أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مؤيد الحسيني العابد - الإسخاتولوجيا 6 بين الفارابي والحيدري















المزيد.....


الإسخاتولوجيا 6 بين الفارابي والحيدري


مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)


الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 14:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الإسخاتولوجيا 6
بين الفارابي والحيدري
تكملة للمواضيع السابقة نقول كما اشرنا في آخر حديث عن الخلود من خلال رأي أرباب العلوم التطبيقيّة: وقلنا "وقد دخل على خط إبراز الرأي حول الحياة الاخرى او ما يطلق عليه البعض بالخلود ارباب العلوم التقنية كراي كورزويل حيث تحدث عن امكانية تحميل الوعي الانساني او الحياتي على الحواسيب او اطالة الحياة عبر استخدام التكنولوجيا، وقد اطلقوا على الخلود من خلال التكنولوجيا مصطلح
Transhumanism "
وقد اشرت الى ما يتعلّق بهذه الصورة للخلود لان اصحاب هذا الرأي يريدون أن يخلّدوا الحياة بأسلوب آخر. والكثير منّا يعرف أنّ مسألة الخلود أخذت الشغل الشاغل من فكر الكثير من أهل المعرفة وإن إختلفوا بالطرق والاساليب والافكار وغير ذلك للوصول الى معنى ابقاء او استمرار او انتقال النفس او الروح او حتى الجسد الى عالم بعيدًا عن الشقاء والتعب واللاعدالة وغير ذلك. ولكنّ الجميع لم يتعرّف على هذا العالم من خلال الواقع ومن خلال تجارب الواقع المعاش لانّ سنخ او جنس ذلك العالم يختلف عن هذا الذي نحن نعيشه، ناهيك عن كون ذلك العالم قد توضّحت بعض عوالمه او مميزاته من خلال ما يرتبط بالسماء، لانه اصلا مرتبط بذلك العالم الاخر الذي شرحت او اشارت اليه الكتب المقدسة وبلغات متعددة وفق الزمن الذي نزلت او انزلت فيه تلك الكتب. فما يشار الى صفات لذلك العالم من خلال تجارب محيطة بنا ومن عالم الشقاء لا يمكن ان تصل فيه الى نتيجة لوصف ذلك العالم.
ما اشرنا اليه فيما يعرف Transhumanism (اعلاه) هو توجّه أو هو في الحقيقة فرع فلسفيّ رائج اليوم في العديد من حقول النشر الفكري والفلسفي وحتى العلمي التطبيقي. حيث ينص هذا الفرع من الفلسفة والعلوم الى ان بالامكان ان يتمكن العالم والانسان من الحفاظ على وضعه ووجوده ويمكن السيطرة على الموت لو تطورت العلوم الى الدرجة التي تجعل التكنولوجيا والطب تقوم بالسيطرة وشفاء العديد من الامراض وبالامكان الوقاية منها (وواضح ذلك التوجّه من خلال اغراضه التي باتت معروفة فيما يتعلق بالايمان ام غيره، في الغالب، لانّ ما يُتطرّق اليه هو كما قلنا من جنس آخر غير جنس التجارب والمحيط وغير تصورات ما يحيط بنا لانّ كل ما يتعلق بذلك العالم خلال الموت ام خلال ما بعده من خلال التجارب والاعمال والابحاث، لا يعدو اكثر من تحسين حياة البشر الى الافضل وهذا شيء جميل ولا ربط بين هذا وبين ان يخلّد الانسان بلا موت! او بلا ما يتعلق بميزات او مواصفات العالم البعيد المشار اليه).
ورد في مقالة جلفاد: (وتدعو الحركة العالمية للتطور البشري إلى استخدام التكنولوجيا لتحسين الخصائص الجسدية والعقلية للإنسان(1). أي أنّ التوجّه كما يعتقده هؤلاء هو باتجاه السيطرة على ما ينهي البشرية وهو قاهرها ومبيدها وهو الموت! حيث توجد عدّة تقنيات لهذا الغرض (كما يعتقدون!) ومنها تقنية كرايسبر. حيث يؤكّد اصحاب هذه الفكرة الى ان البشر كائنات متغيرة، يمكن ان يكون هناك تحكّم ذاتي في تطورها"(2). لذلك يتّجه هؤلاء الى صرف الاموال في البحث عن كل تقنية تخدم هذا التحكّم" يمكن القول إن أفكار أتباع نظرية ما بعد الإنسانية تتأرجح بين الخيال العلمي والحقيقة العلمية، كما تقول إنغريد دونر، طالبة دكتوراه في تاريخ الأفكار والدراسات العليا بجامعة لوند، والتي تُجري أبحاثًا حول نظرية ما بعد الإنساني"(3). ومن خلال هذا الطرح يظهر جليا ان لا ايمان بوجود حياة اخرى بالشكل الذي تناقشه وتؤمن به اغلب البشرية.
