أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حسين أحمد - ماهر تشايان: مسار من الفكر إلى العمل المسلح إلى إلهام أوجلان















المزيد.....

ماهر تشايان: مسار من الفكر إلى العمل المسلح إلى إلهام أوجلان


حسين أحمد
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 18:15
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


وُلد ماهر تشايان (Mahir Çayan) عام 1946 في مدينة سامسون التركية، ونشأ في بيئة اجتماعية متوسطة. التحق بداية بكلية الحقوق في جامعة إسطنبول، لكنه سرعان ما انتقل إلى جامعة أنقرة حيث وجد نفسه في قلب حركة طلابية نشطة ومشحونة بالصراعات الأيديولوجية التي شهدتها تركيا في أواخر الستينيات. في تلك الفترة، كانت منظمة Dev-Genç (الشباب الثوري) من أبرز الفضاءات السياسية التي جمعت الطلاب المتأثرين بالماركسية والماوية وحركات التحرر في العالم الثالث.

انخرط تشايان في هذا الوسط وأصبح من أبرز الوجوه الشابة، حيث جمع بين النشاط الفكري والميداني. وكان من أشد المنتقدين لما اعتبره "جمودًا يساريًا" في انتظار تشكل طبقة عاملة ثورية تقود التغيير. بدل ذلك، تبنى مقاربة ترى أن الظروف الموضوعية للنضال الثوري قائمة بالفعل، وأن ما ينقص هو الإرادة السياسية والتنظيمية لتفجير الصراع.


أبرز إسهاماته الفكرية كان نص "الثورة المستمرة 2" الذي نشره في أواخر الستينيات. فيه، استعار من أطروحات الثورة الدائمة عند تروتسكي وغيفارا لكنه أعاد تكييفها مع السياق التركي. رفض فكرة أن الثورة تمر بمراحل متتابعة (بورجوازية ثم اشتراكية)، واعتبر أن الظروف في بلد تابع مثل تركيا تفرض إطلاق ثورة اشتراكية مباشرة تقودها تحالفات واسعة تشمل الطلاب والفلاحين والفقراء في المدن.

ركز على الجمع بين حرب العصابات الريفية والنضال الحضري الطلابي، بحيث يشكلان معاً ديناميكية تكسر احتكار الدولة للعنف وتفتح أفقاً للثورة الشعبية. هذه الرؤية النظرية تحولت سريعاً إلى إستراتيجية عملية عبر تأسيس الجبهة-الحزب الشعبي الثوري (THKP-C) سنة 1971.

كانت أولى العمليات الكبيرة للتنظيم بقيادة تشايان عملية خطف السفير الإسرائيلي في أنقرة، إفرايم إلروم، في 17 مايو 1971. جاءت هذه الخطوة في ظل إعلان الحكم العرفي وموجة اعتقالات واسعة استهدفت اليسار الراديكالي. رأى التنظيم في العملية وسيلة للضغط على الحكومة للإفراج عن معتقلين سياسيين، وفي الوقت نفسه أراد أن يوجه رسالة رمزية ضد ما اعتُبر "ارتباطًا بين الدولة التركية والقوى الإمبريالية والصهيونية".

استمرت عملية الاحتجاز ثلاثة أيام فقط. أصدر التنظيم بياناً يطالب فيه بإطلاق سراح سجناء سياسيين، لكن الحكومة رفضت الاستجابة. وعند مداهمة قوات الأمن للمكان، قُتل السفير على يد خاطفيه.

أثارت العملية تداعيات واسعة، إذ شنت الدولة حملة قمع غير مسبوقة استهدفت التنظيمات الثورية، وأصبحت THKP-C هدفاً رئيسياً للأجهزة الأمنية. وعلى الرغم من أن العملية أبرزت اسم تشايان وأظهرت قدرته على الانتقال من العمل النظري إلى الفعل الميداني، إلا أنها سلطت الضوء على حدود هذا النهج، الذي دفع التنظيم ثمنه سريعاً عبر فقدان شبكاته الأساسية وتعرضه لتفكك مبكر.

في الفترة نفسها كان دنيز غَزميش، القائد الشاب لتنظيم THKO (جيش التحرير الشعبي التركي)، يخوض مساراً متقاطعاً مع تشايان. كلاهما تأثر بالماوية والغيفارية، وكلاهما آمن بدور الطلاب في إشعال فتيل الثورة. لكنهما اختلفا في بعض التفاصيل، فبينما ركز غَزميش على بناء قاعدة أوسع بين العمال والفلاحين، اندفع تشايان نحو تكتيكات مباشرة وسريعة.

