|
الخريطة الإدراكية للإسلاموفوبيا وسُبل المجابهة قراءة في رسالة: العلامة الشيخ عبد الله بن بيّه
رشا الفوال
كاتبة
(Rasha El Fawal)
الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 23:46
المحور:
حقوق الانسان
مقدمة: ******* يشهد العالم المعاصر تصاعدًا ملحوظًا في ظاهرة العداء تجاه الإسلام والمسلمين، أو ما يُعرف اصطلاحًا بـ"الإسلموفوبيا"، وهي ظاهرة تتجلى في أشكال متعددة من التمييز، والتحريض، والوصم، والعنف الرمزي والمادي. وقد تسارعت وتيرة هذه الظاهرة في أعقاب أحداث سياسية وأمنية كبرى، أبرزها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما تبعها من تحولات جيوسياسية، وسياسات إعلامية تغذت على صور نمطية اختزلت الإسلام في مشاهد التطرف والعنف. ووسط هذا السياق المتوتر، برزت جهود فكرية وفقهية تسعى إلى تفكيك هذه الظاهرة من الداخل، وتقديم خطاب إسلامي إنساني جامع، يستند إلى قيم السلم والتسامح والتعدد واحترام المشترك الإنساني. من أبرز هذه الجهود رسالة: العلامة الشيخ عبد الله بن بيّه، أحد أبرز علماء الشريعة المعاصرين، والذي كرّس جانبًا من جهوده للدفاع عن صورة الإسلام، وتفنيد دعاوى الكراهية الموجهة ضده، انطلاقًا من منظور علمي رصين، يجمع بين التأصيل الفقهي والوعي الحضاري. نسعى في هذه الدراسة إلى تناول هذه الرسالة تحليليًا، للكشف عن السياقات التي أنتجتها، والدوافع التي حدّدت معالمها، والمرجعيات التي انطلقت منها. كما نسعى إلى الإسهام في فهم أعمق للإسلموفوبيا بوصفها ظاهرة نفسية واجتماعية وثقافية معقدة، تتغذى على أنماط من الخوف المتبادل وسوء الفهم، وتتطلب مقاربات متعددة التخصصات لمواجهتها. هذا وتنطلق هذه القراءة من عدة تساؤلات مركزية: كيف تُعالج رسالة: العلامة الشيخ عبد الله بن بيّه ظاهرة الإسلاموفوبيا؟ وما الذي يمكن أن تضيفه هذه الرسالة إلى الحقل المعرفي في زمن تتعالى فيه أصوات العداء وتضيق فيه مساحات الحوار؟ ومن خلال التساؤلات تتفرع محاور البحث، الذي يطمح إلى الربط بين النصوص المرجعية والخطاب المعاصر، واستكشاف إمكانات التجديد في مواجهة خطاب الكراهية.