هنا نقول ان الكثير من الفلاسفة قد اجمعوا على توصيف الخلود الوارد بالمعنى الذي يعبّرون فيه عن الحياة الاخرى، بمواصفات معينة. وانا اعتقد ان هذا التعبير لا يكون بعيدا عن توصيف حياة تختلف عن حياتنا لا غريزة فيها من طعام وشراب وجنس وغير ذلك لكن ربما لا تخلو من مميزات وتوصيفات تتعلق بما يرتبط بالروح فقط، او بالروح والجسد ولا وجود للجسد بالتفصيل الذي هو فيه، في هذه الحياة. ولكن عند بعضهم "كما اشرنا الى توماس نيغل وديريك بارفيت: إنّ الهوية الشخصية واستمرارية الذات بطرق قد تفتح الباب لتصورات غير تقليدية عن الاستمرار ما بعد الموت لكن دون الايمان بخلود الروح". ومن المهم ان اشير الى ان افلاطون في طروحته في هذا المجال قال بان الجسد هو سجن الروح يفنى بعد الموت. بينما تكون الروح ازلية. واشار الكثير من الفلاسفة مثل هذا او غيره في توجّه يشبه هذا التوجّه. هنا ليس من المعقول ان نشير الى هذا الطرح بدون ان نعرّج الى ما يقوله فلاسفة المسلمين عن هذا. حتى وإن كان الطرح متأخرا قليلا لما لدور الفلاسفة الاخرين في الاشارات المستمرة الى اننا لسنا وحدنا من يفكر في هذه الحياة. فهناك العديد من الثقافات والتشريعات تشير الى تلك الضرورة من وجود مثل هذه الحياة. لقد اشرنا الى عدد منها وسنشير الى الاخرى في حلقات قادمة إن شاء الله، جهد الامكان.
من الفلاسفة الاخرين الذين اشاروا بشكل او باخر الى العالم الاخر او الحياة الاخرى ومن وجهة نظر خاصة لغرض التعميم مرة، وفي مرة اخرى لغرض اخر، هو في الحقيقة سؤال يراود الفلاسفة ويثير تساؤلاتهم، ربما تكون هي نفس الاسئلة التي تثير الاخرين. إنّ من هذه الاسئلة، مثلًا: ماذا بعد الموت حينما يعقل الانسان ذلك الموت ولا يعرفه؟ ماذا يمكن ان يقال عن تلك الحياة وهي بعيدة عن التشابه او التماثل او التقليد لمثل هذه الحياة، حيث هناك لا نور ولا حياة ولا شيء مما يعرفه الذهن او مما يعرفه عقل الانسان؟ ماذا يمكن ان يقال عن هذا الفاصل بين الحياتين، منه بعد لحظة الموت ومنه بعد ان يوارى الجسد في التراب؟ لا شعور بالرحيل ولا شعور بما اعتاد المؤمنون تسميته، اي حياة فيها القرار والراحة من شقاء هذه الحياة؟ ما هو شعورك وانت تعرف ان لا عودة الى هذه الحياة التي جمعت فيها كل تصوراتك على انها بهذه الصورة المعتادة؟
أؤكد لك أن الاغلب من الفلاسفة تحدثوا ويتحدثون عن عالم هو عالم المثال، مرة يصورونه ما بعد الموت مباشرة ومرة بعد ان تستقر الروح في مكان ما. لكن الكل مجمع تقريبا على ان عالم المثال هو ان الروح تسعى للعودة الى الحقيقة العليا (كما أشرنا في الحلقة السابقة) بلا تفصيل محدد.
