حسام عامر
الحوار المتمدن-العدد: 8379 - 2025 / 6 / 20 - 14:46
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
ملاحظة المترجم: هذا المقال مكون من فقرات مقتبسة من مقابلة للبروفيسور المحاضر في جامعة كينغز كوليج لندن King s College London شون ستارز Sean Starrs نشرت في موقع Jacobin عام 2025 بعنوان:
US Economic Decline Has Been Greatly Exaggerated. قمت بنقل نسب أرباح القطاعات الواردة هنا على شكل قائمة من الفصل السادس من كتاب عنوانه 2025 State of Power، وكتب فصله السادس شون ستارز أيضا.
ترجمة: حسام عامر
يفهم الكثيرون القوة الاقتصادية الوطنية من منظور الحسابات الوطنية، وعلى رأسها الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى مقاييس أخرى مثل ميزان المدفوعات والصادرات. الفكرة هي أن الحسابات الوطنية تقيس سيطرة الدولة الوطنية على الموارد، ومن ضمن ذلك قدرتها على تحويل تلك الموارد إلى قوة عسكرية. وبناء على ذلك، يفترض أن يصاحب ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي زيادة في قوة الدولة.
أُنا أرى أن هذا الرأي خاطئ. أنا أتفق على أنه كلما زاد ثراء الدولة وانتاجها وتطورها التكنولوجي، ازدادت قوتها الاقتصادية، لكن في عصر العولمة، الحسابات الوطنية لا تحسب لنا تلك القيم بالشكل المناسب. طبيعة الرأسمالية العالمية التي تقودها أمريكا منذ عام 1945، وخصوصا منذ التسعينيات، تعني أن بعض الدول قادرة على استخراج ثروات هائلة من دول أخرى.
على سبيل المثال، لا تسيطر أمريكا فقط على الموارد داخل أراضيها الوطنية (والتي تقاس بالناتج المحلي الإجمالي)، بل تسيطر أيضا على موارد في دول أخرى من خلال شركاتها عبر الوطنية. على الجانب الآخر، في الدول التي استقبلت الإنتاج والموارد المالية الأمريكية المعولمة، وخصوصا الصين، لا يملك المواطنين و/أو دولهم هذا النشاط الاقتصادي الذي يقوده طرف أجنبي، حتى وإن ساهم في زيادة ناتجهم المحلي الإجمالي.
لعل أوضح مثال على ذلك هو هاتف الآيفون. الصين هي أكثر دولة يتم فيها تجميع وتصدير هواتف الآيفون. ويساهم ذلك بزيادة الناتج المحلي الإجمالي للصين. لكن هاتف الآيفون ليس مملوكا من قبل أي شركة صينية، أنه ملك شركة آبل. شركة آبل هي التي تجني معظم الأرباح، وتذهب معظم هذه الأرباح الى أمريكا. يخبرنا الناتج المحلى الإجمالي عن المكان الجغرافي الذي يتركز به انتاج السلع والخدمات في العالم، لكن في عصر العولمة، لا يخبرنا عمن يمتلك تلك السلع والخدمات ومن يجني منها المرابح.
لذلك، أنا أزعم أن حساب حصص الأرباح العالمية، وليس فقط الوطنية، هي الوسيلة الأنسب لقياس القوة الاقتصادية للدولة، وبهذا نشمل الأرباح العالمية التي تستخرج من الإنتاج والموارد المالية المملوكين في الدول الأخرى، وليس فقط داخل الدولة نفسها. بكلمات أخرى، علينا دراسة حصص أرباح الشركات عبر الوطنية من أجل شمول عملياتها عبر الوطنية في حساباتنا.
هذا ما أفعله منذ أكثر من عشرة أعوام، وتركيزي على أكبر 2000 شركة عبر وطنية في العالم، وفقا لتصنيف فوربس العالمي Forbes Global 2000. قمت بإحصاء نسب الأرباح في 25 قطاعا واسعا. في عام 2024، حققت الشركات عبر الوطنية الأمريكية أعلى نسبة أرباح في 19 قطاعا، وهيمنت أرباحها على 13 من تلك القطاعات، كما هو موضح في الأسفل، تصاعديا:
19- اسم القطاع هذا ونسب الأرباح فيه غير مذكورة في المقابلة أو في الكتاب.
18- النفط والغاز/المركز الأول: أمريكا 29%، المركز الثاني: السعودية 24%.
17- النقل/المركز الأول: أمريكا 32%، المركز الثاني: الصين 12%.
16- التأمين/المركز الأول: أمريكا 32%، المركز الثاني: الصين 13%.
15- المرافق (شركات تزويد الكهرباء، الماء، المجاري، الغاز، الخ)/المركز الأول: أمريكا 32%، المركز الثاني: الصين 25%.
14- الكيماويات/المركز الأول: أمريكا 33%، المركز الثاني: المملكة المتحدة 17%.
13-الالكترونيات/المركز الأول: أمريكا 43%، المركز الثاني: تايوان 17%.
12- الأغذية والمشروبات والسجائر/المركز الأول: أمريكا 44%، المركز الثاني: الصين 19%.
11- الأدوية والمستحضرات الصيدلانية ومنتجات العناية الشخصية/المركز الأول: أمريكا 44%، المركز الثاني: سويسرا 15%.
