أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشا الفوال - الوعى بالزمن بين هاجس الموت وهذيان الواقع في ديوان الترابيون للشاعر حسين القباحي قراءة أدبية من منظور نفسي















المزيد.....

الوعى بالزمن بين هاجس الموت وهذيان الواقع في ديوان الترابيون للشاعر حسين القباحي قراءة أدبية من منظور نفسي


رشا الفوال
كاتبة

(Rasha El Fawal)


الحوار المتمدن-العدد: 6990 - 2021 / 8 / 16 - 08:53
المحور: الادب والفن
    


مقدمة لابد منها:

إنطلاقًا من قاعدة نفسية مفادها، أن كل ما يحيط بنا ومانمر به من خبرات يؤثر في بنيتنا النفسية؛ فالقراءة الحالية لديوان:الترابيون، تتكىء على(المنهج النفسي التحليلي) للإفادة من معطيات علم النفس الحديث في فهم النزعات الوجدانية المشحونة بقلق الموت، وماتضمنته من(صراع) نفسي و(عقلانية) مفرطة، لا خلاص منها إلا من خلال(التعويض) كآلية تخفف من(هذيان الواقع)؛ إذ نحاول استجلاء فضاءات هذا الهاجس الذي يُعد(انفعالًا وجدانيًا) تم التعبير عنه في قصائد الديوان، عبر المواقف الحياتية ذات الأثر في تكوين شخصية الشاعر المصري حسين القباحي، الذي ولد في عام 1956م، وصدر له سبعة دواوين، وإن كان هناك اتجاهًا اجتماعيًا يعتبر ذلك(الهاجس) حالة من حالات الضعف الإنساني، إلا أن انفعال(الخوف من الموت) هنا وظيفته تتلخص في(نفى الفناء) والحفاظ على الإتزان النفسي بين(اللذة) و(الألم) وحماية(ذات) الشاعر في أوقات(الصراع)، بالعمل على تحفيز الوعى بخطورة الواقع وربما هذيانه، ونحن في مقام القراءة النفسية للديوان يمكننا عرض تعريف مبسط لمفهوم وطبيعة(هاجس الموت) باعتباره"انفعال غير سار ينتج عن الإحساس بوجود خطر فعلي، أو توقع حدوثه، أو خطر تخيلي"(1)، مع الإشارة إلى أن تناولنا لقصائد الديوان من المنظور النفسي سيعتمد على عدة محاور هى:
أولًا: الوعى بالزمن وهاجس الموت
ثانيًا: تيمة الاغتراب ومحاولة أنسنة الواقع
ثالثًا: الوحدة النفسية وآلية التعويض

