|
مارتن هايدغر الفيلسوف و النازي : التستر
دلير زنكنة
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 09:19
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بقلم أليكس ستاينر
2. التستر
بعد مراجعة بعض الحقائق ذات الصلة بمسيرة الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر ، يجب أن ننتقل الآن إلى الأساطير والمراوغات التي تشكل اللبنات الأساسية لسمعته في فترة ما بعد الحرب. تقول الرواية الرسمية للقصة ، التي طرحها هايدغر وأنصاره ، أن تحوله عام 1933 إلى النازية كان خطأ شباب ، ومغازلة قصيرة من قبل باحث كان ساذجًا بشأن السياسة وأساليب العالَم. في غضون بضعة أشهر ، كما تقول القصة ، أدرك الفيلسوف الشاب خطأه ، واستقال من منصبه كرئيس لجامعة فرايبورغ ورفض منذ ذلك الحين فصاعدًا المشاركة في الأنشطة النازية. علاوة على ذلك ، تستمر الأسطورة ، حتى خلال فترة رئاسته للجامعة ، حاول هايدغر بالإنابة عن العديد من الطلبة و الزملاء من اليهود، حماية سمعة الجامعة من أسوء الهجمات الضارية للسلطات النازية.
أخيرًا ، حتى لو لم يقتنع المرء بهذه الرواية للأحداث ، فإن أكثر ما يمكن للمرء أن يقوله ، وفقًا لمدافعيه ، هو أن الرجل عانى من خلل في الشخصية. ومع ذلك ، فإن فشل هايدغر الشخصي هو مسألة منفصلة تمامًا عن فلسفته ، والتي يجب الحكم عليها "بناءً على مزاياها الخاصة". هذا يعني بشكل ملموس أن أي تقييم لفلسفة هايدغر يحاول ربطها بنازيته يعتبره المدافعون عنه غير شرعي. تشير وجهة النظر هذه أيضًا إلى أنه لا يوجد شيء في فلسفة هايدغر السابقة للنازية ، لا سيما في الوجود والزمان ، لها اي صلة بالأفكار النازية. وبالمثل ، فإن التحول اللاحق [يقول كيهر] في فلسفة هايدغر تم تفسيره على أنه رد فعل داخلي بحت ، لا علاقة له بالسياسة ، للمشكلات التي واجهتها في الصياغة الأولية لفكره.
هذا جهد متعدد الطبقات للتحكم في الضرر. يمكن للمرء أن ينظر إلى التستر على أنه معقل يقف أنصار هايدغر على جدرانه يقاتلون لمنع الخرق. إذا انكسرت الواجهة ، قصة طيش هايدغر الشاب ، فلن نفقد كل شيء. لا يزال الجدار الداخلي ، وهو تصرفات هايدغر كرئيس جامعة متحدي للنازيين ، قائمًا. حتى لو تم كسر خط الدفاع هذا ، واضطر المؤيدون للتنازل عن عيوب هايدغر الانسان ، فلا يزال هناك خط دفاع آخر قائم ، ما يسمى باستقلالية فلسفة هايدغر. نجح هايدغر في حشد مجموعة مذهلة من المثقفين في دفاعه ، في الحفاظ على سمعته سليمة نسبيًا حتى منتصف الثمانينيات ، وكثير منهم يتمتعون بمؤهلات لا تشوبها شائبة ضد النازية.
يمكن للمرء أن يتتبع بدايات الحملة لإنقاذ سمعة هايدغر من حكم الأجيال القادمة إلى جهود هايدغر نفسه. إن الخطوط العريضة لأسطورة الباحث الساذج سياسيًا قد تم تلخيصها بالفعل في السيرة الذاتية التي قدمها إلى لجنة إجتثاث النازية في عام 1945. وقد كتب هنا:
"في أبريل 1933 ، تم انتخابي بالإجماع رئيسًا (مع امتناع عضوين عن التصويت) في جلسة عامة للجامعة ولم يتم تعييني ، كما تقول الشائعات ، من قبل الوزير الاشتراكي القومي. [كان هذا التعيين يأتي لاحقًا عندما تم تعيين هايدغر كفوهرر في الجامعة ، وهو أمر لم يذكره. - أ.س] نتيجة للضغط من دائرة زملائي ... وافقت على أن أكون مرشحًا لهذه الانتخابات ووافقت على الخدمة. في السابق لم أكن أرغب في مكتب أكاديمي ولم أشغله. لم أنتمي أبدًا إلى حزب سياسي [ليست هذه هي القصة الكاملة تمامًا كما نعلم أنه في أوائل العشرينات من عمره كان رئيسًا لحركة شبابية كاثوليكية يمينية. - أ.س] ولم أكن على علاقة ، سواء شخصية أو موضوعية ، مع الحزب النازي NSDAP أو مع السلطات الحكومية، قبلت الرئاسة بتردد و لمصلحة الجامعة فقط". [21]
بعد رسم صورة عن تجنيده المتردد كرئيس للجامعة ، تشرع الرسالة في وصف كيفية انضمام مؤلفها إلى الحزب النازي ، كفكرة لاحقة تقريبًا ، من أجل تسهيل العلاقات الإدارية مع الجامعة.
