أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام عامر - ما أسباب الغزو الأمريكي للعراق؟















المزيد.....


ما أسباب الغزو الأمريكي للعراق؟


حسام عامر

الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 12:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الكاتب: كريستوفر دوران

ترجمة: حسام عامر

ملاحظة المترجم: هذا المقال مكوّن من مجموعة اقتباسات منقولة من كتاب صدر عام 2012 ويحمل الاسم Making the World Safe for Capitalism: How Iraq Threatened the US Economic Empire and had to be Destroyed وهو من تأليف كريستوفر دوران Christopher Doran، البروفيسور السابق في قسم دراسات العمّال وقسم علم الاجتماع السياسي في جامعة انديانا.



"لا يمكن لماكدونالدز أن يزدهر من دون ماكدونل دوغلاس، الشركة المصممة لطائرة الاف 15."
توماس فريدمان
ص33

1. فرض النيوليبرالية على الاقتصاد العراقي:

أقام الصحفي في الواشنطن بوست تشاندراسيكران في المنطقة الخضراء في بغداد خلال فترة حكم سلطة الائتلاف المؤقتة التي حكمت العراق عقب الاحتلال الأمريكي عام 2003. أجرى تشاندراسيكران مقابلة مع بريمير بعد وصوله بقليل الى العراق لتسلم رئاسة سلطة الائتلاف المؤقتة، ونشرها في كتابه الذي يحمل الاسم Imperial Life in the Emerald City، وجاء فيه:
سألت بريمر “ما هي أولويتك القصوى؟”. أجاب “الإصلاح الاقتصادي”. كان لديه خطة من ثلاث خطوات. الأولى هي استعادة الكهرباء، والماء، والخدمات الأساسية الأخرى. الثانية هي وضع “سيولة في جيوب الناس” عن طريق إعادة فتح البنوك، وتوفير القروض، ودفع الرواتب. والثالثة هي “خصخصة شركات الدولة” و”فطم الناس عن فكرة أن الدولة تدعم كل شيء." كانت الحكومة العراقية تملك المئات من المصانع. دعمت الحكومة كلفة البنزين، والكهرباء، والأسمدة. كانت الحكومة تخصص لكل عائلة حصة تموينية.”(1)
ص139-138

في ظل حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، جرى إدارة الاقتصاد العراقي بناء على مبادئ اشتراكية جزئيا. كانت معظم الشركات مملوكة من قبل الدولة. قبل تدمير الاقتصاد العراقي، بسبب عقوبات الأمم المتحدة وحرب الخليج الأولى والثانية، كان من المعروف أن لدى العراق أفضل نظام تعليمي وأفضل نظام صحي وأوسعهم تغطية على مستوى العالم العربي. يلخص الصحفي في صحيفة الواشنطن بوست راجيف تشاندراسيكران الحياة الاقتصادية في ظل حكومة صدام البعثية كالتالي:

كانت الوظائف الحكومية، سواء في المصانع أو الوزارات أو الأمن والجيش متوفرة بوفرة، وتضمن لك راتبا مدى الحياة. لم تكن الرواتب مرتفعة، لكن كانت معظم السلع والخدمات مدعومة من قبل الحكومة. كان سعر جالون البنزين أقل من خمسة سنتات. لم يدفع أحد مقابل الحصول على الكهرباء، حتى المصانع المملوكة من قبل الدولة التي كانت تستهلك المئات من الميجاوات. كانت الدولة تخصص لكل عائلة حصة تموينية مجانية. كان التعليم، وحتى التعليم الجامعي، مجاني. وكذلك العلاج الصحي. كانت كلفة الأسمدة مدعومة بشكل كبير جدا من قبل الدولة الى درجة أن المزارعين العراقيين، في كثير من الأحيان، كانوا يبيعون حصصهم السنوية في الأردن وسورية بدلا من استعمالها في زراعة المحاصيل.(2)
ص142