في الحديث عن عالم الغيب من وجهات مختلفة ليس بالامر اليسير اطلاقا الا اذا اعتمدنا على الظنية في حالة الانسان العادي وباليقين في حالة الانسان المدرِك ان لا مجال للعبثية في هذا الخلق او الغرض منه. اعرف أن ليس بالامر الهين التعامل مع الظنيات مرة والواقعية مرة اخرى، الا اذا ادرك الانسان ان الوعي الانساني مبني على العديد من الاشياء التي لا علاقة لها بالواقع المرئي او المحسوس.
إنّ الامر المهم الذي اريد ان اسلط الضوء عليه بعد ان اثرنا رأي العديد من الفلاسفة من مدارس غير المدرسة الدينية، نسلط الضوء الان على بعض فلاسفة المسلمين كنموذج للمقارنة عن الحياة الاخرى. ربما يسأل سائل وما الغاية من الاشارة الى مدرسة واضحة المعالم في هذا الجانب؟ اقول ليس من المعقول ان اتطرق الى مدارس مهمة في الفلسفة ومنها الوجودية وان لا اذهب الى الفلسفة العقلية والغيبية. نعم هي فلسفة غيبية ولها ادلتها ولست مناورا في قولي حينما اقول انني من المؤمنين بهذه التصورات والفلسفة واصحابها في الطرح، ناهيك عما يتعلق بها من امور تدخل احيانا بالخيال وفق رأي الاخرين الوجوديين ان لم يطلقوا عليها بالاساطير والروايات وما الى ذلك. على كل حال، اقول ساتطرق الى فيلسوف من التاريخ والاخر من الحاضر في مسألة الحياة الاخرى او الحياة الاخرة. الاول هو الفارابي والثاني هو السيد كمال الحيدري (الذي يعيش ازمة اقامة جبرية بسبب ما يطرحه من افكار تلامس العديد من العقلانية المرتبطة بالغيب باسلوب راق وفريد!).
يعتبر الفارابي(4) من الفلاسفة المسلمين الذين استخدموا العقلانية بشكل واضح في التعامل مع العديد من المسائل الفكرية والغيبية وحتى في الجوانب العلمية. ومن ضمن ما تناوله في هذا التصور العقلي او العقلاني هو ما يتعلق بمسألة الحياة الاخرة ولكن من مضمون فلسفي عقلاني كما قلنا. والشيء الواضح من الكثير من آراء الفارابي تدل على تأثره الواضح بالفكر اليوناني من خلال آراء افلاطون مثلا وارسطو وكذلك الفلاسفة الاخرين الذين تأثر بهم كثيرا مما ادى الى ان تظهر هذه التأثيرات على آرائه. لكن الذكاء الذي تمتع به الفارابي انه كان يصيغ الكثير من الاراء بما يتناسب مع السياق الاسلامي ولا يتعارض مع التصورات والاراء الاسلامية وخاصة هنا محضر التواصل، ما يتعلق بالحياة الاخرة (وهذا وجه الشبه بين طروحاته وطروحات السيد الحيدري كما اراها، اي فيما يتعلق بربط ما هو عقلاني مع ماهو غيبي، وهو السبب الذي جعلني آخذه كمثال لطرحي هنا). فمثلا اشار في طروحاته حول السعادة التي اشار اليها القرآن الكريم فيما يخص المؤمنين من سعادة في الحياة الاخرة بل تبلغ السعادة القصوى ودرجات الرقي والرفعة كلما كان فعل الانسان طيبا في الحياة الدنيا. فانه يرى ان السعادة القصوى لا تتحقق الا بعد الموت اي ان الحياة الدنيا هي دار شقاء وعناء، لكن حينما تنفصل النفس عن الجسد وتبلغ حالة من الكمال العقلي تكون هذه السعادة ليست جسدية بل فكرية خالصة وهي مرتبطة بقدرة النفس على الاتصال بالعقل المؤثّر وهو اي العقل كيان غير مادي وهو خالد بعد موت الجسد(5). وهناك العديد من المفسرين في هذا المجال تطرقوا الى: هل الحشر جسدي ام روحي ام كلاهما اي روحي وجسدي؟، في العديد من الاراء ولا غرابة من طرح الفارابي مسألة ان لا حشر جسدي للروح. هكذا هو فهمه للايات القرآنية بالتصور العقلي! حيث يكون رأيه من خلال التعامل مع عدم ظهور اي تصور لعودة الجسد بل هنا يلعب فكر آخر دوره في ذهن الفارابي حيث يقول هو استمرار للنفس في حالة عقلية خالصة. وان السعادة الاخروية هي حالة فكرية تتفاوت بين الافراد حسب ما حققوه من كمال عقلي في الحياة الدنيا(6). اي هو يربط ما بين السعادة الاخروية من خلال الاستعداد العقلي في الحياة الدنيا والاقتراب من الكمال النفسي والعقلي كي تزداد فرصة التمتّع بالحياة الاخرة بشكل اعظم من الحياة الدنيا. فلا يمكن له ان يبلغ السعادة القصوى والتألق