|
التمظهر السردي الدرامي في ديوان: روايح زين
رشا الفوال
كاتبة
(Rasha El Fawal)
الحوار المتمدن-العدد: 8465 - 2025 / 9 / 14 - 04:50
المحور:
الادب والفن
على افتراض أن نقد الشعر يعني فهمه، وفهم مختلف الطبائع التي تُنتجه، فالنظرة الفنية إلى القصائد يجب أن تكون كلية؛ لأنها تعبر عن معان نفسية مصدرها عاطفة الشاعرة؛ ولأن السرد " بيئة فنية غنية تفيد في بناء النص الشعري، وتعمل على التوسع الدلالي في المضامين "(1) يتفق ذلك مع اعتبار: السرد خطاب السارد إلى من يُسرد له داخل النص؛ فالسرد هو الطريقة، معنى ذلك أن المهم عند مستوى السرد ليس ما يُروىّ من أحداث، بل المهم هو طريقة الراوي في إطلاعنا عليها. في ديوان: روايح زين الصادر عام 2024م عن دار: زين للنشر والتوزيع للشاعرة: ريم أحمد، السرد علامة لغوية هامة للربط بين المدلول(الحكاية أو المتن الشعري) والدال(المدرك الذهني الخفي)، معنى ذلك أن السرد هو الطريقة التي تُنظم الحكاية وفق نقطة زمنية تبدأ منها الشاعرة. خاصة أن القصائد زاخرة بالمواقف الدرامية. فعلاقة الشِعر بالدراما قديمة؛ لأن المسرحيات حين بدأت منذ العهد اليوناني القديم في القرن الخامس قبل الميلاد كانت تُكتب شعرًا، وكانت كلمة شاعر تعني في المقام الأول كاتب الدراما المسرحية، وفي حين تقوم القصائد(الذاتية) الغنائية بإشباع انفعالاتنا الوجدانية؛ فإن الدرامية تُشبع فينا ذلك الصراع الداخلي(2) والنزعة الدرامية في الشِعر المعاصر يمكننا اعتبارها" محاولة لتقليص الغنائية؛ فالشاعر حين ينزع إلى الدرامية يحاول أن يكون موضوعيًا إذ يطرح مادته الشعرية خارج دائرة الانفعال الذاتي الضيق "(3).
*مبنى الديوان: ************ تنتمي قصائد الديوان الحالي إلى شعر التفعيلة مع تعدد القوافي، واستخدام أسلوب التضمين أو الجريان، " الذي نعني به عدم إتمام المعنى في سطر شعري واحد "(4) وهو من أبرز التجديدات الشكلية التي طرحتها حركة الشعر الحر، الإخراج الأدبي للقصائد اقتضى تقسيمها إلى أربعة أجزاء: ريحة الخيمة، ريحة فستان أبيض، ريحة قوافي، روايح إنسانية، كل جزء بمنزلة الفصل وهو بدوره ينقسم إلى عدد غير متساو من القصائد، تتكون كل قصيدة من عدة مقاطع شعرية، يصور كل مقطع حدثًا معينًا، مع ارتباط المقاطع بخيط سردي واحد. ارتكزت قصائد الديوان على تقنية الحكي، بداية من الإهداء الذي يُشبه تمهيد الحكواتي: ولدتُ على يدها، فالتحمنا لمدة تزيد عن 26 عامًا، ثم توفيت" زينب بدير عبد الجليل " عن عمر يناهز 73 عامًا، ولم تترك لي ميراث، لكنها أودعت في يدي حمامة بيضاء، وخصتني بالأثر، وتركت تحت وسادتي وأمام غرفتي روايح ". وكانت الرائحة الأولى: ريحة الخيمة مع إشارة انتماء الذات الشاعرة إليها في جملة: " أنا ليا فيها كتير ". بمنزلة بيان السيرة، مع الإشارة الكنائية إلى عصامية الجدة في قصيدة: زين " والله كانت أشقى خلق الله ترفع على اكتافها البؤج وتلف ع الأسواق تبيع العمر باللقمة" ولأن تدوين السيرة يخضع لعدد من البواعث النفسية، الخصائص، الآليات، التقنيات؛ فقد تعددت مقاصده في بقية الروائح كما يلي: أولًا: المقاصد العقلانية التي انقسمت إلى: التبرير الذي يُبرز حاجة الشاعرة إلى كتابة السيرة والشهادة التي تُبرز رغبة الشاعرة في استمرار الأثر ثانيًا: المقاصد الانفعالية التي انقسمت إلى: إحساس الشاعرة وقوامه الاسترجاع من الذاكرة والاحتماء من المستقبل وما يحمله من عناصر مهددة، والبحث عن معنى الحياة المنقضية ومحاولة إعادة إنتاجها، معنى ذلك أن مسار التدوين انطلق من الحاضر حيث التصدير وصولًا إلى الماضي(موضوع التجربة). ولأن جوهر أية سيرة ذاتية هو عجزها عن بلوغ الغاية تمامًا وعجزها عن قول الكلمة الفصل، كانت القصيدة الختامية في الديوان(من السوق وإليه).