المحور الأول: الإسلاموفوبيا – المفهوم والسياق والرسالة ***************************** أولًا: المفهوم ******** الإسلاموفوبيا (Islamophobia) كما يعرفها الدكتور: سعيد اللاوندي هى: " حالة من الخوف المرضي والكراهية الممنهجة تجاه الإسلام والمسلمين، تنبع من صورة ذهنية مشوهة تشكلت بفعل تراكمات تارخية واستعمارية، وتم تعزيزها في العصر الحديث من خلال وسائل الإعلام الغربية والخطابات السياسية والأحداث الإرهابية التي نُسبت إلى الإسلام زورًا " (1) وتعرفها منظمة العفو الدولية (Amnesty International): باعتبارها "التمييز أو العداء الموجه ضد المسلمين بسبب دينهم، ويتجلى ذلك في خطاب الكراهية، والعنف، وانتهاكات حقوق الإنسان التي تستهدفهم".(2)، ويعرفها المجلس الأوروبي: " الإسلاموفوبيا تشير إلى الخوف المفرط، والكره، والتحامل ضد الإسلام والمسلمين، وتُعبّر عن نفسها من خلال التمييز والإقصاء الذي يمس الحقوق الأساسية "(3)
ثانيًا: السياق( ما وراء الإسلاموفوبيا – الجذور المسكوت عنها) ************************* " في حروب التحرير في العالم العربي، كان الروح الإسلامي والنَفس القومي محفزين للمقاومة التي يسميها المستعمرون إرهابًا، إلا أن الإرهاب لا يختص بدين دون آخر، ولا ببقعة دون أخرى، والإسلام لا يجوز أن يُنسب إليه إرهاب المرهبين، واعتداء المعتدين، حتى ولو كان بعض المسلمين في لحظة من التاريخ، ودورة من دورات الزمن، انخرطوا في سلك الإرهاب "(4)، معنى ذلك أن ظاهرة الإسلاموفوبيا لم تكن نتاج لحظة طارئة أو انفجار مفاجئ للكراهية، بل هي نتيجة تراكمات ضاربة بجذورها في مساحات مهملة من الوعي الغربي والعالمي، حيث جرى تجاهل السياقات المتعددة التي أحاطت بنشأة الإسلام وانتشاره وتفاعله الحضاري مع الأمم. ساهم في تغذية هذه الظاهرة أيضًا الاستبعادٌ المتعمد أو غير الواعٍ للسياقات التاريخية التي تُبرز تلاقي الإسلام مع الحضارات الأخرى، وتغييبٌ السياق السوسيولوجي الذي يُظهر اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية بوصفهم جزءًا فاعلًا لا طارئًا. كما أُهملت السياقات الاقتصادية التي كانت — ولا تزال — تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل صورة "الآخر المسلم"، حين ترتبط الهجرة، والعمل، وتوزيع الثروات، بسرديات الخوف والتهديد. ناهيك عن تغييب السياق الثقافي الذي يُظهر ثراء الهوية الإسلامية وتنوعها، مقابل اختزالها في قوالب جامدة لا تعبّر عنها. أما السياق الاندماجي للإسلام، فغالبًا ما يُقدَّم كاختبار ولاء، وليس كجسر تفاهم متبادل، ما يؤدي إلى تقويض إمكانيات العيش المشترك. فكلما تم استبعاد دوافع الصراع السياسي والجيوستراتيجي من المشهد، يزيد إنتاج رواية مشوهة تُحمِّل الإسلام — كدين ومجتمع — وزر أفعال قلة متطرفة، وهو الأمر الذي يفضي إلى تزييف الحقائق واستبدال الفهم بالأحكام المسبقة أولًا، والمعرفة بالأسطرة ثانيًا، والعقل بالحذر المذعور ثالثًا. في سياق ذلك المحور حدثنا العلامة الشيخ عن المسارات المتعددة للإسلاموفوبيا، وأولها الإرهاب كظاهرة غضبية احتجاجية، أصبحت تُشكل خطرًا على المجتمع، تنطبق عليها القاعدة الفقهية التي تقول: " الشىء إذا خرج عن حده، انقلب إلى ضدُه "، والتي من خلالها اقترحت لجنة مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية ست توصيات للقضاء على الإرهاب وانتشار الفكر التكفيري؛ (حيث استضافت الرياض أول مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز، في فبراير 2005م، شهد المؤتمر مشاركة واسعة من ممثلي نحو 50 دولة ومنظمة دولية. أبرز مخرجاته كانت "إعلان الرياض" الذي دعا إلى إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة، وهو ما تحقق لاحقًا بتأسيس مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (UNCCT) عام 2011م) ففي المجال الأمني أوصت بدعم جهاز مكافحة الإرهاب وتفعيل مراكز أبحاث الجريمة، وفي المجال التربوي والتعليمي شددت على أهمية مراجعة المحتوى المعرفي لبعض المناهج، وربط مادة الثقافة الإسلامية بالقضايا الفكرية المعاصرة، وإعداد مواد إعلامية كفيلة بغرس القيم، مع ملاحظة أن التصدي الفاعل لظاهرة الإرهاب إذا افتقد العمل الجماعي والمنظور الاستراتيجي الشامل سيكون قاصرًا.