مع ذلك، ظل اسماهما متلازمين في الذاكرة السياسية التركية. أُعدم دنيز غَزميش في مايو 1972 بعد محاكمة عسكرية، بينما قُتل تشايان في معركة قزل دره قبلها بأسابيع قليلة. وقد أصبحا معاً رمزَين لجيل من الثوريين الأتراك الذين واجهوا الدولة بعمليات مسلحة انتهت مبكراً لكن بقيت ذات أثر رمزي قوي.

في مارس 1972، وبعد سلسلة من الاعتقالات والإعدامات التي طالت قادة اليسار، قرر تشايان ورفاقه القيام بعملية جديدة للضغط على الدولة. جرى اختطاف فنيين يعملون في محطة رادار تابعة لحلف الناتو في منطقة أونيا، بهدف مقايضتهم بالإفراج عن رفاق محكومين بالإعدام، بينهم دنيز غَزميش.

انسحب المنفذون مع رهائنهم إلى قرية قزل دره في منطقة توقات. هناك، وبعد حصار قصير، شنت القوات التركية في 30 مارس هجوماً واسعاً استخدمت فيه أسلحة ثقيلة. انتهت العملية بمقتل تشايان وتسعة من رفاقه، بينما نجا فقط إرتوغرول كُركتشو، الذي أصبح لاحقاً أحد أبرز الوجوه السياسية في اليسار التركي الحديث وقيادياً في حزب الشعوب الديمقراطية الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني.

أصبحت قزل دره رمزاً مزدوجاً، من ناحية جرى تخليدها كملحمة بطولية في خطاب اليسار الراديكالي، ومن ناحية أخرى اعتُبرت مثالاً على مخاطر التصعيد العسكري غير المتكافئ الذي عزل التنظيمات المسلحة عن القاعدة الاجتماعية الأوسع.

كان عبد الله أوجلان، آنذاك طالباً في جامعة أنقرة، متابعاً عن كثب لهذه الأحداث. تشير روايات من داخل حزب العمال الكردستاني (PKK) إلى أن معركة قزل دره شكّلت بالنسبة له لحظة مفصلية. فقد عبّر لاحقاً عن أن تجربة تشايان كانت الشرارة التي دفعته إلى الانخراط في العمل السياسي والتنظيمي، واعتبر نفسه "مكملاً لمساره".

كما استلهم أوجلان بعض التكتيكات من تشايان وغَزميش معاً: الأولى في التركيز على حرب العصابات، والثانية في المزج بين النضال الطلابي والعمل المسلح. في هذا الإطار، يمكن القول إن نشأة PKK في أواخر السبعينيات لم تكن معزولة عن إرث الحركات الثورية التركية، بل تفاعلت معها بعمق.

مفهوم "الاستعمار الداخلي" الذي طرحه تشايان شكّل مرجعاً مهماً لأوجلان. لكن بينما طبق تشايان الفكرة على علاقة الدولة التركية بالاقتصاد العالمي وتبعيتها للإمبريالية، نقلها أوجلان إلى سياق جديد، علاقة الدولة التركية بالشعب الكردي. رأى أن الأكراد يتعرضون لشكل من أشكال الهيمنة البنيوية التي تجعل تحررهم القومي جزءاً من النضال الأوسع ضد الرأسمالية العالمية.

مع مرور الزمن، ولا سيما بعد اعتقاله عام 1999، أعاد أوجلان النظر في هذه الاستراتيجية. تخلى تدريجياً عن فكرة إقامة دولة قومية كردية مستقلة، وطرح بدلاً منها نموذج الكونفدرالية الديمقراطية، مستلهماً أفكار المفكر الإيكولوجي موراي بوكتشين. يقوم هذا النموذج على بناء هياكل محلية للإدارة الذاتية، تعزيز المساواة الجندرية، وحماية البيئة، بعيداً عن مركزية الدولة القومية.

بهذا المعنى، يُظهر مسار أوجلان محاولة لتجاوز حدود التجربة التي مثّلها تشايان: الاستفادة من دروسها الرمزية والنقدية، مع تطوير رؤية بديلة تتلاءم مع التحولات الإقليمية والعالمية.