المبحث الأول: الخطاب الشعري من الغنائية(الذاتية) إلى الدرامية(الموضوعية) ************************************************* الخطاب ليس واحدًا، لكنه متعدد في أصوله المعرفية ووظائفه وأشكاله وترجماته، نضيف إلى ذلك أن التمظهرات السردية في الخطاب الشعري المعاصر ليست مجرد أشكالًا تتسم بالحياد، وتستخدم لتمثيل الأحداث الواقعية، بل تنطوي على سيرورات معرفية دالة على المشترك الإنساني أيضًا، وللخطاب عناصر ثلاثة هى: المخاطب وضرورة توفر قصد الإفهام لديه لإيصال الرسالة، والخطاب الذي يجب أن يكون مما تواضع الناس عليه، والمخَاطب الذي لابد أن يكون متهيئًا للفهم. من خلال ذلك قامت الشاعرة بتوظيف تقنية الحكاية اعتمادًا على: أولًا: العناصر السردية المختلفة: ******************* 1_ الحكاية(الموضوع) التي تضم بالضرورة الأحداث الخارجية التي(تصور حركية الشخصيات في الإطار الزمكاني)، والأحداث الداخلية التي(تحدث في ذهن الشاعرة كشخصية محورية) ويتم التعبير عنها بوسائل فنية مثل: تيار الوعى والتداعي الحر، واسترجاع الذكريات ارتكازًا على موتيف البعث. " بس انت باقية في الفكاير والحكاوي لسه سيرتك حية بينّا، وان سهينا يردنا تاني الحنين " فإذا تطرقنا إلى الحبكة في القصائد لوجدنا أن: الشكلانيون الروس وضعوا أسس شعرية القص في العصر الحديث ففرقوا بين الحكاية والحبكة، الحكاية في قصائد الديوان الحالي تتجلى في تتابع الأحداث المروية زمنيًا وسببيًا، أما الحبكة فقد تجلت في قدرة الشاعرة على صياغة هذه الأحداث بصورة انتقائية، تقول عن الجدة: " أيام السوق كانت تصحى من الفجرية تصحي عمار الدار " وبذلك تكون الحكاية هى المادة الخام التي اعتمدت عليها الحبكة، مع ملاحظة أن الشاعرة عند مخاطبة الشّعر صارت راويًة وصار الشّعر مرويًا عليه، ما أدى إلى استحضار تقنيتين من تقنيات السرد القصصي داخل القصائد. تقول في قصيدة: الوحي قبل الأخير " وانا اللي زيي لو تضيق الكلمة بيه ينفض واسع يا قلب القصيدة زي قلبي تمام ضيق يا صدر القصيدة في السؤال والرد " 2_ تعدد الأصوات والطابع الحواري: قصائد الديوان اتخذ الحوار في بنيتها السردية مسارين: الأول: حوار الذات مع نفسها(المونولوج الذهني) الذي اتضح في قصيدة: زعق الحمام " إزاى هاقدر دلوقتي أقول للعالم إني بحبه؟ وازاى هاتأمل شكل الورد واصلي بجد " الثاني: الحوار الخارجي الذي يتمثل في وجود صوتين متحاورين، اتضح في قصيدة: أول دروس الصمت " وشوش الشعر في خشوع قاله: انهزمت بشكل مبكي وقلب مش مضطر رد الحكيم بهدوء متبسم كل ابن آدم واجب عليه يزهد ولا يتغر " أدى ذلك إلى خلق مساحات سردية ارتكزت فيها الشاعرة على تقنية التداعي الحُر( الذي نعتبره العملية التي ترد بها الخواطر على ذهن الصوت الأول في القصيدة(المتكلم) عند تأثره بمثير ما) 3_ المشهدية: تجسيد الأفكار الذهنية من خلال المشاهد البصرية، يتطلب عددًا من التقنيات المسرحية مثل درامية الحدث والمفارقة والتوتر، هذا مع افتراض أن جذور استخدام المشهد تعود إلى تراجيديات العهد الإغريقي؛ فالمشهد حوار مسرحي يجري في فترة زمنية معينة ويتضمن