فيها (اي في الحياة الاخرة) الا من خلال زيادة فرصته في بلوغ درجات اعلى من الكمال العقلي، ما قبل الموت. اي وجب على الانسان ان يسعى الى اعلى درجات من الفضائل والمعرفة والعيش او السعي الى عيش في مجتمع افضل اكثر مثالية من الحياة التقليدية(7). من الامور المهمة التي وضعها الفارابي ان رسم في ذهنه عالما مثالا او عالما علويا يتّسم بالاخلاق العالية والسعي نحو التكامل من خلال هذه السلوكيات او التصرفات التي وضعها فيما سماها بالمدينة الفاضلة والتي تجمع فضائل المثال والسعي نحو التكامل او الكمال. وجعل ما يطبّق في هذه المدينة الخيالية انما يجعل من الانسان اكثر سعادة ووضع الوسائل لتحقيق مثل هذه السعادة. وتحقيق السعادة في تلك المدينة انما هي سعي في الحياة الدنيا وهي الاطار الذي يساعد الانسان على تحقيق السعادة الدنيوية وكذلك هي درب يفرش الى السعادة الاخروية. فكلما حقق الانسان قدرا اكبر من الفضائل في هذه الحياة سيجازى عليها في الحياة الاخرى او الحياة الاخرة. ولا يمكن ان تتحقق الفضائل الا من عقل راجح لتكون الحياة او العيش سرورا وسعادة في هذه الدنيا وفي الاخرة. فالكمال العقلي يؤدي الى السلوك العالي وبالتالي الى محصلة كبيرة من السعادة في الحياة الاخرى. ولا ينبغي ان يكون الانسان بعيدا عن التصورات التي تجعل من افكار الفارابي شيئا من المثالية المفرطة او غير ذلك. بل الصحيح هو تصور هذا السعي او هذا السلوك الانساني الرفيع الذي ورد في كل الشرائع كي يشعر الانسان او الضمير بعلو الدرجات، ونيل السعادتين.
إنّ القارئ لاراء الفارابي يلحظ بوضوح ما لتاثير الاراء اليونانية (كما اشرنا آنفا) على فكره وطروحاته خاصة ما يهمنا هنا من التعامل مع الحياة الاخرى. لانه كان يرى ان الايمان عنصر مهم يساعد الانسان على الوصول الى طريق يؤدي به الى السعادة القصوى من خلال العديد من الاجوبة على الكثير من التساؤلات التي يطرحها الانسان عن حياة ما بعد الموت. وقد كان يمزج ما بين الفلسفة والتصورات الدينية بشكل جميل من وجهة نظري. لذلك نراه قد ترك أثره على العديد ممن جاء بعده. مثل ابن طفيل وابن رشد صاحب المقدمة المشهورة(8). وهناك العديد من الافكار التي طرحها الفارابي قد اثار فضول ورغبات العديد من اهل التاريخ والفلسفة في اوربا لمعرفة هذه الاراء. خاصة فيما يتعلق بالدراسات الاجتماعية والافكار التي تربط بين الانسان والمجتمع والعالم ككل. والربط ما بين هذه الافكار والاراء والدين او مع التصورات الدينية، والكيفية في التعامل مع ادوات او اساليب الحكم(9). مما يهمنا الان هو فلسفته عن الحياة الاخرى وليس التفاصيل الفلسفية التي طرحها بشكل رائع خاصة فيما يتعلق بالفسفة الاخلاقية المرتبطة بالدين والايمان. وفي ذلك اقول: لقد اشارت العديد من المصادر الى رأيه في كون السعادة القصوى التي يجب ان ينالها الانسان والتي تكون معينة حينما يفكر فيها كي تكون حياته افضل، هو ان يسعى الى بناء الاخلاق كي يحصل على المراد في الحياة الاخرى(كما اشرنا سابقا). ففي تصوره في نظرية او ما يتعلق بالروح هو ما عبّر عنه في حالة انفصال هذه الروح عن الجسد في الحياة الاخرى. وحالة الحصول على السعادة القصوى في ان يكون الانسان في وضع يسبق تطبيق شروط الحصول على تلك السعادة من خلال اعداد النفس لتقبّل هذا الوضع. رغم ان الفارابي لم يتطرق الى ما يسمى بالفلسفة الدينية الا انه يعبر عن هذا المضمون من خلال ما يطلق عليه بفلسفة المجتمع، ويقصد بها الفلسفة الدينية(10)، باعتبار ان الفارابي يرى ان من ضمن ما يرى ان الحياة الاخرة انما هي حياة وفق تصور ومنظور التصور الديني الاسلامي. اي ان البحث في الحياة الاخرى لا يبتعد عن الحديث عن الكمال الانساني الذي كان ينشده. اي كما يقول احدهم في فهمه لمنطق الفارابي (يرى الفارابي أن الدين في جوهره أداة تطبيقية؛ ولا يمكن اعتباره مجالًا للمعرفة والحكمة والحقيقة في حد ذاته)(11).