10- المعدات الثقيلة/المركز الأول: أمريكا 46%، المركز الثاني: اليابان 19%.
9- البيع بالتجزئة/المركز الأول: أمريكا 59%، المركز الثاني: الصين 11%.
8- الفضاء والدفاع/المركز الأول: أمريكا 60%، المركز الثاني: فرنسا 22%.
7- العقارات/المركز الأول: أمريكا 62%، المركز الثاني: اليابان 9.7%.
6- الخدمات المالية/المركز الأول: أمريكا 63%، المركز الثاني: سويسرا 9%.
5- خدمات الشركات والخدمات الشخصية/المركز الأول: أمريكا 66%، المركز الثاني: اليابان: 6.1%.
4- الإعلام/المركز الأول: أمريكا 76%، المركز الثاني: جنوب أفريقيا 8.8% .
3- الكازينوهات والفنادق والمطاعم/المركز الأول: أمريكا 77%، المركز الثاني: المملكة المتحدة 6.8%.
2- المعدات والخدمات الطبية/المركز الأول: أمريكا 79%، المركز الثاني: اليابان 5.2%.
1- قطع وبرامج الكمبيوتر/المركز الأول: أمريكا 86%، المركز الثاني: الصين 6.3%.
تظهر لنا هذه الأرقام القوة الاستثنائية للشركات الأمريكية على قمة الرأسمالية العالمية، ولم تتغير الصورة كثيرا منذ أن بدأت في جمع البيانات قبل عقدين (في عام 2005، هيمنت أمريكا على 13 قطاع أيضا). حاليا، تتصدر الصين أعلى نسبة أرباح في أربعة قطاعات (البنوك، الانشاءات، المنتجات الحرجية والمعادن والمناجم، الاتصالات)، بينما تتصدر اليابان أعلى نسبة أرباح في قطاعين (قطع غيار المركبات والشاحنات، الشركات التجارية).
في البحث الذي أجريته، حددت بالتفصيل هياكل الملكية الوطنية للشركات المشمولة في قائمة فوربس جلوبال 2000. يفترض منظرو العولمة أن لدى أكبر الشركات عبر الوطنية في العالم ملاّك منتشرين حول العالم، ويسمونهم ب"الطبقة الرأسمالية العابرة للوطنية". هذا خطأ. ما حدث في الواقع هو عولمة للملكية الأمريكية لأكبر الشركات في العالم.
لا يقتصر الأمر على أن الرأسماليون الأمريكيون لا يزالوا يهيمنون على ملكية الشركات عبر الوطنية الأمريكية (بمتوسط 81%، بناء على بيانات الملكية لعام 2021)، بل ان ملكيتهم للشركات عبر الوطنية حول العالم تزداد شيئا فشيئا. في المتوسط، يمتلك الرأسماليون الأمريكيون 46% من إجمالي الأسهم القائمة لأكبر 500 شركة عبر وطنية في العالم، على الرغم من أن 35% فقط من هذه الشركات عبر الوطنية مقرها أمريكا. ثاني أكبر مالك لأكبر 500 شركة عبر وطنية في العالم هم الرأسماليون اليابانيون بنسبة ملكية 6.6%، مع أن الشركات اليابانية عبر الوطنية تمثّل 8.6% من ال 500 شركة.
حدثت عولمة الملكية الأمريكية المتزايدة هذه حتى مع الشركات الصينية المملوكة من قبل الدولة، حيث يمتلك الأمريكيون 9.7% من أكبر خمسين شركة. وبالتالي، الحصة التي يمتلكها الرأسماليون الأمريكيون من أكبر الشركات الصينية المملوكة من قبل الدولة هي أكبر من أكبر حصة ملكية أجنبية من أكبر خمسين شركة عبر وطنية أمريكية (وهي الملكية البريطانية بنسبة 5.6%). بالإضافة الى ذلك، يمتلك الرأسماليون الأمريكيون 21% من أكبر خمسين شركة عبر وطنية يابانية، والمثير للدهشة، أنهم يمتلكون 34% من أكبر خمسين شركة عبر وطنية أوروبية، أي أكثر بثلاثة أضعاف من حصة أي دولة أوروبية.
بهذه الطريقة، هيكلت أمريكا الرأسمالية العالمية بحيث يجني الرأسماليون الأمريكيون أرباحا سواء تمكنت شركة آبل (المملوكة أمريكيا بنسبة 84%) من التفوق على منافسها الرئيسي سامسونج (المملوكة أمريكيا بنسبة 29% مقابل 42% لكوريا الجنوبية) أم لم تتمكن. يفسر لنا هذا جزئيا سبب أن 22 مليون من أصل 58 مليون مليونير في العالم هم من الأمريكيين في عام 2023 (نسبة المليونيرات الأمريكيين من العدد الإجمالي هي 38٪، وهذه النسبة أعلى بكثير من نسبة حصة أمريكا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهي 26٪). حسب تقرير الثروة العالمية World Wealth Report الصادر عن بنك كريدي سويس لعام 2024، نسبة المليونيرات الأمريكيين هذه، أي ال38%، تساوي تقريبا نسبة حصة أمريكا من الثروات الرأسمالية العالمية في خمسينيات القرن الماضي.
#حسام_عامر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