ثم ظهر في جيلنا "استغراب" مقلوب، بدلا من أن يرى المفكر والباحث صورة الآخر في ذهنه رأى صورته في ذهن الآخر،بدل أن يرى الآخر في مرأة الأنا رأى الأنا في مرآة الآخر.) -4-
وللاستغراب المقلوب أو المعكوس، خمسة عيوب في اعتباره؛ وهي:
1-إنتقاء جزء من التراث الغربي: حين ينحاز المفكر إلى مذهب أو منهج أو اتجاه فكري أو إيديولوجي غربي ( المثالية أو الوجودية أو الوضعانية أو الشخصانية أو الفينومينولوجيا أو الماركسية أو الهيجيلية ...إلخ) ، فإنه يفتقر إلى الرؤية الشاملة للتراث الغربي ولخصائصه المركزية .إن التمدن الغربي كل ،لا يفهم إلا إذا أخذ شموله بعين الاعتبار.
( إن اقصى ما استطعنا في علاقتنا بالتراث الغربي هو"الاستغراب المعكوس " أي تبني مذهب غربي مسبق بناء على المزاج أو الاختيار الإيديولوجي والوعي السياسي ثم محاولة قراءة الأنا خلاله مثل المثالية الغربية [شارل مالك وبديع الكسم]، الشخصانية[محمد عزيز الحبابي ورونيه حبشي] ،الظاهراتية [حسن حنفي وأدونيس ]،الماركسية [طيب تزيني وحسين مروة ومهدي عامل وصادق جلال العظم وسمير أمين]،الوضعية[زكي نجيب محمود] ،الوجودية [عبد الرحمن بدوي ]، البنيوية[كمال أبو ديب] ،العلمية[فؤاد زكريا] .وهي مقاييس فردية للاختيار أو اجتهادات جزئية وليست موقفا حضاريا كليا شاملا.) -5-
يصدر" الاستغراب المعكوس "عن انحياز مذهبي أو منهجي أو تصور إيديولوجي أو سياسي أو نفساني أو مهني ،غير مسوغ من منظور فكري أو حضاري .إن اختيار أحد التيارات أو المناهج أو الفلسفات الغربية ( الهيجيلية أو الماركسية أو الفينومينولوجيا أو الوجودية أو البنيوية أو التفكيكية ...إلخ) ،فكراني ،طالما أنه لا يصدر عن موقف حضاري كلي ورؤية نقدية شاملة للفكر الأوروبي ،منشأ وتكوينا وبنى ووظائف.
2-التغاضي عن سياق بلورة الأجزاء المنتقاة: لا يمكن فهم أي مذهب أو منهج غربي دون ربطه بالسياق المذهبي أو المنهجي أو الفكري الغربي . إذ تتطور المذاهب ،بناء على آليات :الاستيحاء والاجتياف والتطوير والنقل من جهة والنقد والاستشكال والنقض والتجاوز من جهة أخرى .فلا تفهم الماركسية ،دون فهم المثالية والهيجيلية الألمانية ،وفكر الأنوار والثورة الفرنسية والثورة الصناعية وظهور الاشتراكيات "العلمية" و الطوباوية.
3-قراءة تراث الأنا من منظور المذهب أو المنهج الغربي المنتقى: تتم قراءة تراث الأنا من منظور المذهب أو المنهج الغربي المنتقى .يصير التراث الغربي هو الإطار المرجعي المفضل والأوحد ،بدل الاعتماد على تراث الأنا ومناهجها وأطرها المرجعية.
4-رد تراث الأنا إلى ما يشبهه في تراث الآخر: يعمد البعض إلى رد أجزاء من تراث الأنا إلى جزء مشابه له في تراث الآخر الغربي، بدون مراعاة السياقات الثقافية والتاريخية والحضارية لإبداع الأنا ولإنتاج الآخر. يخفي البحث عن التشابه والتقارب (وجود النزعات المادية أو الوجودية أو المثالية أو الشخصانية أو الإنسانية في تراث الأنا وفي تراث الآخر)،الخصائص الحضارية والسمات التاريخية المميزة لكل موروث موروث.