الشخصيات والحوار والحدث، وكأن تشكيل البنية المشهدية ساهم في إبراز الشق الذاتي(إحساس الشاعرة بالوحدة) في قصيدة: الوحي قبل الأخير " ياويل سكاتي في الضلام وحدي العمر مقضي ودفتري فاضي " والشق الموضوعي(القلق الوجودي والإحساس بالأسى النفسي) فنراها تقول في قصيدة: جرح في عيون أبويا " تايهة وماليش على كف الزمن عمدان وماليش أساس باتهد زي الورقة من حبة هوا " 4_ أساليب القناع التي تكشف دواخل الشخصيات: القناع في قصائد الديوان يعني الصوت الذي يتحدث الشاعر من خلاله متجردًا من ذاتيته، وكأنه يعمد إلى خلق وجود مستقل عن ذاته، اتضح في قصيدة: الوصية " الدنيا خضار.. ارمح لا يغرك مال ولا جاه " 5_ الضمائر المتعددة: اعتمدت الشاعرة على الحكي بضمير المتكلم أولًا، فأنا الشاعرة الحقيقية هى المسئولة عن تأليف القصائد وإخراجها بما هى عليه من بناء، وأنا الساردة هى التي تُحيل على شخصية تتولى سرد السيرة وإدارة الأحداث، وأنا الكائن السير ذاتي هى السابحة في فضاء السيرة التي تُحيل على تقمص الساردة للشخصية المحورية داخل القصائد، ثم الحكي بضمير الغائب(من خلال الاستغراق في الاستيهام بشخصية الجدة)، والمخاطب والجمع، تواجهنا هنا إشكالية الفردانية والجمعنة؛ اتضح ذلك في الجدول التالي: الحكي بضمير أنا الشاعرة الحكي بضمير أنا الساردة الحكي بضمير أنا الكائن السيرذاتي الحكي بضمير الغائب الحكي بضمير المخاطب الحكي بضمير الجمع " أنا ليا فيها كتير " " ستي سواقي الرب في الفدادين " "والله قادرة الذكرى بس ياستي تشقني نصين " "كانت تصحى من الفجرية تصحي عمار الدار " " يا أول روح تغيب وتاخد ويا منها الشمس" " كنا بنشرب من كفوفها الضي " "كانت الله يرحمها تحب الكل " "بس انت باقية في الفكاير والحكاوي" "أنا كنت فرفوتة ف إيديها فى زحمة البيع والشرا" "وتحاجي عليا من الطير الجارح " "هدهد حنينك للي غابوا " "كلنا نتلم ننقر زي وليد الطير " "كنت استحلى على حجرها الضلة والسُترة" "سرسبت مني الليالي ذكريات بالكوم" "كان كل كلمة يقولها بتعلم في ضهري "يادوب بيطير" مين الفراشة الطالة من جواك نضحك عشان غيرنا في الأقدار 6_ تعدد الشخصيات التي يمكننا تقسيمها إلى: أولًا: الشخصيات الثابتة مقابل المتغيرة: الجدة/ ريم ثانيًا: الشخصيات البسيطة: أحمد/ يوسف، مقابل الشخصية المركبة التي تنطوي على كثير من التناقضات: محمد ثالثًا: الشخصيات الواقعية مقابل الرمزية: الغفر/ الشقيانين، المديون، الديّان، أهل السوق 7_ الزمان: صاحبة السيرة بحاجة إلى إيجاد نسق تنتظم فيه المدة الزمنية التي عاشتها من حياتها، وهذه مسألة غريزية عند كل مبدع كاتب سيرة يرغب في تنظيم سيرته(5) استخدمت الشاعرة عبارات تُشير إلى الزمن، مثل: ( الفجرية/ نهار السوق/ ليلة السوق/ الشمس شادة حيلها/ كنا الضهرية...)