أولًا: الوعى بالزمن وهاجس الموت
على افتراض أن(هاجس الموت) حالة باعثة على التأزم، وانطلاقًا من تمييز"فرويد" بين القلق الموضوعي(الخوف) الذي هو استجابة واقعية لخطر مدرك ناجم عن العالم الخارجي، والقلق العصابي الناجم عن صراع لاشعوري لا يكون الإنسان على وعى بأسبابه(2)؛ فلابد من حدوث تغير في المعنى الذي يقصده الشاعر عند الانتقال من(الأنا) إلى(الآخر) الذي قد يصيب(الأنا) بآخريته، والذي يبرز دوره من خلال(الذاتية المتبادلة)، ثم الانتقال إلى(النحن)؛ ذلك أن تاريخ الذاكرة يتحرى عن الماضي متفحصًا العلاقات التزامنية الموروثة، والتي من خلالها تنتج(الرموز) ذات المعنى؛ ليجد المتلقي نفسه أمام المقابلة المنطقية بين(العقلانية) و(الهذيان) عبر(قلق الموت) الذي يعتبر"حالة انفعالية غير سارة يُعجل بها تأمل الفرد في وفاته هو"(3)، كما أن(الوعى بالزمن) يمكن أن يكون أحد مكونات(هاجس الموت)؛ لتبدأ مفردات الحزن والشكوى من عبثية الحياة، الممزوجة بالألم النفسي؛ حين يقول: "ثرثارًا ولد، وشكاءً عاش، بملابسه الرثة، وبقامته الفرعاء"؛ فالشاعر مدفوعًا بهاجس الموت وآلامه كما يراها وموقفه من الزمن الذي اعتبره ملاذًا للخروج بمعاني جديدة يحاول الإجابة عن سؤال الحياة والإحساس بالغربة واستشراف اتزان ما من جدلية(الألم/اللذة) عندما يقول: "هكذا تبدو الحكاية، نزوة أبدية، مرتبة المعاني"، تتجلى أيضًا الدلالات الرمزية التي نتجت من الآليات التي اتبعها الشاعر لمعالجة(هاجس الموت) كموضوع من خلال(الزمن النفسي) للشاعر، فدلالات التمرد تتضح من خلال السعي إلى الخلود في(العلاقة بالآخر) كخلاص وقتي، نلاحظ هنا إدراك الشاعر لـــ(حتمية الموت) مع إمكانية(الاحتماء بالآخر) والذوبان فيه من أجل(تحقيق الذات)، لذلك نجد أن القصائد التي تتحدث عن(هاجس الموت) يتجلى فيها اتجاه الشاعر المعرفي نحو علاقة(الحب بالموت)، فيقول: "وهى، عند صباحها تصحو، تهرب في سلال الخوخ، خشيتها من الموت المفاجى"، وعلاقة(الذات بالنحن)، فيقول: "يبقى الترابيون في وجه الخليقة، وحمة سوداء، يعرفها الأباعد والأقارب، وليس تبصرها البلاد"؛ فالموت؛ ذلك الغائب/ الحاضر في القصائد برز على عدة وجوه، منها(موت الجسد) بصورته الصوفية كنكران الذات، حين يقول: "هل يحتفل الموتى بالموتى/ والموتى هم النساك"، أو الذوبان في الأرض عندما يقول: "تلك مدينة سمراء/تسعى غير عابئة ببدء الموت"، ومنها(الشعور بالوحشة) وانفلات ذات الشاعر من(الزمن الاجتماعي) إلى(الزمن النفسي) المفعم بالرغبة في محاكاة الوجود؛ فيقول: "والموتى منشغلون/ والزمن بأناملها مفتون وغريق/ كاتبة كتاب الموتى، ومزامير الرسل الاولى/ والأجداد الموتى والفيضان/ يسافر في كتب الموتى والأحياء"، وفي ذلك تحضرنا مقولة"هوسرل" الذي يرى" أن الجماعة مجرد كثرة من الأفراد وكأننا بإزاء ذاتية واحدة متكررة"(4)؛ فإذا كان الوجه التراجيدي للحياة تجلىَّ من خلال(سيرورة الزمن) المتعاقب، و(هاجس الموت) المصحوب(برهاب الألم)؛ فإن لغة الشاعر في التعبير عن وجدان الخوف كانت من أجل المحاولات الواعية للتخفيف من الشعور بالألم أولًا، والتخلص من المثيرات المحركة لانفعال الخوف عبر إقامة علاقة بالآخر ثانيًا