يحظى اسم ماهر تشايان بمكانة خاصة في الذاكرة السياسية التركية. تُستعاد سيرته في الأدبيات اليسارية والأغاني السياسية التي قدمتها فرق مثل Grup Yorum وGrup Kızılırmak. أما في السياق الكردي، فيظهر أثره بوضوح في فكر عبد الله أوجلان الذي استلهم مفاهيمه ووسعها باتجاه مشروع مختلف.

كذلك يُستحضر اسم دنيز غَزميش إلى جانب تشايان، حيث يُنظر إليهما كثنائي جسّد جيلاً من الثوريين الذين حاولوا قلب النظام القائم عبر العمل المسلح. رغم أن تجربتهم انتهت سريعاً تحت القمع الشديد، إلا أنهم تركوا إرثاً رمزياً ظل مؤثراً في الأجيال اللاحقة من الحركات التركية والكردية على حد سواء.

مثلت القضية الكردية أرضية جديدة لتطبيق بعض أفكار اليسار التركي، لكنها قادت أيضاً إلى مراجعات عميقة تجاوزت حدود الدولة القومية. فالذاكرة السياسية لعبت دوراً مهماً في إعادة تدوير الرموز؛ فبينما انتهت تجربة تشايان سريعاً، بقي إرثه حاضراً في خطاب أوجلان وممارسات PKK.

وأخيراً، إن الانتقال من مشروع "الدولة" إلى مشروع "الكونفدرالية الديمقراطية" يعكس تطوراً في التفكير اليساري الثوري المسلح بالمنطقة، والتركيز على البحث عن صيغ أوسع للمشاركة والتمثيل المحلي.
لكن تبقى الأهمية الكبرى في البحث عن إمكانية تطبيق هذه الأفكار، خاصة إن النظريات الأيديولوجية اليسارية كانت تبقى حبيسة العقول والكتب، وتتعرض للفشل عند أول اختبار.



#حسين_أحمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ​إبراهيم كايباكايا (إيبو): قائد ومنظر الماوية في تركيا
- توم باراك يضرب الأرض برجليه كطفلٍ فَقَدَ لعبته: صراع النفوذ ...
- خطاب أردوغان التاريخي: هل هو خطاب تاريخي أم دعاية للخطاب
- تبعات تدخل حزب العمال الكردستاني في الصراع السوري: خسائر جسي ...
- واقع عملية السلام في تركيا وآفاق الحل
- الحوار الكردي بعيون تركية: السياسة تقودها المصالح لا الأوهام
- قراءة في كتاب قبل حلول الظلام للمعتقل السابق معبد الحسون
- كتاب عملية ماموت
- قلم اللاجئ في مواجهة العنصرية
- محطات بارزة في راهن الكرد في سوريا
- مقتطفات من تاريخ الحركة الكردية في سورية
- مقتل قاسم سليماني سيغير معادلات كثيرة في المنطقة
- ما الذي يجري في العالم ..؟؟؟
- داعش و الغرب في علاقة إستراتيجية .؟؟
- نظرة الغرب الاستراتيجية للكورد
- حوار مع الشاعرة الأمازيغية المتمردة مليكة مزان
- إبراهيم اليوسف .... المرأة لن تحصل على كامل حقوقها ، في ظلّ ...
- إبراهيم اليوسف: يبدو أننا إزاء حالة التفكك التي نشهدها، سنتر ...
- الشاعر والقاص الكردي بير رستم :
- سيرة الشاعر الكلاسيكي الكوردي سيداي كلش


المزيد.....




- آلاف المتظاهرين في عدة مدن إندونيسية وسط إجراءات أمنية مشددة ...
- وضع الكادحين /ت الاجتماعي المتردي في تيسة و الدينامية الكفاح ...
- بريطانيا توجه لعشرات المتظاهرين تهمة دعم -فلسطين أكشن-
- إندونيسيا: آلاف المتظاهرين وسط إجراءات أمنية مشددة بعد اضطرا ...
- حزب التقدم والاشتراكية يقدم مذكرته حول إصلاح المنظومة العامة ...
- مذكرة حزب التقدم والاشتراكية حول إصلاح المنظومة العامة المؤ ...
- المكتبي السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي:بلاغ نعي وتعزي ...
- 60 سنة على صدور أطروحة إدريس البصري “رجل السلطة”: ما الذي تغ ...
- احتجاجات تعم إندونيسيا بعد مقتل عامل توصيل تحت مدرعة شرطة
- احتجاجات حاشدة تهز إندونيسيا


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حسين أحمد - ماهر تشايان: مسار من الفكر إلى العمل المسلح إلى إلهام أوجلان