؛ ولأن التواتر يعني علاقات التكرار بين زمن القصيدة وزمن الحكاية، لاحظنا أن الشاعرة تروي ما حدث أكثر من مرة، أو تروي أكثر من مرة ما حدث مرة واحدة من خلال آلية الاسترجاع، وجاءت الوقفات السردية من أجل الوصف الخارجي( وصف الأماكن/ وصف مظهر الشخصيات) والوصف الداخلي للمشاعر والانفعالات مثال للوصف الخارجي: " إيده اللي عجزها الشقى " مثال للوصف الداخلي: " وكل ليلة باللف الصبر في ملايته " 8_ المكان: رسمت الشاعرة الأماكن وحركة الشخصيات بها مع استخدام ظروف المكان مثل(قصاد الخلق/ فوق راس النفر/ في وسط القماش/ من بين الهدوم/ وتاخدني في جنب/ بين ضلوعي/ بين العروق/ قدام شارعنا...)، ومن الأساليب التي تم توظيفها في رسم المكان: الوصف مثل: " ترقيعة الحتة اللي دابت في الخيم " / أنسنة الجماد مثل: " قال الجدار: أنا ليا فيها جدار وعرق خشب " / الترميز مثل: " مين الفراشة الطالة من جواك؟ " / الحركة مثل قولها: " اترج من تحتي البلاط/ وتروح ترفع عمدان الخيمة على دراعها ". 9_ اللغة السردية القائمة على توظيف أفعال السرد(الماضي والمضارع) واستثمار طاقة التناص مع الموروث الديني مثل: " وبيسبح على اكتافها الجماد والحي/ تتهجى الله بكافة أساميه وتتكى ع الستار/ هات العواقب زى مايليقلك/ وحياة النبي ياحنين يا كريم/ عليم الله بتقل الحال/ استر يارب/...) . 10_ الراوية العليمة: لا تكتمل عناصر أية حكاية دون وجود الراوي الذي يقوم بسرد الأحداث، وبالنظر إلى زاوية التبئير تُعتبر الشاعرة عالمًة بكل خفايا الأماكن والشخصيات، هذا وقد انقسمت وظائف الراوية في القصائد إلى: الوظيفة السردية(الحكي)، والوظيفة التنسيقية(إخراج الحكاية من خلال تنظيم الأجزاء وترتيب القصائد وتسلسلها) والوظيفة التقويمية من خلال(التعليق على الأحداث بضمير المتكلم)
ثانيًا: العناصر الدرامية القائمة على: ************************ 1_ تمثيل جوانب(الميراث الإنساني/ الميراث الحضاري/ الميراث الفني) وعلاقات التواصل والامتداد، خلق حالة من التوازن بين الطابع الغنائي الذاتي الذي يتضح في(طغيان العاطفة والخيال) والاقتراب من الموضوعية التي تتضح في(طغيان الأفكار وشمولية القصد) 2_ المفارقة الزمنية حيث ظهور الاستباقات أثناء استرجاع الماضي من الذاكرة " هتلاقي ناس أول ماتحضنهم يعضوا وناس من كُتر مااتعضت تغني " 3_ النزعة الإنسانية التي اقتضت التمهيد الفكري الموجه للمتلقي بخصوص الحق في الحرية والحق في رفض الاضطهاد؛ ربما لذلك نجد أن ذات الشاعرة في معظم القصائد تتقاطع أو تتجاور أو تتداخل مع الجماعة السيكولوجية من خلال ثنائية التشكل( الوظيفي / القومي)؛ فتظهر علاقات الصراع في حال التقاطع والتجاور، مثال لذلك قصيدة: عش النور " عشش يا كل النخل فوق بيتنا ضل الرطب سُكر مش زى ضل الناس أناني وفج " وعلاقات الاندماج في حال التداخل، مثال لذلك قصيدة: مُر العنب " مابيختلفش لقانا عن لقا العصافير أرفع جناحي تصير ونبقى أول نطفة كملت م الهوا " ومن أفضل تمظهرات النزعة الإنسانية في القصائد العلاقة بالجدة كحيز أولى للذات وكأن ذات الجدة إجدى المكونات المكانية في القصيدة، والعلاقة بالآخر(الأب/ الحبيب/ الإبن) كحيز ثاني للذات حيث التفاعل الوجداني مع الجماعة السيكولوجية من خلال إدراك أهمية المشترك الإنساني، والعلاقة بالقصيدة كحيز ثالث للذات من خلال التعبير عن الذات والهوية ومحاولة الفكاك من فخاخ الشك.