ثالثًا: رسالة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه – دعوة للرحمة والعقلانية ************************************* في رسالته إلى الغرب، يدعو العلامة الشيخ: عبد الله بن بيه إلى مراجعة الصورة النمطية عن الإسلام، مؤكدًا على القيم الكونية التي يحملها، كالسلام والعدالة والتسامح. ومن أهم مرتكزات الرسالة: أولًا: الخطاب الإسلامي قائم على الرحمة: فالقرآن الكريم يبدأ بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، ويُقدّم الرحمة كأصل في العلاقات بين البشر، ثانيًا: الدعوة إلى الحوار الحضاري، حيث يدعو الشيخ إلى تجاوز صدام الحضارات لصالح تعارف الشعوب، ثالثًا: إدانة العنف والتطرف، وفي ذلك يرفض الشيخ محاولات بعض الجماعات اختطاف الخطاب الديني لتبرير العنف، رابعًا: تحميل المسؤولية للمسلمين والغرب معًا، حيث يُحمّل الطرفين مسؤولية بناء بيئة تفاهم، بعيدًا عن التشنج والشيطنة.
المحور الثاني: الإسلاموفوبيا: أسباب وسياقات ****************************** الإسلام دين يتسم بالعالمية، فهو دين خُصَّ برسالة شاملة تخاطب الإنسان أينما كان، دون انغلاق على قومية أو جغرافيا. قال تعالى في سورة: سبأ، الآية 28، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، حيث أكدت الآية على أن الرسالة المحمدية موجهة إلى الناس كافة، تبشرهم بالحق وتنذرهم من الغي. مع ملاحظة أن عالمية الإسلام تقوم على نوعين من القيم المتكاملة، أولًا: قيم إنسانية عامة يشترك فيها المجتمع البشري بأسره، مثل السلام والحرية والعدل والكرامة، وهي قيم تتيح للإسلام التواصل مع العالم انطلاقًا من أرضية إنسانية مشتركة، وثانيًا: قيم خاصة تُعبّر عن خصوصية الهُوية الإسلامية وشكل التماسك الداخلي لأمة الإسلام، نلتزم بها مثل وحدة الإله المعبود ووحدة الدين، ووحدة الأمة، والأخوة الإسلامية_ التي تتجلى في صور متعددة_ من أبرزها: البُعد الاقتصادي حيث نظام التكافل الاجتماعي، والبُعد السياسي حيث الشورى والبيعة، والبُعد الرسالي حيث الجهاد بوصفه التزامًا بتبليغ الدعوة، لا عدوانًا، وإنما دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. تأسيسًا على ما سبق؛ يمكننا تتبّع أبرز الأسباب السياسية الكامنة خلف تنامي الإسلاموفوبيا في الخطاب الغربي، من خلال عدة مرتكزات فكرية وأيديولوجية أولها ما يُعرف بـ الاستشراق الرأسمالي، وهو تيار فكري غربي يرى أن الإسلام – في جوهره – يُكرّس أنماطًا اجتماعية واقتصادية رجعية؛ فهو بحسب هذا التصور، مسؤول عن ترسيخ الإقطاعية اقتصاديًا، والإثنية اجتماعيًا، والطائفية دينيًا. والتطرف الديني الذي يُنظر إليه باعتباره نتيجة ضغوط اقتصادية واجتماعية خانقة، لا باعتباره ظاهرة لها امتدادات سياسية وتاريخية معقدة، والإسلام الجديد– أي الإسلام في صورته العالمية المتفاعلة مع التحولات الجيوسياسية – الذي يُنظر إليه باعتباره التهديد الأكبر لمصالح الغرب الإمبريالي، لا سيما بعد سقوط المعسكر الشيوعي، مما جعله في نظر صانعي القرار والخطاب الإعلامي العدو الأيديولوجي البديل، يُضاف إلى ذلك الرؤية التقليدية الغربية التي تقلل من شأن الحضارة الإسلامية، معتبرةً إياها حضارةً قائمة على