أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشا الفوال - النرجسية الجنسية ووهم الفردانية في رواية: برسكال للكاتب أحمد صبري أبو الفتوح قراءة أدبية من منظور نفسي















المزيد.....


النرجسية الجنسية ووهم الفردانية في رواية: برسكال للكاتب أحمد صبري أبو الفتوح قراءة أدبية من منظور نفسي


رشا الفوال
كاتبة

(Rasha El Fawal)


الحوار المتمدن-العدد: 7211 - 2022 / 4 / 5 - 16:58
المحور: الادب والفن
    


مدخل:

على افتراض أن الرواية تُعد أكثر الأجناس الأدبية قدرة على استيعاب التحولات الإنسانية خاصة في فترات الأزمات الإجتماعية، هذا إن اعتبرنا أن التساؤلات التي تستهدفها القراءة الحالية منحازة إلى سُلطة النص وأثره العميق بين الوعى والممارسة في تقديم صورة واقعية للمجتمع من خلال أزمة إنسان مُكبل بشبح(المثالية)، اعتمادًا على استثمار طاقاته الجنسية، يسمح لنا ذلك مرة أخرى بافتراض أن"الجنس ليس نزوة فحسب؛ بل غريزة ثواب وعقاب وناموس طبيعي مثلما هو ليس بهفوة أو خطيئة، إذا ما تم بالعرف المرسوم له"، من خلال هذا المفهوم نستطيع أن نتناول أحداث رواية"برسكال" الصادرة عام2018 م، عن دار:ميريت للنشر والتوزيع، للكاتب الروائي:أحمد صبري أبو الفتوح، من خلال(منهج التحليل النفسي)، وانطلاقًا من مقولة"كارل يونغ": إنه كما تترسب تجارب الفرد في لاوعيه الفردي، تترسب التجربة الإنسانية العامة في اللاوعى على مستواه الجمعي؛ إذ تظهر الرواسب الصورية الفردية في(الأحلام) بينما تظهر الرواسب الصورية الجماعية في(الأسطورة)، هذا وتدور أحداث الرواية عن حكاية الأسطى"عبد العاطي ملش" الآتي من"الريدانية/مركز المنصورة" التي أنكرته؛ للعمل في الشونة التي افتتحتها الحكومة في"طنبارة" بعد ثورة يوليو 1952م، والذي مات والده وهو في بطن أمه، التي تركته وهو في الخامسة من عمره وتزوجت، لينفر منه أعمامه وأولادهم، وتدفعه الظروف القاهرة إلى النوم في حجرة التبن الملحقة بالزرائب، وتبدأ حكايته مع الكلاف"جبريل" الذي يحكي له الحكايات الشعبية ومنها حكاية"أبو زيد"؛ فيرى"عبد العاطي" بخيال الطفل كأن أمه هى"الخضرة الشريفة"، خاصة بعد ما علم بإهانة أعمامه لها وأنهم أخذوا حقه وحقها في ميراث والده، هُنا تفضح أحداث الرواية(ذكورية المجتمع) الذي فرض هيمنته على الأم التي عانت الحرمان والقمع، لينتهي الجزء الأول من حكاية"عبد العاطي ملش" بقتل عمه وفراره