5-تكريس مركب النقص لدى الأنا وتأجيج الصدمة الحضارية أو صدمة الحداثة: ينتج عن الافتقار إلى النظرة الشاملة والتاريخية إلى تراث الأنا و تراث الآخر ،واعتماد النهج التجزيئي والإسقاط والبحث عن التشابهات الكاذبة (التشابه بين التصوف والسوريالية مثلا) ،تكريس مركب النقص لدى الأنا ومركب العظمة لدى الآخر الغربي ،وتستفحل الصدمة الحضارية ويحتد التغريب المنهجي والاغتراب الوجودي.
لقد صار المثقف وكيلا حضاريا للغرب، في نظره، بعد أن استغرق في سجالات ونقاشات وتحيزات غربية.
(نزرع أنفسنا في بيئة ثقافية أخرى، ندخل في معاركها ونحن لسنا أطرافا فيها، وبالتالي نحول أنفسنا إلى وكلاء حضاريين للغرب. هذا مثالي، وذاك واقعي، هذا عقلي وذاك حسي، هذا وجودي وذاك وضعي ،هذا تحليلي وذلك بنيوي ،هذا ماركسي وذلك برجماتي..) -6-
لا مناص، في نظره من نقد وتفكيك وتجاوز الاستغراب المقلوب أو المعكوس، الكاشف عن ذهول الباحث الشرقي عن السمات الجوهرية للمثاقفة المركبة أو المبدعة، وعن حتمية امتلاك وعي ثقافي شامل يتجاوز الجزئيات والرؤى القطاعية والمناهج الإجرائية، ويعتني بالكليات والدلالات الفكرية الخاصة بالمعارف أو المناهج والمفاهيم والأطر المرجعية.
- علم الاستغراب ودراسة التراث الغربي:
ولئن افتقر الباحث الشرقي إلى النظرة المنهجية الشاملة والمطابقة والتاريخية واستغرق في الاستغراب المعكوس، فإن الباحث المجدد سيقرأ التراث الغربي من منظور مختلف.
وتنهض منهجية علم الاستغراب على القواعد التالية:
1-دراسة التراث أو الفكر الغربي دراسة تقييمية ونقدية: لا يهتم الباحث المجدد هنا ، بتحصيل الإفادات أو المعلومات أو المعارف ،بل بتقييم المعارف الغربية ونقدها.
من البين أن الباحث المجدد، لا يتطلع إلى المعرفة والاستزادة من العلوم و الاطلاع على نتائج الثورات العلمية المتلاحقة ،بقدر ما يتطلع إلى تنسيب المعارف الغربية وتوظيفها توظيفا عمليا في أحسن الأحوال. والحال أن تلاحق الثورات العلمية إن في الانسانيات أو في العلوم الدقيقة، يقتضي الانكباب على المعرفة وتمثل المستجدات وفهم الأبعاد الإبستيمولوجية و النظرية والأخلاقية لكل إنجاز علمي في المقام الأول.
لا يمكن الاقتداء هنا بموقف الحكماء الإسلاميين من الفلسفة اليونانية كما يعتقد حسن حنفي .فقد وظف هؤلاء الحكماء ،أمشاجا من الفلسفة اليونانية ،بعد أن تفكك نسقها التاريخي-الحضاري .والحال أن المعارف والعلوم والنظريات الغربية، تتطور وتتجدد باستمرار في ظل استمرارية إبداعية كاشفة عن دينامية تاريخية –حضارية قائمة .لقد تعامل أبو نصر الفارابي و أبو علي ابن سينا و أبو حامد الغزالي وناصر الدين الطوسي وأبو الفتح الشهرستاني مع معارف فلسفية يونانية مكتملة وناجزة ،أما المعارف والعلوم الغربية ، فمتجددة باستمرار وقابلة للتطوير والتثوير على الدوام.