تضمن قرار بريمر رقم 39 على السماح ببيع الشركات العراقية المملوكة من قبل الدول بالجملة، وعلى عدم منح العراقيين معاملة تفضيلية في ما يخص ذلك. تضمن القرار أيضا موافقة العراق على نظام تسوية المنازعات Investor–state dispute settlement، ويعني ذلك أنه إذا ما شعر أي مستثمر أن الحكومة العراقية تعيق حقه في جني الأرباح، يمكن للمستثمر أن يقاضي الدولة العراقية بشكل مباشر في محكمة تسوية منازعات دولية. في السابق، كان سقف حصص ملكية المستثمرين الأجانب في الشركات العراقية 49%، مما يضمن أكثرية عراقية. لكن، منح القرار 39 المستثمرين الأجانب حق شراء 100% من حصص الشركات العراقية، مع حق الإبقاء على 100% من المرابح. الغرض من ذلك هو رفع مستوى الربح لأقصى درجة ممكنة. إذا ما عاد هذا بأي فائدة على العراقيين فهي فائدة ناتجة عن الحظ وليس عن النيّة.
ص143

قررت حكومة بريمر أن تودع أموال بيع شركات الدولة العراقية في حساب أطلقت عليه اسم حساب تنمية العراق، وأن تستخدم تلك الأموال لتغطية جزء من نفقات الاحتلال ولتقديم تأمينات وضمانات مالية للشركات الأمريكية لحثها على الاستثمار في العراق.
ص143

تضمن قرار بريمر رقم 12 على الغاء التعرفة الجمركية والرسوم والضرائب المفروضة على المستوردات، مما يسهّل من تدفق المنتجات الأجنبية بأسعار منخفضة ويزيل الحماية عن المنتجات العراقية. من بين المتضررين بهذا القرار المزارعين العراقيين الذين لن يكون لديهم أي حماية أمام المستوردات الزراعية الأسترالية والأمريكية وغيرها.
ص143

تضمن قرار بريمر رقم 40 على السماح للبنوك الأجنبية بتملك نسبة 100% من حصص ملكية البنوك العراقية، وسمح للبنوك الأجنبية بفتح فروع لها في العراق. كما حصلت البنوك الأجنبية على ضمانات بأن تعاملها الدولة العراقية نفس معاملة البنوك المحلية. كما سمح القرار للأجانب باستئجار الأراضي العراقية لمدة 40 عام.
ص143

ألغى قرار بريمر رقم 49 ضريبة الدخل التصاعدية في العراق، وألغى السقف الضريبي على ضريبة الدخل الذي كان يعمل به سابقا وهو 45%، وفرض ضريبة ثابتة مقدارها 15% على الأفراد والشركات. أي أن يدفع العراقي الذي يجني 100 دولار في الشهر نفس نسبة الضريبة التي تدفعها شركة متعددة الجنسيات تجني المليارات.
ص143

اضطرت سلطة الائتلاف المؤقتة الى التراجع عن التنفيذ السريع لخطط الخصخصة، بسبب المعارضة الشعبية الكبيرة لها، وبسبب عدم شرعية إجراءات سلطة الائتلاف المؤقتة حسب القانون الدولي. أجلت الحكومات العراقية المتعاقبة عملية الخصخصة بالجملة للشركات المملوكة من قبل الدولة، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي تعرضوا لها للموافقة على فعل ذلك. وقد أدت المشاكل القانونية المستمرة، وسوء الوضع الأمني، وفي كثير من الحالات المنشآت المتداعية والقديمة، إلى قلّة المشترين. في يوليو 2006، أعلن وزير الصناعة العراقي فوزي الحريري أن الخصخصة لن تحدث "قبل خمس إلى عشر سنوات على الأقل".(3) وفي أكتوبر 2010، أعلنت الحكومة العراقية عن خطط لخصخصة ما لا يقل عن 200 شركة صناعية مملوكة من قبل الدولة، بشكل جزئي أو كلي، على مدى السنوات الأربع المقبلة.
ص146