"بعد فترة وجيزة من تولي رئاسة الجامعة ، قدم رئيس المنطقة نفسه ، يرافقه موظفان مسؤولان عن شؤون الجامعة ، لحثي ، وفقًا لرغبة الوزير ، على الانضمام إلى الحزب. أصر الوزير على أنه بهذه الطريقة سوف يتم تبسيط علاقاتي الرسمية مع الحزب والأجهزة الحاكمة ، خاصة أنه حتى ذلك الحين لم يكن لدي أي اتصال بهذه الأجهزة. بعد اعتبارات مطولة ، أعلنت أنني مستعد للانضمام إلى الحزب لمصلحة الجامعة ، ولكن بشرط صريح هو رفض قبول منصب في الحزب أو العمل نيابة عن الحزب سواء أثناء الرئاسة أو بعد ذلك. [لم يشرح هنا لماذا ، إذا كانت عضويته في حزبه مدفوعة برغبته في تسهيل عمله كرئيس ، قام بتجديدها كل عام حتى عام 1945 ، بعد فترة طويلة من إنهاء مهامه كرئيس للجامعة. - أ.س] "[22]
أخيرًا قدم أدلة على معارضته للنازية بعد استقالته من منصب رئيس الجامعة في عام 1934.
"بعد استقالتي من منصب الرئاسة، أصبح من الواضح أنه من خلال الاستمرار في التدريس ، فإن معارضتي لمبادئ النظرة الاشتراكية القومية للعالم ستزداد فقط .... بما أن الأيديولوجية الاشتراكية القومية أصبحت على نحو متزايد غير مرنة وأقل ميلًا إلى التفسير الفلسفي البحت ، ["التفسير الفلسفي البحت" هو على ما يبدو كيف يريد هايدغر أن ينقل للقارئ انجذابه الأولي للنازية ، التي فقدت لسوء الحظ بريقها الميتافيزيقي بحلول عام 1934. - أ.س] حقيقة أنني كنت ناشطًا كفيلسوف كانت بحد ذاتها تعبير كافي عن المعارضة ... كما أظهرت علانية موقفي تجاه الحزب من خلال عدم المشاركة في تجمعاته ، وعدم ارتداء لباسه الرسمي ، واعتبارًا من عام 1934 ، من خلال رفض بدء الدورات والمحاضرات الخاصة بي بما سمى التحية الألمانية [هايل هتلر!] ... [ نحن نعلم الآن من بعض الوثائق التي نشرها فارياس أن هذا الكلام كذب صريح . - أ.س] لم يكن هناك شيء مميز في مقاومتي الروحية خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية." [23]
من خلال تقديم نفسه على أنه محاصر بالصدفة في شكل من أشكال النازية "الفلسفية" لفترة وجيزة تحولت فيما بعد إلى "مقاومة روحية" حاول هايدغر بناء جدار حماية حول آرائه الفلسفية. كانت الأساليب التي استخدمها هي الصمت حول الكثير من نشاطه قبل وبعد عام 1933 والمراوغات وأنصاف الحقائق والأكاذيب الصريحة.
في فلسفة هايدغر ، لا تدل مقولة "الصمت" على غياب الكلام فحسب ، بل هي في حد ذاتها شكل نشط من الكينونة في العالم. وبالمثل ، في ممارسته ، كان "الصمت" يعني القمع الفعال للأدلة المتعلقة بسنواته النازية. الكثير من مراسلات هايدغر ووثائقه الشخصية الأخرى كانت و لعقود غير متاحة للباحثين. تحفظ عائلة هايدغر و الباحثين المتعاطفين هذه الوثائق في طي الكتمان. علاوة على ذلك ، في سنوات ما بعد الحرب مباشرة ، كان المجتمع الأكاديمي في ألمانيا يكره نشر أي شيء يتعلق بنازية هايدغر. وجد أحد الباحثين الأوائل الذي أجرى الكثير من الأبحاث الأصلية في هذا المجال ، وهو غويدو شنيبرغر Guido Schneeberger ، أنه لم يتمكن من العثور على ناشر لكتابه. في النهاية نشر نتائجه على حسابه في عام 1962.
كما لم يمتنع هايدغر عن التزوير الكامل لتاريخه. من الأمثلة الموثقة جيدًا إعادة نشر محاضرته لعام 1935 حول الميتافيزيقيا. تتضمن طبعة عام 1953 من هذه المحاضرة التصوير الشائن "للحقيقة الداخلية" للنازية. نص الفقرة الكاملة في طبعة 1953 على النحو التالي:
إن الأشياء التي يتم تداولها الآن على أنها فلسفة الاشتراكية القومية - ولكن ليس لها أقل علاقة بالحقيقة الداخلية وعظمة هذه الحركة (أي المواجهة بين التكنولوجيا العالمية والإنسان الحديث) - تلقي بشبكتها في مياه مضطربة من "القيم" و "الكلية". [24]
تسبب نشر هذا المقال في بعض الذعر في ألمانيا. تساءل البعض لماذا اختار هايدغر إعادة طبع هذه المقالة بهذا الشكل بالضبط. فأجاب:
كان من السهل حذف الجملة المذكورة أعلاه ، مع غيرها من الجمل التي استشهدت بها ، من المخطوطة المطبوعة. لكنني لم أفعل ، وسأبقيها هناك في المستقبل ، لأن الجمل تنتمي تاريخيًا إلى مقرَّر المحاضرة ... [25]
نحن نعلم الآن أن هايدغر قد أجرى بالفعل تغييرات على نص عام 1935 عندما أعده لإعادة النشر. إن العبارة العامة "الحقيقة الداخلية وعظمة هذه الحركة" هي في الواقع أكثر تحديدًا "الحقيقة الداخلية وعظمة الاشتراكية القومية" في المحاضرة الأصلية. عندما لاحظ مساعد يساعده في تحضير المسودات للنشر هذه العبارة {الاصلية} ، دون أي نص توضيحي ، طلب من هايدغر إزالتها. أجاب هايدغر أنه لن يفعل ذلك. ومع ذلك ، و دون إخبار مساعده ، قام هايدغر بتغيير النص بعد بضعة أسابيع. أزال الإشارة المباشرة إلى "الاشتراكية القومية" واستبدلها بالمصطلح العام "هذه الحركة". كما أضاف التعليق التوضيحي حول التكنولوجيا بين قوسين. أكد هايدغر دائمًا حتى وفاته أنه لم يغير نص هذه المحاضرة أبدًا.و كرر هذه النقطة في مقابلة دير شبيجل لعام 1966. في محاولة لاحقة لإنهاء هذا الجدل ، بُحثت في المخطوطة الأصلية للمحاضرة لعام 1935. الصفحة التي تحتوي على العبارة المثيرة للجدل كانت مفقودة. [26]