ولا يخفى ما للمجال الذي طرحه الفارابي من صحة او دقة في بعض جوانبه فيما يتعلق بالحياة الاخرى. فالسعادة القصوى التي يطمح لها الانسان المؤمن غاية، ليس من خلال الحصول عليها من خلال تفاصيلها وثواب العمل، فهي ليست مهمة الى درجة كبيرة عند الخلوصيين ففي قول الامام علي عليه السلام، وضوح الرؤية هذه من خلال حديثه الذي يعبر عن درجة عالية وعظيمة من العبادة (ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك). لذلك في عملية الانتقال الى ما بعد الموت وبعد الاعمال الصالحة التي يمارسها الانسان فبلا شك هي حياة تكون متعتها في ممارسة الصلاح لا من اجل ان يحصل على اجر ما.
بات من الواضح رأي الفارابي في هذا الجانب. والان الى رأي السيد الحيدري:
في كتابه " مطارحات في العقيدة، المعاد ، رؤية قرأنية" يتطرق السيد الحيدري الى امور مهمة في سياق الايمان في الحياة الاخرى وبعض الاشارات والادلة المهمة على وجودها من نظرة قرآنية وكذلك ضرورة الايمان فيها من خلال انعكاساتها على الوضع الاجتماعي والنفسي وغير ذلك. وفي الحقيقة يعتبر هذا الكتاب من الكتب المهمة جدا في هذا الجانب. حيث يقول السيد الحيدري في عنوانه:"موقع المعاد وأهميته في منظومة المعارف الدينية" يتطرق الى الاصول العقلية الثلاثة لايمان الفرد المسلم من خلال القرآن الكريم:
أولاً: الإيمان بالله سبحانه وتعالى
ثانياً: الإيمان بالمعاد
ثالثاً: الإيمان بالنبوة(12)
ولا اريد التطرق الى تفرعات اخرى غير المقصود، ولكن ينبغي الاشارة الى ان هذا الايمان الذي يتطرق اليه اهل المعرفة الفقهية هو الايمان بالتوحيد، اي الايمان بالله الواحد الاحد ومنه ان يكون المؤمن مؤمنا بالفعل في ان الله تعالى عادل لا ريب في عدله حيث يقول السيد الحيدري الى ان العدل يتضمنه التوحيد. حيث يقول: "الأصول والأركان الثلاثة يؤكدها القرآن الكريم تأكيداً بالغاً، ويعطيها الأهمية القصوى والسبب في ذلك: أننا عندما نقف عند هذه الأركان الثلاثة نجد أن الركن الأول وهو التوحيد» يشير إلى «المبدأ»، والركن الثاني وهو «المعاد» يشير إلى «الغاية»، والركن الثالث وهو «النبوة» العامة أو الخاصة يشير إلى الطريق الذي يربط المبدأ بالمعاد"(13) ويقول: "وأما بالنسبة إلى الإمامة وكذلك العدل فهما وإن كانا من الأصول العقدية، ولكنه لم يفردهما باعتبار أن العدل الإلهي هو متممات التوحيد بحيث إن التوحيد إذا لم يتضمن العدل فهو توحيد ناقص، فيه إشكال وخلل"(14). الى هنا فقد بلغنا المراد كي ننتقل الى ما يخص موضوعنا هنا وهو عن الحياة الاخرة. وسنعود الى ما يقوله الاسلام عن الحياة الاخرى أو الحياة الاخرة. دون الخوض في تفاصيل الاجتهادات والاختلافات بين المذاهب في تفاصل العيش(هكذا!) في تلك الحياة والتي لا تتفق مع الآيات القرآنية. وسنسهب قليلا في فكر السيد الحيدري. وربما سنعود الى فلاسفة آخرين.

