حسام عامر
الحوار المتمدن-العدد: 8136 - 2024 / 10 / 20 - 11:10
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الكاتب: ستيفن جوانز
المترجم: حسام عامر
زعمت الحكومات الغربية أن الناتو تدخّل عسكريا في ليبيا بقيادة أمريكا من أجل منع القذافي من سحق التمردات وقتل المدنيين. لكن، خلال القصف الغربي على ليبيا وافقت الدول الغربية ضمنيا على أن تتدخل السعودية ودول خليجية أخرى عسكريا لسحق التمرد السلمي في البحرين. هذه الازدواجية بالمعايير تعكس الفرق الكبير بين علاقة البحرين وليبيا بطبقة المستثمرين وأصحاب الشركات الكبرى في الغرب. تستضيف البحرين الأسطول الخامس الأمريكي. ولدى البحرين علاقات قديمة ودافئة مع النخب السياسية والاقتصادية الغربية. تخدم العائلة الملكية في البحرين وبقوّة مصالح نخب الشركات الغربية. أمّا ليبيا في ظل حكم القذافي، لم تستضيف أي قواعد عسكرية أمريكية أو غربية. على العكس من ذلك، عندما استلم القذافي الحكم طرد القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية من ليبيا. أيضا، لم يخدم القذافي مصالح المستثمرين والشركات الغربية بشكل كبير.
المقاييس التي يمكن النظر اليها لمعرفة درجة انسجام المناخ الاقتصادي في أي دولة مع مصالح نخب الشركات الغربية موجودة في تقرير مؤشر الحرية الاقتصادية الذي تعده سنويا صحيفة الوول ستريت جورنال ومؤسسة هيريتيج. يصنّف المؤشر الدول من الأكثر حرية اقتصادية الى الأقل حرية اقتصادية بناء على:
-مستوى الضوابط على الشركات
-مستوى القيود التجارية
-نسبة الضريبة على الشركات
-حصة القطاع العام من الاقتصاد
-هل إدارة البنك المركزي محمية من الإدارة الديمقراطية؟ وهل يتبنى البنك المركزي سياسة خفض التضخم؟
-هل حقوق الملكية الخاصة محمية؟
-هل يمكن فصل العمال من وظائفهم بسهولة؟
يجدر تسمية هذا المؤشر باسم مؤشر حرية رأس المال. الحكومات التي تصنّف في أعلى القائمة: ترحب بالاستثمارات الأجنبية، وتعامل الشركات الأجنبية نفس معاملة الشركات المحلية، ولديها ضريبة شركات منخفضة أو معدومة، وتفرض الحد الأدنى من الضوابط على الاستثمارات والشركات، وتحافظ على انخفاض معدل التضخم (بغض النظر عن أثر ذلك على مستويات البطالة)، وتتجنب الملكية العامة، وتمنح الشركات مرونة قصوى بما يتعلق بفصل العمّال وتحديد ظروف عملهم وأجورهم.
الحكومات التي تصنّف في أسفل القائمة: تبقي على الأقسام الاستراتيجية في الاقتصاد (أو كل الاقتصاد) تحت سيطرة الدولة، وتحد من أو تفرض شروطا على الاستثمار الأجنبي، وتضع قيودا تجارية من أجل حماية الشركات المحلية الاستراتيجية من المنافسة الأجنبية، وتصادر الممتلكات الخاصة المنتجة (ومن ضمنها الأراضي الزراعية) من أجل إعادة توزيع الثروات أو لتضعها في ملكية الدولة، وتضع ضوابط محكمة على الشركات، وتفرض معايير تحدد الحد الأدنى لأجور العمّال وظروف عملهم.
الدول التالية أتى تصنيفها في أسفل قائمة مؤشر الحرية الاقتصادية، ولهذه الأسباب:
كوريا الشمالية: تخطيط مركزي للاقتصاد، والاقتصاد تحت سيطرة الدولة.
كوبا: الملكية الخاصة مقيدة.
زيمبابوي: تتبنى الحكومة سياسة توطين الاقتصاد، أي وضع ملكية أراضي الدولة والموارد المعدنية في يد المواطنين. تقيّد هذه السياسات من حجم ونطاق فرص الاستثمار الأجنبي.
فنزويلا: تفرض الحكومة ضرائب عالية على الأثرياء والشركات الخاصة وتصادر الأراضي وممتلكات خاصة أخرى لخدمة أهداف السياسات العامة.
ارتيريا: تخطيط مركزي صارم للاقتصاد، وجرى الغاء معظم استثمارات القطاع الخاص.
ميانمار: تهيمن شركات القطاع العام على الاقتصاد (لكن بدأت الحكومة مؤخرا بتنفيذ برنامج انفتاح اقتصادي يفتح الاقتصاد أمام الاختراق الأجنبي، مما أسعد المستثمرين الغربيين وحكوماتهم.)
ليبيا في ظل حكم القذافي: كانت الحكومة تقوم بعملية تقييم للاستثمارات الأجنبية قبل الموافقة عليها أو رفضها، وخضعت الاستثمارات الأجنبية لإدارة الدولة. أيضا، حافظت الدولة على صلاحيات إعادة تأميم أي ممتلكات جرى خصخصتها.