صحيح أن عملية الخصخصة بالجملة قد فشلت، لكن الجوانب الأخرى للقرارات النيبوليبرالية التي أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة جرى تنفيذها، خصوصا إلغاء التعريفات الجمركية، وغيرها من الإجراءات الاقتصادية الحمائية. ألزمت سلطة الائتلاف المؤقتة العراق بعضوية منظمة التجارة العالمية، وعندما كان العراق تحت احتلال سلطة الائتلاف المؤقتة، أعلن بوش عن اطلاق مبادرة منطقة التجارة الحرة الأمريكية الشرق أوسطية. بنفس الطريقة التي ورط فيها عدد من الرؤساء الدكتاتوريين دولهم بديون بغيضة ثم طلبت أمريكا أن تقوم الحكومات التي أنتخبت من بعدهم بسدادها، ربطت أمريكا الشعب العراقي بالآليات النيوليبرالية للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، بغض النظر عن الحكومة التي تحكمهم.
ص239

2. السيطرة على النفط العراقي:

تضمنت وثيقة استراتيجية الأمن القومي التي وقعها بوش عام 2002 أن لا يسمح بصعود منافس لأمريكا في عالم ما بعد الحرب الباردة. روسيا، وهي احدى الدول القليلة التي لديها إمكانية منافسة القوة الأمريكية، تعتمد بشكل كبير على عوائد النفط. السيطرة الأمريكية على نفط العراق تعني السيطرة على سوق النفط العالمية، لأن خفض سعر النفط عن طريق العراق والسعودية معا يعني اضعاف الهيمنة الروسية وإعاقة قدرة روسيا على منافسة أمريكا اقتصاديا. قامت أمريكا بذلك مسبقا، عندما خفضت السعودية أسعار النفط بناء على طلب أمريكا من أجل اضعاف الاقتصاد السوفيتي والتسريع من انهياره.
ص120

من ناحية أخرى، تعتمد كل من الصين وأوروبا على النفط المستورد. وسيكون لرفع أسعار النفط آثار سلبية مماثلة على اقتصاديهما، وهو ما لم تتردد الولايات المتحدة في فعله عندما تلاعب نيكسون بأزمة نفط أوبك. إن التحكم بأسعار النفط العالمية يعني إلى حد كبير التحكم في اقتصادات أوروبا والصين وروسيا وأي منافسين حاليين أو مستقبليين للهيمنة الأمريكية.
ص121

صحيح أن سلطة الائتلاف المؤقتة شعرت أن بإمكانها خصخصة الاقتصاد العراقي حسب خطة معدة مسبقا، إلا أنها كانت أكثر حرصا بكثير فيما يتعلق بمسألة نفط العراق الحساسة سياسيا للغاية. كان التحالف يعلم أن أي محاولة لخصخصة صناعة النفط العراقية المؤمّمة ستعطي زخما أكبر للمقاومة العراقية، وسينظر لها من قبل معظم دول العالم على أنها محاولة واضحة للاستيلاء على نفط العراق. وقد صرّح بوش نفسه وجميع أعضاء إدارته، مرارا وتكرارا، بأن نفط العراق ملك للشعب العراقي. كما ردد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ورئيس الوزراء الأسترالي جون هوارد نفس الموقف.
ص167

كان الأمر ذو الأهمية القصوى بالنسبة الى أمريكا هو السيطرة على نفط العراق، مع تجنب مسألة الخصخصة الفعلية المثيرة للجدل. بعد إقرار الدستور العراقي وإجراء الانتخابات، انصب التركيز على دفع العراقيين نحو خصخصة قطاع النفط بأنفسهم. في فبراير 2007، بدأ البرلمان العراقي بمناقشة مشروع قانون جديد وشامل لقطاع النفط. جرى اعداد مسودة مشروع القانون سرا، ولم ينشر علنا حتى شهر مارس 2007. يتيح القانون إجراء إعادة هيكلة جذرية لصناعة النفط العراقية، واحتوى على أقصى ما يمكن أن تتمناه شركات النفط الغربية. وكان إقراره يعني سيطرة أمريكية على نفط العراق إلى أجل غير مسمى.
ص168

