أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جاسم دشتي - تقاطعات الفنّ الحديث والكلاسيكي في تكوين الذائقة الرجولية الحديثة














المزيد.....

تقاطعات الفنّ الحديث والكلاسيكي في تكوين الذائقة الرجولية الحديثة


محمد جاسم دشتي

الحوار المتمدن-العدد: 8433 - 2025 / 8 / 13 - 15:55
المحور: الادب والفن
    


في زمنٍ تتكثّف فيه الأسئلة حول الهوية، تصبح الذائقة الرجولية نفسها ساحةً ملغومة، لا لفرط وضوحها، بل لفرط ما أُلصق بها من تصوّرات نمطية. إنها الذائقة التي كلّما ذُكرت، استُدعيت معها ظلال المقارنات، أو خُيّل للبعض أنها تهديد مضمر لما يقابلها من ذائقة نسوية. ولكن الحقّ أن الذائقة الرجولية، في جوهرها، ليست خصمًا لغيرها، بل هي سياقٌ ثقافيّ ووجدانيّ خضع، كغيره، لموجات التغيير، والتجديد، والانكسار.

منذ ستينيات القرن الماضي، واجهت هذه الذائقة زحف العصرنة والمدنية، بما تحمله من مظاهر الحداثة، في مواجهة الذائقة الريفية التي مثّلت البنية الأولى لوعي الرجل في الأطراف، قبل أن تُعاد صياغتها في مدن جديدة، بُنيت لا فقط بالحجر، بل بالذوق، واللباس، والتصرف، والعلاقة مع الآخر. ومن المفارقات أن الذائقة الرجولية الحديثة لم تنشأ في أحضان النخبة، بل في انكسارات المسافات بين الريف والمدينة، بين القوة الغريزية القديمة، والتأنّق الحسيّ المعاصر. كانت البداية من تلك الزوايا المغمورة حيث يختلط عرق الجسد برائحة العطر الرخيص، لتولد ذائقة هجينة، لا تنكر انتماءها إلى الأرض، لكنها تتطلع إلى السماء.

ولعلّ الرجولة الحديثة، وهي تحاول أن تصوغ حضورها، اختارت أن تتجلّى في صورةٍ مزدوجة: رجلٌ لا يخجل من إبداعه، ينسج من يومه طقوسًا صغيرة للجمال، لكنه أيضًا لا ينكر ازدواجيته الإنسانية، فيخلق عمله اليوميّ، أو فكرته الكبرى، من تلك المقابلة السرمدية بين الذكر والأنثى، في داخله وفي العالم من حوله. كأن ذائقته الحقيقية لا تكتمل إلا حين يضمّها في صورة واحدة، تتنفس من قطبين، وتنهل من حضورين، ليس على سبيل التماثل، بل على سبيل التكامل.

ومن هذا التكوين، يبدأ في إدخال الفن في يومياته، لا كمجرّد ترفٍ، بل كأثرٍ من ذاته. يحول هواياته إلى تعبيرات فنية، كمن يحتفي بلحظته العابرة بمنتهى الجدية. تراه يختار القلم كما يختار العطر، ينتقي أدواته كما ينتقي كلماته، ويرى في كل ما يمارسه تجليًا لشخصه؛ حتى الخياطة وتصميم الأزياء، لا يراها ضربًا من التأنّق الأنثوي، بل امتدادًا لتاريخه كفردٍ ينسج شكله بيده. يفهم الألوان، ويدقق في القصّات، ويعرف أن لكل ثنية معنى، ولكل نسيج مزاجًا.

بل يتجاوز ذلك إلى فنون الرياضة التي لا يراها حلبةً عضلية فحسب، بل اختبارًا للفكر، والدهاء، والانضباط. يتابع لاعبي الشطرنج كما يتابع الكاراتيه، ويرى في المصارعة تناغمًا بين الذكاء والتحمل، ويُدرك أن أجمل ما في الرياضة أنها تقدم الجسد كأداة للفكر، وكأنها رقصة تحت ضغطٍ جسديّ أقصى، لكنها لا تخلو من دهشة الفكرة المتقنة.

ومن هناك، لا يكون غريبًا أن يفتح قلبه للأوبرا. ذلك الفن النبيل، الذي يُضرم فيه نيران الانفعال، لكنه يعلّمه أيضًا أن الصمت له وزن، وأن كل نغمة لا تأتي من العدم. يذكر "ماريا كالاس"، و"بلاتشيدو دومينغو"، لا كمتفرج، بل كمن يعرف جيدًا كيف يُخيط التوتر الدرامي في حنجرته الداخلية.

ثم تراه، في ذات اللحظة، يتوقف أمام صورة دايدو موريامي اليابانية، تلك الصور الخشنة، الغائمة، الملتقطة من زوايا الشوارع، فتتغير نظرته: الفن ليس فوق المسارح فقط، بل في الشقوق، في الحوائط، في العيون العابرة. ويتأمل أعمال بانكسي، رسوماته الساخرة على الجدران، في الحرب وفي السلم، ويجد فيها ما يشبهه تمامًا: رجل يرفض القوالب، يحب السخرية حين تكون موجعة، ويؤمن أن الجمال يمكن أن يخرج من بين الركام.

وهكذا، حين نتأمل الذائقة الرجولية الحديثة، لا نراها مواجهةً ضد أحد، بل ساحةً رحبة، تلتقي فيها الأوبرا بالشغب، والبدلة بالوشم، والعقل بالجسد، والكلاسيك بالبانك. إنها الذائقة التي تصوغ هوية الرجل، لا وفقًا لما يجب أن يكون، بل وفقًا لما صار عليه وهو يسير خفيف الخطى، ثقيل الحضور، عميق الشغف، عارفًا أن الفن ليس امتدادًا للترف، بل جوهرٌ في طريقة العيش.



#محمد_جاسم_دشتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميثالوجيا تقدير الذات | أساطيرنا الشخصية التي نصنعها لننهض
- تأملات في فلسفة ما بعد الرحيل
- الرجماتية والمأذون


المزيد.....




- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
- روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي ...
- إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
- هوس الاغتراب الداخلي
- عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جاسم دشتي - تقاطعات الفنّ الحديث والكلاسيكي في تكوين الذائقة الرجولية الحديثة