من"الريدانية"، هنا يقول الكاتب: "كان يفر من جريمته ومن جلاديه"، كأننا أمام(العدوانية) الآتية من المجتمع والطبيعة، والتي أطلق عليها"نيتشة": إرادة القوة؛ فعندما تضعف الكوابح الإجتماعية تتفجر وحشية الإنسان الفطرية فيه، ويبدأ الإنتقال من(الفعل) الذي هو مسار الفرار من(عدوانية) المجتمع إلى تحقيق(الهوية)، لتبدأ رحلته في الحياة ويتمكن من استثمار طاقته الجنسية في(تأكيد ذاته) ويتزوج"عزيزة" إبنة الشيخ"إبراهيم الدرباك"، التي أنجبت له"يونس"، و"مرعي"، و"يحيى"، ثم يقع في غرام"غاية المنى"، التي كان أهلها من الغجر وأطلق عليهم الناس لقب"آل إبليس"، والتي احترفت صناعة الأعمال والأحجبة وطرد الجن، والتي كان"في خياله يجردها من ملابسها ويتخيلها عارية ويمسح بيديه الخشنتين فوق تكويناتها الرائعة"، والتي علمته مضغ"الأفيون"، والتي أنجبت له"برسكال"وماتت وابنتها في سن ست سنوات، وفي"طنبارة" وقع في غرام"فردوس الطرية" أرملة المرحوم"جودة القصاص"، وأنجب منها"الخضرة الشريفة"، و"الناعسة"، و"الجازية"، و"رزق" ليقول لابنته وريفقته في الرحلة"برسكال": "أبوك زرع جذرًا في طنبارة"، ثم تزوج"نعيمة الخرسا" طليقة إبن خالها وأنجب منها"رمضان"، ثم تزوج"جنات" البحراوية التي مات زوجها، وهكذا تمكن"عبد العاطي ملش" بطل الرواية، من تأسيس وجوده في"طنبارة"، وتمكن من خلاله الكاتب"أحمد صبري أبو الفتوح" من توظيف الجسد وما يحمله من طاقات جنسية في خدمة أحداث الرواية؛ بحيث تصبح(الطاقة الجنسية) عبر الأنساق المضمرة وسيلة لرصد أحداث الواقع الذي لايعرف إلا لغة القوة، وكشف هشاشة البناء الإجتماعي وماينتج عن تلك الهشاشة من(استلاب) وتذويب للهوية عبر السيطرة على الأفراد، والتساؤلات المطروحة هُنا والتي تسعى القراءة الحالية للإجابة عنها تتلخص في: هل تمكن الكاتب من رصد النسيج الإجتماعي الذي تحكم بمصير البطل؟، وهل استطاع البطل الذي أنكره أهله، والذي أضيفت إليه(الإثمية) من مقاومة ذلك الواقع الصادم والمحبط؟، وما هى الآليات النفسية التي اتبعها في إخفاء معالم المكبوت؟
إلا أنه قبل أن يكون بمقدورنا الإجابة علن تساؤلات القراءة الحالية لأحداث الرواية، علينا كشف(سعادة ما قبل الخطيئة)، ثم(الصدمة النرجسية) في العلاقة بالموضوع(الأم)، ثم(إسقاط) ذات البطل المثالية على الإبنة"برسكال"؛ ليتم الإتحاد النرجسي الباعث على(استرجاع) القوة المفقودة بواسطة الصورة الذهنية الأبوية المثالية