تم استخدام نفس الأساليب - قمع الأدلة والمراوغات والتزوير - من قبل جحافل المفسرين والمدافعين عن هايدغر . لقد كانوا ، حتى نشر كتاب فارياس التاريخي ، ناجحين إلى حد كبير في منع أي تدقيق نقدي لأفكار هايدغر وعلاقتها بسياسته. تم لعب فصل مثير للسخرية في هذا المشروع من قبل مُنظّر التفكيك ، بول دي مان Paul De Man ،فعل دي مان الكثير لنشر هايدغر بين المثقفين الأمريكيين في الستينيات. ثم جاء الإعلان بعد وفاته في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بأن يدي دي مان لم تكن نظيفة تمامًا. كان متعاونًا مع النازيين في بلجيكا المحتلة خلال الحرب العالمية الثانية ، وبهذه الصفة كتب بعض المقالات المعادية للسامية لمجلة أدبية يرعاها النازيون. [27]
كان بطل هايدغر الأكثر خبثًا هو المترجم الفرنسي جان بوفريه Jean Baufret . نشر بوفريه ، وهو مقاتل سابق في المقاومة ، عدة مجلدات من المحادثات مع هايدغر قبل وفاته عام 1982. لمدة 35 عامًا كان المدافع الأكثر ثباتًا عن هايدغر في فرنسا. أعطت أوراق اعتماده كمقاتل سابق للمقاومة وزناً إضافياً لدفاعه عن نازي سابق. ومع ذلك ، يبدو أن بوفريه كان لديه أجندة خفية. لقد كان لبعض الوقت من المتعاطفين السريين للمؤرخ التنقيحي سيئ السمعة روبرت فوريسون. أنكر بوفريه ، مثل فوريسون ، وجود الهولوكوست وبشكل أكثر تحديدًا غرف الغاز. في رسالة أُرسلت إلى فوريسون ، نُقل عن بوفريه قوله:
أعتقد أني من جهتي سافرت في نفس المسار الذي سلكته تقريبًا واعتُبِرت مشتبهًا لأنني عبرت عن نفس الشكوك [فيما يتعلق بوجود غرف الغاز]. لحسن حظي ، كان ذلك شفويا. [28]
لم يتم التشكيك في أوراق اعتماد بوفريه حتى نشر فوريسون رسائله في الثمانينيات. كجزء من حملة العلاقات العامة الخاصة بهم ، كان هايدغر و مقدموا اعذاره حريصين بشكل خاص على تجنيد شهادة الفلاسفة اليهود الألمان الذين عانوا أنفسهم تحت حكم النازيين. ولهذه الغاية ، طُلب من الفيلسوفة الشهيرة والمهاجرة الألمانية حنة أرندت كتابة مقال لمختارات تكريم هايدغر بمناسبة عيد ميلاده الثمانين. تحتوي مقالة ارندت بعنوان "هايدغر في الثمانين" على الإشارة المبهمة التالية إلى أنشطة هايدغر السياسية:
الآن نعلم جميعًا أن هايدغر أيضًا قد استسلم مرة لإغراء تغيير "مسكنه" و تدخل في عالم أمور الناس. فيما يتعلق بهذا العالمَ ، فان ما حصل له كان أسوأ مما حصل لأفلاطون ،لأن الطاغية وضحاياه لم يكونوا ما وراء البحار ، ولكن في بلاده. [الإشارة إلى إقامة أفلاطون المؤقتة في سيراكيوز. كان يأمل في تقديم الاستشارة الى طاغية سيراكيوز ، ديونيسوس. بعد تجربة قصيرة نسبيًا في السعي لتلطيف حكم ديونيسوس بجرعة من الحكمة ، عاد أفلاطون إلى أثينا ، وخلص إلى أن محاولته لوضع نظرياته موضع التنفيذ كانت فاشلة. - أ.س] كان الامر بالنسبة له ، على ما أعتقد ، مغايرًا . فقد كان شابا بما فيه الكفاية ،ليتعلم من صدمة الاصطدام ، التي قادته بعد عشرة أشهر قصيرة محمومة قبل سبعة وثلاثين عاماً ، إلى مسكنه الاصلي، و ترسخ و توطد ما مر به في فكره.… نحن الذين نريد تشريف المفكرين ، حتى لو كانت مسكننا في وسط العالم ، نجد بوضوح و ربما بغضب أن أفلاطون و هايدغر، عندما تدخلا في امور الناس ، هربوا عند الطغاة و الزعيم. و لا يرجع هذا فقط إلى ظروف الزمن للاثنين و لا الى طبع مطبوع مسبقًا، ولكن بدلاً من ذلك إلى ما يسميه الفرنسيون التشويهات المهنية. نجد الميل الى الطغاة عند كل المفكرين العظام تقريبًا (كانط هو الاستثناء الأكبر). لأن قلة قليلة منهم فقط كانت خارج "ملكة الاندهاش أمام البسيط" و لم "تتخذ من هذا الاندهاش مسكنا لها ". [29]
وفقًا للملخص القانوني الذي قدمته أرنت ، لم تكن زلة هايدغر المؤسفة بسبب الظروف التي عاش فيها ، ولا إلى شخصيته وبالتأكيد لم يكن لها صدى في أفكاره. حقيقة أن هايدغر أصبح نازيًا ، والتي تصفها بتعبير ملطف بأنه "استسلم لإغراء تغيير" مسكنه "و التدخل في عالم امور الناس" ، يمكن أن تُعزى فقط إلى المخاطر المهنية لكونه فيلسوفًا. . وإذا لم يتبع الفلاسفة الآخرون هذه الخطوات ، فيمكن تفسير ذلك في حقيقة أنهم لم يأخذوا التفكير بجدية مثل هايدغر. لم يكونوا مستعدين لاتخاذ "هذا الاندهاش مسكنا لهم".