المبحث الثاني: الصورة وأثرها في البناء الشعري ******************************** الصورة في الشعر عبارة عن تشكيل جمالي تستحضر فيه لغة الإبداع الهيئة الحسية للأجسام والمعاني بصياغة جديدة، تُمليها قدرة الشاعرة وتجربتها دون أن يستبد طرف بآخر؛ ولأن الصورة تعتمد على إثارة الطاقة الإيحائية في التعبير عن العواطف بطريقة موضوعية دون البوح بها على نحو مباشر بما يُسمى بالمعادل الموضوعي(6)؛ ارتكزت قصائد الديوان أيضًا على الصور البلاغية القائمة على التشبيه والاستعارة التي تعد عملية خلق جديد في اللغة، والتي يُنسب إليها وظيفة العبور من المجرد إلى المحسوس(7) مثال لذلك قولها: (وان عضم الخوف مزيق) الخوف ليس له عظام، الاستعارة هنا تعبر عن حالة نفسية قوامها القلق؛ الاستعارة هنا تُذيب الدلالة وكأن عناصر المكان تتحول إلى أعضاء؛ ولأن الصورة الاستعارية تُقيم العلاقات الغريبة وتأخذ طابعًا وظيفيًا بشكل مباشر تقول: (سيل من الأشجار في صدري). والصورة التشبيهية التي تعكس المفردات القريبة من ذهن المتلقي مثل قولها: (ستي.. سواقي الرب في الفدادين) من أجل إقامة علاقة بين الحسي والمعنوي، مع ملاحظة أن من وظائف الصورة التشبيهية في القصائد أيضًا: التقريب بين حقيقتين مختلفتين أولًا، مثل قولها " وبدال ماتبكي زى كل الخلق عادى وفيني بدل الدمعة كلمة تعيش " وتعرية التناقض القائم على ثنائية(الغياب/ الحضور) ثانيًا في قولها: " عماله أدور فيكي على نفسي مش هوا دا الحضن اللي خدت عليه "
هذا وقد تعددت مصادر الصورة الشعرية في القصائد على النحو التالي: ******************************************** 1_ الخيال الذي يقوم بالدور الأساسي في تشكيل الصورة الشعرية وصياغتها(8) من خلال قوة الإبداع الخلاقة القادرة على توحيد المتناقضات، والتي سمحت بحالة من الوصل بين عالم العقل وعالم الطبيعة(9) مثال لذلك من قصيدة: مُر العنب " قاعدين على حافة هوانا بنبتسم بنفرفت التفاصيل على كفوفنا " 2_ الواقع (الحسي/ الذهني) من خلال التقاط الألفاظ المناسبة للسياق الفكري للقصيدة(المعجم الخاص) مثال للواقع الحسي من قصيدة: الفراشة " أوقات مابينصفنيش لساني مع إن أمي مصممة إني مسحوبة منه " فدراسة الصورة لا يمكن أن تتم بمعزل عن دراسة البناء الشعري خاصة أن القصيدة لا تقوم على الإخبار فحسب، بل تقوم على الإيحاء والرمز والملمح(10)؛ لذلك نجد أن الصور التي تعتمد على المدركات الحسية مثل الطابع الحسي اللوني والسمعي والبصري تحمل دلالات إيحائية تُسهم في التشكيل الفني، مثل قولها: (طوبة حمرا وطوبة دمعة/ بتشم ريحتك من على اعتاب الشوارع/ فلقتني أنا باندب/ ودي كانت أول مرة أشوف الجوع/ كنا بنشرب من كفوفها الضي/ كات ريحة التقلية من إيدها بتجري ريق الخلق/ شربتني الكون بحاله وهى نايمة ممدة تحت اللحاف) ولأن الذي يعطي للصورة فاعليتها ليست حيويتها كصورة بقدر ميزتها كحادثة ذهنية ترتبط نوعيًا بالإحساس(11) تقول الشاعرة في قصيدة: حضن الأوض " يتلفني لون الصبح لو طالع بلا عصافير " 3_ الموروث(الثقافي/ الاجتماعي/ الديني) من مصادر الصورة سواء أكان شخصًا أم أحداثًا أم أفعال قامت بها الشخصيات، مثال لذلك من قصيدة: يوسف " ادخلوا مساكنكم عشان في حد خارج من مكان رايح مكان " وما يرتسم حولها من صورة فنية تأخذنا إلى سياق نصي ذا طابع ديني، يرتبط بقصة نبي الله سليمان وقدرة النملة على التبصر.
