أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم سوزه - في نقد الخطاب الإسلامي .. حلقة ٧: الإسلام بين قراءتين، قراءة دينية وقراءة ثقافية (قانون الأحوال الشخصية الجعفري في العراق)















المزيد.....

في نقد الخطاب الإسلامي .. حلقة ٧: الإسلام بين قراءتين، قراءة دينية وقراءة ثقافية (قانون الأحوال الشخصية الجعفري في العراق)


سليم سوزه

الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 11:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الفرق بين الدين والإيمان كالفرق بين النظرية والممارسة، فالدين "موضوع" يتشكّل من خليط من الفلسفات والآراء والأفكار والتأويلات والسياسات والتفسيرات والطقوس والفقه، فيما الإيمان "ذات" تصنعها التجربة الإنسانية الفردية وتظهر في ممارسة الفرد وعلاقته مع ربّه عبر سلوكياته المختلفة.

الإسلام ديناً غير الإسلام إيماناً، ونقد الدين الإسلامي لا يعني بالضرورة نقد الإيمان الإسلامي، لأن الأول نظرية واجتهاد مستمران، فيما الثاني ممارسة وتجربة ذاتية قد تتطابق أو تختلف مع سرديات الإسلام الكبرى أو مع بعض مقولاته الأساس. حتى في القرآن نفسه، يُقدَّم الإيمان (بوصفه الأهم) على الدين (الإسلام) في الآية ١٤ من سورة الحجرات، "قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ".

الدين بنية ومظهر، والإيمان فرد وجوهر.

قد يكون المرء مسلماً معتقداً بنبوّة النبي العربي القرشي محمد بن عبدالله، لكنه لا يؤمن بالصلاة والصوم والزكاة والحجّ وفروع الإسلام الأخرى. هذا ربما يكون، في عرف مَن يرون الإسلام ديناً، كافراً بالجزء، والكافر بالجزء كافرٌ بالكل وخارجٌ عن الملّة. أمّا في نظر مَن يرون الإسلام إيماناً، فسينظرون إلى هذا المرء أنه مؤمنٌ على طريقته، غير خاضعٍ لسلطة الفقهاء الذين حوّلوا الإسلام من سياقٍ إلى حَدَث، ومن دينٍ إلى فقه، ومن إيمانٍ إلى طقوس، يتعبّد من خلالها الفرد بجسده، لا بروحه.

خلافاً للقراءة الدينية للإسلام، وهي قراءة الفقهاء، التي تحوّل الإسلام إلى محض أحكام لاتاريخية تقفز على الأمكنة والأزمة وتصلح لكل عصر، تُرجِع القراءة الثقافية للإسلام تلك الأحكام إلى سياقها الاجتماعي والثقافي والسياسي بوصفها أحكاماً وُلِدَت من هموم المجتمع العربي القرشي آنئذ، ويصعب تطبيقها اليوم على زماننا هذا. بكلام آخر، تُقدِّم القراءة الدينية للإسلام الحدثَ على السياق، فيما تُقدِّم القراءة الثقافية السياقَ على الحدث.

القراءة الأولى قراءة حَدَثَية تؤمن بأن الإسلام حدَثٌ منفصل عن سياقه، وبالتالي "جوهرٌ" متعالٍ وقائمٌ بذاته، لا يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان، وكل شيء فيه ثابت وصالح لكل البشر في كل الأمكنة والأزمنة. أما القراءة الثانية (الثقافية)، فهي قراءة سياقية ترى أنّ الإسلام نتاج بيئته، وما صلُح منه لمجتمع قريش، لا يصلح بالضرورة لمجتمعات أخرى. إيمانه باقٍ وفقهه (دينه) متغيّر.

ثمّة مفارقة هنا تكمن في أنّ مَن يروَن الإسلام ديناً/جوهراً/طقساً/حَدَثَاً، وهم الفقهاء، يخضعون في أحيانٍ كثيرة إلى التفسير السياقي ذاته عندما يتعلّق الأمر ببعض الأحكام والروايات التي لا يستسيغها عصرنا الحالي. مثال ذلك، آيات السيف وسبي نساء "الكفّار" وفرض الجزية على غير المسلمين والجهاد الابتدائي وأحكام الجلد وقطع يد السارق وتشريعات رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة وأكل لحم الإنسان الكافر عند الجوع والضرورة وغيرها الكثير. يُرجِع الفقيه "الحَدَثي" هنا مثل هذه الأحكام إلى "سياقها" الاجتماعي، ولا يقبل بها دستوراً دينياً لعصر الدولة الحديثة التي يعيش فيها المسلمون اليوم. وما دام أنّ الفقيه قد عطّل بعضاً من الأحكام الإسلامية الثابتة بحجة أنها ابنة سياقها الاجتماعي والثقافي ولا تصلح ليومنا هذا، لماذا إذن يرفض القراءة الثقافية لكامل الإسلام بوصفه "سياقاً"، لا "حَدَثَاً"؟

ما يصلُح على الجزء قد يصلُح على الكل أيضاً.