ثانيًا: تيمة الاغتراب ومحاولة أنسنة الواقع
على افتراض أن(الاغتراب Alination) يدل على إخفاق الإنسان في تحقيق التوازن بين الواقعية والإمكان، وانطلاقًا من إجماع المصادر اللغوية على أن"مادة(غرب) تدل على البعد والنزوح عن الوطن"(5)، إلا أن(الغربة المعنوية) التي تعنينا والتي تعبر عنها قصائد الديوان أصبحت تطلق على البُعد النفسي لذلك(الاغتراب)؛ يتضح ذلك في مفردات الشاعر التي ترتبط بدلالات(البُعد)، حين يقول: "ذات مساء قادته الريح إلى جبل لا يعصم من لغط أو يسمن من جوع"، و(الحنين) حين يقول: "كلما ارتوت الجذور، هالها، أن الأغاني تستعاد بنكهة أخرى"، و(النفى) حين يقول: " لو يرسل صرخته، تنفتح الأبواب/ ترك وصاياه"، و(الرحيل) حين يقول: " والواقفون على خطوط النار/ والماشون خلف نعاسهم نحو الرحيل"؛ لذلك نجد أن التشبث بقيم البقاء التي تنص على(الذاتية) والعلاقة(بالآخر) والعلاقة(بالنحن) قائمة على(دوافع الغاية In order to) التي يتم تفسيرها في ضوء أهداف(الأنا)، و(دوافع السببBecause) التي يتم تفسيرها في ضوء ميول (الأنا)؛ فـــ(هذيان) الواقع الاجتماعي شكل الصور المجازية التي تعثرت في(العقلانية) التي تتسم بها ذات الشاعر؛ على اعتبار أن (الآخر) يمثل كيانًا سيكوفيزيقيًا؛ فالجسم موضوع فيزيقي، وفي نفس الوقت موضوعًا للإدراك الحسي، يتضح ذلك حين يقول: "من يعرف منكم يا أهل الله طريقا آخر للخسف وأبوابا أخرى لشباب الوقت ولملمة الجسد المرهون بأحلام القادة وصراخ الأطفال" كما أن خبرة(النحن) في القصائد تعتبر أساس(الذاتية)؛ ذلك أن تبعية الفرد للجماعة السيكولوجية يترتب عليه طمس فرديته؛ وهو الأمر الذي يفسر للمتلقي سعى الشاعر للتأكيد على فكرة ارتباط (الزمن النفسي) بالعلاقات التي"تعتبر أشكالًا مشتقة من علاقة الذات بالنحن، ولكل شكل مشتق نمط معين من البنية الزمنية"(6)؛ فالاتصال بذاكرة العشق الذي يُعد(وجهًا ايجابيًا للاغتراب)، اتضح في آليات الشاعر لمجابهة(هذيان الواقع) سعيًا لتحقيق(الذات) أو البحث عن الخلود، من خلال جماليات الصور وفرادتها حين يقول: "ينحاز إليه الطير إذا نادى، ولن ترثيه المنعطفات إذا مات/ انفتحت بين أصابعه أبواب الحكمة"، و(أنسنة عناصر الطبيعة) حين يقول: "أصافح دهشة هبطت من الغيمات، واستلقت بلا وجل على كتف النخيل"، و(توثين الماضي) حين يقول: " بندوب قادمة من عمق التاريخ، وأحزان المدن المنسيه/ وسكان القرية، أعطاهم أسماء الأصنام" وفي كثير من الأحيان تتم المجابهة من خلال جدلية(الأمل/الوهم) كبدائل نفسية(للإنفصام المكاني) فيقول: "وليس في البحر مكاني"، واعتبار(هذيان) الواقع مجرد حلم عابر، فيقول: "يمتص غربته ليبقى واقفًا، ويمد كفيه اللتين تنازعان ضميره نحو الحقيقة، والمخاوف ترتدي أسمالها، ليكف عن أحلامه" ذلك(الهذيان) الذي يتمنى أن يتسم به ليتمكن من مجابهة الصراعات الخارجية حين يقول: "لو يهذي، يكشف كل الأسرار"

