أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - خطاب النوايا الأوروبي: أزمة مالية متفاقمة ومصادرة القرار السيادي الفلسطيني














المزيد.....

خطاب النوايا الأوروبي: أزمة مالية متفاقمة ومصادرة القرار السيادي الفلسطيني


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 17:17
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


بقلم: المحامي علي أبو حبلة
خطاب النوايا الذي وقّعته الحكومة الفلسطينية مع الاتحاد الأوروبي لم يكن الحل المنشود للأزمة المالية الفلسطينية، بل أضاف أبعاداً جديدة من التعقيد وأدى عملياً إلى تكريس التبعية وتقييد القرار السيادي. فمنذ البداية، جرى الترويج لهذا الخطاب باعتباره إطاراً لإنقاذ المالية العامة وتحسين الإدارة وتعزيز الشفافية والمساءلة، لكن التجربة أثبتت أنه لم يُحدث نقلة نوعية في الوضع المالي، ولم يمكّن الحكومة من الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها أو تجاه الخدمات الأساسية للشعب الفلسطيني. على العكس، استمرت الأزمة المالية وتعمقت بسبب استمرار إسرائيل في اقتطاع أموال المقاصة واحتجازها، وبسبب الشروط الأوروبية التي ربطت أي دعم مالي بسلسلة إصلاحات صارمة لم تُراعِ واقع الاحتلال وظروف الشعب الفلسطيني.
الخطاب حوّل الدعم الأوروبي من أداة دعم للصمود الوطني إلى أداة ابتزاز سياسي واقتصادي، حيث أصبح استمراره مشروطاً بتقليص الإنفاق العام، وضبط التحويلات الطبية، وفرض قوانين وإجراءات تُثقل كاهل الحكومة والمواطنين على السواء. وهذا يتعارض مع القواعد الأساسية للقانون الدولي، إذ تتحمل القوة القائمة بالاحتلال وفق اتفاقية جنيف الرابعة المسؤولية الأساسية عن توفير احتياجات السكان، بينما يُعفى الاحتلال عملياً من مسؤولياته ويتم تحميلها للحكومة الفلسطينية التي لا تمتلك السيادة الكاملة على أرضها وحدودها ومواردها.
إن ما زاد الوضع سوءاً أن خطاب النوايا جاء في وقت تراجعت فيه قدرة السلطة الفلسطينية على تعبئة موارد داخلية كافية، بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على الاقتصاد الفلسطيني، وإحكام السيطرة على المعابر والحدود، وتقييد حركة الأفراد والبضائع، وهو ما جعل الحكومة الفلسطينية عاجزة عن إيجاد بدائل حقيقية تقلل اعتمادها على المساعدات الخارجية. وبدلاً من أن يكون خطاب النوايا مدخلاً لتمكين الحكومة من إدارة أزمتها بفعالية، أصبح إطاراً يكرس هشاشتها ويقيد خياراتها الاستراتيجية.
من منظور استراتيجي، يمكن القول إن أخطر تداعيات خطاب النوايا تكمن في تآكل القرار السيادي الفلسطيني. فربط الدعم الأوروبي بتنفيذ إصلاحات محددة وفق جدول زمني لا يأخذ في الحسبان السياق السياسي والاقتصادي الخاص بفلسطين، جعل من الاتحاد الأوروبي طرفاً مقرراً في تفاصيل السياسات الداخلية الفلسطينية. هذا التدخل المباشر أضعف الثقة الشعبية بالحكومة، التي بدت وكأنها تدار بمنطق الوصاية لا بمنطق القيادة الوطنية الحرة، وهو ما أدى إلى تعميق الفجوة بينها وبين الشارع الفلسطيني الذي يطالب باستعادة القرار المستقل والتمسك بالثوابت الوطنية بعيداً عن إملاءات الخارج.
لقد أصبح واضحاً أن خطاب النوايا لم يحل الأزمة المالية، ولم يوقف مسلسل العجز المزمن، ولم يضمن انتظام الرواتب أو تحسين الخدمات، بل ساهم في إطالة أمد الأزمة عبر فرض التزامات جديدة دون معالجة جذرية لسببها الرئيسي المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي. والنتيجة أن الحكومة الفلسطينية تجد نفسها اليوم في مأزق مركب: فهي عاجزة عن تلبية احتياجات شعبها، ومقيدة بشروط المانحين، ومسلوبة القرار السيادي في ظل استمرار السيطرة الإسرائيلية على الموارد.
من هنا، فإن المخرج الاستراتيجي لا يكمن في التكيف مع خطاب النوايا أو الاستسلام لشروطه، بل في استعادة زمام المبادرة الوطنية. وهذا يقتضي أولاً إعادة صياغة العلاقة مع المانحين على قاعدة القانون الدولي والحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وثانياً تحميل الاحتلال مسؤولياته القانونية والمالية كاملة بوصفه القوة القائمة بالاحتلال، وثالثاً بناء استراتيجية اقتصادية وطنية تقلل التبعية وتفتح آفاقاً للاستثمار المحلي وتعبئة الموارد الداخلية. فبدون استعادة القرار السيادي والتمسك بالثوابت الوطنية، ستبقى الحكومة الفلسطينية رهينة لأجندات خارجية تزيد من تعقيد الأزمة وتعمق الشرخ بين الشعب وسلطته، وهو ما يشكل خطراً استراتيجياً على المشروع الوطني الفلسطيني برمته.