تشتهر قطعة أرنت بوقاحتها المطلقة. تمكنت من جعل هايدغر، الضحية التي وقعت فريسة لعظمة فكره. إن القول بأن "ما حصل له كان أسوأ من أفلاطون" يعني ضمناً أنه دفع من قبل قوى خارجة عن سيطرته ، وأنه لا يتحمل أي مسؤولية عن أفعاله. كما لو كانت تدرك عبثية موقفها ، تحولت حجة أرندت من متن نصها إلى حاشية تفسيرية طويلة. تنحدر في هذه المذكرة من الخطاب النبيل لتأملاتها حول أفلاطون إلى بعض القضايا الملموسة المحيطة بقضية هايدغر. عادت إلى موضوع براءة هايدغر الأولية وسذاجته السياسية ، حيث كتبت أن "... المغزى من الأمر هو أن هايدغر ، مثل العديد من المثقفين الألمان الآخرين والنازيين والمعادين للنازية من جيله ، لم يقرأ أبدًا كفاحي .. " [30]
في الواقع ، هناك دلائل جيدة لافتراض أن هايدغر لم يقرأ كتاب هتلر ، كفاحي فحسب ، بل وافق معه. جادل توم روكمور بشكل مقنع بأنه في خطاب توليه منصب رئيس جامعة فرايبورغ ، فإن "إشارات هايدغر المتعددة إلى المعركة هي إشارة واضحة إلى وجهة نظر هتلر المشهورة للنضال من أجل بلوغ غايات الشعب الألماني كما صيغت في كفاحي . " [31]
في مرحلة لاحقة من ملاحظتها ، تسعى أرندت إلى قلب الطاولة على نقاد هايدغر بعرض الأسطورة ، التي صنعها هايدغر بنفسه ، عن سلوكه التعويضي بعد "خطئه":
لقد صحح هايدغر نفسه "خطأه" بسرعة أكبر و أكثر جذرية من العديد ممن جلسوا لاحقًا من اجل الحكم عليه - فقد واجه مخاطر أكبر بكثير مما كان معتادًا في الحياة الأدبية والجامعية الألمانية خلال تلك الفترة. [32]
حتى في عام 1971 ، كانت حنة أرندت أذكى ، أو كان ينبغي أن تكون أذكى ، من الحكاية التي تحدثت عنها في هذا الاعتذار المحرج. كانت تعرف بالتأكيد على سبيل المثال إعادة نشر هايدغر عام 1953 لمقاله الذي يناقش "الحقيقة الداخلية للاشتراكية القومية". كانت تدرك أيضًا ، من خلال صداقتها مع كارل ياسبرز ، السلوك المؤسف الذي أظهره هايدغر تجاه ياسبرز وزوجته اليهودية. (قطع هايدغر جميع العلاقات الشخصية مع ياسبرز وزوجته بعد فترة وجيزة من توليه منصب رئيس الجامعة. ولم يحاول هايدغر إصلاح علاقتهما الشخصية إلا بعد الحرب. وعلى الرغم من التبادل المتقطع للرسائل ، لم يستطع الفيلسوفان إصلاح علاقتهما الشخصية. نتيجة لرفض هايدغر التراجع عن دعمه للنازية).
إن الإشارة إلى "المخاطر الأكبر بكثير" التي قام بها ، مثل "معارضة هايدغر الروحية" للنازية ، هي صدى لفبركات هايدغر بعد الحرب. لماذا إذن أثارت حنة أرندت ، وهي المعارضة الليبرالية البارزة للفاشية ، مثل هذه الحماسة في محاولة إعادة تأهيل سمعة هايدغر؟ يمكن للمرء أن يخمن فقط. ربما كان هناك عنصر من الولاء لمعلمها السابق ، وهو ولاء توتر لكنه لم ينقطع بالرغم من اضطهادها على أيدي النازيين وسنواتها في المنفى. (في وقت من الأوقات وجدت نفسها في سجن نازي. وفي وقت لاحق عندما اندلعت الحرب ، كانت محاصرة في فرنسا التي احتلها النازيون ، و تمكنت من الهروب بجرأة). التفسير الأكثر كرماً لدفاعها البشع عن هايدغر هو أنها ابتعدت عن حقيقة لم تستطع مواجهتها.
عندما وصل كتاب فيكتور فارياس إلى المتاجر ، كان له تأثير مكهرب على أتباع هايدغر في فرنسا. بعد نشر كتابه "هايدغر والنازية" في أكتوبر من عام 1987 ، نشر في الأشهر التسعة التالية ,ما لا يقل عن ست دراسات حول موضوع هايدغر والنازية. لا ينبغي أن يكون هذا مفاجأة. ففي فرنسا ، تعمق تأثير هايدغر بشكل كبير في فترة ما بعد الحرب. يمتد الدين الفرنسي لهايدغر من وجودية سارتر في أوائل فترة ما بعد الحرب إلى موجات أحدث من البنيوية وما بعد البنيوية والتفكيك المرتبطة بكلود ليفي شتراوس وميشيل فوكو وجاك دريدا. كان ما بعد حداثة جان فرانسوا ليوتار وجان بودريلار يزنان أيضًا تفسيراتهم الخاصة لعلاقة هايدغر بالنازية.