التقليد والنقل، وليست نتاجًا لأصالة معرفية أو إبداع حضاري مستقل، وإنما مجرد محاكاة لأنموذج الحضارة الغربية "المتفوقة". في هذا السياق يخبرنا العلامة الشيخ أن الإسلام أدان كل أسباب التطرف(الذي كان مرتبطًا في أذهان الأوروبيين بالكنيسة الكاثولوكية قبل تصديره إلينا)، وأوضح " أن كل تلك الأسباب تضامنت لتوجد ما يسمى بثقافة العنف، التي لا يمكن أن تعالج بالحل الأمني منفردًا، داعيًا إلى أهمية الخطاب الحى الواعي الذي يقوم على نبذ العنف وزرع ثقافة السلام والتسامح والمحبة، وتقديم البدائل أمام الشباب اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا "(5) أبرزت ظاهرة: الإسلاموفوبيا كذلك التحولات الإجتماعية التي تمر بها المجتمعات الغربية، والتي تتمثل في ظاهرة صعود أحزاب اليمين الراديكالي الجديد بالدول الأوروبية، التي تنحصر برامجها في الغالب في إشاعة الخوف من المسلمين، والتي تمتلك إمكانيات إعلامية ومالية توظفها في حملاتها ضد الأقليات المسلمة التي تجتاز مرحلة قلقة؛ لأنها تمثل في نظر الأوساط الأمنية الأوروبية طابورًا خامسًا إسلاميًا. وأيضًا المناهج التعليمية الأوروبية التي تصور المسلمين باعتبارهم برابرة، إضافة إلى التحريض ضد المسلمين من قبل وسائل الإعلام الأوروبية، وتعرض الأقليات المسلمة للتمييز العنصري والديني، مع رفض مشاركتهم الاجتماعية كأقليات. في هذا السياق، يؤكد: العلامة الشيخ إن الكرامة ليست مطلبًا نظريًا، بل هي معطًى عمليٌّ يُعيد ترتيب الأولويات في السياسات الوطنية والدولية. وهي الأساس الذي يُمكّن من تجاوز النزاعات الهوياتية أولًا، ويمكن من بناء فضاء سياسي مشترك، يُنصِف الجميع دون نفي أحد ثانيًا. وهذا ما يجعل احترام الكرامة وتعزيزها، في بعدها الديني والعقلاني، هو الطريق الأضمن نحو سلام مستدام، وعدالة دامجة، ومواطنة شاملة تحفظ التنوع، وتُفعّل الإنصاف. فاتساع دائرة الخوف والتخويف من الإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربية، يدفع على مستوى العلاقات الدولية كما على مستوى العلاقة بالأقليات المسلمة إلى اتخاذ مواقف، وانتهاج سياسات خارجية أو داخلية؛ تضعف الثقة بين الطرفين، وتشجع انتشار الخطاب المعادي للغرب في المجتمعات المسلمة على أساس المفاصلة الدينية، التي تتغذى أيضا من ذاكرة الإرث الاستعماري الغربي. هذا وقد انصبت رسالته في اعتبار معالجة ظاهرة الإسلاموفوبيا تأخذ ثلاث مسارات منها: تحليل أسباب الخوف من الإسلام من خلال رصد التمظهرات والعوامل المؤدية إلى هذه الظاهرة أولًا، وتقديم رؤية علاجية لمواجهة الإسلاموفوبيا عبر تعزيز الخطاب المعتدل والتسامح ثانيًا، وتعزيز التفاهم بين الأديان والثقافات من خلال الحوار والتعاون المشترك ثالثًا.(6)