تتصارع اليوم في العراق هاتان القراءتان (الدينية/الحَدَثَيّة والثقافية/السياقية) لماهيّة الإسلام بعد أن صوّتَ مجلس النواب العراقي قبل أيام على مدوّنة الأحكام الشرعية للفقه الجعفري الخاصة بقانون الأحوال الشخصية المُعدَّل، وصار ثمّة انقسام بين نخب مؤيدة للقانون الجديد وأخرى معارضة له، القانون الجديد الذي جرّد العراقي/العراقية من فردانيته/فردانيتها لصالح كليّانيّة شيعية أو سنّية تُختَزَل فيها الهوية بالطائفة. ليس ثمّة فرد هنا، بل جماعة شيعية أو سنّية فحسب، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يراه الفقيه في المجتمع. لا يرى أفراداً، بل جماعات طائفية وُلِدَتْ معتقداتها قبل قرونٍ من عصرنا الحالي.

لقد حوّل هذا القانون الجعفري دولة العراق الحديثة إلى محض قبيلة قرشية عاشت في جزيرة العرب قبل ١٤٠٠ عام. تحوّلنا جميعاً، بفضل هذا القانون، من "مواطنين" إلى "رعايا" شيعة وسنّة، لا نملك من ذواتنا شيئاً، بل محض كائنات تذوب في كليّانية جماعاتية طائفية لا ترى حياةً خارج حياة قريش. لقد صرنا في القرن الواحد والعشرين نستخدم مفردات كالأمة والمسلم والشريعة والفقه بدلاً من الدولة والمواطن والدستور والقانون، وصار كل واحد منّا محض "مؤمن" أو "كافر" في دولة يُفتَرَض أنها دولة ديمقراطية مدنية يُحاكَم فيها الفرد على سلوكه، لا إيمانه، وهذا كلّه بسبب الفقيه الذي يُرهن "الحاضر" بثقافة "الماضي" واصطلاحاته ومفاهيمه.

وردَتْ في المادة ٥٩ من المدوّنة الجعفرية فقرة "الإفضاء"، بمعنى اتحاد مسالك البول والحيض والغائط كلّاً أو بعضاً، كعيب من عيوب المرأة الذي يوجب فسخ عقد الزواج أو الطلاق بعد وقوع العقد، وفهمُ الفقهاء للإفضاء هو أن المرأة تبول وتحيض وتتغوّط من فتحة واحدة، وهي فتحة الفرج، وهذا عيب خُلُقي يجعلها غير مؤهّلة للزواج، أو يعطي الحق لزوجها بتطليقها لو اكتشف هذا العيب بعد الزواج. تعطينا هذه اللغة المُقعَّرة الجافة والتفسير الفنطازي للإفضاء انطباعاً واضحاً على مدى انفصال رجل الدين عن عصره الحالي، إذ لا وجود لشيء اسمه اتحاد مسالك البول والغائط والحيض عند النساء، بل ثمّة ما يُسمَّى في الطب الحديث بالناسور المهبلي Vaginal Fistula.

كحال أي ناسور (أو بواسير) يحصل عند الرجال والنساء نتيجة أسبابٍ عدّة أهمها الإمساك المزمن بسبب الأمعاء الكسولة التي لا تعمل بكامل قوة عضلاتها لإخراج الغائط، والتي بدورها تتطلّب جهداً وضغطاً كبيراً من عضلات البطن لمساعدتها في هذا الأمر، يحصل الناسور المهبلي من عسر الولادة الطبيعية عند المرأة. في حالات الولادة الطبيعية المُتعسِّرة والتي تستمر ساعات طويلة أحياناً، تتمزّق بعض أنسجة أعضاء المرأة، وخصوصاً المهبل والحالب، فتتورّم منها نتوءات مفتوحة أو قنوات (ناسور)، تلتهب دوماً ويسيل منها قيح ودم وبول وغائط أحياناً، تخرج كلها من فتحة واحدة، كفتحة الفرج، لأنه لم يعد لها مسالك منفصلة، بل انفتحت كلها على بعضها نتيجة ذلك الناسور المُنفجر.

لم يكن الطب متطوّراً في مجتمع العرب آنئذ، وليس ثمّة عملية قيصرية تُنقذ المرأة من عسر ولادتها الطبيعية. فكان هذا "الناسور المهبلي" نتيجةَ ذلك العسر شائعاً وقتها، فاضطرَّ المشرِّع حينها إلى الافتاء بجواز تطليق تلك المرأة، بدعوى أن مسالكها الثلاث، أو أثنين منها في الأقل، قد اتَّحدَتْ (لا يعرف أنه ناسورٌ مهبليٌ فحسب).