يمكن للمرء ، بشكل عام ، تقسيم نوع الردود على فارياس إلى ثلاث فئات رئيسية. الأولى هي الدفاع غير المشروط عن هايدغر من قبل حراس افكاره التقليديين. يمثل هذه المجموعة فرانسوا فيدييه ، الذي كان ، منذ وفاة أستاذه بوفريه ، المدافع الأكثر ثباتًا عن هايدغر في فرنسا. يستمر فيدييه في إنكار اعتبار نازية هايدغر مشكلة و يبرر فترة رئاسة الجامعة باعتبارها مغازلة شبابية ليس لها أي تأثير على فكر هايدغر. استجابة فيدييه ، في ضوء المادة الضخمة في كتاب فارياس وغيره من الكتب المنشورة منذ ذلك الحين ، لا تحظى بمصداقية كبيرة خارج الاتباع المتحمسين لعبادة هايدغر .
النوع الثاني من ردة الفعل ، يمثله دريدا وأتباعه ، هو الاعتراف بشكل عام بوجود مشكلة في فلسفة هايدغر عموما بقدر ما سمحت له تبعاتها بأن يصبح نازيًا. لكن بعد ذلك حاول دريدا قلب الطاولة على فارياس بالإصرار على أن السبب النهائي وراء تحول هايدغر إلى النازية كان حقيقة أن هايدغر لم يحرر نفسه بشكل كافٍ بحلول عام 1933 من طرق التفكير السابقة لهايدغر، وخاصة العقلانية والإنسانية. وفقًا لمنطق دريدا المغلوط ، بمجرد أن نجح هايدغر في تحرير نفسه من "الميتافيزيقيا" بعد "منعطف" ما بعد عام 1935 ، أصبحت فلسفته أفضل شكل من أشكال مناهضة النازية.
لُخصت وجهة النظر المنحرفة هذه بشكل مناسب من قبل أحد طلاب دريدا ، لاكو لابارث Lacouse Labarthe ، الذي قال إن "النازية هي نزعة إنسانية". كان يقصد بهذا أن الأسس الفلسفية التي قامت عليها تقليد التنوير للإنسانية كان لها عواقبها على هيمنة الإنسانية في خدمة شمولية كونية جامعة. أصبح هذا التفكير سهماً شائعاً في تجارة دريدا ولاكو لابارث وأتباعهما. إن الفكرة القائلة بأن النازية هي مجرد تعبير آخر عن عالمية التنوير عبرت عنها مؤخرًا من قبل الأمريكيين آلان ميلشمان وألان روزنبرغ. يكتبون ، "يمكن النظر إلى مبدأ العلة الكافية ، وأساس التفكير التقني ، في شكله الجامع، والإمبريالي ، على أنه الدعامة الميتافيزيقية التي جعلت الهولوكوست ممكنًا." [33]
من هذا المنطلق ، يبني لاكو لابارث دفاعًا معقدًا عن هايدغر. على عكس الهايدغريين الأرثوذكس ، يقر بأن فكر هايدغر كان متسقًا مع نازيته. ومع ذلك ، يسعى لاكو لابارث بعد ذلك إلى إنقاذ هايدغر بالادعاء بأن هايدغر بعد عام 1935 الذي تغلب على الميتافيزيقيا والإنسانية ، كان خاليًا من أي عيب نازي. يتم ايصال هذه الحجة الغريبة بعد ذلك إلى نهايتها المنطقية من قبل مفكّرين تفكيكيين آخرين يصرون على أن مجيء هايدغر الثاني ليس فقط خاليًا من التلوث الفاشي ، ولكن عمله و لأول مرة يجعل من الممكن لنا "التفكير في الهولوكوست". لئلا يعتقد القارئ أن هذا إسراف جدلي ، استمع إلى كلمات ميلشمان وروزنبرغ :
في حين أن جوانب تفكير هايدغر يمكن أن توفر نظرة ثاقبة لتجربة الإبادة ، وتمكننا من التفكير في أوشفيتز ، يمكن أن تساعدنا الهولوكوست أيضًا على اختراق غموض تفكير هايدغر اللاحق. [34]
من ناحية أخرى ، أُطلق على متهمي هايدغر لقب "الشموليين" في بعض سجلات التفكيكيين. مرة أخرى ، كما رأينا في مقال ارندت ، صُوِّر هايدغر على أنه ضحية أعداء ضيقي الأفق وحساد. من الجانب الآخر من نهر الراين كان المفسر لهايدغر ، هانز جورج غادامير ، يتدخل في الجدل الفرنسي. في صدى غريب لمقال أرندت عام 1971 ، "هايدغر في الثمانين" ، عاد غادامير إلى صورة المفكر حسن النية ولكن الساذج الذي تراجع عن محاولته لتثقيف أمير سيراكيوز. [35]
على عكس الغموض الفلسفي الممارس من دريدا ولاكو لابارث ، فقد ارتفعت بعض الأصوات في الجدالات الفرنسية التي تعترف بوضوح بالمشكلة التي تطرحها علاقة هايدغر مدى الحياة بالفاشية. ومن أبرز هؤلاء بيير بورديو الذي كتب دراسة أساسية عن هايدغر قبل ظهور كتاب فارياس بفترة طويلة. أعيد نشر هذا الكتاب بالفرنسية بصيغة منقحة إلى حد ما بعد الجدل الذي أثاره كتاب فارياس. "الأنطولوجيا السياسية لمارتن هايدغر"، يحاول وضع فلسفة هايدغر في السياق التاريخي الذي نشأ منه هايدغر. في الوقت نفسه ، يتجنب بورديو إغراء اختزال فكر هايدغر ببساطة إلى انعكاس لموقفه التاريخي والطبقي. ينخرط بورديو في تحليل نصي لعمل هايدغر في محاولة لإظهار العلاقة الجوهرية بين فلسفة هايدغر وسياسته. يتميز تحليله النصي عن نوع القراءة "الجوهرية" للنصوص التي تميز دريدا وغيره من علماء التفكيك الذين يعزلون النصوص بشكل مصطنع عن الظروف التاريخية التي تم إنتاجها فيها.