أولًا: الصورة المرآوية والأنا المثالي

على افتراض أن سيطرة الحياة التناسلية على الحياة الجنسية يتم عندما تظهر الوظيفة البيولوجية الي تسحب قدرًا كبيرًا من طاقة(الليبدو) الناشطة في المناطق الشبقية وإخضاعها لها؛ فعلى المستوى البصري؛ يُعد النظر هو العنصر الأساسي المهم في(مرحلة المرآة)؛ ذلك لأنه كما يرى"جاك لاكان" فإن النظرة للشكل الكلي للجسد تعطي للإنسان سيطرة(متخيلة) عليه، وهو أمر سابق على السيطرة(الواقعية)؛ لأن(الصورة المرآوية) هنا بمثابة(أنا مثالية) لايمكن إشباعها؛ لأنها متعالية، مدمرة، وساحرة، يتم إشباعها فقط من خلال السعي إلى(تحقيق الذات وتأكيدها)؛ فالصورة التي رآها"عبد العاطي ملش" في المرآة لأول مرة، تشبه صورة السيد، وهى التي ستشيد فيما بعد علاقته بالواقع من ناحية، وعلاقة عالمه الداخلي بعالمه الخارجي من ناحية أخرى، كما أن افتتانه بصورة جسده له دلالة التكامل والتخلص من حالة الفوضى و"النزعات البدائية" التي كانت من أسباب تمزق ذلك الجسد، ولا غرابة في ذلك؛ لأن(الإنبهار) هو أساس وظيفة(أن ينظر الفرد وأن يُنظر إليه)؛ فالأنا محورها(الجسد)، يقول الكاتب: "وذات مرة طلبت منه إحدى زوجات أعمامه نقل شىء من حجرتها؛ فوقف أمام المرآة لأول مرة، ورأى أمام عينيه شابًا لم تذهب الشمس عن وجهه النضارة، ولا عكرت صفو زرقة عينيه" وهذا الجسد لايمكن إدراكه إلا عبر التصور الذي تعكسه(المرآة) و(رغبة الآخر) فيه، تلك(الرغبة) التي تمكنه من التغلب على(مخاوفه) وتساعده على إقصاء(الشعور بالذنب)، ولأن(المصدر الجنسي للغريزة) في فترة شبابه وصباه كانت مناطق التوتر الجسدي التي يُطلق عليها(المناطق الشبقية)، فالهدف الأكيد والأوحد يتلخص في سعيه لخفض التوتر، يمكننا تفسير ذلك من خلال(إقامته لعلاقة مع الحمارة) في سن الرابعة عشر، يقول الكاتب: "أول مرة جرب فيها العبث بنفسه كانت في عريشة الغيط، وشعر بلذة مرعبة أعقبتها رجفة جبارة صحبتها دفقات من سائل عكر، ثم عرفت قدماه التسلل إلى الحمارة في الزريبة"، نلاحظ هنا أن إختيار الموضوع الجنسي جاء على غرار الموضوعات الطفليه من حيث الإهتمام التناسلي، ولأن الجسم البشري برمته يُعد منطقة شهوية؛ لقابليته للإثارة؛ فمصادر الإثارة الجنسية التناسلية في فترة شباب"عبد العاطي ملش" تركزت في: العالم الخارجي كمثير للمناطق الشهوية المألوفة، والعالم الداخلي(الأفكار والتخيلات)، ورصيد الإنطباعات الجنسية الطفلية؛ فالهزة الجنسية في مداعبات البطل لذاته قبل الزواج، تشير إلى اكتمال الكينونة، إلا أن هذا الإكتمال لا يتأتى عن طريق اللذة العضوية فقط؛ لأن اللذة العضوية تُعد إشباعًا مؤقتًا لإرضاء حاجة بيولوجية؛ فــ(مبدأ اللذة) هو مبدأ التوازن هُنا، أما(الرغبة) فإنها تقع وراء تخوم اللذة، فتتجاوز العتبة التي يفرض(مبدأ اللذة) ألا يتجاوزها، إلا أن(التوتر الجنسي) وما بعد(مبدأ اللذة) ينطوي حتمًا على طابع مؤلم، هنا تساؤل يطرحة عالم التحليل النفسي"سيجموند فرويد" عن كيفية التوفيق بين التوتر المؤلم والشعور باللذة الجنسية"، والإجابة تكون في إستثمار(ليبدو الأنا) النرجسي بالضرورة في موضوعات جنسية (1)، وعلى صعيد آخر فالمرآة عند الرجل العربي(مرأة) يريد أن يعكس عليها صورته، وتلك هى(النرجسية)، وهذا هو(ديالكتيك السيد والعبد) الذي نكتشفه في معظم الأعمال الأدبية الكبرى، ومنها روايات الكاتب: أحمد صبري أبو الفتوح؛ فالعدوانية الكامنة في(صراع) الحياة والموت بين طرفين من الوعى سيصبحان(السيد/العبد) في نفس الوقت، حتى وإن كانت(العدوانية) هُنا تمثل استراتيجية دفاعية يلجأ إليها(الأنا) حين تُهدد وحدة النفس بضياع المثال أو بالعقاب؛ فقد كان"عبد العاطي" "لايجد السلوى إلا في التدخين والحديث إلى المهرتين وهو ينفث الدخان في أنفيهما، والنوم مع عزيزة، بعد فترة شعر بأنه سيد نفسه"
ولأن مستقبل البطل(الجنسي) لابد أن يتفق و(تابوهات) المجتمع لوجود العديد من العوائق التي تسُد الطريق أمام المجرى السوي لــ(الليبدو)؛ كان(القلق) الذي اعتراه عند إلحاح(المكبوت) على الإشباع، وكانت(النزعات الجنسية التي تخضع لقيادة النشاط التناسلي) هى الحل الأمثل؛ لذلك جاء(الدافع الغريزي) متحررًا من الزيف، وجاء (الموضوع الجنسي) في مقابل(الهدف الجنسي)، إلا أننا في الرواية وجدنا الإثارة والإشباع الجنسي لا يتوقفون على(كم) المثيرات بل على(كيفها)، يفسر ذلك عندما سألته"فردوس" عن زوجته"عزيزة"، فكان رده عليها: "لا تكون زوجة عبد العاطي إن لم تكن جميلة"