ثالثًا: الوحدة النفسية وآلية التعويض
انطلاقًا من كون(الوحدة النفسية) تعد دليلًا على"شعور الإنسان بفجوة تباعد بينه وبين الوسط المحيط به، وعدم قدرته على الدخول في علاقات مشبعة مع الآخرين" (7)، وعلى افتراض أن(الأرض) في قصائد الديوان تعد قناعًا موازيًا لذاتية الشاعر أمام (حتمية الفناء)، فإن(الذاتية) التي يتسم بها(الترابيون) تُعد قناعًا آخر موازيًا لقلق الشاعر أمام(رثاء الحال)؛ فالوحدة النفسية"حالة تجلب الشعور بالأسىَّ"(8)الذي لايقوى إلا إذا كان الحاضر مقفرًا، يتضح ذلك في اللجوء إلى(البوح) و (الإستدعاء) من الذاكرة طلبًا للاتزان العاطفي من أجل تخفيف معاناة(الجماعة السيكولوجية) والتخفف من(هاجس الموت) عبر عدة آليات منها: إعادة اكتشاف العالم، حين يقول"الناجون من ثقل المعاني/ يعيدون اكتشاف طبيعة الأشياء"، ونفى الفناء، حين يقول: "يختطفون من أوجاعهم حجج البقاء"، ولأن(هاجس الموت) يسيطر على الإنسان في أجواء(الوحدة النفسية) برع الشاعر في الخروج من مجرد وصف المرأة الحسِي إلى توظيف إحساسه بها، وكأن العلاقة بالمرأة جاءت لتخفيف حدة(الصراع)، فيقول: " وكأنها خافت عليك، فلم تسل ماذا تريد وتشتهي، فدعتك للفوضى"؛ ذلك أن نزوع (ذات) العاشق في حركتها نحو(الآخر) تؤكد للمتلقي أن الحب هو الملاذ، ولأن (الوحدة النفسية) التي تسيطر على(ذات) الشاعر تعبر عن(الصراع الداخلي)؛ كان عليه مواجهة(التأزم النفسي)، عبر آلية(التعويض) أيضًا، القائمة على(نفي صفة الخلود) أحيانًا حين يقول: "لن تصير الأرض أرضا، والجنود مكبلون بحلم سيدهم، وزهو القادة العمييان"، والإنتساب للتراب لامتلاك شيئًا من صفاته حين يقول: "ولأن المذكور ترابي جدا، يرتاح، إذا قام الطين، ليمحو أدران الصحراء"، آلية(التعويض) هنا اعتمدت على فكرة الراحة الأبدية التي قد تنالها (الذات) عبر الرجوع إلى الأصل (التراب)، والخروج من ضمير(الغائب) لضمير (المتكلم) أحيانًا أخرى عندما يقول: "ألقت خمائلها على شفتي، وأرخت ماتبقى"، واللجوء إلى(التشخيص) الذي يعني بث الحياة في الأشياء التي تفتقر إلى الحياة من أجل تصريف(الصراع)، حين يقول: "ويمضي واحدا، لم ينتظر طيرا، ليخبره عن الوقت المناسب للصعود إلى الفراغ"، هنا تتجلى(الدلالة الرمزية) في الديوان و(مستويات الخيال) الشعري من خلال المحاورات بين(الذات) و(الآخر) المنشغلة دائمًا بفكرة المصير المنتظر، حين يقول: "ولربما أرض تمر من الحرائق ترتجي ميلادها، وتفك طلسمها على كفيك، تكتب ماتريد"، نحن هنا أمام مجموعة من ردود الأفعال للاحتياجات الاجتماعية التي يرغب الفرد في الحصول عليها مثل الحاجة إلى تقدير الذات، والإنتماء"(9)، من خلال التأرجح بين(الإنهاك النفسي) و(التمرد) حين يقول: "تسعى غير عابئة ببدء الموت، أو سير الحياة، سيان أن تبقى هناك ولا هنا، أو أن تسمى قرية مهجورة بلدا، تصاحب أهلها زمنا وتمضي"؛ ذلك أن(الوله الانفعالي) في قصائد الديوان جاء محكومًا بمنطق(الرغبات) التي لم يتم إشباعها، ومحاولات تقليص المسافات بين(الذات) و(النحن)