هل يمكن اعتبار التراث الغربي من علوم الوسائل أو أحد أشكال التعبير الممكن توظيفها جريا على سنة الحكماء السابقين ،كما يعتقد حسن حنفي ؟هل تملك الأنا ،راهنا ،مقومات الإبداع في الإنسانيات و العلميات والتقنيات ،حتى تنأى بالكلية عن الفكر والعلوم الغربية ؟وهل يمكن التطلع إلى الاستقلالية الكلية في عالم موحد الحضارة ،وتفضيل التقييم النقدي الشامل للآخر على الاستفادة من منجزاته المتلاحقة ،دون السقوط في اللاعقلانية ؟ألا يمكن التفكير في مسلك ثقافي آخر ،ينهض على الاستفادة المستمرة من المنجزات الغربية والتقييم المتواصل لحصيلتها ونتائجها وللإبداع الحضاري المنجز في سياق المثاقفة المركبة أي المثاقفة الفاعلة بين العالم الإسلامي والغرب والشرق الأقصى (الصين و الهند )الصاعد الآن؟
2-دراسة التراث الغربي باعتباره جزءا من تحليل واقع الأنا:
لقد اجتافت الأنا، منذ الحملة الفرنسية على مصر، كثيرا من معارف ونظريات وأفكار الآخر الغربي. وظهرت تيارات فكرية، متأثرة عمقيا ،بالفكر الغربي .من المطلوب ،في اعتباره ، دراسة الاستعمار الثقافي دراسة علمية مستفيضة ،للكشف عن مسارات الوافد حين يستنبت محليا ويتحكم في الشعور بل في اللاشعور الثقافي للنخب تخصيصا.
3-دراسة التراث الغربي كجزء من دراسة تراث الأنا القديم:
يروم حسن حنفي هنا، التأكيد على استمرار حضور التراث والمثاقفات القديمة ( قراءة الموروث اليوناني من قبل الحكماء الإسلاميين وقراءة المفكرين الأوروبيين للفكر الفلسفي الإسلامي ) في شعور المعاصرين. من الضروري، إذن، التفكير مجددا في مسارات التفاعل الثقافي، في الفضاءات المتوسطية، واستحضار وقائع الماضي في سياقات حضورها في الوعي المعاصر، الإسلامي والغربي على حد سواء.
4-دراسة التراث الغربي كمساهمة في الدارسات الإنسانية العامة: ستمكن هذه الدراسة الوعي الغربي من فهم تراثه واستكشاف أبعاد أو خفايا لم يتمكن من استكشافها بسبب مركزيته الإثنية .إن الاستغراب هو المكافئ هنا للاستشراق ،علما أن للاستغراب أفضلية منهجية ونظرية و تاريخية بحكم تبلوره وتطوره في سياق التحرر والمساواة بين الشعوب واستناده إلى شعور محايد ونظرة تكاملية ،حسب تقديرات وتطمينات حسن حنفي.
-التباس بعض تصورات رائد علم الاستغراب:
1-الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية:
ثمة اختلاف جوهري-حسب حسن حنفي -بين الحضارة الإسلامية وبين الحضارة الغربية؛ فالحضارة الإسلامية حضارة مركزية، أما الحضارة الغربية فحضارة طردية، ومن الطبيعي أن تكثر الاختلافات والفروق والتباينات النظرية والتصورية والمعرفية بين الحضارتين.
(فالأولى [الحضارة الإسلامية] حضارة مركزية نشأت علومها انطلاقا من مركز واحد كدائرتين متداخلتين، الصغرى تمثل علم أصول الدين وتتعامل مع الداخل أساسا، وهو الموروث، تنظيرا للمركز في مواجهة الواقع. والكبرى تتعامل مع الخارج أساسا، وهو الوافد، تمثلا له في مواجهة الداخل الموروث وحماية له من الجمود والتقوقع على الذات.) -7-
لقد تميزت الحضارة الغربية بتعدد المصادر المعرفية والفكرية واختلاف المستندات والمناهج والآليات المعتمدة في اكتساب المعرفة ،وبناء الإنسان و وإنشاء الإبدالات والنظريات ،وفهم العالم والكون و الإنسان والنفس .
فقد تميزت الحضارة الغربية، باعتماد آليات مختلفة:
1-الاستيحاء: لقد استوحت الحضارة الغربية التراث اليوناني و الروماني والموروث الأخلاقي والعقدي اليهودي والمسيحي؛
2-الاستكشال والنقد :رافق الاستيحاء ،الاستشكال المنهجي للفكر الفلسفي الأرسطي والكاثوليكي ،وتفكيك المنظومات الفكرية والعلمية المدرسية ؛
3- بناء الأنساق : تميزت أوروبا ببناء وابتداع أنساق نظرية ومعرفية جديدة استنادا إلى العقل وإلى التجربة والخبرات الثقافية والحضارية المكتسبة منذ عصر النهضة والأنسنة.
من البين ،أن الحضارة الغربية وسعت مدارات الاستيحاء ،إذ أضافت التراث اليوناني –الروماني ،إلى المورث اليهودي-المسيحي .