يمنح القانون الشركات المتعددة الجنسيات الحق الحصري لتطوير خمسين حقل من حقول النفط العراقية غير المنتجة، المكتشفة وغير المكتشفة، بعقود مدتها 30 عاما. كانت الحقول المنتجة ال 27 ستبقى في يد الدولة العراقية، ولكن مع استنفادها، ستستحوذ الحقول الجديدة الخاضعة للسيطرة الأجنبية على حصة متزايدة من الإنتاج. تضمنت العقود على بنود تشترط الاستقرار التشريعي للنصوص القانونية، حيث اشترطت عدم جواز إجراء أي تغييرات على الشروط طوال مدة العقد. مثلا، إذا ارتفعت أسعار النفط إلى 300 دولار للبرميل، يلتزم العراق بنفس الشروط التي كانت سارية وقت توقيع العقود.
ص168

لم يكن الضغط على العراق لتمرير القانون خفيا. في 10 يناير 2007، قال بوش في خطاب متلفز: "لقد أوضحت لرئيس الوزراء العراقي وللقادة الآخرين أن التزام أمريكا ليس من دون شروط. إذا لم تلتزم الحكومة العراقية بوعودها، ستخسر دعم الشعب الأمريكي".(4) في مارس 2007، ذكرت وكالة أسوشيتد بريس أن بوش حذر المالكي من أن استمرار الدعم الأمريكي لحكومته مشروط بتمرير قانون النفط.(5) في الشهر نفسه، وضع الكونغرس الأمريكي شرط التقدم المرضي في إقرار قانون النفط كأحد المعايير الرئيسية التي تضمن الاستمرار في تقديم المساعدات الأمريكية وأموال إعادة الإعمار للحكومة العراقية.(6) لم يكن هذا تهديدا فارغا. بغض النظر عن رأي المرء في الاحتلال الأمريكي للعراق، الحقيقة هي أن الحكومة العراقية كانت تعتمد اعتمادا كليا على المساعدات والدعم الأمريكي في أداء مهامها اليومية.
ص171

تعثر مشروع القانون لأن اتحاد نقابات النفط في العراق نجح في جعله قضية وطنية رئيسية داخل العراق. في يونيو 2007، ومع تحول مشروع القانون إلى قضية وطنية، صعّد اتحاد نقابات النفط إضرابه ضد قانون النفط، وأوقف جزئيا تدفق الوقود في مصفاة البصرة. كان المطلب الرئيسي هو إتاحة المجال لمناقشة مشروع القانون وتلقي آراء المجتمع المدني، بما في ذلك آراء نقابات النفط. كما طالب الإتحاد بإجراء تحسينات عامّة للعمال، ودفع مكافآتهم المستحقة منذ عامين.
ص171

كما ذكر غريغ موتيت Greg Muttitt في كتابه Fuel on the Fire، وصلت القوات العراقية بقيادة اللواء علي حمّادي الى موقع الإضراب، وبعد مواجهة متوترة، وافق حمادي على لقاء قيادة النقابة لمحاولة حلّ الإضراب. ما حدث بعد ذلك، بصراحة، مذهل: كان حمّادي مقتنع تماما بعدالة قضية النقابة لدرجة أنه قال أنه سيحاول شخصيا إقناع المالكي بضمان تمكين النقابة وغيرها من أطياف المجتمع المدني المعارضة من إبداء رأيهم في مشروع القانون. وأنه إذا فشل في ذلك، سيستقيل من الجيش وينضم إلى الإضراب. في المقابل، علّقت النقابة الإضراب لمدة أسبوع. وافق المالكي على الشروط، وفي 11 يونيو، أعلن اتحاد نقابات النفط انتصاره.(7)
ص171