د. مؤيد الحسيني العابد
Moayad Al-Abed
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)نص: لتوف جيلفاد في الموقع التالي:
Transhumanism: människa 2.0? – Vetenskap och Hälsa
(2) المصدر السابق
(3) المصدر السابق
(4) https://hekmah.org/%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%8A/
(5) أنظر المصدر السابق
(6) أنظر المصدر السابق
(7) هو ابو نصر محمد الفارابي. عاش في الفترة ما بين 260 الى 339 للهجرة، كان قاضيا وفيلسوفا اسلاميا. وقد اشتهر كما ورد في المصادر بالعديد من النشاطات منها الفلسفة والموسيقى والطب، وغيرها. أطلق عليه لقب المعلم الثاني باعتبار ارسطو المعلم الاول كما يوصف عند البعض. يعتبر الفارابي من مؤسسي الفلسفة في العالم الاسلامي.
(8) راجع المصدر (1)
(9) al-Farabi’s Philosophy of Society and Religion (Stanford Encyclopedia of Philosophy)
(10) المصدر اعلاه
(11) المصدر السابق
(12) موقع المعاد وأهميته في منظومة المعارف الدينية. المرجع الديني السيد كمال الحيدري – ج1 بقلم الشيخ خليل رزق. مؤسسة الامام الجواد ع للفكر والثقافة، الكاظمية المقدسة ـ باب الدروازة. 1435 هجري، 2014 ميلادي
(13) المصدر السابق
(14) المصدر السابق



#مؤيد_الحسيني_العابد (هاشتاغ)       Moayad_Alabed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسخاتولوجيا 5
- الإسخاتولوجيا 4
- الإسخاتولوجيا 3
- الإسخاتولوجيا 2
- الإسخاتولوجيا
- (بوغواش) وتقليل المخاطر المرتبطة بالحروب النوويّة3
- (بوغواش) وتقليل المخاطر المرتبطة بالحروب النوويّة2
- (بوغواش) وتقليل المخاطر المرتبطة بالحروب النوويّة
- الجّندر والجّندريّون وأصحاب الجّندر 11
- الفراغ العقلي في التصورات الجديدة
- الجّندر والجّندريّون وأصحاب الجّندر 10
- الجّندر والجّندريّون وأصحاب الجّندر 9
- لماذا السباق إلى الفضاء في السويد، في الوقت الحالي؟
- الجّندر والجّندريّون وأصحاب الجّندر 8
- الجّندر والجّندريّون وأصحاب الجّندر 7
- الجّندر والجّندريّون وأصحاب الجّندر 6
- مع جائزة نوبل في الفيزياء سنة 2023
- الجّندر والجّندريّون وأصحاب الجّندر 5
- الجّندر والجّندريّون وأصحاب الجّندر 4
- الجّندر والجّندريّون وأصحاب الجّندر 3


المزيد.....




- شاهد كيف رد ترامب عندما سئل عما إذا كانت أمريكا تسعى الى تغي ...
- إعصار بسرعة 230 كيلومتر بالساعة يتجه نحو هاواي.. إليكم ما يم ...
- حكومة الأردن عن موقفها بمواجهة التهجير: خط من نار
- للمرة الثانية.. غارة إسرائيلية تستهدف برجا شاهقا آخر في مدين ...
- حزب الله يعتبر خطوة الحكومة بشأن خطة الجيش -فرصة للعودة إلى ...
- -صوت هند رجب-: الفلم الذي لم تحتمل والدة هند مشاهدته
- ثلاثة أسباب وراء موقف بوتين المتشدد تجاه أوكرانيا
- هل تنجح أوروبا في فك ارتباطها بالغاز الروسي؟
- مودي وترامب يتبادلان الغزل السياسي بعد فتور
- ترامب يأمر بإزالة خيمة مقابلة للبيت الأبيض ترمز لمناهضة الحر ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مؤيد الحسيني العابد - الإسخاتولوجيا 6 بين الفارابي والحيدري