(أما الحضارة الغربية فإنها حضارة طردية أي أنها نشأت تحت أثر الطرد المستمر من المركز ورفضا له،بعد اكتشاف عدم اتساقه مع العقل أو تطابقه مع الواقع ثم إنشاء علوم عقلية وطبيعية وإنسانية تقوم على أدوات جديدة للمعرفة ،العقلية أو الحسية ،وابتداء من بؤرة جديدة وهو الإنسان.) -8-
لم تتمكن الحضارة الغربية من إقصاء المركز، بل اشتبكت بإشكالياته ومعارفه وقضاياه ومشكلاته الفكرية والأخلاقية، حتى في أشد لحظات ميلها إلى الوضعانية والعلموية والتاريخانية والعلمانية الصلبة.
لكن ،هل الحضارة الغربية طردية بالكلية ؟الواقع أن الحضارة الغربية ،طردية في المقام الأول ،ومركزية في المقام الثاني.ومن الطبيعي أن يولد التمفصل أو التصارع بين البعد المركزي والبعد الطردي ،التوتر المعرفي والقلق الفكري و التمزق الوجداني .ولا يمكن في اعتبارنا فهم فكر كثير من المفكرين الغربيين مثل باسكال وسبينوزا وروسو وكانط وهيغل وكيركيغارد ونيتشه دون فهم هذا التمفصل القلق بين البعد المركزي وبين البعد الطردي.
والواقع أن الغرب، أبدع في العلم والتقنية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، بعد أن فقد ،جزئيا، سلطة غطائه النظري المسيحي؛ واستمر في ذات الآن، في تفسير وتأويل وعلمنة وإعادة قراءة كثيرا من مظاهر تراثه الفكري والروحي القديم.
ويؤكد المفكر التونسي هشام جعيط ،هذا الترابط بين القطع وبين التكامل والاستمرارية في الحضارة الغربية.
(إن أوروبا التي تعود في تكونها إلى أصول متعددة ،كانت أيضا متنوعة في تحولاتها التي استطاعت تقبلها وتمثلها وتجميدها لفترة معينة.هناك إذا عملية قطع،ولكن هناك تكاملا واستمرارية في حدود معينة.) -9-
-2-طبيعة الاستعمار الغربي:
هل هناك هجمة غربية استعمارية معاصرة على العالم العربي والإسلامي كما يعتقد حسن حنفي؟ وهل تنص نظرية صدام الحضارات لصمويل هانتغتون على اشتمال الهيمنة الغربية على أبعاد ثقافية كما يعتقد حنفي؟ أم على وجود صراع حضاري بين الحضارة الغربية والحضارات الشرقية ولا سيما الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية الكونفوشيوسية؟ وهل يروم الغرب احتلال العالم، ثقافيا؟
فحين تفتقر الكتابة إلى الدقة والإحكام، بسبب ارتهانها بمسبقات سياسية وإيديولوجية وقبليات إثنية ولاهوتية غير معبر عنها صراحة، فإنها تثير الالتباس.
من المؤكد أن الغرب، لا يسعى في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين إلى الهيمنة التقليدية، اقتصاديا وعسكريا وثقافيا، كما يعتقد حسن حنفي بالنظر إلى ما يلي:
1-الثنائية القطبية وحضور الماركسية:
-عرف العالم آنذاك احتداد التنافس على مناطق النفوذ بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الشيوعي؛ علاوة على ذلك كان للفكر الماركسي، تأثير واضح، على النخب السياسية والثقافية، حتى في بلدان أوروبا الغربية (الحزب الشيوعي الفرنسي والإيطالي). لا يمكن في ظل الثنائية القطبية، وحضور الماركسية، فكرا وتدبرا وتصورات سياسية، في وعي النخب الغربية نفسها، والسعي إلى استمالة وإرضاء الشركاء المنتمين إلى العالم الثالث، التفكير في بسط السيطرة الغربية على الآخر واستتباعه كما في السابق.
2-التشكيك في كونية معارف وقيم وتوجهات الغرب:
لقد افتقر الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، إلى الزهو الحضاري والثقة الكلية في كونية إبدالاته و أنساقه المعرفية ونظمه السياسية و الأخلاقية وسياساته الاجتماعية. لقد عرفت أوروبا ، استشكال ونقد وتفكيك ،مرتكزاتها ،ولاسيما مفاهيم :التقدم و الحتمية التاريخية و التاريخانية.