ربما كان أكثر دفاع عن هايدغر فضولًا وإثارة للاهتمام لم يأتِ من فرنسا بل من ألمانيا. نشر إرنست نولت Ernst Nolte ، وهو مؤرخ وصديق قديم لعائلة هايدغر ، سيرة حياة هايدغر في عام 1992 ، “مارتن هايدغر: السياسة والتاريخ في حياته وفكره” . قبل نشر هذا الكتاب ، كان نولت معروفًا في السابق كمؤرخ مراجع للهولوكوست ومدافع عن النازية. يجب أن يُمنح نولت حقه لأنه كان أكثر اتساقًا وصدقًا من الناحية الفكرية من بعض المدافعين الفرنسيين عن هايدغر.
بالنسبة إلى نولت ، لا يمثل تحول هايدغر إلى النازية أي مشكلة على الإطلاق. لا يصر نولت فقط على العلاقة الحميمة بين فلسفة هايدغر ونازيته ، ولكنه يدافع أيضًا عن النازية باعتبارها استجابة ضرورية للتهديد الداخلي والخارجي الذي تشكله الثورة الروسية. بالنسبة إلى نولت ، كانت النازية ردًا ضروريًا على البلشفية ، وكان هايدغر ، بالتحول إلى النازية ، مجرد استجابة لنداء الضرورة التاريخية. ذهب نولت إلى أبعد من ذلك للدفاع عن الهولوكوست كإجراء دفاعي أصبح ضروريًا بسبب عداء يهود العالم للنظام الاشتراكي القومي. تمت صياغة دفاع نولت عن الهولوكوست في السؤال البلاغي التالي:
هل يمكن أن تكون القضية هي أن الاشتراكيين القوميين وهتلر نفذوا فعلًا "آسيويًا" [الهولوكوست] فقط لأنهم اعتبروا أنفسهم وجنسهم ضحايا محتملين أو فعليين لفعل "آسيوي" [سوفياتي]. ألم يسبق "أرخبيل الغولاغ" أوشفيتز؟ [36]
هناك تناسق بين المدافعين الأوائل عن هايدغر وجهود نولت. في حين سعى المدافعون الأصليون إلى تقليل مشاركة هايدغر السياسية ، ثم بناء جدار بين سياسته وفلسفته ، يقلب نولت شروط الحجة. لم يكن هايدغر مفكرًا ملتزمًا بالسياسة منذ البداية فقط من وجهة نظر نولت ، ولكنه اتخذ القرار الصحيح. هو يكتب،
بقدر ما قاوم هايدغر محاولة الحل [الشيوعي] ، كان ، مثل عدد لا يحصى من الآخرين ، على حق تاريخيًا .... بإلزام نفسه بالحل [الاشتراكي القومي] ربما أصبح "فاشيًا". لكن ذلك لم يجعله مخطئا تاريخيا بأي حال من الأحوال. [37]
في مكان آخر ، يعود نولت إلى القصة الاخرى عن هايدغر المفكر الدنيوي الذي تورط لفترة وجيزة في الأمور السياسية التي لم يفهمها. هذه الصورة الخصبة ، التي قدمتها حنة أرندت ، قلبته نولت رأساً على عقب. مما لا شك فيه أنه لم يرغب في السماح ليهودية بالحصول على الكلمة الأخيرة هنا. يكتب عن دعم هايدغر لهتلر قائلاً:
... لم يكن "هروبًا" عرضيًا من عالم الفلسفة إلى السياسة اليومية ولكنه كان مدعومًا بأمل "فلسفي" ... [وكان] ضروريًا لحياته وفكره. [38]
بعبارة أخرى ، تم قطع فكر هايدغر وممارسته من نفس القماش. لم يكن مجرد نازي ، ولكن على حد تعبير توماس شيهان ، كان "نازيًا عاديًا".
أخيرًا ، يجب الإشارة إلى أحدث سيرة ذاتية لهايدغر ، "مارتن هايدغر: بين الخير والشر "لروديجر سافرانسكي ، والذي نُشر لأول مرة باللغة الإنجليزية في عام 1998. هذا الكتاب ، على عكس دعم نولت المفرط لنازية هايدغر ، يعد تراجعًا إلى تقليدية اكثر في الدفاع عن هايدغر. مرة أخرى ، نواجه انقسامًا انفصاميًا بين الرجل والفيلسوف هايدغر. يقدم المؤلف بجد الحقائق المعروفة لارتباط هايدغر بالنازية. لم يعد من الممكن إنكار هذه الحقائق. في الوقت نفسه ، يقدم قراءة إيجابية إلى حد كبير لأفكار هايدغر.