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معاداة السامية بين التوظيف السياسي والمغالطات القانونية
- المجلس التأسيسي الفلسطيني والدستور المؤقت: من الشرعية الوطني ...
- تشكيل لجنة صياغة الدستور الفلسطيني بين الإطار القانوني ومتطل ...
- ✦ أهمية إعداد وصياغة دستور دولة فلسطين المستقلة وعاصم ...
- الحراك الإسرائيلي وأهميته لوقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى
- قمة ترامب – بوتين في ألاسكا: استعراض دبلوماسي أم إعادة تشكيل ...
- -الحق يحتاج إلى قوة-: مشروع E1 وتصفية حل الدولتين
- تصاعد الضغوط الأوروبية على إسرائيل: احتجاجات داخلية ومطالبات ...
- تصريحات وزيرة الخارجية الفلسطينية بين ثوابت الموقف الوطني وو ...
- تعيين حاكم لقطاع غزة خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية: قرا ...
- غزة والهولوكوست: اختبار الضمير الإنساني لليهودية التقدمية
- منظمة التحرير الفلسطينية: نحو إصلاح شامل وتجديد الشرعيات على ...
- إلى حكومة نتنياهو وائتلاف اليمين المتطرف: عودوا إلى التاريخ ...
- عن -النصر المطلق-: إسرائيل بين أزمة القيادة واستنزاف الواقع
- متطلبات الإعلان عن الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ...
- خطة احتلال غزة في ظل إدارة ترامب: الأبعاد، التداعيات، وخطر ا ...
- -إسرائيل الكبرى-... مشروع استيطاني توسعي يهدد دول الجوار تحت ...
- بوابة العبور للوحدة وتوحيد الصفوف ومواجهة التحديات والمخاطر ...
- زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي لمستوطنة -أريئيل-: شرعنة للا ...
- المؤتمر الثامن لحركة فتح: بوابة العبور للوحدة وتوحيد الصفوف ...


المزيد.....




- هل تم ترتيب عقد لقاء بين بوتين وزيلينسكي؟ لافروف يوضح
- في الشرق الأوسط، هل نشهد عودة إلى الحرب الباردة؟- جولة الصحا ...
- وسط دوي صفارات الإنذار في كييف.. أمين عام الناتو يدعو لضمانا ...
- دراسة أمريكية جديدة تكشف عن مخاطر محتملة لاستخدام القنّب أثن ...
- مستقبل غامض لقصر باكينغهام بعد قرار الأمير وليام تغيير مسكنه ...
- وفاة الرضيعة غدير بريكة بسوء التغذية في غزة
- -التحقيقات الفدرالي- يدهم منزل بولتون ويؤكد -لا أحد فوق القا ...
- كيف هندست إسرائيل بعملياتها العسكرية التجويع في غزة؟
- نجل مروان البرغوثي يعلق لـCNN على فيديو والده مع بن غفير.. و ...
- روسيا تُلزم تثبيت تطبيق “ماكس” على الهواتف.. هل يسعى الكرملي ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - خطاب النوايا الأوروبي: أزمة مالية متفاقمة ومصادرة القرار السيادي الفلسطيني