أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نشوان عزيز عمانوئيل - إضاءة نقدية














المزيد.....

إضاءة نقدية


نشوان عزيز عمانوئيل
Nashwan Aziz


الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 09:37
المحور: الادب والفن
    


وفي ذلك إشارة إلى أن النصوص ليست مجرد حكايات، بل هي مواقف فكرية تتخذ من القصة القصيرة وسيلة للتعبير. كما أنّ التوتر بين "الحب" و"الحمص" يعكس التناقض الدائم بين السموّ الروحي والابتذال المادي، وكأن الكاتب يريد القول إن الإنسان كائن يتأرجح بين هذين القطبين بلا خلاص.

مثلاً نقرأ في أرصفة الوجع



> «أمشي وحيدًا فوق أرصفة لم تعرف غير أقدام الهاربين، أفتش بين شقوقها عن بقايا وجوه لم يعد لها مكان».
تعليق: العنوان والنص معًا يحيلان إلى الاغتراب، حيث الرصيف مسرح للخذلان الإنساني.



2. العطر



> «ظلّت رائحة عطرها عالقة في يدي، كأنها آخر ما تبقى من حكاية لم تكتمل».
تعليق: العطر رمز للذاكرة الحسية وللزوال، يفضح هشاشة الحب أمام الفناء.

ونقرأ مثلا في //خيوط القلب //
كيف ان أم مهدي تجلس منحنية أمام ماكينة الخياطة العتيقة.. تغرز الإبرة في القماش مثل من يرتق العمر


عند إغلاق صفحات «حب.. وحمص.. وثالثهما نيتشة»، لا يغادر القارئ عالم النص مطمئنًا أو متصالحًا، بل يغادره مثقلًا بالتساؤلات، مدفوعًا إلى إعادة النظر في أبسط الأشياء: الحب، الطعام، الضحك، الموت. وهذا الإرباك الذي يُخلّفه العمل ليس عرضًا جانبيًا، بل هو الغاية ذاتها. فالنصوص لا تهدف إلى تثبيت المعنى بل إلى زعزعته، لا إلى تقديم حكاية بل إلى تفكيك الحكاية، لا إلى التسلية بل إلى توليد الوعي.

إن هذه المجموعة تقترح على القصة القصيرة العربية أفقًا جديدًا؛ أفقًا يحرّرها من وظيفتها التمثيلية والاجتماعية، ويعيد تعريفها كفضاء مفتوح للتجريب الجمالي والفلسفي. فهي، بذلك، تنتمي إلى ما يمكن تسميته بـ السردية العبثية التأملية، حيث يتجاور الهزل بالجد، اليومي بالميتافيزيقي، الفلسفي بالمعاشي. وقد يكون أعظم إنجاز لها أنها تجعل القارئ شريكًا حقيقيًا: شريكًا في الحيرة، في الضحك الممزوج بالوجع، في البحث عن المعنى وسط الركام.

إنها مجموعة تُؤكّد أن الأدب، حين يكون صادقًا مع نفسه، ليس مرآة للواقع، بل كسرٌ لتلك المرآة، صدعٌ يكشف المستور. إن الحمص هنا ليس غذاءً بل استعارة، والحب ليس خلاصًا بل سؤالًا، ونيتشة ليس فيلسوفًا بل صوتًا داخليًا يضحك من كل ما نظنه راسخًا. ومن خلال هذا المزج الفريد، تُقدّم النصوص صورة الإنسان المعاصر: هشًّا، متردّدًا، ضاحكًا في مواجهة الموت، وممسكًا بفتات المعنى في عالم مفكّك.

بهذا المعنى، فإن «حب.. وحمص.. وثالثهما نيتشة» لا تُقرأ مرة واحدة، ولا تُستهلك بسهولة، بل تُعاش وتُستعاد. إنها نصوص تُربك وتُثير وتُسائل، وتجعل من القراءة نفسها تجربة وجودية: أن نقرأ يعني أن نُعيد اكتشاف عبث العالم، أن نضحك على موتنا، وأن نحاول – رغم كل شيء – أن نحب، ولو كان الحب نفسه قناعًا آخر للعدم.
ختاما النصوص تستفز القارئ، تخلخله، وتدعوه إلى ممارسة القراءة بوصفها فعلًا وجوديًا: أن يقرأ يعني أن يشارك في تفكيك العالم، في الضحك على المأساة، في اكتشاف العدم بين لقمة حمص وشذرة فلسفية.

إنها نصوص لا تتركنا كما كنا، بل تحاول أن تغيّر وعينا بالعالم، بالأدب، وبالذات. ومن هنا، فإن قوتها لا تكمن في تقديم الإجابات، بل في أنها تُحوّل الأسئلة ذاتها إلى تجربة جمالية. إنها الأدب في أصدق تجلياته



#نشوان_عزيز_عمانوئيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة
- نصوص
- قضية سلوان موميكا... وجهة نظر
- في عناق اللحظة... قصة قصيرة جدا
- على حافة اللاشيء
- اغنية النهر
- الإنجاب بين الغريزة والواجب الأخلاقي
- لغة النار
- ثلاث قصص قصيرة
- سمفونية الفراغ
- قصة قصيرة إلينورا
- قصة قصيرة
- أرواح الليل
- مرايا الليل
- همسات مجهولة
- قصائد هايكو
- مسرحية
- وجهة نظر.... الفلسفة
- وقفة نقدية
- الأماكن الفارغه


المزيد.....




- خريطة أدب مصغرة للعالم.. من يفوز بنوبل الآداب 2025 غدا؟
- لقاءان للشعر العربي والمغربي في تطوان ومراكش
- فن المقامة في الثّقافة العربيّة.. مقامات الهمذاني أنموذجا
- استدعاء فنانين ومشاهير أتراك على خلفية تحقيقات مرتبطة بالمخد ...
- -ترحب بالفوضى-.. تايلور سويفت غير منزعجة من ردود الفعل المتب ...
- هيفاء وهبي بإطلالة جريئة على الطراز الكوري في ألبومها الجديد ...
- هل ألغت هامبورغ الألمانية دروس الموسيقى بالمدارس بسبب المسلم ...
- -معجم الدوحة التاريخي- يعيد رسم الأنساق اللغوية برؤية ثقافية ...
- عامان على حرب الإبادة في غزة: 67 ألف شهيد.. وانهيار منظومتي ...
- حكم نهائي بسجن المؤرخ محمد الأمين بلغيث بعد تصريحاته عن الثق ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نشوان عزيز عمانوئيل - إضاءة نقدية