ثانيًا: استثمار فوضى الغرائز في وحدة متخيلة

انطلاقًا من كون(التحليل النفسي) كمنهج لدراسة الكتابات الأدبية لايتجه في محاولات سبر غور أحداث الرواية إلى العضو الجنسي في حقيقته البيولوجية؛ ولكن إلى الدور الذي يضطلع به في الأحداث الدرامية، تأتي وظيفة(المتخيل)، الذي لا يتجه نحو خصائص السيدات أيضًا، بل يتجه دائمًا نحو وصف صفاتهم المغايرة باعتبارها موضوعاً؛ ربما يرجع ذلك لحالة الفوضى التي تتسم بها حياة البطل الغريزية؛ فالإشباع"لايرتبط بالموضوع، إنما يرتبط بالخبرة الخاصة بالتعيين الذاتي"(2)؛ كأن هناك رابطًا ما بين(تخيل) الموضوع و(رغبة) البطل في استعادته؛ ذلك لأن(الأنا) يتم تشييده في علاقة بــ(آخر) جسدي، اتضح ذلك في تساؤل"برسكال" لنفسها عندما علمت برغبة والدها في الزواج من"جنات": "هل تصل الرغبة في امرأة برجل حد إرهاق الروح؟"، ولأن(الأنا) متخيل فهو يُعبر إذًا عن بناء وهمي باعث على(الإغتراب)؛ بمعنى أن"عبد العاطي ملش" منافسًا لذاته، دلالة ذلك تتضح في الخلط بين(الذات) و(الآخر) في الأحلام والذي يدل على(رغبته في رغبة آخر)، هُنا نلاحظ أن(المتخيل) يحرك(الدوافع البدائية) باستعباد جزء من(الطاقة الجنسية) التي تُنشط الجسد من أجل حيازة التقدير والصيت والقوة والعزوة، فــ(الرغبة) هنا هى أبسط صورة للوعى بالذات، حتى وإن كانت(المازوخية)الأولية المؤلمة التي تقع بين(المتخيل) و(الرمزي) والناتجة عن غياب الأم(كموضوع) تم الإستمتاع بها في تشييد علاقة أبوية مع الإبنة"برسكال"؛ فمن خلال لعبة(الغياب/ الحضور) استطاع البطل على نحو(رمزي) إقصاء الأم سيكولوجيًا ثم بعثها من جديد في حضور الإبنة؛ ليصبح في لعبته فاعلًا، نلاحظ أيضًا حالة(الخواء الجنسي) التي اقترنت بالرغبة، والتي ترتب عليها ذهاب الأم وحلول الرمزي محلها(الخضرة الشريفة)(3)
من ناحية أخرى إذا تناولنا الأزمة التي مر بها"عبد العاطي ملش" من منظور (سيجموند فرويد) والذي عرف الإنسان بلغة رغبته؛ فقانون الأب يقوم على(النفي)؛ لأن العلاقة بين(الأنا) والأم علاقة مُحرمة؛ فكان على بطل الرواية أن يتخلى عنها، وإذا كان"فرويد" قد سبق البنيوين جميعًا في الكتاب الذي ألفه عن الحضارة ومواجعها Civilization and its Discontents في بيان(الصراع الأوديبي)، فإن"جاك لاكان" يرى الأب في(المثلث الأوديبي) على أنه(الدال) وليس الأب البيولوجي، إنه الأب الميت، وتلك هى المنطقة التي يتسلل فيها الموت إلى مفهوم(الرغبة)، وهذا الموت كما يقول"لاكان" يؤسس في(الذات) أبدية(الرغبة)(4)، أحداث الرواية تستبطن هذا المعنى بوضوح؛ لذلك تم نفي الأب الذي هو العم أو الكبير من خلال قتله، كما أن(تأكيد الذات) لم يتم إلا من خلال نضال البطل حتى الموت؛ فنراه يخاطر من أجل(السطوة)، فتنتقل علاقة(السيد/العبد) من مسرح الحياة الخارجي إلى المسرح النفسي الداخلي، لذلك وفي كل فصول الرواية نجد أن الطاغية في الداخل لا يكُف عن اللوم وتوجيه أصابع الإتهام(5)، ونرى أيضًا(الدوافع العدوانية) التي تظهر في أحلامه كأن جسده أصبح مفصولًا عنه، "يرى عمه يغرق، وإذا بأعضائه كلها مشلولة، وصدره يطبق على رئتيه، ويرى جملًا يغرس أنيابه في رقبته، أو كلبًا يقطر اللعاب من أنيابه وهو ينهشه، يحاول الفرار فلا يستطيع"
وفي حُلم آخر"رأى نفسه مطروحًا في النعش، وفي ظلام القبر رأى وجه عمه، حاول النهوض فلم يستطع، أعضاؤه كلها كانت عاجزة"
وفي حلم ثالث"رأى نفسه في مكان فسيح، ورأى رجلًا مفوفًا في كفنه، اقترب منه وكشف وجهه، وإذا به هو ولكن بملامح عمه، لم يكن قادرًا على فعل شىءن حتى الصراخ"

