أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد جاسم دشتي - في حجر الطيور وفي كسر آلة الزمن: تأملات في ضياع الحلم














المزيد.....

في حجر الطيور وفي كسر آلة الزمن: تأملات في ضياع الحلم


محمد جاسم دشتي

الحوار المتمدن-العدد: 8465 - 2025 / 9 / 14 - 09:32
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


ثمة لحظات لا تُشبه سواها، تداهمك فيها خيبة ما، لا لأنها الأكبر، بل لأنها جاءت في الوقت الذي كنتَ تعتقد فيه أنك بدأت أخيرًا تفهم الطريق. لحظة تنطفئ فيها الأحلام القديمة، لا بصوتٍ صاخب، بل على مهل، كشمعةٍ أدركت أن لا أحد سيراها وهي تموت.

تجلس في ركنك المعتاد، وقد فقدت فجأة تلك الآلة الوهمية التي كنت تسميها — بلا وعي — آلة الزمن. كانت تمنحك ذلك الوهم النبيل بأنّك قادر على إصلاح ما فُسد، على استرجاع ما ضاع، على إعادة اللقاءات التي لم تحدث، والمجازفات التي لم تُخض، والقبلة التي لم تُمنح، والخطوة التي لم تُخط. والآن، وقد سُرقت منك تلك الآلة، لا يعود لك إلا أن تواجه الزمن نفسه، مجرّدًا، كما هو: لا يرجع ولا ينتظر ولا يعتذر.

وحين يحدث ذلك، تتقافز فيك طيور الهجرة، ليست كرمزٍ للحرية هذه المرّة، بل ككائنات مترصدة. تحلّق فوقك كلّما هممت بالاستقرار، وتغادر كلّما فكّرت بالانتماء. تلك الطيور لا تُغريك بالرحيل، بل تسكنك، وتحملك معها رغمًا عنك. كلّ شغفٍ فيك، كلّ نزعة للعنفوان، كلّ رغبة في التجدد أو التمرّد، تصبح مدخلًا محتملاً إلى حجرها، ذلك المكان الذي يشبه الحرية في مظهره، لكنه يخفي قيدًا أعمق من السلاسل.

وهكذا، تقع الأحلام في فخّها الماكر. تدخل مغارة الشغف وعينها على الأفق، فتستيقظ لتجد نفسها محاصَرة في حجر لا تعرف إن كان دفئًا أم فخًا. حلمك الذي بدأ حرًا، متوثبًا، متقدًا، تجد نفسك وقد صرته أنت، تُطارد رجفه، تحميه من الخيبة، تمدّ له يدك كلّما هوى، حتى يصبح هو من يشدّك إلى قاعه، لا لتنهض، بل لتتآلف مع سقوطه الطويل.

وتتساءل: هل فقدت الحلم أم أن الحلم هو من تخلّى عنك؟ هل كانت آلة الزمن وهمًا، أم أنك كنت تستخدمها في الاتجاه الخطأ؟ وهل تلك الطيور المهاجرة كانت حقًا مرآتك، أم أنك كنت مرآتها التي كانت تراك ولا ترى ذاتك؟

تدرك بعد تأمل طويل أن ضياع الأحلام ليس هزيمة مطلقة، بل انكشافٌ موجع. أنك لم تكن تملك تلك الأحلام كما كنت تظن، بل كنت تسكنها، وتلبسها، وتتحدث بها، حتى غابت حدودك عنها. وحين سقطت، سقط معها شيء منك، شيء كنت تحسبه جوهريًا، فإذا به مجرّد انعكاس.

وتفهم، كما يفهم العائد من رحلة طويلة بلا وجهة، أن بعض الأحلام لا تُستعاد، وأن آلة الزمن الحقيقية لم تكن أبدًا في يديك، بل في وعيك. في قدرتك على أن تقول: نعم، ضاع ما ضاع، لكنني ما زلت هنا، أكثر اتزانًا، أقل افتتانًا، أصفى قلبًا، وأشدّ حرصًا على ألا أُسجن في حجرٍ يشبه الحلم ولا يكونه.

فكلما خفّ وهج الشغف، اتّقد نور البصيرة. وكلما ذوت رغباتك الأولى، ازدهرت فيك حكمة جديدة. وكلما شعرتَ أنك تحررت، فقط لأنك لم تعد تلهث، عرفت أن التحرر ليس في الطيران، بل في أن تختار جناحيك، لا أن تُمنحهما.

وهكذا، تخرج من وهم الزمن، ومن أسر الطيور، ومن كذبة الحلم المتكرّر، لتكتب عنك سردًا جديدًا، أكثر صدقًا، أكثر اتساعًا، وأقل حاجة لأن يصفق له أحد. لأنك تعلم الآن أن الحلم الذي يبقى، هو ذاك الذي يُولد فيك بعد كلّ خسارة، ويمشي معك بلا استعجال، بلا حجر، وبلا وعد زائف بالخلاص.



#محمد_جاسم_دشتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقاطعات الفنّ الحديث والكلاسيكي في تكوين الذائقة الرجولية ال ...
- ميثالوجيا تقدير الذات | أساطيرنا الشخصية التي نصنعها لننهض
- تأملات في فلسفة ما بعد الرحيل
- الرجماتية والمأذون


المزيد.....




- من أين أتى؟ علماء يكشفون معلومة صادمة عن تمثال أسد أثري بإيط ...
- طوله 12 قدمًا.. صائد تماسيح يصاب بالدهشة بعد تمكنه من أضخم ت ...
- قطر والتلويح بضربها مجددا.. وزير الخارجية الأمريكي يعلق
- حرب غزة في يومها 709: قتلى في قصف إسرائيلي منذ الفجر وعمليات ...
- هانوفر .. مركز الجالية السودانية وقلبها النابض في ألمانيا
- الأرق ليس مجرد تعب.. دراسة تربطه بزيادة خطر الخرف
- وزير الخارجية الأمريكي في إسرائيل مؤكدا دعم بلاده رغم الضربا ...
- بكين تجري دوريات في بحر جنوب الصين وتحذر الفلبين من الاستفزا ...
- شقيقة زعيم كوريا الشمالية تحذر جيرانها من -استعراض متهور للق ...
- توقيف رئيس بلدية معارض بإسطنبول بتهم فساد وابتزاز


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد جاسم دشتي - في حجر الطيور وفي كسر آلة الزمن: تأملات في ضياع الحلم