أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نشوان عزيز عمانوئيل - سمفونية الفراغ















المزيد.....

سمفونية الفراغ


نشوان عزيز عمانوئيل
Nashwan Aziz


الحوار المتمدن-العدد: 7953 - 2024 / 4 / 20 - 09:38
المحور: الادب والفن
    


همسات عبثية




هذهِ تأملات عبثية في مهرجان العدم.. سرد لمحاولات الهروب من فوضى الوجود.. أو ضحكات مكتومة في سمفونية الفراغ.


نشوان عزيز عمانوئيل

ستوكهولم
مدينة الضوء الخافت
أبريل 2024







نحن لا نعدو كوننا آلات عضوية بارعة. مُبرمجون بشكل مسبق لنسج خيوط أحلامنا من وحي الأسلاك الجينية، والتي، بدورها، تتلاشى وتتآكل تحت وطأة الزمن. كل خطوة نخطوها، كل نفس نستلهمه من هواء هذا العالم، ليس إلا جزءاً من رقصة عبثية، مصممة لا لشيء سوى لضمان استمرارية ماراثون الوجود، ماراثون لا نهاية له ولا جائزة في نهايته
في قلب هذه العبثية، نجد أنفسنا نقف على حافة الهاوية، نحدق في الفراغ الذي يحدق بدوره فينا، ونتساءل: هل من معنى في الصرخة إذا لم يكن هناك من يسمع؟ ومع ذلك، نصرخ، ليس بحثًا عن إجابة، ولكن كتأكيد لوجودنا، لوجود هذا الألم الذي يجعلنا، بطريقة ما، أحياء في زوايا الوجود الباردة، حيث الصمت يلتهم صدى الأسئلة الوجودية، نقف نحن، مسوخ العدم، نحدق في الفراغ بعيون محملة بأوزار البحث عن معنى. ما نحن سوى أشباح تائهة في متاهة الزمان، نتلمس جدرانها بأنامل مرتعشة، آملين العثور على باب يقودنا إلى فجر معرفة ما، لكن كل ما نجده هو المزيد من الظلام.

نصر على البحث عن الضوء، بينما نحمل في داخلنا الظلمة الأبدية. نحاول تركيب معاني من بقايا أحلام متهالكة، متجاهلين أن المعنى، في أساسه، مجرد ظل لرغباتنا العقيمة. نعبث بالكلمات، نصنع منها سلاسل نقيد بها أنفسنا، ظنًا منا أننا نحررها.

نجدد إيماننا بالغد، بينما اليوم يفلت من بين أصابعنا كحبات رمل ناعمة. نخشى النهاية، ولكن ما هو الوجود إلا نهاية مؤجلة؟ مسيرة عبر ضباب اللاشيء، تجرنا نحو استسلامنا الأخير للعدم الذي منه أتينا.

نعانق الأمل كطوق نجاة، متناسين أن في الأمل بذرة يأسنا. نبني قصورًا من الأوهام، نسكنها حتى تأتي رياح الحقيقة لتذروها في الهواء، تاركةً إيانا عراة أمام مرآة الوجود، حيث لا شيء يبقى سوى صدى ضحكاتنا العبثية.

في النهاية، نحن لا نعدو كوننا رواة لقصة لم تكتب بعد، نضع الحروف على الورق، مخدوعين بأننا نحيك مصائرنا، بينما في الحقيقة نحن مجرد شخوص تحركها يد العبث. تلك اليد التي تنتزع منا وهم السيطرة، مذكرةً إيانا بأننا لا شيء أكثر من دمى في مسرحية الكون العظيم، حيث السيناريوهات مكتوبة بحبر الفوضى.

الحياة، بكل ما فيها من جمال وقبح، ليست سوى رقصة على إيقاعات غير متناغمة، مزيج من أنغام الفرح والألم، تدفعنا للدوران حتى الدوار، حتى نسقط، مستسلمين للدوامة التي لا نهاية لها. نبحث عن مخرج في غرفة مظلمة ليس فيها باب، نتخبط، نصطدم بالجدران، حتى تتلاشى أصوات ضرباتنا في صمت العدم.

في هذا الكون المعتم، حيث الضوء لا يتسلل إلا ليكشف عن ظلالنا الهاربة،
نحن مجرد قوارب تائهة في بحر النسيان، تحمل في داخلها بذور الأجيال القادمة، في رحلة محفوفة بالأهوال نحو مستقبل مجهول. الحب، الأمل، الأحلام... ليست إلا أوهام ملونة نخدر بها وعينا لنتجاهل الفراغ الساحق الذي يحيط بنا. في نهاية المطاف، تذوي أجسادنا، وتتلاشى آثارنا، تاركةً وراءها لغز الوجود،

في هذه المسرحية المظلمة التي نسميها حياة، حيث الأدوار موزعة دون إرادتنا، نجد أنفسنا مجرد خيوط في نسيج معقد لا يكشف عن أغراضه. نسعى خلف ظلال المعاني، متجاهلين أننا في الأصل محض ظلال. نراوغ الحقيقة، متخفين خلف قناع اليقين، ولكن في العمق، نعلم أن كل يقين مجرد سراب.