المحور الثالث: الخريطة الإدراكية للإسلاموفوبيا، وسُبل المجابهة ********************************* لفهم ظاهرة الإسلاموفوبيا بعمق، نحتاج إلى تحليل بنيتها الإدراكية والنفسية، أي الكيفية التي تُبنى بها الصور الذهنية السلبية عن الإسلام في العقل الغربي، ويشمل ذلك: الصورة الذهنية الأولى: النماذج المعرفية السائدة؛ فالنظرة إلى الإسلام كتهديد أمني يغذّيها الإعلام تصوّرًا عن المسلم كإرهابي محتمل، والنظر إلى المرأة المسلمة كرمز للاضطهاد، يُصوَّر الحجاب باعتباره علامة على القهر، والنظر إلى الثقافة الإسلامية كمضادة للحداثة تختزل الإسلام في تقاليد جامدة معادية للتقدم. الصورة الذهنية الثانية: آليات ترسيخ الصور النمطية، من خلال التكرار الإعلامي للربط بين الإسلام والعنف أولًا، وتغذية الذاكرة الجماعية بصور مأساوية(الحروب، التفجيرات) ثانيًا، والخطاب السياسي الشعبوي الذي يستثمر الخوف من "الآخر" ثالثًا. الصورة الذهنية الثالثة: أثر الخريطة الإدراكية، الذي يُنتج سلوكًا اجتماعيًا قائمًا على التمييز أولًا، ويخلق سياسات إقصائية ضد المسلمين ثانيًا، ويعيق مشاريع الاندماج والتفاهم بين الثقافات ثالثًا.
**سبل المجابهة استنادًا إلى رسالة: العلامة الشيخ عبد الله بن بيه ******************************** 1_ إعادة بناء الخطاب الذي يوضح تعاليم الإسلام الرحيمة بلغة عقلانية معاصرة، ودعم العلماء المعتدلين الذين ينادون بالتسامح والانفتاح. 2_ التواصل الحضاري من خلال تعزيز المبادرات الثقافية التي تشرح الإسلام خارج الصور النمطية، وإقامة منتديات الحوار الديني والثقافي مع الآخر. 3_ التحالف مع قوى العدالة وحقوق الإنسان، عبر توحيد الجهود مع مناهضي العنصرية عمومًا، باعتبار الإسلاموفوبيا جزءًا من مشهد أوسع من الكراهية. 4_ التمكين الإعلامي، من خلال الاستثمار في إعلام إسلامي معاصر يقدّم صورة إنسانية واقعية للمسلمين، ويعمل على تدريب كوادر قادرة على خوض النقاشات في وسائل الإعلام بلغة العصر. 5_ الدعوة لمواطنة جامعة، التركيز فيها على مفهوم المواطنة التي تدمج المسلم بوصفه فاعلًا مدنيًا لا "زائرًا طارئًا"، والسعى إلى تفكيك الازدواجية بين "الهوية الدينية" و"الولاء الوطني".
خاتمة: ******** تُبرز رسالة: العلامة الشيخ عبد الله بن بيه أفقًا جديدًا لمجابهة الإسلاموفوبيا، يقوم على خطاب الرحمة والعقل، ويتجاوز منطق الشكوى والانفعال إلى منطق البناء والتحاور. وإذا كانت الخريطة الإدراكية للإسلاموفوبيا معقدة، فإن تفكيكها يبدأ بإنتاج صورة معرفية بديلة عن الإسلام، صورة تُظهره كما هو دينًا للتراحم والتعارف، لا العنف والانغلاق. فالمجابهة لا تكون بالصدام أو ردود الأفعال الانفعالية، بل تبدأ من إعادة تعريف الذات المسلمة في ضوء القيم الكونية التي جاء بها الإسلام، وعلى رأسها الرحمة، والعدل، والتعارف. وفي هذا السياق، تُمثّل رسالة الشيخ العلامة صوتًا حكيمًا ينادي بـ"بناء الجسور بدلًا من إقامة الجدران"، و"تصحيح المفاهيم بدلًا من تبادل الاتهامات". فالإسلام، كما يقدمه الشيخ، ليس دين انغلاق أو صراع، بل دعوة إلى السلام الداخلي والاجتماعي والكوني، ولاشك أن الخطاب المتوازن الذي يطرحه الشيخ يُعد نموذجًا لما ينبغي أن يكون عليه التواصل الحضاري بين المسلمين والعالم، قائمًا على الحكمة والموعظة الحسنة، ومستنيرًا برؤية مقاصدية شاملة تجعل من مجابهة الإسلاموفوبيا مشروعًا إنسانيًا مشتركًا، لا مجرد معركة دفاعية، وهكذا فإن المجابهة تبدأ من نقد الذات وتصحيح الخطاب، وتمر عبر المشاركة الفاعلة في الفضاءات العامة، وتنتهي بـ استعادة الإسلام لصورته الحقيقية بوصفه دين الرحمة والكرامة والحرية.
