أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عزالدين عفوس - باولو فريري منتقدا مدارس الريادة














المزيد.....

باولو فريري منتقدا مدارس الريادة


عزالدين عفوس

الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 18:15
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


تقوم مدارس الريادة على التلقين السلبي للمعلومات التي تبسط حتى تفقد جزء من حقيقتها وتقدم جاهزة ليحفظها المتعلم من خلال كبسولات تعرض أمامه وعليه خفظها واسترجاعها متى طلب منه ذلك
يقدم المفكر والتربوي البرازيلي باولو فريري، في كتابه المؤثر "تعليم المقهورين" الذي صدر أواخر ستينيات القرن الماضي، نقداً جذرياً لنموذج ما سماه "التعليم البنكي" السائد لأنه يعامل الطالب كوعاء فارغ يُملأ بالمعرفة كالحصّالة تماماً، والذي يشبهه تناما مدارس الريادة في منهجها.

لا تكمن قيمة الكتاب في تقديم "طريقة تدريس" جديدة فحسب، بل في الزاوية التي يقدمها للنظر إلى التعليم بوصفه ممارسة للحرية والتقدم والانفتاح، وليس مجرد أداة للضبط والسيطرة.

ويلاحظ فريري أن أخطر نتيجة لهذا النموذج التعليمي هي تحويل المتعلمين إلى "مقهورين"، حيث ينفصلون عن واقعهم وتُخدَّر قدراتهم الإبداعية، ويصبح الهدف هو استرجاع "الإجابة الصحيحة" بدلاً من بناء الفهم أو تنمية الكفاءة أو تغيير الواقع.

كمقابل، يقترح فريري نموذج "تعليم طرح المشكلات" الذي ينطلق من عالم المتعلمين وتجاربهم الشخصية، محوّلاً الدرس إلى حوار تشاركي لصياغة المعنى، ثم إلى فعل تغييري صغير يعيد ربط المعرفة بالحياة اليومية، لينتقل التعليم من التلقين إلى الوعي، ومن الحفظ إلى الفعل.

يستند فريري في حجته إلى أربع أفكار متسلسلة:

1. تبرير الحاجة لتربية المقهورين: من خلال تحليل علاقة القاهر بالمقهور، مؤكداً أن التحرر لا يُفرض من الأعلى ولا بالنيابة، بل هو عملية مشتركة تحرر كلا الطرفين من أنماط السيطرة والامتثال.
2. نقد التعليم البنكي وتأسيس البديل: حيث يكون المعلم ميسراً شريكاً، والطالب ليس وعاءً سلبيًا بل فاعلاً نشطاً "يقرأ العالم" وهو يتعلم قراءة الكلمات.
3. الحوارية كجوهر للعملية التعليمية: حيث تكون اللغة أداة لفهم العالم وتسميته، وليس مجرد قناة لنقل المعلومات.
4. عرض نموذجين للفعل الثقافي: النموذج "ضد الحواري" القائم على التفريق والتلاعب، والنموذج "الحواري" القائم على التعاون والوحدة والتنظيم.

يرتبط هذا البناء بمفهومين مركزيين عند فريري هما:

· الوعي النقدي: وهو الانتقال من الفهم السطحي للأحداث إلى إدراك العلاقات البنيوية الكامنة وراء الظلم والإقصاء، ثم اتخاذ موقف عملي منها.
· الممارسة (البراكسيس): وهي الحركة الدائبة بين التأمل والعمل؛ حيث نفكر لكي نعمل، ونعمل لكي نعيد التفكير.

ولهذا يصر فريري على أن التعليم هو عمل سياسي (بالمعنى العميق وليس الحزبي)، فهو إما أن يعيد إنتاج علاقات الهيمنة ويصير أداة للطاعة، أو يفتح المجال للفاعلية الإنسانية فيصير أداة للحرية، وهذا يحل اللغز الذي يشير إليه: لماذا يكره الأطفال المدرسة.