في خضم الدمار والفوضى، نجح المجتمع المدني العراقي في وقف ما كانت أمريكا واحتلالها العسكري يرغبان فيه بشدة: سيطرة نيوليبرالية كاملة على نفط العراق، تحت غطاء وشرعية حكومة عراقية منتخبة ديمقراطيا.
ص172

نظرا للأهمية الكبيرة للسيطرة على نفط العراق بالنسبة للمشروع النيوليبرالي، كان من المستحيل أن تتخلى أمريكا وحلفائها عن هذه السيطرة. من خلال الغزو والاحتلال، وإنشاء 14 قاعدة عسكرية في العراق، ومن خلال جعل العراق معتمدا على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ومن خلال دمج قوانين بريمر في العملية الدستورية، أسست أمريكا لما رأت أنه سيطرة بنيوية طويلة الأمد على العراق، وبالتالي سيطرة بحكم الأمر الواقع وطويلة الأمد على نفط العراق.
ص167

3. إعادة العراق الى بيع النفط بالدولار:

أحد أهم ركائز الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي هي أن النفط يباع بالدولار الأمريكي حصرا. وبشكل عام، معظم التجارة العالمية تتم بالدولار. مما يجعل الدولار عملة التجارة العالمية بحكم الأمر الواقع. في فبراير 2003، أي قبل الغزو الذي قادته أمريكا لاحتلال العراق بشهر، أجريت ثلثي التجارة العالمية بالدولار، وكان أكثر من ثلثي الاحتياطي النقدي الأجنبي في العالم أيضا بالدولار.(8)
ص71

عندما أعلن العراق عام 2000 البدء ببيع النفط باليورو بدلا من الدولار الأمريكي، وشجع بقية أعضاء أوبيك أن يفعلوا الأمر ذاته، شكّل ذلك تهديدا مباشرا للهيمنة الأمريكية العالمية بدرجة أكبر من أي سلاح دمار شامل. معنى القرار العراقي أن أي دولة تريد شراء النفط العراقي عليها أن تحوّل عملتها لليورو من أجل أن يقبل العراق الدفعات. قبل ذلك القرار، كان الدولار هو العملة الوحيدة المقبولة عند شراء هذه السلعة الأكثر مبيعا وذات الأهمية الأكبر في العالم. أي دولة تريد شراء النفط، عليها أن تحول عملتها الى الدولار الأمريكي، وفي حينها تقبل الدولة المنتجة للنفط الأموال. تحفظ احتياطات الدولار هذه في استثمارات يمكن الوصول اليها بسهولة مثل سندات الخزينة الأمريكية وأوراق مالية حكومية أخرى تجني فوائد. لأن الأموال بالدولار، يجب أن تكون الاستثمارات بالدولار، وبالتالي تعود الى الاقتصاد الأمريكي. الى حد كبير، هذا ما يسمح لأمريكا أن تراكم ديونا ضخمة وصلت في عام 2011 الى 14.8 تريليون دولار،(9) لأن جزء كبير من الاقتصاد العالمي يتم استثماره في الاقتصاد الأمريكي.
ص71-72

إذا ما اتبعت الدول المنتجة للنفط المبادرة العراقية وقبلت باليورو بدلا من الدولار الأمريكي، هذا يعني نهاية الإمبراطورية الأمريكية. لأن الدول المستوردة للنفط، أي معظم دول العالم، سيتعين عليها تحويل احتياطاتها من الدولار الى اليورو، وبالتالي إزالة التريليونات من الدولارات المستثمرة في الاقتصاد الأمريكي. أن ينبعث عراق قوي إقليميا بعد انتهاء العقوبات، ومدعوم سياسيا واقتصاديا من دول أوروبية تشارك في إعادة بناء بنيته التحتية النفطية، سيكون في موقع يمكّنه من تشجيع ايران وفنزويلا، المعارضين للنفوذ الأمريكي، التحول من الدولار الى اليورو.
ص72