3-ظهور مابعد الحداثة:
لقد عرفت أوروبا سلسلة من المراجعات الفكرية والنظرية الجذرية لتراثها الفكري وأسسه الإبستيمية (هايدغر وفوكو و دريدا وليوتار وبودريار ودولوز وغي ديبور ) ولعصر الأنوار(مدرسة فرانكفورت) ، بدءا من الخمسينيات ،ورافق هذه المراجعات ،ظهور تنظيمات ثقافية-سياسية (الثقافة المضادة و ثورة ماي 1968والثورة الجنسية )،ناقدة للغرب وسطوة الفكر البورجوازي ،وداعمة للتثاقف والانفتاح على الفكر والجماليات "الطرفية".
فهل يمكن لأوروبا، فقدت كثيرا من ثقتها بأفكارها ونظرياتها ومرجعياتها ومفاهيمها التأسيسية ،أن ترغب في استتباع العالم والهيمنة التقليدية عليه ؟لقد اكتفت أوروبا ،بإدارة الممكن ،والتفاعل مع المستجدات السياسية والجيو-سياسية و الاقتصادية ،ومناصرة السياسات الأمريكية ،وتدبير المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة بعد " السنوات الثلاثين المجيدة"(1945- 1975).
وبناء على هذه الحيثيات، لا معنى في الواقع للتخوف من الاستعمار الجديد، ومن الاحتلال الثقافي المفترض للعالم.
(...فبيننا وبين الغرب يوجد إرث منذ أيام الرومان والفتوحات الإسلامية والاستعمار الغربي الحديث،وحركات التحرر،ونحن الآن نشاهد هجمة استعمارية جديدة على العالمين العربي والإسلامي ،هذه الهيمنة ليست عسكرية فقط وليست اقتصادية فقط،لكن أيضا ثقافية في ما سماه هانتنغتون صدام الحضارات.فمقولة هانتنغتون بالرغم من تهافتها إلا أنها تعبر عما حاول الغرب تخبئته منذ مدة،الأمر ليس مجرد احتلال اقتصادي ولكن هو أيضا احتلال ثقافي للعالم كله.)-10-
ومن الظاهر أن تقييم حسن حنفي للظواهر والواقعات والسياقات السياسية-التاريخية ، ينطق بالازدواجية والاحتمالية والتوتر ويحفل في أحايين كثيرة بالتضارب. فتارة يرى أن نزوع الغرب إلى التسيد والاستتباع كلي، اقتصادي وسياسي وعسكري وثقافي، وتارة أخرى يعتبر المسوغات الثقافية والحضارية المقدمة مثل نظرية "صراع الحضارات" مجرد أقنعة لإخفاء المقاصد والغايات الاقتصادية والسياسية والمالية. فبما أن الغرب مادي ودهراني ، في نظره، فإنه لا يحفل بالثقافة إلا مراوغة ومخاتلة وتسترا على نواياه الخفية.
(...فالغرب بماديته وعنصريته يريد أن يستولي على العالم كله حتى يستطيع أن تكون له الريادة والمركزية على المستوى الاقتصادي والسياسي، وأراد أن يغطي ذلك بما يسمى الصراع الثقافي الحضاري ...) -11-
والواقع أن التأكيد على مادية و"عنصرية" الغرب، ينفي ارتكاز وعيه سواء في طور الانبثاق أو التطور أو الاستشكال ،على مرتكزات و دوافع ومحفزات ثقافية بينة وظاهرة.
-3-تقييم عصر الأنوار:
كيف يقيم رائد علم الاستغراب في الفكر العربي المعاصر، فلسفة وعصر الأنوار؟ هل أسهم علم الاستغراب في قراءة فلسفة التنوير والتجارب التاريخية المتولدة عنها ، قراءة كاشفة ومضيئة وخصبة للحوار الدائر حول الأنوار الأوروبية ودورها التاريخي في ترسيخ الحضارة الإنسانية الحديثة ؟
لم تسفر فلسفة التنوير، في تصوره، إلا على الإعلاء من شأن الشعوب القومية الأوروبية والاستعلاء على الأغيار والهيمنة عليهم واستتباعهم سياسيا وثقافيا وتاريخيا.
