أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نشوان عزيز عمانوئيل - نصوص















المزيد.....

نصوص


نشوان عزيز عمانوئيل
Nashwan Aziz


الحوار المتمدن-العدد: 8345 - 2025 / 5 / 17 - 07:55
المحور: الادب والفن
    


قصر الشعراء..!!

في قصرِ الشُّعراءِ، لا أبوابَ تُغلَق، فالنوافذُ تُدخِّنُ القصائدَ على مَهل، والجُدرانُ تُغمِضُ عيونَها كي لا تَشعُرَ بالبردِ حين يَهجُرُها الصَّدى. يَدُ الوقتِ تُلوِّحُ للخُطى المُعلَّقةِ على المِقبَضِ الأخير، حيثُ الشَّوارعُ تنحني احترامًا للمُشرَّدين الذين يَرسُمونَ على الأرصفةِ خرائطَ لا تَقودُ إلى شيء.

في زاويةٍ أُخرى من السَّطرِ المُكسَّر، تَنامُ الكلِماتُ على ظَهرِها، تُراوِغُ النُّطقَ، تَستبدِلُ الحُروفَ بأزرارِ قميصٍ لم تَلبَسْهُ أيُّ جُملة، ثم تَنظرُ إلى المَعنى وهو يَقفِزُ من النَّافذةِ تاركًا ظلَّهُ يَحكُّ رأسَهُ في حيرةٍ أبديَّة
الظلُّ يبتلعُ نفسهُ تحتَ الطاولةِ التي ترتدي معطفَ المطرِ الخلفيّ. كنتُ أجمعُ أسماءَ الشعراء المتساقطةَ من فمِ اللافتةِ، أرتّبها أبجديًّا حسب عددِ الأصابعِ التي لم تكتبْها، ثم أُلقي بها إلى البئرِ الذي يكرهُ الصدى.

في الزاويةِ، الساعةُ تسعلُ عقاربَها، عقربٌ يمضغُ الوقتَ كعلكةٍ قديمة، وعقربٌ آخرُ يتسلّقُ جدارَ الغيابِ ليقطفَ زهرةً لم تنمُ بعد. أُمسِكُ بالوقتِ من ياقتهِ المهترئة، أهزّهُ حتى يتقيّأَ دقيقةً إضافيةً كنتُ قد أضعتها في جيبِ معطفٍ ليس لي.

في منتصفِ الفراغِ، يجلسُ مقعدٌ بلا ظهر، ينظرُ إليّ بعينٍ مكسورةٍ ويقول: "اجلسْ هنا، على اللاشيءِ، فقد آنَ للجلوسِ أن يعبثَ بالجلوس." أجلسُ، فينكمشُ الهواءُ تحتي، يصرخُ كوسادةٍ مليئةٍ بالأحلامِ غير المستخدمة، ثم يختفي تاركًا جسدي يتدلى من سطرٍ لم يُكتب بعد.

على الحائطِ، صورةٌ لرجلٍ يحملُ نفسهُ على ظهرهِ ويمشي إلى الوراء، يبتسمُ بأسنانٍ ليست له، بينما تتساقطُ منه الأبوابُ كأوراقِ شجرةٍ قررتْ أن تصبحَ طريقًا.

في آخرِ الغرفةِ التي بلا جدران، يقفُ الحرفُ الأخيرُ، يخلعُ حذاءَهُ ويدخلُ في جسدِ القصيدةِ كأنهُ خطأٌ مطبعيٌّ لم يجدْ من يُصححه.






فنجان قهوة..!!



أنا الآن عالقٌ في فنجانِ قهوة،
أُحاولُ السِّباحةَ نحوَ حافَّةِ الكوب،
لكنَّ الملعقةَ تمنعُني؛ لأنَّها تغارُ من محاولاتي.

في النِّهايةِ، أستسلمُ،
وأقرِّرُ أن أصبحَ نقطةً في بحرٍ من الكافيين،
حيثُ لا معنى لأيِّ شيءٍ
سوى أنَّ العبثَ دائمًا يُبقيكَ على قيدِ الحياة.

لكنَّ القهوةَ لا تَكترث،
تدورُ بي كما تشاءُ،
تسحبُني نحوَ القاعِ ببطءٍ متعمَّد،
كأنَّها تريدُ أن تَهمِسَ لي بسرِّها الأخير:
"كلُّ شيءٍ يذوب... حتَّى أنت."

في النِّهايةِ، يَرفعُ أحدُهم الفنجانَ،
يَرتشفُني دَفعةً واحدة،
وأصبحُ ذكرى دافئةً
في حَلقٍ لا يعرفُ اسمي.