هل ثمّة ناسور مهبلي اليوم؟

حالة منقرضة تماماً اليوم، لأنه وبمجرّد شعور المرأة بعسر الولادة الطبيعية، تدخل إلى صالة العمليات لإجراء عملية قيصرية وإخراج الجنين من بطنها، لا فرجها. وإن حصل وظهر ذلك الناسور المهبلي لأسبابٍ مجهولة، فهو ليس بذلك الخطر إطلاقاً، بل يُمكن استئصاله بسهولة كما تُستَأصل الزائدة الدودية من أحشاء البشر، ولا يوجب الأمر طلاق المرأة بسببه.

أوردتُ هذا المثال لأقول أنّ رجل الدين لا يستأنس برأي الأطبّاء والمهندسين وذوي الاختصاصات الأخرى عندما يتعلّق الأمر بشأنٍ يخصّهم، بل يذهب مع رواية مُعنعنة ذكرها صحابي في زمنٍ اندثر، ثم يقول لك هذا هو شرع الله.

هذا ليس شرع الله، بل فهمٌ قاصر لشرع الله، لأنّ الله لم يخلق امرأة بمسالك ثلاث متَّحدة، بل أحاطَ علمُهُ بناسورٍ مهبلي قدَّرَ له أسبابه الطبيعية.

إنّ استخدام هذه المدوّنة الجعفرية لمصطلحاتٍ من مثل الإفضاء، القرن، النكاح، التنجيز، ضامن الجريرة، وغيرها الكثير ما هو إلّا دليلٌ آخر على أن رجل الدين لا يعيش هموم عصره الحالي، بل ربما لا يعرف عنها شيئاً. هو يرى "حَدَثَاً" أنتجَ كلَّ "سياقٍ" بعده، ومصطلحات خُلِقَتْ لكل عصرٍ، وروايات وُضِعَتْ لزمانها والأزمنة التي تليها إلى الأبد. رجل الدين لا يرى دولةً، بل طائفة. لا يرى مواطناً، بل مؤمن أو فاسق؛ لا يرى سجناً أو عقوبة، بل إثم وجنّة ونار فحسب.

لا يفهم رجل الدين أن هذه المدوّنة تُمثِّل انكساراً للدين الإسلامي نفسه واعترافاً صريحاً بأنه دينُ ليس باستطاعته استيعاب متغيّرات الأزمنة والأمكنة، بل محض شريعة منعزلة تحاول يائسة أن تُسْتَوْعَب من قبل أناس تلك الأزمنة والأمكنة.



#سليم_سوزه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثقَّفو -التوجيه السياسي- ودولة الميليشيا العراقية
- -تريوعة- الماعز
- -باربي- والوجودية النسوية
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 6: سبي النساء .. سياق مختلف أم فكرة ...
- المشكلة الكردية في العراق
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 5 .. إشكالية الدين والمجتمع
- أنثروبولوجيا الشعائر الحسينية
- ظاهرة التيار الصدري
- السيستاني والدولة العراقية .. جدل الشرعيّة والمشروعيّة
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 4 .. التفسير ، التأويل ، الإعجاز ال ...
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 3 .. القرآن ليس كلام الله
- في نقد الخطاب الإسلامي ح ٢-;-
- في نقد الخطاب الإسلامي - ح ١-;-
- مجلس محافظة بغداد وتقنيات السرقة الذكية
- عن معركة الموصل وتشابك اللُحى وأحلام الهاشميين
- عملية دادي
- إمكانية عالية ومحتوى بائس
- عن شارل ايبدو وإساءاتها
- حوار كاثوليكي
- اللعب مع الأفعى


المزيد.....




- إيجئي: إيران الإسلامية لن تستسلم أبدا لنظام الهيمنة
- مؤتمر الوحدة الإسلامية الـ 39 يعقد في طهران اعتبارا من 8 ايل ...
- الهباش أمام مؤتمر جماهيري في باكستان: فلسطين خندق الدفاع الأ ...
- رغم تضييقات الاحتلال.. عشرات الآلاف يصلون بالمسجد الأقصى
- بابا الفاتيكان يطالب رئيس الاحتلال بوقف دائم لإطلاق النار ف ...
- مشروع الكنيسة الرئاسية يثير جدلا دستوريا في كينيا
- السويداء: الشيخ موفق طريف يدعو أوروبا للتدخل ويقول لولا تدخل ...
- مصر.. الإفتاء ترد على سؤال -اذكر 3 خلفاء راشدين أو تابعين اح ...
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة في حارس غرب سلفيت
- بابا الفاتيكان يناقش -الوضع في غزة- مع الرئيس الإسرائيلي


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم سوزه - في نقد الخطاب الإسلامي .. حلقة ٧: الإسلام بين قراءتين، قراءة دينية وقراءة ثقافية (قانون الأحوال الشخصية الجعفري في العراق)