(تحولت فلسفة التنوير على مستوى الممارسة إلى الإعلاء من شأن الشعوب القومية على حساب الإنسانية الواحدة التي تتساوى فيها الشعوب جميعا،أوروبية ولا أوروبية ،بيضاء أو سوداء.فبدأ التهكم على باقي الشعوب والديانات والعادات والأعراف والثقافات غير الأوروبية في تركيا وشمال إفريقيا وفارس والهند والصين.وأصبحت مبادئ الثورة الفرنسية وقيمها:العقل،والحرية ،والإخاء ،والمساواة ،والعلم ،والتقدم وسائل لاستعلاء الشعب الفرنسي خاصة والشعوب الأوروبية عامة على باقي الشعوب غير الفرنسية أولا وغير الأوروبية ثانيا.وتحول نابيون من مجسد لروح الثورة إلى مستعمر أوروبي لباقي الشعوب.) -12-
عوض تقديم إضاءة مركبة، تستحضر عددا من العوامل وتحيط بالسياقات السياسية والفكرية والتاريخية والحضارية وتقرأ الجزء في ضوء الكل والكل في ارتباطه بالجزئيات، يميل حسن حنفي، إلى رؤية الأنوار ومخاضاتها وحصائلها من منظور جزئي إيديولوجي.
تتميز الأنوار الفكرية الفرنسية، بتنوع اتجاهاتها وتعدد مسالكها واختلافها الفكري عن الأنوار الألمانية والإنجليزية والإيطالية؛ ويمكن إجمالاها في ثلاثة تيارات رئيسية:
-الأنوار الروسوية (جان -جاك روسو)، المحافظة ثقافيا واجتماعيا (خطاب في نشأة اللامساواة بين الناس و أسسها " لروسو) ، والثورية سياسيا ("العقد الاجتماعي" لروسو )؛
-الأنوار الفولتيرية (فولتير و ديدرو ومنتسكيو و دالمبير وتورجو...إلخ )،المتحررة فكريا و اجتماعيا ("القاموس الفلسفي" و "رسالة في التسامح " و رواية "كنديد أو التفاؤل " و "رسائل فلسفية " لفولتير)والمحافظة سياسيا ؛
-الأنوار الميلية(جان ميليه و لامتري و دولباخ و هلفسيوس وساد ) ،الثورية فكريا وسياسا واجتماعيا .
كانت الثورة الفرنسية، تركيبا عمليا تاريخيا لثلاث مرجعيات مختلفة فكريا ونظريا:
1-الأنوار الروسوية في تجلياتها السياسية والثورية؛
2-الأنوار الفولتيرية ،في تجلياتها الفكرية والاجتماعية والثقافية ؛
3-اجتهادات رجالات الثورة، وخبراتهم السياسية والفكرية.
كانت الثورة الفرنسية، استجابة مركبة، لواقع سياسي وفكري معقد ومركب.
من البين، أن فكر الأنوار تعددي ومختلف وإشكالي. ولما كان كذلك، توجب، في الواقع، التأكيد على طابعه الإشكالي، وعدم ربطه ربطا ضروريا بالثورة الفرنسية، الخاضعة، لإكراهات سياسية واجتماعية وتاريخية وتحديات مرحلية وظرفية ومجاذبات ومخاضات تتجاوز أطر الفكر والثقافة.
ولما كان فكر الأنوار تعدديا، كان من الطبيعي، أن تتعدد تصوراته عن الآخر وعن السوي. ومن المعروف، أن الأنوار مالت-أحيانا-إلى تقريظ و أمثلة الآخر، في خضم انشغال رجالاتها بتفكيك الفكر اللاهوتي والإقطاعي وإبراز لا جدوى البنى و التصورات والفرضيات الميتافيزيقية ( تقريظ الآخر التركي في رواية " كنديد أو التفاؤل "لفولتير مثلا).
كان من الضروري، إذن، التنصيص على تعددية الإنتاجات والتوجهات الفكرية الأنوارية، من جهة ،و على انفتاحها وانطوائها على ممكنات معرفية وفكرية ،عملت الثورة الفرنسية على إغفال بعضها في غمرة استغراقها في إيجاد الحلول السياسية والعملية لمشكلات ظرفية وبلورة بدائل مؤسساتية للمؤسسات والبنى الفكرية و السياسية القديمة المفككة، من جهة ثانية.