المراجع والهوامش: *********** 1_ سعيد اللاوندي، الإسلاموفوبيا: لماذا يخاف الغرب من الإسلام، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2006م. 2_ Amnesty International. Islamophobia: A challenge to human rights. Retrieved, (2017) from https://www.amnesty.org/en/latest/research/2017/01/islamophobia-a-challenge-to-human-rights 3_ European Commission against Racism and Intolerance (ECRI). (2006). ECRI General Policy Recommendation No. 8 on Combating Racism while Fighting Terrorism. Strasbourg: Council of Europe. 4_ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه، الإرهاب: التشخيص والحلول، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 1428ه/ 2007م، ص15، 18 5_ عبد الله الشيخ المحفوظ ولد بيّه، خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التسامح والوئام، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1419ه/ 1999م، ص 51 6_ عبد الله الشيخ المحفوظ ولد بيّه، تأطيرية الملتقى الرابع لمنتدى تعزيز السلم: السلم العالمي والخوف من الإسلام: قطع الطريق أمام التطرف، منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، 11–13 ديسمبر 2017م.
#رشا_الفوال (هاشتاغ)
Rasha_El_Fawal#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انكسار المعنى ولا يقينية العالم في : حكايات على سبيل الثرثرة
-
التسول وإعادة انتاج ثقافة الفقر قراءة سيكوسوسيولوجية
-
النرجسية الجنسية ووهم الفردانية في رواية: برسكال للكاتب أحمد
...
-
الوعى بالزمن بين هاجس الموت وهذيان الواقع في ديوان الترابيون
...
-
الوعى بالزمن بين هاجس الموت وهذيان الواقع في ديوان/ الترابيو
...
-
سيرة القلق وسؤال الحرية في ديوان/ على استحياء: الكود الرابع
...
-
دلالات الخوف ومفردات الشك في ديوان-لابس مزيكا- للشاعر/ جمال
...
-
فُصام النَص وعلاقته بالذاكرة العاملة في مجموعة الرابع عشر من
...
-
تأويل الحُلم عبر الذاكرة في رواية كيميا
المزيد.....
-
الاحتلال يفرج عن 8 معتقلين من قطاع غزة
-
هآرتس: الجيش الاسرائيلي يرقي ضابطا أمر بإعدام مدنيين في غزة
...
-
الاحتلال يفرج عن 8 معتقلين من قطاع غزة
-
اليونيسف: انهيار القطاع الصحي يهدد حياة الأطفال في غزة
-
-غزة الإنسانية- توقف توزيع المساعدات والأمم المتحدة تطالب بو
...
-
انتخاب سفير السعودية نائبا لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحد
...
-
وثيقة سرية لوحدة حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبي: إسرائيل است
...
-
زاخاروفا: واشنطن أكبر المدينين للأمم المتحدة
-
وثيقة سرية لوحدة حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبي: إسرائيل تنت
...
-
إحباط تهريب فطر سام إلى مختبرات أميركية واعتقال صينيين بتهمة
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|