ومن جديدٍ،
أستيقظُ في تمامِ السَّاعةِ الزرقاءِ،
أشربُ كأسًا من الحزنِ والوحدةِ ودمعةٍ مسلوقةٍ مع مِلعقتَينِ من ضوءِ القمر.

أرتدي حذائيَ المعكوسَ، وأضعُ القبَّعةَ على قدمي اليُسرى،
ثمَّ أفتحُ النَّافذةَ لأُصافحَ الموجةَ الثَّالثةَ من الجنونِ الذي يَسكُنُ رأسي.

أخطو خارجَ البابِ بظِلِّي أوَّلًا، تاركًا جسدي يَتأخَّرُ بخطوةٍ أو اثنتين.
أحملُ مِظلَّةً مثقوبةً لأقي نفسي من مَطرِ الكلماتِ التي تتساقطُ من أفواهِ المارَّة.

على الرَّصيفِ، أرسُمُ بمسحوقِ الصَّمتِ دَوائرَ من الضَّياع، وأجلسُ في مُنتصفِها.
النَّاسُ يَنظرونَ إليَّ، لكنَّ أعينَهم مُجرَّدُ ثقوبٍ لا تَحملُ سوى الرِّيح.

أفتحُ حقيبتي، أُخرجُ مرآةً مكسورةً، وأرى فيها وجهي نصفين:
أنا... وأنا
نِصفٌ يَضحكُ، ونِصفٌ يَبكي.

كلُّ شيءٍ على ما يُرام،
فالطَّاولةُ تَتنفَّس، والسَّاعةُ تَشخُر،
والأفكارُ تَتَقاذفُ كأرانبَ تَعبتْ من الجاذبيَّة.

في النِّهايةِ، أُغلِقُ عَينيَّ،
وأنتظرُ أن يَنفجِرَ العالمُ في فنجانِ القهوةِ القادم.

أنا الذي أرتدي الحُزنَ كمعطف،
وأمشي في شارعٍ بلا أرضٍ.
كلُّ خطوةٍ تَتركُ أثرًا على الهواء،
وكلُّ أثرٍ يختفي بمجرَّدِ أن أنظُرَ إليه.

أخافُ من الكلمات،
لكنَّني أعيشُ في مكتبةٍ تَنهارُ يوميًّا فوقَ رأسي.
أُحاولُ الهروبَ،
لكنَّ الحروفَ تُطارِدُني بأقدامٍ من وَرَق،
والجُملُ تُمسكُني بأذرُعٍ طويلةٍ من مَجاز.

أُحبُّ العتمةَ،
لكنَّني لا أستطيعُ النَّومَ دون مِصباحٍ يَتنفَّسُ بجانبي.
كلَّما أطفأتُه،
سمعتُ صوتَه يَهمس:
"لا تَتركني وحيدًا، الضَّوءُ يَخافُ الظَّلامَ أيضًا."

أنا الذي أختبِئُ تحتَ جِلدي،
وأُخفي أحزاني في جَيبٍ داخليٍّ صغيرٍ.
لكنَّ الشُّعراءَ يَجدونَني دائمًا،
يَفتحونَ جيبي دونَ استئذان،
ويَضعونَ حزني على مائدةِ العالم،
ثمَّ يَشرَبونه مع قهوةِ الصَّباح.




ثُقوبٌ في جَيبِ الفراغ..!!



حينَ أفقتُ هذا الصباح، وجدتُ أنني لستُ هنا. كنتُ هناك، أو ربّما في منتصفِ شيءٍ لم يخترعوهُ بعد. فتّشتُ عن جسدي في جيوبِ القميص، لكنّ القماشَ كانَ ممتلئًا بالصدى. في المرآة، يحدّقُ إليَّ شخصٌ يشبهني، لكنّ رأسَهُ مائلٌ كعلامةِ استفهامٍ تُعيدُ التفكيرَ في نفسها.

الوقتُ يخرجُ من الحائطِ كحبلٍ سريٍّ لم يُقطعْ بعد. أمسكُ بهِ، أُحاولُ أن أربطهُ حولَ عنقِ اللحظة، لكنها تنزلقُ من بينِ أصابعي كسمكةٍ لا تريدُ أن تُصبحَ وجبةً للزمن.

النافذةُ تنظرُ إليّ بريبة، تُغمضُ زجاجَها نصفَ إغماضةٍ كأنها لا تصدّقُ أنني ما زلتُ أقفُ هنا. أرمي نفسي عبرها، لكن الهواءَ مصنوعٌ من الجدار. أرتدُّ إلى الخلفِ، أسقطُ في مقعدٍ لم يكن هناك قبلَ لحظةٍ، يُرحّبُ بي وكأنني كنتُ جُزءًا منهُ طيلةَ الوقت.