بينما يتجنب المبالغات والتمارين المنطقية التي قام بها لاكو لابارث وغيره من خبراء التفكيك ، يبدو أن سفرانسكي غير قادر على إصدار أي حكم جوهري حول موضوعه. يعتبر هذا النقص ، وهو علامة تجارية شائعة للسير و التأرخة الحديثة ، ميزة في السياق الثقافي الكئيب اليوم. كلمات السر هنا "موضوعية" و "متوازنة". على الرغم من التفاصيل الدقيقة للحقائق ، هناك القليل من الفهم. هذا الكتاب بطريقته الخاصة هو مساهمة أخرى في التستر. في النهاية ، يثني سفرانسكي على جانب أولئك الذين يثنون على هايدغر لأنه أتاح لنا إمكانية "التفكير في أوشفيتز". هو يكتب:
حقيقة أن هايدغر رفض فكرة أنه يجب أن يدافع عن نفسه كشريك محتمل في القتل لا تعني أنه ابتعد عن تحدي "التفكير في أوشفيتز". عندما يشير هايدغر إلى انحراف الإرادة الحديثة الى السلطة ، والتي من أجلها أصبحت الطبيعة والإنسان مجرد "دسائس " ، فهو دائمًا ما يقصد صراحةً أم خفية، أوشفيتز . بالنسبة له ، كما بالنسبة لأدورنو ، أوشفيتز هي جريمة نموذجية في العصر الحديث. [39]
لا يمكننا عدم التعليق على غطرسة تقريب سفرانسكي بين هايدغر وثيودور أدورنو. احتقر أدورنو هايدغر ولم يكن لديه سوى الازدراء بـ "رطانة الأصالة" عند هايدغر ، والتي اعتبرها شكلاً من أشكال الدجل الفلسفي يظهر نفسه كبصيرة عميقة. هذا الكتاب الكئيب ، على الرغم من ذكره للحقائق ، لا يمثل سوى تقديم أعذار عن تورط هايدغر مع النازية. ومع ذلك فقد قوبلت بتعليقات إيجابية إلى حد كبير.
مثال نموذجي هو ريتشارد رورتي ، الذي كتب ،
كان هايدغر غافلًا عن عذاب أصدقائه وزملائه اليهود ، ولكن بعد عام من الدعاية والتنظيم المحموم ، لاحظ أن كبار المسؤولين النازيين لم يهتموا به كثيرًا. كان هذا كافياً ليُظهر له أنه بالغ في تقدير الاشتراكية القومية. لذا فقد تراجع إلى كوخه الجبلي ، وكما يقول سفرانسكي بشكل جيد ، استبدل الحسم بالرزانة. بعد الحرب العالمية الثانية ، أوضح ، بشكل إبداعي ، وإن كان بهوس محموم ، أن الأمركة ، والتكنولوجيا الحديثة ، والتقليل من قيمة الحياة ، والنسيان التام للوجود (أربعة أسماء ، كما اعتقد ، للظاهرة نفسها) لا رجوع فيها. [40]
مرة أخرى ، نلتقي بالشخصية اليومية للمفكر حسن النية ولكن المجروح الذي "تراجع إلى كوخه الجبلي". على الأقل هذه المرة ، نجونا من عودة أخرى من سيراكيوز. يجب أن نشير إلى أنه لا يوجد أساس حتى في كتاب سفرانسكي لاستنتاج أن هايدغر ، بعد "عام من الدعاية والتنظيم المحموم" ، فترة عمله كرئيس للجامعة في فرايبورغ ، "انسحب" من الصراع السياسي. ما يقوله سفرانسكي هو أنه على مدى عدة سنوات بعد استقالته من منصب رئيس الجامعة ، خفف هايدغر تدريجيًا من ارتباطه بالنازية ، دون قطعها تمامًا حتى عام 1945.
اتضح أن هايدغر لديه مدافعون خارج فيلق التفكيكيين الفرنسيين. يمثل رورتي اتجاهًا ظهر في السنوات الأخيرة بين البراغماتيين الأمريكيين ، وهو اتجاه حاول دمج البراغماتية مع عناصر الفلسفة القارية. بصفته متحدثًا رسميًا للبراغماتية الأمريكية ، سعى رورتي قبل كل شيء إلى تجنيد أتباع هايدغر لقضيته. في القسم التالي سوف ندرس بإيجاز الأساس الفلسفي لهذا المزيج الفضولي من تقاليد متباينة على ما يبدو. ومع ذلك ، يكشف حتى النظرة السريعة أنه عندما يركز رورتي على العلاقة بين سياسة هايدغر وفلسفته ، فإننا نخدم بنسخة أخرى من الموضوع المألوف الآن لهايدغر وهو يتعثر بالصدفة في النازية.
في مقال تمت مراجعته مؤخرًا في عام 1989 ، بعد نشر كتاب فارياس بفترة طويلة ، كتب رورتي أن "... كان هايدغر مجرد نازي بالصدفة". ثم توسع في هذا الفكر في ملاحظة مع الشرح التالي ،
كان فكره [هايدغر] ، بالفعل ، معاديًا للديمقراطية في الأساس. لكن الكثير من الألمان الذين كانوا يشككون في الديمقراطية والحداثة لم يصبحوا نازيين. فعل هايدغر لأنه كان انتهازيًا شديدًا وأكثر جهلًا سياسيًا من معظم المثقفين الألمان الذين يشاطرونه شكوكه. [41]
على الرغم من أن رورتي يلقي ببعض الكلمات القاسية نحو هايدغر ، لتوصيفه لهايدغر "الجاهل" و "الانتهازي" ، فإن جوهر عرضه هو صورة كاريكاتورية أخرى للفيلسوف الساذج الذي لا يفهم ما يجري. بحلول هذا الوقت ، أصبحنا على دراية بهذه الحجة. لقد رأينا اختلافات نفس الحجة حول فترة عمل هايدغر كرئيس، في المدافعين التقليديين عن هايدغر في فرنسا ، وفي تأملات الأصدقاء الشخصيين مثل حنة أرندت ، وفي الشكل المقلوب المؤيد للنازية في سيرة نولت. إن إمكانية تكرار هذه الحجة إلى حد الغثيان ، في مواجهة مجموعة متزايدة باستمرار من الحقائق التي تثبت أن علاقة هايدغر بالنازية كانت أكثر من مجرد عرضية ، وهذا يدل على أننا لا نتعامل هنا مع حكم موضوعي وأكاديمي ، ولكن بسوء نية و اعتذاري.
