عامر موسى الشيخ
شاعر وكاتب
(Amer Mousa Alsheik)
الحوار المتمدن-العدد: 8450 - 2025 / 8 / 30 - 18:11
المحور:
قضايا ثقافية
إن الكلام عن وسائل التواصل الاجتماعي اليوم وانتشارها ووصفها بأنها مساحة واسعة للتعبير صار قديما جدا ، إذ أنها تفوقت على ذلك ليأخذ هذا التفوّق فيها بأن تكون مساحة للتوحش الاجتماعي المفرط في توحشه!! وهذا التوحش يطرح إشكاليات عديدة تتعلق بطبيعة المحتوى المتداول ومن يصنعه.
إنّ ظهور منصات مثل تيك توك، وما يشبهها من منصات تتيح للمستخدم الاعتماد على ما يقوله ويصوره ، لا على ما يكتبه ، سمح بدخول أشخاص فضاء التدوين لم يكن لهم في السابق حضور يُذكر، الأمر الذي أتاح للأميين إمكانية التأثير والوصول إلى جمهور واسع.
في هذا الصدد يمكن لنا استحضار ما أشار إليه المفكر الفرنسي ( تزفيتان تودوروف ) في أخر حوار معه قبل رحيله (2017) مترجم نشرته مجلة " نزوى" العمانية عام (2016) حين تحدث عن توحش التكنولوجيا الحديثة، أي انفتاحها المفرط الذي يتجاوز حدود القيم والمعايير الثقافية، ويخضع أكثر لمنطق السوق والخوارزميات ، فالخوارزميات يا سادة تميل إلى تفضيل المحتوى السريع والمثير، حتى لو كان خاليا من العمق، لأنها قادرة على جذب المشاهدات والتفاعل ، ومن خلال (تودوروف) ، يمكن لنا أيضا أن نفهم مقولة المفكر الإيطالي ( أمبرتو إيكو) الشهيرة عن :" أن وسائل التواصل الاجتماعي منحت "التافهين" حق الكلام العلني بعدما كانوا أصواتا هامشية لا يسمعها أحد ، فبفضل هذه المنصات، لم تعد الساحة محصورة في المثقف أو الكاتب أو الإعلامي، بل أصبحت متاحة للجميع بلا استثناء"
وفي هذا السياق يمكن لنا القول : إنّ الأمر في جوهره ليس سلبياً بالكامل ، إذ إن هذه المنصات منحت فرصا التعبير لأشخاص كانوا خارج دائرة الاهتمام، وأتاحت التنوع في إطلاق الأصوات والخطابات ، لكن في الوقت نفسه فإن غلبة المحتوى التافه و السطحي جعلت من الصعب على الخطاب الثقافي المستند على الحقائق والمتمتع بالرصانة والتّعقّل أن يجد طريقه إلى الجمهور.
إن التحدي الحقيقي الذي يواجهه أصحاب الرأي العلمي والهادئ والرصين يكمن في كيفية استثمار هذه الأدوات التقنية بطريقة أكثر توازنا، بحيث تكون حرية التعبير متاحة للجميع، ولكن مع بقاء مساحة للمعرفة والفكر والجدية ، فالمسألة لا تتعلق بمنع أو إقصاء أحد، بل بكيفية تحسين الاستخدام، وأن نكون واعين جدا بأن التطور التكنولوجي لا يتمتع بالحياد ، لأنه خاضع إلى هيمنة رأس ماله المتحكم به في الشركات الكبرى ، الأمر الذي يؤدي إلى خلق أنماط معينة من التفكير والتلقي ، تمكنها من أن تكون متوحشة!!
وهنا نختم بسؤال جوهري وواقعي : كيف يمكن أن نوازن بين الانفتاح الواسع لوسائل التواصل من جهة، وبين الحاجة إلى محتوى يرسّخ الثقافة والحوار والمعرفة من جهة أخرى؟.
#عامر_موسى_الشيخ (هاشتاغ)
Amer_Mousa_Alsheik#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