في المطبخ، الغلايةُ تغنّي أغنيةً لا يعرفُها أحد. أفتحُ الثلاجةَ فأجدُ شتاءً كاملاً ينامُ داخلها. أُخرجُ قطعةَ جليدٍ وأضعُها في فمي، أسمعُها تصرخُ باسمي ثم تختفي في جوفي كنجمةٍ سقطتْ في بئر.

المدينةُ تتثاءبُ في الخارج، تُمدّدُ شوارعَها، تتشقّقُ الأرصفةُ كأصابعَ ترتجفُ من الحنين. المارّةُ يمرّونَ كأنهمُ خيالاتٌ نسيها الضوءُ على الأرض. أمشي بينهم، أرفعُ قبعتي للسماء، فتُحيّيني غيمةٌ بشكلِ علامةِ تعجّبٍ ضائعة.

في آخرِ النهار، أجمعُ نفسي من حوافِّ الظلّ، أطويها بعنايةٍ، أضعها في جيبِ المعطف، وأنتظرُ أن يُعيدَني الليلُ إلى حيثُ لم أكن.




أُرَتِّبُ فَوْضَى العَدَمِ في دُرْجٍ مُقْفَل

اليومَ استيقظتُ ناقصًا. لا أدري أيُّ جزءٍ منّي هربَ أثناءَ الليل. فتّشتُ تحتَ السريرِ، بينَ صفحاتِ الكتبِ التي لم أقرأها، في قعرِ الفنجانِ المتروكِ منذ البارحة، لكنّهُ لم يكن هناك.

ارتديتُ معطفي بالمقلوبِ، لأخدعَ المرآةَ، لكنها لم تقتنعْ. رمقتْني بازدراءٍ، وانعكاسي فيها كانَ مشغولًا بحوارٍ صامتٍ مع لا أحد.

الساعةُ على الجدارِ كانتْ تسعلُ الوقتَ كنَفَسِ مدخّنٍ عجوز. ثوانيها تتساقطُ على الأرضِ مثلَ رمادِ يومٍ محترق. التقطتُ واحدةً، وضعتها في جيبي، لكنّها أبتْ أن تُطيقَ الأسرَ، فقفزَتْ وعادتْ إلى سيرتها الأولى.

خرجتُ إلى الشارعِ بحثًا عن نفسي. وجدتُ رجلًا يبيعُ ظلالًا مستعملةً، لكنّها لم تكنْ على مقاسي. حاولتُ استعارةَ وجهِ أحدِ المارّة، لكنّه تمسّكَ بتقاسيمهِ بإصرارٍ مؤلم.

في المقهى، جلستُ قبالةَ مقعدٍ فارغ. انتظرتُني طويلًا، لكنّي لم أصلْ. النادلُ قدّمَ لي فنجانَ قهوةٍ بلا قاع، وعندما نظرتُ فيهِ، وجدتُ العدمَ يُحدّقُ إليَّ من الداخلِ ويبتسمُ بوقاحة.

حاولتُ أن أُحصي نفسي، أن أُعيدَ ترتيبَ ملامحي، أن أضعَ ذاتي في صناديقَ صغيرةٍ مصنّفةٍ وفقَ درجةِ الاغترابِ، لكنَّ الأصواتَ في رأسي كانتْ تعترضُ، وكانتْ الريحُ تُعيدُ بعثرةَ كلِّ شيءٍ كلما اقتربتُ من النهاية.

وفي آخرِ النهار، عدتُ إلى سريري متعبًا. ألقيتُ بجسدي على الملاءة، أطفأتُ المصباحَ، وعندما أغمضتُ عينيَّ، وجدتُني هناك… في زاويةِ العدمِ، أنظرُ إليَّ بحزنٍ، وأنتظرُ أن أعودَ كما كنتُ… أو كما لم أكنْ يومًا



#نشوان_عزيز_عمانوئيل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية سلوان موميكا... وجهة نظر
- في عناق اللحظة... قصة قصيرة جدا
- على حافة اللاشيء
- اغنية النهر
- الإنجاب بين الغريزة والواجب الأخلاقي
- لغة النار
- ثلاث قصص قصيرة
- سمفونية الفراغ
- قصة قصيرة إلينورا
- قصة قصيرة
- أرواح الليل
- مرايا الليل
- همسات مجهولة
- قصائد هايكو
- مسرحية
- وجهة نظر.... الفلسفة
- وقفة نقدية
- الأماكن الفارغه
- نون النسوة
- قصة قصيرة. طائرة ورقية


المزيد.....




- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نشوان عزيز عمانوئيل - نصوص