-4-وعي العالم الثالث:
يتحدث حسن حنفي عن وعي العالم الثالث؛ والحال أن ثمة فرقا كبيرا بين الوعي الأوروبي و الوعي الإسلامي وبين وعي العالم الثالث. وبينما يرتبط الوعي الأوروبي والوعي الإسلامي بمنظومات ونظم ومسارات تاريخية وخبرات ثقافية وسياسية وتدبيرية ورؤية محددة للذات والآخر، فإن وعي العالم الثالث، مرتبط بوضع سياسي إيديولوجي ظرفي. ولذلك فإن استحضار وعي العالم الثالث، في مقام الترقب والاستشراف الحضاريين ،لايستقيم.
لا يمكن، في الواقع، التعويل على التوافقات السياسية والإيديولوجية الظرفية بين بلدان العالم الثالث، وإغفال المعطيات الثقافية والتاريخية والحضارية، في تحديد المواقع والوضعيات والمواقف. والحال أن حسن حنفي، يصر على استحضار التوافقات والوضعيات السياسية-الإيديولوجية الظرفية في مواطن معالجة قضايا ثقافية-تاريخية-حضارية مندرجة في أزمنة وتواريخ ممتدة.
(لو كانت مظاهر العدم في الوعي الأوروبي حقيقة ومظاهر الأمل فيه وهمية ،صحوة ما قبل الموت،ولو كانت مظاهر الردة والانكسار في وعي العالم الثالث ظاهرية ومظاهر الأمل فيه حقيقة بإمكانياته التاريخية يكون جيلنا قد عاصر نقطة تحول رئيسية في مسار الحضارات البشرية كلها،نقطة تحول المسار الحضاري البشري من الغرب إلى الشرق .) -13-
في الواقع لا يملك وعي العالم الثالث، مسوغات التوظيف في مقام توقع مسار الحضارة بعد طول استقراء لمواطن الاهتزاز والتردد والتراجع في الاجتماع الغربي ومواطن التماسك والنهوض والترقي في مجتمعات بلدان العالم الثالث. لا يمكن خارج دوائر السياسة و معاداة الغرب الكولونيالي والاستعمار الجديد،الحديث عن تماسك أو متانة وعي العالم الثالث .والواقع أن بين الصين والهند والعالم الإسلامي وأمريكا اللاتينية و إفريقيا جنوب الصحراء اختلافات ثقافية جوهرية وانتماءات حضارية متضاربة.
لا يمكن عقد مقارنة متوازنة ومتزنة، في الواقع بين الوعي الأوروبي أو الغربي والوعي الإسلامي وبين وعي العالم الثالث، إلا في المباحث الإيديولوجية، الساعية إلى تسويغ قبليات ومسبقات لا تملك الصلابة النظرية أو الدعائم التاريخية والواقعية القوية.
علاوة على ما سبق ،فإن اختيارات كل قطب تتغير ، تبعا لتوجهات النخب السياسية والثقافية والمصالح السياسية و المواقع الجيو-سياسية والتحولات العالمية .لقد تغيرت الصين كثيرا بعد ماو وأعادت النظر في الماوية ،وتبنت الاقتصاد الرأسمالي المعولم وصارت قطبا اقتصاديا عالميا ،كما قبلت الهند ،تغيير نهجها الاقتصادي والإنتاجي السابق(اشتراكية جواهر لال نهرو والقومية الاقتصادية ومناهضة المهاتما غاندي للتصنيع) ،واستثمرت بعقلانية كفاءات الأطر الهندية ( نقصد العاملين ذوي الياقات البيضاء و العاملين ذوي الياقات الذهبية ) وعززت موقع اقتصادها الصاعد في سوق التنافس العالمي .لقد تم نهوض الصين والهند ،بفضل انفتاحهما ، على الغرب ،لا بفضل انحصارهما في المدارات الاقتصادية أو التقنية أو السياسية الشرقية أو العالمثالثية.
(وهكذا تؤلف الهند والصين معا حلقتين متكاملتين لا متنافستين في كثير من خطوط التفكيك الإنتاجي لكثير من الشركات. وطبيعي أن استخدام البلدين الناميين معا يمثل أداة قوية، بل لا سبيل إلى الاستغناء عن ذلك، لمصالح الشركات الغربية التي تسعى إلى خفض تكلفتها والإسراع بدوران إنتاجها.) 14-
ما كان بإمكان الصين النهوض والتفوق على كثير من القوى الغربية نفسها، لو لم تغير نهجها الاقتصادي والتدبيري والسياسي، وتصير فاعلا اقتصاديا وتقنيا بارزا على الصعيد العالمي.