في ما يشبه الخاتمة
إتسم ديوان"الترابيون" بكثافة الشعور بــ(الفردانية) النابعة من(ذاتية) الشاعر، وفقدان الزمن بُعده الاجتماعي؛ كنتيجة منطقية لسعى الشاعر الدائم من أجل الانفلات من (الزمن الجمعي) والسعى إلى تأسيس(الزمن الفردي)"تأسيسًا يلغي مفعول الزمن في العالم ليثبت مكانها فاعلية الإنسان"(10)، (فردانية) القصائد اتضحت أيضًا في تجسيد الشاعر للقيم المغايرة لقيم الجماعة السيكولوجية؛ فيقول: "حيث قام، كائنا فردا، وندا للتراب، على مدار الوقت"؛ ففي غياب(النحن) يكون حضور(الأنا) مكثفًا، وهو الأمر الذي سعى إليه منذ البداية؛ "يهذي بالحقيقة مذ تجرعها وليدا، واستشاط بها" فبروز الأفعال المضارعة (بضمير المتكلم) يُعد إشارات للفردانية، التي جاءت مصاحبة لدلالات(الاغتراب) التي اتضحت في صرف الحدث عمدًا عن محدثه، والتي تتعمق مفرداتها في نفس الشاعر في لحظات الوعى، مما يوحي بأن حدث (الاغتراب) جلل، ترتب عليه كتابة تنحاز إلى العقلانية، إلا أن"كل حديث عن خطاب العقلانية من دون قاعدة الفردانية مجرد حديث يفتقر إلى أسبابه المنطقية" (11)، ولأن القصائد تحمل علامات العقل الذي أنتجها؛ جاء أسلوب الشاعر مختلفًا في التعاطي مع القيم الموروثة، و(الخيال) الذي لم ينحرف به عن واقعية القصائد وإنما جاء عاكسًا للصورة النفسية للبناء اللغوي فيها بالشكل الذي أسهم في تأويل العاطفة تأويلًا مفاده أن(الترابيين) ليسوا طبقة؛ بل هم أفراد يتحددون بوعيهم الفردي، وفي ذلك يقول"ماركوس أوريليوس" الموت انعتاق من استجابة الحواس ومن خيوط دمى الرغبة ومن العقل التحليلي ومن خدمة اللحم"(12)؛ لذلك كان(التأمل) مبنيًا على(الاستفهام)، حين يقول: "كيف تخفي الدمع عن جثث الأقارب والأباعد/ كم مرة أهذي بها/ لماذا وحدها تشغلك/ هل أسميها نهارا قادما"، وكان إحساس الشاعر بالزمن منعكسًا في رسم دلالات حركته في القصائد من (سرعة) فيقول: "ورأيتها، فوق التراب، وقد مدت مفاتنها حقولا، وانتصارات، وسعيا دائما نحو الحقيقة، سنبلات خضر، خيلا عاديات، راقصات غانيات" و(بطء) حين يقول: "ويدق الوشم على مهل في كتف الليل/ كان الرصاص الهش يختار الجهات، ولا يخاطر بالوقوف على التواريخ القديمة"، و(استباق) حين يقول: "صاعدا جبل الغواية، لا يمل التوق/ سيطوف ولدان عليك مخلدون، كما ستوقف سيرها أمم لتبدأ من جديد/ حتما سيسبق ظلك الطرقات" و(استرجاع) حين يقول: "ويفتش بين الجدران المسحورة، والضوء الخافت، عن الاسرار المحفورة، في بعض زوايا العتمة"، و(سكون سلبي) حين يقول: "يطوف، ولا يكترث لما يجري، ثم يراقب ضجته وينام"، ولأن الذين يبحثون عن الخلود يؤمنون بالزمن وديمومته؛ شكل الزمن خطًا وجوديًا بين(الماضي) بأزله و(المستقبل) بأبده؛ كأن الشاعر في طرحه لطبيعة العلاقة الجدلية بين الزمن والمكان يحث المتلقي على ادراك(الزمن النفسي) للقصائد والذي لايمكن تناوله في معزل عن(المكان)؛ لأن تفاصيل القصائد يغلفها(زمكان)؛ فنلاحظ ملازمة اللحظات الحاضرة عند انحسار الرؤى، والإنكفاء على الذات وبث الوجدان من خلال تفرد الذات، وغموض(الزمن النفسي) أحيانًا من خلال توظيف حركته المعاكسة لحركة الواقع، والتي تُسهم في فقدان المكان بعده الفردي في كثير من المواضع؛ فشعور الشاعر بهيمنة النموذج تجعل(الذات) العاجزة عن تحقيق استقلالها في محاولات مستمرة لوضع الواقع في حجمه الطبيعي، بالتالي يصبح الشاعر أحيانًا ذاتًا متحررة من وطأة الزمان والمكان، وكأن الخلاص يكمن في العقلانية المفرطة في مواجهة خيبات(الجماعة السيكولوجية) العميقة، فيتبنى رأى القديس"أوغسطين" حين قال "كان بداخلي سأم عظيم من الحياة، وفي الوقت ذاته خوف من الموت، وقد أحتاج إلى ملاذ أكثر قوة لايمكن للعقل وحده أن يقدمه"(13)؛ لنرى في القصائد كيف تم(إسقاط) الإرث التاريخي والموروث ايجابًا وسلبًا، حين يقول: "الشموس تزفها للعاشقين، كى تؤكد أنها الأنثى/ البلاد/ الأرض/ المعجزات/ الريح/ مضمون الحكايا/ الضوء/ الاناشيد/ الخرافة واليقين"، فالترابيون ديوان(رمزي) ينظر إلى(هذيان) الواقع بــ(عقلانية) مفرطة، تشوبها مشاعر(الوحدة النفسية) التي انعكست دلالاتها في(اغتراب) ذات الشاعر، و(العزلة البينشخصية) و(الصراع) الذي لم يخل من الإحساس بالألم النفسي أحيانًا واللامبالاة أحيان أخرى، وكأن الديوان اعتمد على تصدير(مقدمة) ثم(صور فنية) تُحيل المتلقي لطبيعة ذلك(الصراع النفسي) بين الشاعر وذاته من جهة، ومع(الآخر) من جهة أخرى، ثم بث(الشكوى) الناتجة عن علاقة(الذات بالنحن)، إضافة إلى المعاناة التي تجلت في(إدراك الزمنTime Percption) الإجتماعي عبر الإحساس بالأسىَّ والحزن كدوافع لبزوغ(الزمن النفسي) الذي كان بمثابة الهروب من انعكاس الواقع الاجتماعي على(الأنا)، و(الفردانية) التي تُعد ظاهرة من ظواهر الإرادة؛ فعلى الرغم من أن دراما الحياة الانسانية تسير من حرمان إلى امتلاك، ومن نقص إلى امتلاء، ومن غياب إلى حضور، إلا أن القصائد تؤكد على(نفى الفناء) فيقول الشاعر: "يبقى الترابيون في وجه الخليقة، وحمة سوداء، يعرفها الأباعد والأقارب، وليس تبصرها البلاد"