ايران: تحظر الدولة الاستثمار الأجنبي في قطاعات البنوك والاتصالات والنقل والنفط والغاز. كذلك، تحمي قوانين العمل العمّال من فقدان وظائفهم بسهولة.
من الملحوظ أن الحكومات التي دائما ما تستهدفها الجهود الغربية لتغيير نظام الحكم يأتي تصنيفها في أسفل أو قريب من أسفل قائمة مؤشر الحرية الاقتصادية. سبعة من الدول العشرة المصنفة في أسفل القائمة تتعرض حاليا أو تعرضت في الماضي القريب الى محاولات تغيير نظام الحكم من قبل أمريكا وحلفائها. الحجة الظاهرية لتلك المحاولات هي عدم احترام تلك الدول لحقوق الانسان، أو لأنها تهدد الاستقرار الإقليمي، أو كما في حالة ليبيا، زعمهم أن الحكومة هاجمت (أو كانت على وشك مهاجمة) الشعب الليبي. في حقيقة الأمر، تلك الدول هي الأقل تقبلا لاستغلال الشركات والمستثمرين الغربيين.
صنّفت البحرين بالقرب من أعلى القائمة، وتصنيف البحرين هو الأعلى على مستوى إقليم شمال افريقيا وغرب آسيا، بالمقابل، كان تصنيف ليبيا في ظل حكم القذافي في المرتبة الأخيرة إقليميا وبالقرب من أسفل القائمة عالميا. استند تصنيف البحرين على وجود مجموعة سياسات حكومية أشبعت رغبات الشركات الأجنبية. الملكية الخاصة في البحرين محمية ومن المستبعد أن تمارس الدولة مصادرة للممتلكات الخاصة، أمّا في ليبيا، كانت الشركات الأجنبية معرضة للمصادرة. ترحب البحرين بالاستثمارات الأجنبية وتسمح للأجانب بتملك وإدارة الشركات الجديدة بنسبة 100%. في ليبيا، كانت الدولة تنفّذ عملية تقييم للاستثمارات الأجنبية قبل الموافقة عليها أو رفضها، وخضعت الاستثمارات الأجنبية لإدارة الدولة. بالإضافة الى ذلك، اشترطت ليبيا أن يتملّك الليبيين حصة لا تقل عن 35% من الشركات التي تعمل داخل ليبيا. أيضا، كانت ليبيا تفرض قيودا على تحويل الشركات الأجنبية لأرباحها الى بلدها الأم، أما البحرين لا تفرض أي قيود على ذلك.
في ميدان التجارة، لا تفرض البحرين أي قيود على الاستيراد، بالمقابل، فرضت ليبيا عوائق جمركية وغير جمركية متنوعة لتساعد الشركات المحلية على النمو. لا تدفع الشركات التي تعمل في البحرين ضريبة دخل على أرباحها، باستثناء شركات النفط. أمّا في ليبيا، خضعت الشركات لضريبة دخل تصل الى 40%. ضريبة دخل الأفراد في البحرين منخفضة جدا، لكن في ليبيا، كانت ضريبة دخل الأفراد التصاعدية تصل الى 90%. توفر البحرين للشركات مرونة قصوى في التعامل مع الموظفين، ومن ضمن ذلك السماح لها بدفع أجور منخفضة جدا، بالمقابل، أصرّ القذافي على المحافظة على الضوابط التي تحمي العمّال ومن ضمنها تلك التي تتعلق بأجور العمّال وظروف عملهم.
بعد عام من الإطاحة بالقذافي، نشرت الوول ستريت جورنال تقريرا ورد فيه أن شركات النفط الخاصة كانت غاضبة من الصفقات التي كان يعرضها القذافي خلال المفاوضات وكانت تتمنّى "أن يؤدي تغيير نظام الحكم في ليبيا...الى تخفيف بعض الشروط القاسية التي وافقوا عليها عندما عقدوا اتفاقات الشراكة" مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا. (1) على مدى عقود، تمتعت الكثير من الشركات الأوروبية باتفاقيات منحتهم نصف النفط المنتج في الحقول الليبية. لكن القذافي فاوضهم مجددا ونجح بتخفيض حصة تلك الشركات لنسب وصلت الى 12%. (2) حافظ القذافي على جوهرة تاج ليبيا بعيدا عن الشركات الأجنبية. حيث أن حقول النفط الضخمة التي تنتج معظم النفط الليبي كانت حكرا على شركات النفط التي تملكها الدولة الليبية. عبّرت شركات النفط الغربية عن استيائها أيضا من اشتراط ليبيا "أن تقوم الشركات الأجنبية بتوظيف ليبيين في المناصب العليا." (3)
ملاحظة المترجم: هذا المقال مقتبس من كتاب نشره الكاتب ستيفن جوانز على مدونته الشخصية عام 2015 وعنوانه:
Promoting Plutocracy: U.S.-Led Regime Change Operations and the Assault on Democracy
المراجع
(1) Benoit Faucon, "For big oil, the Libya opening that wasn t", The Wall Street Journal, May 4, 2012
(2) Guy Chazan, "For West s oil firms, no love lost in Libya", The Wall Street Journal, April 15, 2011
(3) Steven Mufson, "Conflict in Libya: U.S. oil companies sit on sidelines as Gaddafi maintains hold", The Washington Post, June, 10, 2011
#حسام_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