قي يونيو 2003، أعاد الاحتلال الأمريكي العراق الى قبول بيع النفط بالدولار حصرا، وألغى قبول الدفع باليورو. أجرى الاحتلال ذلك التحوّل على الرغم من أن قيمة اليورو في حينها كانت أعلى من الدولار الأمريكي ب 13 سنت، بالتالي خفّض ذلك من أرباح مبيعات النفط العراقية.
ص79

4. إزالة الخطر الذي شكّله العراق على استقرار السعودية التي تمثل أحد أهم ركائز الهيمنة الأمريكية العالمية:

أ. الحفاظ على بيع النفط السعودي ونفط أوبيك بالدولار، وحماية التمويل البترودولاري السعودي للاقتصاد الأمريكي:

تعرضت الركائز الهامة للنيوليبرالية وللهيمنة الأمريكية العالمية لتهديد مباشر عندما غزا العراق الكويت عام 1990 ووضع مليون جندي عراقي على الحدود السعودية، وأصبح بموقع يمكّنه من غزو السعودية أو الضغط عليها. كان السبب المعلن لحرب الخليج الثانية عام 1991 هو تحرير الكويت. لكن، هناك تحليل أعمق يقول بأن العراق الذي يحتوي على ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، وينادي بالوحدة العربية، وباستثمار عوائد النفط قي الإقليم بدلا من أن تتدفق الى أمريكا، هدد باجتياحه الكويت أمن السعودية التي تمثل أحد أهم ركائز الهيمنة الأمريكية العالمية.
ص42-41

اتفق الرئيس الأمريكي نيكسون مع العائلة الحاكمة في السعودية على أن تضمن السعودية استمرار بيع النفط السعودي في السوق العالمي بالدولار الأمريكي، مقابل استمرار أمريكا في حماية استقرار حكم العائلة الحاكمة. وافقت السعودية أيضا على ضمان أن تستمر أوبيك في بيع النفط بالدولار الأمريكي، وعلى أن يتم إيداع فائض عوائد النفط السعودية في بنوك أمريكية وبريطانية خاصة. وهي بنوك كانت قد تحررت من القيود الرأسمالية التي فرضتها اتفاقيات بريتون وودز التي تخلى عنها نيكسون قبل ذلك بمدة قصيرة. وبهذا، ولدت عملية إعادة تدوير أموال البترودولار، وبدأت المليارات الأولى مما سيصبح تريليونات في التدفق الى أمريكا.(10)
ص77

إلى جانب البنوك، استفاد من ذلك الاتفاق أيضا الدعامة الأساسية الأخرى للنظام الرأسمالي الأمريكي، وهي شركات الأسلحة. بين عامي 1950 و2000، استحوذت السعودية على قرابة ربع صادرات الأسلحة الأمريكية. وفي عام 2002، أي العام الذي سبق غزو العراق، اشترت السعودية أسلحة من أمريكا بقيمة 5.2 مليار دولار.(11)
ص77

أستخدمت أمريكا أموال البترودولار السعودية المتدفقة إليها بغزارة منذ عام 1973 في تقديم القروض الدولية، سواء بشكل مباشر، أو عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. كانت العديد من الدول في أمسّ الحاجة إلى الاقتراض، بسبب العجز التجاري الذي تراكم لديها بسرعة، والمفارقة أن سبب ذلك العجز التجاري هو تضاعف سعر النفط أربع مرات نتيجة لأزمة حظر النفط عام 1973. وفقا لصندوق النقد الدولي، "ارتفعت الديون الخارجية ل 100 دولة نامية (باستثناء الدول المصدّرة للنفط) بنسبة 150% بين عاميّ 1973 و1977". (12)
ص42