خاتمة: ****** _ امتزجت الشاعرة بعناصر المكان واستطاعت تطويعها لتصبح أدوات النقل والإيحاء والبديل للتعبير المباشر(12) مع عدم اللجوء إلى توكيدات على اعتبار أن كل ما كتبته حقائق ليست بحاجة إلى إثبات. _ الصورة هى ضلع الديوان الأكبروالتي تنوعت فلاحظنا الصور السمعية وعلاقتها بالخيال السمعي، والإحساس بالإيقاع الذي اعتمد على المحسوس(الصور الذهنية). لاحظنا أيضًا الاستخدام الرمزي في الصور الفنية عن طريق المفردات ذات الدلالة مثل قولها " الزرعة اللي بتتحش غلط أبرك م الزرعة الخايبة " ثم استخدام الحدث أو الشخصية ذات الطابع الرمزي مثال:( أيام السوق/ الغفر/ أم السلام) الخيال عامل خلاق في القصائد؛ لأنه نشاط استلهامي يعمل بصورة لاواعية(13) _ نقلت لنا الشاعرة الوقائع بتمثلاتها معتمدة على تغذية المادة الخبرية بكل ما تجود به ذاكرتها التي استوعبت الأحداث وأحاطت بخفاياها؛ فالقصائد بمثابة مصابيح لا يمكن عزلها عن الشخصية. ولذلك كان تكرار الأفعال الماضية دلالة على ديمومة الأحداث واختراقها حجب الحاضر. _ الشعر الغنائي( الذاتي) دليل سيادة النموذج التوريثي والتواصلي، إلا أن الشاعرة كانت على وعى بحدود هذا التواصل فقد تمكنت من التغني بالذات الجمعية من خلال آليات التقمص وتماهي الذات أولًا، والزخم الخبري الناطق بمسارات الحياة ثانيًا. ومن مقومات قوة القصيدة الخبرية أن تصدر عن الشاعرة التي عايشت الحدث وأسهمت فيه وعرض امتداد العرق من خلال الإطار الزمكاني ودقائق التفاصيل الناطقة بمظاهر ذلك الإمتداد _ التخيل منح الشاعرة فرصة تلوين السيرة بدفعها نحو الانطلاق من الذات بضمير المتكلم المفرد والتحدث باسمها الخاص: ريم ، مع ملاحظة أن التناص مع الموروثات الاجتماعية والثقافية اتضح تأثيره الفعال في اختلاف أسلوب الشاعرة عن غيرها _ صورة المرأة في القصائد تبعث الدفء والاستقرار ومحاولة الهروب من مصادرة المباهج _ لأن الأسلوبية تبحث عن الخصائص الفنية الجمالية التي تميز نصًا عن آخر، أو شاعرًا عن آخر من خلال اللغة، تجلت في القصائد المهارات الأسلوبية للشاعرة من خلال: اللغة التراثية الدينية والمفردات الشعبية من ناحية، ولغة الحياة اليومية المعاصرة التي اتسمت بالسهولة والوضوح، والتي استخدمت فيها الشاعرة آليات التكرار والحذف والقطع والتنقيط، ثم التركيز على المذكور أولًا وإضفاء شحنة عاطفية عليه من أجل استمرار الأثر في نفس المتلقي ثانيًا.