ثالثًا: الجنس كوسيلة للحفاظ على الذات

على افتراض أن شخصية"عبد العاطي ملش" هيستيرية؛ فهو يتطلع إلى إيجاد الإستحسان من الآخرين، ويحاول إثارة النساء من خلال سلوكياته ومظهره؛ إذ يهتم كثيرًا بجاذبيته الجسدية، اتضح ذلك في وصف الكاتب له، وفي وصف زوجاته له أيضًا، فعندما قالت له"غاية المنى": "أنه رجل ممن تسعد معه النساء حلق في الهواء بجناحيه"؛ فنراه يتسم بالحيوية والملل بسرعة من الحياة الروتينية، ويلعب دائمًا دور زير نساء؛ فنرجسية"عبد العاطي" السمة الرئيسة فيها تعظيم(الذات) والحساسية المفرطة لتقييم الآخرين؛ إلا أنه يتغلب على ذلك باستعمالهم لتحقيق منافعه الشخصية؛ فعندما قرر الزواج من"نعيمة الخرسا" برر ذلك قائلًا: "لا أتزوجها فراغة عين، أتزوجها لأن أرضها ودارها وحظيرتها تحتاج إلى من يرعاها، ونحن أولى برعايتها"؛ فهاهو يهب نفسه للنساء بفعل الحاجة(النرجسية) القاهرة إلى أن يكون محبوبًا، ولكنه في الوقت نفسه ينبغي أن يرفض الإستسلام لهن؛ فالإنسان(النرجسي) (جنسي) بالضرورة، ينسحب من العالم ولكنه أيضًا يُدهش الجميع بقدراته؛ فــ(الليبدو النرجسي) المتمركز على(الأنا) يُعد في الوقت نفسه مظهرًا من مظاهر(الغرائز الجنسية) التي يسعى الكاتب في الرواية إلى جعلها متماهية مع(غرائز الحفاظ على البقاء)؛ دلالة ذلك تتجلى في أن الأب"عبد العاطي" أسقط(نرجسيته) على الإبنة"برسكال" في سبيل(استطالته النرجسية)، بالتالي الإبنة تسقط(خوف) الأب من الفناء والتهديد وتحوله إلى(ألوهية)، وكأنها تقفز بالمتلقي نحو الميتافيزيقا، بالشكل الذي يصبح فيه ديالكتيك(الإيروس/ الثانتوس) منظومة مغلقة؛ فــ(النرجسية الجنسية) لدى البطل تتلخص في: ابتهاجه بحب النساء له، وفخره الذي يرتبط بوهم الفردانية، ورغبته الدائمة في الوصول إلى الفردوس المفقود، إلا أنه رغم ذلك يعاني مع"جنات" البحراوية من(الإذلال النرجسي) الذي تجلى في خجل(الأنا) من عجزها عن أن تسود سيادة فاعلة، فــــ"عقب دخوله على جنات جلس فوق مصطبة الدار وقال إن ما رآه من المرأة يفوق حلم أى رجل، لأول مرة يرى عريًا على هذة الروعة، أكمل من كل خيال، وكاد يبكي من السعادة، ومن الحسرة، فهو لم يعد الرجل الذي كان، لأول مرة يشعر بأن امرأة أقوى منه"، بذلك تنتهي صولات"عبد العاطي" وجولاته، هو الرجل الذي حُكم عليه أن يصطدم بالواقع مرة أخرى، ذلك الواقع الذي يُمثل له(جرحًا نرجسيًا) سمح بنضج(الأنا) في شبابه واكتشافه نمطًا جديدًا من الدوافع المكافئة لابتهاجه بــ(الصورة القضيبية) التي رسمت له دربًا يُفضي إلى الألوهية؛ وعلى هذا النحو إنما يدين الإنسان بإنسانيته وبألوهيته أيضًا إلى شقائه الأول

في مايُشبه الخاتمة:

في رواية"برسكال" جاء توظيف الكاتب: أحمد صبري أبو الفتوح للجسد لأغراض فنية، أهمها كشف الجوانب الإجتماعية المضطربة، واستطاع من خلال النسق المضمر لجسد"عبد العاطي ملش" الهارب من سلطة الإنتقام السائدة، أن يجعل(غريزة الموت) في مقابل(غريزة الحياة)، ويجعل(تمرد) البطل الذي استثمر طاقته الجنسية لتأكيد(ذاته) عنصر تشويق في بناء الرواية ، والذي تم أولًا من خلال (ربط فترة بلوغه الجنسي بالجوع المستمر كدليل على الحرمان)، كما أن رصد علاقته الجنسية بالحمارة يعتبر توظيفًا رمزيًا لحالة شاذة موجودة بالفعل في المجتمع دالة على(الخواء الجنسي)، هذا من ناحية، ولأن(النشاط الجنسي) عند البطل نشاط (اكتئابي/ هوسي)؛ كان اللجوء إلى(التركيز) على هدفه لمساعدته في التغلب على الخوف والحصول على وهم السيطرة المؤقتة، من خلال الفرار إلى"طنبارة"، وكان(إسقاط) ذاته على صورة أبوية مثالية(مؤلهة) في علاقته بإبنته أولًا، مع ملاحظة أن إضفاء(المثالية) الوالدية على أحداث الرواية إعتمد على(الإيحاء) والتأرجح مابين(الرغبة في تأكيد الذات) و(الفانتازيا)، وكأن هذا الأب المثالي يفكر ويسلك كإنسان، في حين تراه الإبنة وترصد صورته كنبي يتجاوز المعايير البشرية؛ فيصبح هذ الرجل الأرضي في حالات فيضانه هو نفسه حامل مبدأ(الفردانية) والإرادة الحاكمة(6)، و(إسقاط) ذاته التي تحتاج إلى إرادة السُلطة أمام زوجاته؛ لذلك كان عليه أن يؤدي إلى آخر فصل في الرواية وإلا لن يستمر العرض، مع براعة الكاتب في كشف الحيل التي اتبعها(الشعور) في إخفاء معالم(المكبوت) والتي تجلت في(النكوص) إلى الماضي في تناول الحاضر، ذلك أن(الرغبة الفموية) في دمج الموضوعات، والشراهة في الطعام، وفقدان الصبر، والغيرة لهم دلالة(الإرتكاس) الأول على الأشياء بصورة عامة، ويشير إلى الإستعدادات الجنسية والعدوانية اللاحقة(7)؛ فمقاومة(الخبرات الصدمية) بمنعها من غزوه تم عن طريق اتباع آلية(التداعي الطليق) مع إبنته"برسكال"، و(عزل) المشاعر الأليمة الناجمة عن تهديد(نرجسيته) عن طريق اتباع آلية(الكبت)، ثم(إسقاط) ذاته في صورة مثالية، مستخدمًا(الجنس) كوسيلة للحفاظ على(الذات)، والسعي إلى تحقيق الفردوس على الأرض؛ لذلك جاء توظيف الجسد كوسيلة لتنقية العمل الروائي من الرتابة، اتضح ذلك أيضًا في مزج الكاتب بين اللغة العربية الفصحى ولغة الحكي الشعبي
كما أن وصف جسد البطل الذي تكرر في أحداث الرواية، أراد به الكاتب التخلص من(الكبت) المجتمعي عن طريق الكتابة؛ ولا شك أن الرقابة الإجتماعية الصارمة وقع تحت وطأتها الكاتب نفسه عندما برر سعى البطل لاستثمار(طاقته الجنسية) بحثًا عن(الذات) وحرصًا على تحقيق العزوة؛ فالظاهر للمتلقي هو تقديم عمل فني يكشف(سُلطة) المجتمع المرعبة على الأفراد، والخفي هو(تأكيد ذات) البطل من خلال العلاقات التي يكون استثمار(الجنس) فيها هو الفاعل دائمًا في دراما الأحداث