الهوامش:

1-محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2006،3، ص.263.
2-محمود أمين العالم، البحث عن أوروبا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1،،1975،ص.110.
3-حسن حنفي ، مقدمة في علم الاستغراب ،ص 457.)
4-حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط،1992،1،ص 55.
5-حسن حنفي ، مقدمة في علم الاستغراب ، ،ص 61.
6-حسن حنفي ،مقدمة في علم الاستغراب ، ،ص 58.
7-حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، ص 14.
8-حسن حنفي ،مقدمة في علم الاستغراب ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت،ط،1992،1،ص 14-15.
9-هشام جعيط،أوروبا والإسلام –صدام الثقافة والحداثة ،دار الطليعة ، بيروت ،ط3،،2007،ص.106.
10-حسن حنفي، الغرب والإسلام ب عد11 أيلول/سبتمبر، شؤون الأوسط، العدد 106، ص.152.
11-حسن حنفي، الغرب والإسلام ب عد11 أيلول/سبتمبر، شؤون الأوسط، العدد 106، ص.153.
12-حسن حنفي ،مقدمة في علم الاستغراب ، ،ص 455.
13-حسن حنفي ،مقدمة في علم الاستغراب ،،ص 544.
14-روبين ميريديث، الفيل والتنين-صعود الهند والصين ودلالة ذلك لنا جميعا، ترجمة: شوقي جلال، عالم المعرفة، العدد 359، يناير 2009، ص.157.


إبراهيم أزروال
أكادير –المغرب



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذور و أهداف علم الاستغراب عند حسن حنفي
- الرواية ورهانات الكينونة
- لوك فيري ونيتشه
- حسن حنفي ونقد الاستشراق
- استجلاء الوعي في سينما المخرج محمد خان
- المعالجة الدرامية لقصة -أهل القمة- لنجيب محفوظ
- المعالجة الدرامية لقصة -الحب فوق هضبة الهرم - لنجيب محفوظ
- هادي العلوي والفكر الهندي
- التجديد اللغوي في - المعجم العربي الجديد - لهادي العلوي
- ورطات العلائق في فيلم -أربعاء الألعاب النارية - لأصغر فرهادي
- الإنسانية الانتقالية ونسيان تراجيديا الحياة والموت
- أشواق الذات في فيلم - أرض الأحلام - لداوود عبد السيد
- استشراف المستقبل وإشكاليات الحرية في فيلم -انفصال - لأصغر فر ...
- لمحات عن السيرة الذاتية للمختار السوسي -الجزء الثاني
- لمحات عن السيرة الذاتية للمختار السوسي الجزء الأول
- الذات والتاريخ في -رحلة من الحمراء الى إيلغ -لمحمد المختار ا ...
- نبيلة قشتالية –برتغالية في القصر السعدي بتارودانت
- الدراسات التراثية : إشكاليات المنهج والتداول
- إفريقيات -موانع المأسسة السياسية
- موزار والإشهار


المزيد.....




- سوريا: حمص تنفي فصل الجنسين في المدارس.. وتغيرات بالمناهج تُ ...
- بري يرد على واشنطن: الجيش اللبناني لن يكون حرس حدود لإسرائيل ...
- عشرات الشهداء بغزة والاحتلال يقصف محطة أكسجين مستشفى القدس
- غضب في لبنان من تصريحات المبعوث الأميركي
- نائب أميركي يحذر من خطر -سوء تفاهم- عسكري مع الصين
- مساع أميركية لتجديد الوساطة القطرية بشأن غزة
- ترامب يبدأ اجتماعا مع قادة عرب ومسلمين بشأن غزة
- أين وصلت توغلات الجيش الإسرائيلي بمدينة غزة؟
- ماكرون: منح ترامب نوبل السلام ممكن في حالة واحدة فقط
- ملك الأردن: خطاب إسرائيل حول الأقصى سيُشعل حربًا دينية تتجاو ...


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ابراهيم ازروال - في الاستغراب والاستغراب المعكوس