واجهت الكثير من تلك الدول المقترضة أزمة اقتصادية حادّة عقب الجولة الأولى من أزمة الديون التي حدثت بعد قيام رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بول فولكر برفع أسعار الفائدة بشكل كبير عام 1979. كانت معظم تلك القروض قد أخذت من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنوك نيويورك الخاصة التي تحررت في عهد نيكسون من القيود التي كانت مفروضة على رؤوس الأموال كجزء من بنية نظام بريتون وودز. قام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتوفير قروض مشروطة بشروط صارمة أطلق عليها اسم برامج التعديلات البنيوية: وهي الوصفة النيوليبرالية التي روج لها توماس فريدمان، والتي تتضمن خصخصة الشركات العامة، وإلغاء الضوابط الاقتصادية الحكومية، وخفض الانفاق الحكومي. أصبحت برامج التعديلات البنيوية الوسيلة الأساسية التي تسيطر بها أمريكا على الاقتصاد العالمي الذي أصبح نيوليبراليا بعد ذلك بمدة قصيرة. ومع حلول عام 2004، أي بعد عام من اجتياح العراق، كانت أفقر دول العالم قد دفعت 4.6 تريليون دولار تقريبا لسداد تلك الديون لأغنى دول العالم، وخصوصا أمريكا.(13)
ص45

خصخصة الشركات العامة كبديل عن الإفلاس يعني أن تلك الأملاك الحكومية أصبحت متوفرة لرؤوس الأموال الأمريكية بأسعار مخفضة جدا، وبشروط تعطي الأفضلية للمشتري الى حد كبير. كان المشتري عادة شركة أمريكية أو شركة أخرى من دول العالم الأول.
ص50

ب. حماية السيطرة الأمريكية على القدرة الإنتاجية الاحتياطية النفطية (Oil Spare Capacity) السعودية:

القدرة الإنتاجية الاحتياطية النفطية (Oil Spare Capacity) لدى السعودية جعلتها دولة مهمة جدا بالنسبة الى أمريكا، حيث أنها الدولة الوحيدة في العالم التي لديها القدرة على رفع أو خفض الإنتاج اليومي بمقدار 2 الى 3 مليون برميل. يمنحها ذلك قدرة هائلة على تحديد أسعار النفط العالمية. إذا ما هدد أعضاء أوبيك الآخرين برفع الأسعار، بإمكان السعودية ببساطة أن تواجه ذلك عبر عرض الإنتاج الاحتياطي في السوق من أجل خفض الأسعار. استعداد السعودية لاستخدام قدراتها الإنتاجية الضخمة للتلاعب بأسعار أوبيك جعل منها دولة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة الى أمريكا.
ص62

كان تواطؤ السعودية مع أمريكا هو ما أسهم في نهاية المطاف بانهيار اقتصاد الاتحاد السوفيتي المثقل بالديون. في أواسط الثمانينيات، عندما حاول الاتحاد السوفيتي توسيع صناعة النفط الخاصة به، استخدمت السعودية قدرتها الإنتاجية الاحتياطية النفطية لخفض سعر النفط العالمي ليصبح 10 دولار للبرميل، وهو خفض مقداره أكثر من 50%. علق اثنين من أبرز محللي صناعة الطاقة وهما ادوارد مورس وجيمس ريتشارد على ذلك بما يلي:
الخفض السعودي الكبير لأسعار النفط والذي جرى هندسته في الفترة 1986-1985، أدى الى انهيار صناعة النفط السوفيتية، وسرّع ذلك من انهيار الاتحاد السوفيتي ... القدرة الإنتاجية الاحتياطية السعودية تساوي في قوتها في مجال الطاقة قوة الأسلحة النووية ... وهي حجر الأساس في العلاقة الأمريكية السعودية. تلك القدرة الإنتاجية الاحتياطية السعودية هي أساس السياسة النفطية الأمريكية. (14)
ص41