الهوامش:

1_ أحمد فائق(1969)، "ثلاث مقالات في نظرية الجنس لسيجموند فرويد"، مجلة تراث الإنسانية، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، مج7، ع2
2_ مصطفى زيور(1986)، "جدل الإنسان بين الوجود والإغتراب في"في النفس"، دار النهضة العربية، بيروت
3_ السيد ابراهيم(2003)، "التحليل النفسي المعاصر ودراسة الأدب"، مجلة جذور، النادي الأدبي الثقافي بجدة، مج8، ج15
4_ Lacan, Jacques: Seminar no:1-Trns. by Hohn Forreser Cambridage University Pwess, N, Y, 1988
5_ عدنان حب الله(1988)، "التحليل النفسي من فرويد إلى لاكان"، مركز الإنماء القومي، بيروت
6_ كاميلي باليا(2015)، "أقنعة جنسية"، ترجمة: ربيع وهبة، ط1، المركز القومي للترجمة، القاهرة
7_ بيلاغرانبرغر(2000)، "النرجسية: دراسة نفسية"، ترجمة: وجيه أسعد، منشورات وزارة الثقافة/ سورية، دمشق



#رشا_الفوال (هاشتاغ)       Rasha_El_Fawal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعى بالزمن بين هاجس الموت وهذيان الواقع في ديوان الترابيون ...
- الوعى بالزمن بين هاجس الموت وهذيان الواقع في ديوان/ الترابيو ...
- سيرة القلق وسؤال الحرية في ديوان/ على استحياء: الكود الرابع ...
- دلالات الخوف ومفردات الشك في ديوان-لابس مزيكا- للشاعر/ جمال ...
- فُصام النَص وعلاقته بالذاكرة العاملة في مجموعة الرابع عشر من ...
- تأويل الحُلم عبر الذاكرة في رواية كيميا


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشا الفوال - النرجسية الجنسية ووهم الفردانية في رواية: برسكال للكاتب أحمد صبري أبو الفتوح قراءة أدبية من منظور نفسي