نتكاثر وننشر الجينات، كأننا آلهة صغيرة في لعبة الخلق، غافلين عن أننا مجرد حلقة في سلسلة من الأحداث العشوائية. تلك السلسلة التي تمتد عبر الزمن، تجعل منا مجرد أدوات لأمر لا نفهمه، وربما لا معنى له إطلاقاً.

نعيش، نكافح، نعاني، ونفرح، كل ذلك لماذا؟ ليس إلا لنحافظ على وهم الاستمرارية، وهم أن هناك شيئاً ما يستحق أن نعيش من أجله، بينما الحقيقة المروعة هي أننا فقط نؤدي دورنا في هذا العرض العبثي.

الوجود البشري، بكل ما فيه من عظمة وبؤس، لا يبدو في نهاية المطاف إلا كمزحة قاسية، لعبة قدر لا تنتهي، حيث الفائزون والخاسرون يشتركون في نفس المصير النهائي: النسيان.

وبينما نغرق في التفكير بالمعنى والغاية، تظل الأرض تدور، غير مبالية بأحزاننا أو أفراحنا، مستمرة في مسيرتها الصماء نحو نهاية لا نعلمها، في كون أكبر من أن يبالي بوجودنا أو عدمه.

في العمق السحيق لوجودنا، حيث العدم يتربص بالمعنى، نجد أنفسنا محاصرين في لعبة طبيعية متقنة. نحن، المخلوقات العضوية، لسنا إلا وسائط مؤقتة، مهمتنا الأساسية تكمن في نقل الشفرات الوراثية، هذه الجزيئات المتناهية في الصغر والمحملة بكل ما كان وما سيكون. إننا لا نختلف عن السفن التي تجوب البحار العظيمة، حاملةً بضائعها من شاطئ إلى آخر، حتى وإن كانت بضائعنا هي الحياة نفسها.

في هذا السياق، يبدو الوجود محفوفًا بالعبث، مثل مسرحية لم تكتب بعد، حيث الأدوار محددة مسبقًا والحرية مجرد وهم. البحث عن معنى في هذا النسيج الكوني يبدو كمحاولة لرسم خطوط على الماء.


ومع ذلك، هنا تكمن الجرأة الحقيقية للإنسان: في قدرته على صنع المعنى حيث لا معنى، في رفضه للدور الذي كُتب له، في إصراره على أن يكون مؤلف قصته الخاصة، حتى في وجه العبث الكوني.

إن قبولنا لدورنا كمركبات لنقل الجينات ليس إلا الاستسلام لليأس، لكن التمرد على هذا الدور، البحث عن المعنى في اللاشيء، هو ما يمكن أن يعطي لحظاتنا الزائلة قيمة لا تُنسى. في هذه المقاومة، نجد جوهر إنسانيتنا، فنحن لسنا مجرد مركبات عضوية في عالم مادي، بل مخلوقات قادرة على التفكير، والشعور، والخلق.
في نهاية المطاف، ربما العبثية نفسها هي ما تمنحنا الحرية. حرية الاختيار في عالم يبدو أنه يخلو من أي خيارات حقيقية. نختار كيف نرقص على إيقاعات هذه الحياة، كيف نملأ الفراغات بين الأنين والضحك، وكيف، في النهاية، نواجه العدم بقلب جريء وروح لا تخشى السقوط في الهاوية. لعل في السقوط نفسه نجد معنى كان غائبًا طوال الوقت.



#نشوان_عزيز_عمانوئيل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة إلينورا
- قصة قصيرة
- أرواح الليل
- مرايا الليل
- همسات مجهولة
- قصائد هايكو
- مسرحية
- وجهة نظر.... الفلسفة
- وقفة نقدية
- الأماكن الفارغه
- نون النسوة
- قصة قصيرة. طائرة ورقية
- لن تهدأ.. قراءة نقدية
- ضوء
- وجع الغيمة
- قصة قصيرة.. إشراقة موت
- زمن الكورونا
- قانون الاحوال المدنية العراقي
- قادمون يانينوى
- معركة تحرير الموصل


المزيد.....




- مصر.. السيسي يتصل بفنان شهير للاطمئنان عن صحته بعد إشاعة وفا ...
- بزشكيان: نسعى لتعزيز العلاقات مع الجيران على أساس القواسم ال ...
- بيت المدى يؤبن الكاتب الساخر والمسرحي علاء حسن
- في ذكرى رولفو: رحلة الإنسان من الحلم إلى العدم
- اضبط الريسيفر.. تردد روتانا سينما الجديد 2025 هيعرضلك أفلام ...
- مصر تستعيد 21 قطعة أثرية من أستراليا (صور)
- إدريس سالم في -مراصدُ الروح-: غوص في مياه ذات متوجسة
- نشرها على منصة -X-.. مغن أمريكي شهير يحصد ملايين المشاهدات ل ...
- رد حاسم على مزاعم وجود خلافات مصرية سعودية في مجال الفن
- أخيرًا.. وزارة التعليم تُعلن موعد امتحانات الدبلومات الفنية ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نشوان عزيز عمانوئيل - سمفونية الفراغ