استمر الجدل في فرنسا لمدة عامين تقريبًا بعد نشر كتاب فارياس عام 1987. في الوقت الحاضر ، لا يُسمع سوى القليل جدًا هناك عن سياسات هايدغر. في المقابل ، منذ بداية التسعينيات ، استمرت المناقشة بلا هوادة في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى والدول الأخرى الناطقة باللغة الإنجليزية. في الواقع ، ظهرت ثلاثة كتب منفصلة حول هذا الموضوع منذ عام 1997. من بينها ، كتاب جوليان يونغ ، "هايدغر ، الفلسفة ، النازية" ، و هو حكاية قصصية في تقليد التبييض الهايدغري. في الواقع ، أعلن المؤلف عن نواياه من البداية ، حيث قال: "يهدف هذا العمل إلى توفير ما يمكن وصفه بأنه" إجتثاث النازية "من هايدغر." [42]
يلخص توم روكمور نكهة كتاب يونغ في مراجعة حديثة. يكتب روكمور ،
باختصار ، وفقًا ليونغ ، على الرغم من النصوص العديدة التي تشير إلى عكس ذلك (على سبيل المثال ، التعليق في شبيغل-جيسبراخ ، حيث يشكك هايدغر في النموذج الديمقراطي) ، يتبين أن نفس الفيلسوف يشبه إلى حد ما أنا وأنت: خفيف الدم ، من دعاة الديمقراطية الليبرالية. هذا لايقدم صورة هايدغر ذات مصداقية ، بل بلا مصداقية ... [43]
من الواضح أنه بعد مرور ربع قرن على وفاة هايدغر ، لا يزال التستر مستمرًا. في الوقت نفسه ، لا نرغب في الإيحاء بغياب التوجهات المعاكسة التي تعمل على فضح سياسات هايدغر. في الواقع ، لقد رأينا في العام الماضي فقط نشر ما قد يكون أهم دراسة لفلسفة هايدغر في سياق سياسته ، أي عمل يوهانس فريتش ، "المصير التاريخي والاشتراكية القومية في كينونة هايدغر وزمانها". سوف نعلق على هذا الكتاب في القسم التالي.
#دلير_زنكنة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مارتن هايدغر الفيلسوف و النازي: السجل
-
ماركس و الوضع البشري لحنة أرندت
-
ميشيل فوكو الراديكالي المزيف
-
القضية الهندية الباكستانية؛ رد فعل على -هجوم إرهابي- بـ-هجما
...
-
رسائل إينيسا و لينين
-
الذكاء الاصطناعي: لصالح أرباح رأس المال أم احتياجات الناس؟
-
لاي تيك، السكرتير العام الخائن للحزب الشيوعي المالايي
-
ضد تشاؤم جيجيك.الأمل والإرادة وجدلية التحرير
-
أكثر من 7000 شخص قتلوا في مجازر سوريا
-
فلسفة برتراند راسل السياسية والاقتصادية
-
لا يوجد شيء اسمه سلاح نووي تكتيكي
-
الفاشية. الثورة الزائفة
-
هل فكرة -زوتشيه- في كوريا الشمالية ماركسية حقاً؟
-
لماذا نعيد تصور جورجيا السوفييتية؟
-
20 عامًا من اقتصاد بوتين
-
اكثر من (770 الف) مشرد في الولايات المتحدة الاميركية !
-
الماركسية والمنهج
-
مفهوم الذات في ظل الرأسمالية والماركسية ومتطلبات القرن الحاد
...
-
ماذا قال ديفيد بن غوريون؟
-
الحرارة المميتة في السجون الأميركية تنتهك قوانين القسوة على
...
المزيد.....
-
سوريا ـ مئات المتظاهرين في السويداء يطالبون بـ-حق تقرير المص
...
-
في اليوم الرابع... صدامات جديدة بين الشرطة وآلاف المتظاهرين
...
-
مروان البرغوثي مانديلا فلسطين .. تاريخ نضال الأسير القائد في
...
-
احتجاجات ورفض لتقسيم أوكرانيا.. متظاهرون غاضبون من قمة ألاسك
...
-
بيان صادر عن القوى والفصائل الفلسطينية من القاهرة
-
القوى والفصائل الفلسطينية: الأولوية لوقف العدوان ورفع الحصار
...
-
بلاغ الكتابة التنفيذية للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الاتح
...
-
القوى والفصائل تؤكد أن الأولوية القصوى في هذه المرحلة هي الو
...
-
الاشتراكي الديمقراطي ”الحكومة فشلت في ادارة الاقتصاد” - يطال
...
-
محمود عباس يؤكد ضرورة تسليم الفصائل الفلسطينية سلاحها للسلطة
...
المزيد.....
-
مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي
...
/ مسعد عربيد
-
أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا
...
/ بندر نوري
-
كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
المزيد.....
|