المراجع:
1_ محمد فتحي محمد(2018)، "هاجس الموت بين العقل والجنون: دليل علاجي للنوبات الهلعية والمخاوف المرضية والقلق"، ط1، دار بورصة الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، صــ36
2_ عبد الرحمن عدس، ونايفة قطامي(2002)، "مبادىء علم النفس"، ط2، دار الفكر، عمان صــ270
3_ أحمد عبد الخالق(1987)، "قلق الموت"، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ع111، صــ54
4_ زكريا ابرايم(1968)، "دراسات في الفلسفة المعاصرة ، مكتبة مصر، القاهرة، صــ373
5_ ابن منظور(1988)، "لسان العرب"، ط1، دار إحياء التراث العربي، مج10، بيروت
6_ Richard M. Zaner. Theory of Intersubjectivity: Alfred Schutz Social Research 28(spring1961) P. 82
7_ محمد أحمد حمادة(2003)، "دراسة لبعض العوامل المرتبطة بالوحدة النفسية لدى المتقاعدين من معلمي القطاع الحكومي، ووكالة الغوث"، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، غزة، فلسطين، صــ10
8_ على حسين فايد(2003)، "اليأس وحل المشكلات والوحدة النفسية وفعالية الذات كمنبئات تصور الانتحار لدى طالبات الجامعة"، المجلة المصرية للدراسات النفسية، مج12، ع38، صــ121
9_ Cacioppo.(2000) Research Shows Link Between Loneliness and Poor Health, Ascribe New, INC.
10_ كمال أبو ديب(1986)، "الرؤى المقنعة"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، صــ581
11_ محمد عابد الجبري(2000)، "المثقفون في الحضارة العربية: محنة ابن حنبل، ونكبة ابن رشد"، ط2، بيروت، صــ33
12_ ماركوس أوريليوس(2010)، "التأملات"، ترجمة: عادل مصطفى، مراجعة: أحمد عتمان، دار رؤية للنشر والتوزيع، ف 6_28، صــ121
13_ جاك شورون(1984)، "الموت في الفكر الغربي"، ترجمة:كامل يوسف حسين، مراجعة: إمام عبد الفتاح إمام، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ع 76، صــ80



#رشا_الفوال (هاشتاغ)       Rasha_El_Fawal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعى بالزمن بين هاجس الموت وهذيان الواقع في ديوان/ الترابيو ...
- سيرة القلق وسؤال الحرية في ديوان/ على استحياء: الكود الرابع ...
- دلالات الخوف ومفردات الشك في ديوان-لابس مزيكا- للشاعر/ جمال ...
- فُصام النَص وعلاقته بالذاكرة العاملة في مجموعة الرابع عشر من ...
- تأويل الحُلم عبر الذاكرة في رواية كيميا


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشا الفوال - الوعى بالزمن بين هاجس الموت وهذيان الواقع في ديوان الترابيون للشاعر حسين القباحي قراءة أدبية من منظور نفسي