أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر جابر الجمَّال - النبوءات المتقدّمة والاستشراف المبكر للواقع: دراسة في الميلودراما السوداء-2














المزيد.....

النبوءات المتقدّمة والاستشراف المبكر للواقع: دراسة في الميلودراما السوداء-2


ياسر جابر الجمَّال
كاتب وباحث

(Yasser Gaber Elgammal)


الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 09:47
المحور: الادب والفن
    


تمثل الأعمال التي قدّمها يسري الجندي نصوصًا ذات أبعاد متعدّدة، تنفتح على مستويات من الدلالة والتأويل. فهي أعمال تغوص في الترميز، وتستحضر إشكاليات التاريخ بما يحمله من ألغازه وأحاجيه، ثم تُسقِط هذه الرموز على الواقع المعاصر في محاولة لقراءته أو مساءلته. ويمكن النظر إلى هذه الأعمال من زاويتين:
من جهة، نجد نزوعًا نحو الواقعية السوداوية أو النزعة التشاؤمية، حيث تكشف النصوص عن وجوه مأزومة من التجربة الإنسانية.
ومن جهة أخرى، تبرز محاولة لفتح الواقع وكشف طبقاته المضمرة، أو لاستخراج معانٍ جديدة من المتن النصي، تجعل المتلقي في مواجهة مع أسئلته الكبرى
إذا أردنا أن نطبّق ما ذكرناه سابقًا حول طبيعة أعمال يسري الجندي، فيمكن أن نتوقف عند مسلسل "بعد العاصفة"، الذي عُرض عام 1988.
هذا العمل الدرامي مثّل تجسيدًا واضحًا لأسلوب الجندي في الغوص في الرمزية واستحضار أبعاد التاريخ وأسئلته، وإسقاطها على الواقع المعاصر. وقد شارك في بطولته مجموعة كبيرة من النجوم، من أبرزهم: عفاف شعيب ، يوسف شعبان، محمود الجندي، هانم محمد، حمدي أحمد، إبراهيم يسري، توفيق الدقن (ظهر في بعض الحلقات)، أحمد مظهر ، إبراهيم الشامي ، إلى جانب نخبة من الفنانين في الأدوار الثانوية.
المسلسل من تأليف وقصة وسيناريو وحوار: يوسري الجندي، ومن إخراج: المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ.
ويُلاحظ أن هذا العمل لم يقدّم مجرد حكاية درامية تقليدية، بل عمل على تفكيك الواقع وإعادة صياغته عبر أدوات درامية مشحونة بالدلالات، الأمر الذي جعله يميل إلى التعبير عن الأزمات المجتمعية بلغة رمزية وواقعية في الوقت نفسه.
تدور أحداث مسلسل "بعد العاصفة" في قرية بسيطة تقع على أحد الشواطئ الساحلية، حيث يعمل معظم أهلها في صيد الأسماك، بينما تتحكم في مصائرهم مجموعة من كبار التجار الذين يحتكرون المهنة ويتلاعبون بالأسعار.
أبرز هؤلاء التجار: يوسف شعبان (يمثله زناتي)
سلامة (جسّده الفنان حمدي أحمد)
أما توفيق الدقن، فقد مثّل رمزًا لتاريخ المهنة، إذ جسّد شخصية التاجر القديم الذي كانت له هيمنة كبرى في الماضي، لكن الزمن تجاوزه، ليتحوّل النفوذ تدريجيًا إلى تجار جدد أكثر جشعًا واستغلالًا.
ومن خلال هذه الصراعات، يسلّط المسلسل الضوء على قضية الاحتكار والجشع التجاري، وما يترتب عليها من معاناة للفقراء الذين يعتمدون على البحر كمصدر رزق وحيد
يطرح مسلسل "بعد العاصفة" قضية أساسية تتمثل في مقاومة الظلم والاحتكار، ومحاولة صيادي القرية تشكيل جبهة موحّدة للدفاع عن حقوقهم في مواجهة جشع كبار التجار.
يظهر في الأحداث دور إبراهيم يسري الذي جسّد شخصية الفتى المتعلم، العائد من المدينة محمّلًا بالخبرات والمعارف الحديثة. فقد مثّل هذا الشاب الأمل في وعي جديد، يسعى إلى إرشاد الصيادين وتوجيههم نحو أساليب منظمة للدفاع عن مصالحهم.
إلى جانب ذلك، تتجسد شخصية عفاف شعيب (بنت المعلم حديدي ) في خط درامي يوازي هذا التوجه، حيث يُظهر المسلسل من خلاله الصراع النفسي والاجتماعي للجيل الجديد الذي يحاول الانتقال من حالة الخضوع إلى المقاومة الفعّالة.
غير أن هذه المحاولات لم تكن سهلة، فقد واجهت الصيادين مؤامرات وخططًا دنيئة من أصحاب النفوذ، ممثلين في شخصيتي زناتي وسلامة، اللذين سعيا بكل الوسائل إلى إجهاض أي محاولة جماعية لتغيي…
مع تطور أحداث مسلسل "بعد العاصفة"، يتصاعد الصدام بين الصيادين من جهة، وكبار التجار من جهة أخرى، ليخرج الصراع إلى العلن داخل القرية. وفي خضم هذه المواجهات، تتعرض شخصيةعفاف شعيب (التي مثّلت رمزًا للمقاومة داخل العمل) إلى مؤامرة خسيسة تمسّ شرفها وكرامتها، الأمر الذي يضطرها إلى مغادرة قريتها والرحيل إلى القاهرة.