المراجع:
(1)Chandrasekaran, Imperial Life, pp. 61–2.
(2) Chandrasekaran, Imperial Life, p. 110.
(3) Middle East Times, ‘US Looks Forward to More Open Iraq Economy’, 19 July
2006.
(3) David Spiro, The Hidden Hand of American Hegemony: Petrodollar Recycling
and International Markets, Ithaca, NY: Cornell University Press, 1999,
pp. 121–3.
(4) George Bush Jr, Nationally Televised Speech on Iraq, 10 January 2007.
(5) Associated Press, ‘Al-Maliki Tells Aides U.S. -benchmark- Deadline is June 30
or His Ouster Possible’, 13 March 2007.
(6) Floyd, ‘Claiming the Prize’.
(7) Muttitt, Fuel on the Fire, pp. 253–5.
(8) George Monbiot, ‘The Bottom Dollar’, Guardian, 22 April 2003.
(9) US National Debt Clock, 2011 .
(10) David Spiro, The Hidden Hand of American Hegemony: Petrodollar Recycling
and International Markets, Ithaca, NY: Cornell University Press, 1999,
pp. 121–3.
(11) Agence France-Presse, ‘US World leader in Arms Sales, Saudi Arabia No 1
Buyer’, 15 October 2003.
(12) IMF, ‘Monetary Matters, An IMF Exhibit – The Importance of Global
Cooperation, Reinventing the System (1972–1981)’, Part 4 of 7 .
(13) Harvey, Brief Introduction to Neoliberalism, p. 193.
(14) Edward Morse, and James Richard, ‘The Battle for Energy Dominance’, Foreign
Affairs, March/April, 2002, p. 20.



#حسام_عامر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسطورة انحسار الامبراطورية الأمريكية
- أساطير من الكتاب المقدس تستخدم لتبرير الاستيلاء على فلسطين
- لماذا لا تفضل أمريكا حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين ...
- ما سبب الدعم الأمريكي الهائل لإسرائيل؟ (2)
- سبع أساطير عن الاتحاد السوفيتي
- ما سبب الدعم الامريكي الهائل لإسرائيل؟
- لماذا استهدف الغرب سورية؟
- محرك الابتكار هو التمويل الحكومي للبحث والتطوير، وليس الرأسم ...
- لماذا تستهدف أمريكا إيران؟
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ...
- ما سبب انهيار الاتحاد السوفيتي؟
- لماذا استهدف الغرب ليبيا ولم يستهدف البحرين خلال أحداث الخري ...
- ما الذي يجعل أمريكا أغنى من شركائها في مجموعة الدول الصناعية ...
- الحمائية...توجد الحقيقة على ورقة ال10--$--.
- مبروك يا سيادة الرئيس! مبروك بوليفيا!
- قلب أسطورة الفساد رأساً على عقب
- حقيقة التفاوت الصارخ في توزيع الثروة العالمية
- مصر النيوليبرالية: الثورة المختطفة


المزيد.....




- ترامب خلال اجتماعه مع القادة الأوروبيين: سنبحث أي تبادل محتم ...
- البرتغال تواجه حرائق كارثية قضت على 172 ألف هكتار حتى منتصف ...
- ترامب يلقي بمسؤولية الضمانات الأمنية لأوكرانيا على أوروبا
- الاحتلال يقر بإصابة ضابط وجندي في اشتباك شمال قطاع غزة
- عاجل | ترامب: بدأت ترتيبات للقاء بين بوتين وزيلينسكي في مكان ...
- تقرير أممي: أزمة التمويل تهدد أوضاع 11.6 مليون لاجئ حول العا ...
- مستشار سويدي سابق يُحاكم لتركه وثائق سرية في فندق شمال ستوكه ...
- مصر ـ نيابة أمن الدولة تتهم الحقوقية البارزة ماهينور بنشر أخ ...
- 4 نقاط شارحة لقرار البرهان إخضاع القوات المساندة لقانون القو ...
- لجنة بالكنيست تصادق على تمديد استدعاء قوات الاحتياط


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام عامر - ما أسباب الغزو الأمريكي للعراق؟