كيفية التطبيق: دوائر الثقافة يقترح فريري للتطبيق داخل الصف ما يسمى"دوائر الثقافة"، وهي مجموعات صغيرة (12-25 متعلمًا) مع ميسر. ينطلق اللقاء من "موضوع مولِّد" من واقع المتعلمين (كصورة أو كلمة أو مشهد)، فيتم أولاً تمثيل هذا الواقع، ثم تفكيكه جماعياً عبر الحوار، ثم صياغة خطة فعل صغيرة (مشروع مجتمعي، رسالة...). الفكرة هي تعلم القراءة والكتاحة مع "قراءة العالم"، مما يذوب معه الفصل التقليدي بين المعلم والطالب لصعل علاقة تبادلية حيث الجميع يتعلمون (معلم-طالب / طالب-معلم).

أثرت هذه الرؤية عالمياً في برامج محو الأمية والتنمية المجتمعية، وتبنّتها لاحقاً الجامعات والمدارس تحت مسمى "التربية النقدية".

تأتي جدة طرح فريري من كونه لا يقدم وصفة تقنية، بل يعيد تعريف وظيفة المدرسة جذرياً؛ لتصير فضاءً يتعلم فيه الناس تسمية العالم بأسمائه الحقيقية، وتجربة قدرتهم على تغييره، مما يصالح بين المعرفة والكرامة الإنسانية. فالمعرفة المنفصلة عن الكرامة تصير أداة للطاعة، أما المقرونة بها فتصير بوابة للحرية.

ولهذا يعود كتاب فريري إلى الواجهة دوماً في أوقات أزمات التعليم، ليذكرنا بأن المتعلم ليس رقماً أو وعاءً يُملأ، بل إنساناً يملك صوتاً وخبرةً ورغبةً في الفهم، وأن التعليم الحقيقي هو فعل ثقافي يوقظ الوعي ويكرم الإنسان.



#عزالدين_عفوس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية الفلسطينية بين جمال فزة وإيلان بابي
- حنة أرندت ترد على أصحاب مقولة -تازة قبل غزة-
- الفقراء والأغنياء وصراع الأفكار
- الفردانية تحولنا إلى عبيد
- تقييم مشروع مدارس الريادة: التحديات والفرص في إصلاح التعليم ...
- مواقع التواصل الاجتماعي وحياة الزيف
- النظام الأساسي لموظفي التعليم وعبث الحكومة
- قراءة في تحولات أنماط التدين
- الوعاظ والمثقفون وسياسة الإلهاء
- من سيطعم 8 مليارات نسمة؟
- ال -في إطار...-
- الكون 25 وفناء مجتمع الوفرة
- من جوع وعطش المغاربة
- مجتمع الفرجة
- البوز ونشر قيمة الغش
- فخاخ التنمية
- حالة الطوارئ نمط حكم جديد
- الحرب والوباء وإعادة الضبط
- حوار هادئ حول أدلة فعالية اللقاحات
- كورونا وزمن الانتكاسات


المزيد.....




- -ضربته بالحذاء-.. كتاب يكشف كيف تصدت الملكة كاميلا لمتحرش
- ما رد روسيا بشأن -مزاعم- التشويش على طائرة رئيسة المفوضية ال ...
- بلجيكا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. وتفرض عقوبات على ...
- جحيم الملل.. كيف دفع البشر نحو الحرب أحيانا ولازمهم فيها طوي ...
- ترامب: تضاؤل قوة إسرائيل في الكونغرس -أمر مدهش-.. وحرب غزة ت ...
- حركة -تحرير السودان-: مصرع أكثر من ألف شخص في انهيار أرضي -د ...
- عاجل| المقررة الأممية بالأراضي الفلسطينية: إسرائيل قتلت من ا ...
- الاتحاد الدولي للصحفيين يطالب بدخول المؤسسات الدولية لتوثيق ...
- توقف مؤقت لأسطول الصمود بسبب الأحوال الجوية
- إيران تتهم أوروبا بـ-تسليم- ملفها النووي إلى -فيتو ترامب-


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عزالدين عفوس - باولو فريري منتقدا مدارس الريادة