وهنا يظهر البعد المأساوي في النص: فالشخصية التي ضحّت من أجل الناس ووقفت بجوارهم، كانت هي ذاتها التي دفعت الثمن غاليًا، بل إن من ساعدتهم كانوا سببًا مباشرًا في سقوطها أو نفيها من القرية. هذه المفارقة الدرامية تكشف عن إشكالية كبرى في رؤية يسري الجندي: أن الجماهير كثيرًا ما تتخلى عمّن يناضل باسمها، أو قد تنجرف وراء مصالحها الآنية دون وعي أو ثبات على المبدأ.
رحلة عفاف إلى القاهرة تمثل رحلة تحوّل: فهي تنتقل من امرأة فقيرة معدمة تدافع عن الحقوق، إلى شخصية أقوى وأكثر نضجًا، تعود محمّلة بطاقة جديدة ورغبة في الانتقام أو استرداد حقها. لكن هذا التحول لا يخلو من إشكالية؛ إذ يضعها في مواجهة السؤال الأخلاقي: هل تنتصر للمبدأ أم تنزلق إلى منطق القوة والانتقام؟
ومن خلال هذه الحبكة، يطرح العمل قضية محورية:
أين يقف الناس في صراع المبادئ؟
هل يظلون أوفياء لمن يدافع عنهم، أم يميلون مع الكفة الراجحة ومن يدفع أكثر؟


لقد أضاء الجندي من خلال هذا المسلسل على واحدة من أعمق أزمات المجتمع: أن الوعي الشعبي هشّ، ويمكن
التلاعب به من قبل أصحاب السلطة والمال، ما لم يتعلّم الناس الثبات على المبادئ ومواجهة إغراءات المصالح الضيقة.



#ياسر_جابر_الجمَّال (هاشتاغ)       Yasser_Gaber_Elgammal#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النبوءات المتقدّمة والاستشراف المبكر للواقع: دراسة في الميلو ...
- البعد الرمزي في صراع الأرض والهوية دراسة على الأعمال الدرامي ...
- السرقات الأدبية الشلالية والإقصاء المتعمد
- نجيب محفوظ في وجهة نظر أخرى
- النكسة الثقافية في العالم العربي
- لا تجهد نفسك يكفيك أن تعرف الطريق
- النجاح بالقوة الوهمية أم بالفعل الحقيقي؟(3)
- البناء الحقيقي والبناء المزيف - قراءة في البنية السطحية والع ...
- النجاح بالقوة الوهمية أم بالفعل الحقيقي؟2
- الثقب في أروقة التاريخ
- مذكرات السيد حافظ الجزء الخامس واقع أمة بين التراجيديا التار ...
- النجاح بالقوة الوهمية أم بالفعل الحقيقي؟
- العمق الوهي
- الأدب في صدر الإسلام والعصر الأموي بين استلهام القديم والمؤث ...
- حركة الترجمة بين توهم نقل المعرفة، وإفساد عقل الأمة.
- تصحيح التاريخ وقراءة قراءة واعية في ضوء المتغيرات الواقعية و ...
- بين النقد والنقض في بناء الحضارة
- قرارة جديدة للمرأة عند قاسم أمين من خلال كتبه
- الشخصيات الوازنة في المشهد الثقافي من خلال مذكرات السيد حافظ ...
- جمالية القفل في القصة القصيرة مجموعة السيد حافظ- حكايات أحفا ...


المزيد.....




- كتاب عن فرنسوا ابو سالم: شخصية محورية في المسرح الفلسطيني
- أمجد ناصر.. طريق الشعر والنثر والسفر
- مؤتمر بالدوحة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافي ...
- الاحتمال صفر
- أسعد عرابي... رحيل فنان يكتب العالم باللون وناقد يعيد ترميمه ...
- النقد الثقافي (المعنى والإتّجاه) في إتحاد الأدباء
- فنانون عرب يشيدون بتنظيم مهرجان بغداد السينمائي
- تحديات جديدة أمام الرواية الإعلامية حول غزة
- وفاة الفنان السعودي حمد المزيني عن عمر 80 عامًا
- حروب مصر وإسرائيل في مرآة السينما.. بطولة هنا وصدمة هناك


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر جابر الجمَّال - النبوءات المتقدّمة والاستشراف المبكر للواقع: دراسة في الميلودراما السوداء-2