الهوامش: ******** 1_ رامي مصطفى هلال، ملامح السرد في الخطاب الشعري عند محمود درويش، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الطبعة الأولى، 2024م، صــ24 2_ يوسف اليوسف، بحوث في المعلقات، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1978م، صــ9. 3_ أحمد كريم بلال، النزعة الدرامية في الشعر العربي المعاصر: دراسة في الرؤى والتقنيات، دار النابغة للنشر والتوزيع، 2014م، صــ18 4_ فهد أبو خضرة، المعجم الوافي في مصطلحات اللغة العربية وآدابها، باقة الغريبة، مجمع القاسمي للغة العربية وآدابها، 2013م 5_ محمد الخبو، بعض ملامح الأنا، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مج16، ع4، 1998م، ص64 6_ عماد غزوان، المعادل الموضوعي مصطلحًا نقديًا، الأقلام، ع9، 1984م، ص35 7_ أحمد درويش، ملامح التجسيد الفني لظاهرة الحرية في شعر درويش، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مج 11، 1992م، ص 85 8_ محمد فكري الجزار، الصورة الشعرية والتشكيل الجمالي عند محمود درويش: محمود درويش المختلف والحقيقي، دراسات وشهادات، دار الشروق، ط1، 1999م 9_ عبد الواحد لؤلؤة، ترجمة: موسوعة المصطلح النقدي، مج2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1982م، ص239 10_ ماجد جعافرة، قراءات في الشعر العباسي، مؤسسة حماة إربد، ومكتبة المتنبي، الدمام، السعودية، 2003م، ص56 11_ رينيه ويليك، وأوستن وارين، نظرية الأدب، تر: محيي الدين صبحي، المؤسسة العربية للنشر، بيروت، ص194 12_ عدنان قاسم، الأصول التراثية في نقد الشعر العربي المعاصر، المنشأة الطبيعية للنشر، ليبيا، 1980، ص245 13_ قيس كاظم الجنابي، الصورة الشعرية عند السياب، مجلة البيان، الكويت، عدد 264، ص35
#رشا_الفوال (هاشتاغ)
Rasha_El_Fawal#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البناء الدرامي في مجموعة: لفحات أغسطس القصصية
-
القضايا المجتمعية وأشكال الحدث في مجموعة: مقتل بخيتة القصاصة
-
التنوير المؤصّل وفلسفة الأنسنة قراءة في الخطاب الفكري للشيخ:
...
-
الخريطة الإدراكية للإسلاموفوبيا وسُبل المجابهة قراءة في رسال
...
-
انكسار المعنى ولا يقينية العالم في : حكايات على سبيل الثرثرة
-
التسول وإعادة انتاج ثقافة الفقر قراءة سيكوسوسيولوجية
-
النرجسية الجنسية ووهم الفردانية في رواية: برسكال للكاتب أحمد
...
-
الوعى بالزمن بين هاجس الموت وهذيان الواقع في ديوان الترابيون
...
-
الوعى بالزمن بين هاجس الموت وهذيان الواقع في ديوان/ الترابيو
...
-
سيرة القلق وسؤال الحرية في ديوان/ على استحياء: الكود الرابع
...
-
دلالات الخوف ومفردات الشك في ديوان-لابس مزيكا- للشاعر/ جمال
...
-
فُصام النَص وعلاقته بالذاكرة العاملة في مجموعة الرابع عشر من
...
-
تأويل الحُلم عبر الذاكرة في رواية كيميا
المزيد.....
-
الموت يغيّب الفنان والمخرج عباس الحربي في استراليا
-
حملة عالمية لمقاطعة سينما إسرائيل تتضاعف 3 مرات خلال أيام
-
تعهد دولي بمقاطعة سينما إسرائيل يثير ضجة كبرى في العالم
-
فنانون أتراك يدعمون حملة -جسر القلوب من أوسكودار إلى غزة-
-
أمل مرقس: -في فلسطين الغناء لا يوقف الحروب، لكنه فعل صمود وم
...
-
عُمرٌ مَجرورٌ بالحياةِ
-
إشهار كتاب ( النزعة الصوفية والنزعة التأملية في شعر الأديب ا
...
-
باراماونت تنتقد تعهد فنانين بمقاطعة شركات سينمائية إسرائيلية
...
-
إنقاذ كنز أثري من نيران القصف الإسرائيلي على مدينة غزة
-
يُرجح أنه هجوم إيراني.. عشرات الممثلين الإسرائيليين يقعون ضح
...
المزيد.....
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|