|
ماركس و الوضع البشري لحنة أرندت
دلير زنكنة
الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 08:20
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
و .أ. سوشتينغ W. A. Suchting
ترجمة دلير زنگنة
Marx and Hannah Arendt s The Human Condition. Author(s): W. A. Suchting Source: Ethics, Vol. 73, No. 1 (Oct., 1962), pp. 47-55
ماركس و الوضع البشري لحنة أرندت. المؤلف: و. أ. سوشتينغ المصدر: مجلة الأخلاق، المجلد 73، العدد 1 (أكتوبر 1962)، الصفحات 47-55
https://marxismo21.org/wp-content/uploads/2014/01/Marx-H-Arendt-W.A.Suchting.pdf
………
"الوضع البشري " عبارة متداولة كثيرًا في السنوات الأخيرة. من المهم الاشارة الى انها قد استعيرت من مونتين Montaigne ، لأن عصره، مثل عصرنا، كان يتميز بتغيرات سريعة وجوهرية في كل مجال من مجالات الحياة. في مثل هذه الفترات، عندما لم يعد الإطار التقليدي العرفي للمبادئ (الضمنية والصريحة)، قادرًا على توفير اتجاه لا جدال فيه للفكر والعمل، وليس في أوقات الاستقرار النسبي الاجتماعي، الأسئلة التي تضمنتها العبارة المذكورة - طبيعة الإنسان، ومكانته في النظام الكلي للوجود، والنمط الأساسي لتغيراته، وما إلى ذلك- نوقشت بشكل واسع ومكثف.
إحدى السمات المحددة للمناقشات الأحدث – ولنقل على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية – كان البروز المتزايد لمحاولات شرح وتقييم مساهمات ماركس في هذه المسألة، أو على الأقل، نتائج أفكاره ذات الصلة في هذا السياق. وقد قام بهذا و إلى حد كبير ،غير الماركسيين . إن تاريخ قبول ماركس في العالم الأكاديمي لم يُكتب بعد. وعندما يتم ذلك، فإنه سيكون سجلًا ذا أهمية قصوى لفهم التاريخ الفكري لما يقرب من المائة عام الماضية. فمنذ كان يعتبر في البداية اقتصاديًا بحتًا، أصبح الآن في خطر اعتباره فيلسوفًا خالصًا، وفي المقام الأول فيلسوفًا للإنسان والمجتمع.
يعد كتاب حنة أرندت "الوضع البشري" 1 مثالًا على هذا الترابط بين المواضيع. شرعت في إعادة النظر في الموضوع الذي يشكل عنوان كتابها "من وجهة نظر أحدث تجاربنا ومخاوفنا الأخيرة" (ص 5). تشكل بعض أفكار ماركس المركزية، وفقًا للآنسة أرندت، موضوعًا مركزيًا للمرجع والمناقشة في جميع أجزاء الكتاب. باختصار، وجدت الآنسة أرندت الكثير من أفكار و تحليلات ماركس عميقة ومثمرة. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنها تنأى بنفسها صراحة عن المهنية، مهنية الماركة المسجلة لدحض ماركس - والتي غالبًا ما تدمج، كما تلاحظ، مع الانتحال من أعماله (ص 79) - فإنها تجد "تناقضًا أساسيًا وصارخًا" "يسري "مثل خيط أحمر في كل فكر ماركس" (ص 104)، وهذا يؤدي إلى"منافاة للعقل واضحة" (ص 102).
لم تتلق الآنسة أرندت إشادات قليلة لتاريخها عن الشمولية - كتابها عن "الوضع البشري" منتشر بشكل واسع. وقد أشادت المراجعات الحماسية في عدد من المجلات الجادة والمؤثرة بفكرها المركّز و الحاد و بسعة اطلاعها. وقد أعيد نشره بالفعل في سلسلة رائدة ذات غلاف ورقي. يبدو أن خلاصة كل هذا هي أن الكتاب مضمون بشكل معقول بتوزيعه على نطاق واسع إلى حد ما وأن ادعاءاته سيتم التعامل معها بقدر كبير من الاحترام.
من الواضح أن العديد من جوانب الكتاب تتطلب مناقشة نقدية. ولعل الأول هو منهجها العام 2. والأمر الآخر هو تفسيرها للآثار الفلسفية العامة للعلم الحديث، وخاصة الفيزياء. 3 ومع ذلك، ستقتصر المناقشة التالية على معاملتها لماركس. سيكون الهدف من هذه المناقشة،أولا، إظهار أن تفسيرها لماركس خاطئ تماما، وأنه لا يوجد أي أساس على الإطلاق لادعائها عن "التناقض" في فكر ماركس. ثانيا، سيتم بذل بعض المحاولات (إلى حد كبير في سياق متابعة الهدف الأول) لشرح بعض النقاط في فكر ماركس ذات الصلة بمناقشة "الوضع البشري"،وخاصة في شكله المعاصر، وذلك جزئيا بهدف الإشارة إلى أن هذا الفكر يوفر أداة وصفية وتفسيرية أكثر إرضاءً بكثير من تلك التي قدمتها الآنسة أرندت.
ومن خلال القيام بذلك، فإن المرء يخاطر بفقط إجراء تمرين آخر في علم الاقتباس quotology . ومع ذلك، يجب مواجهة هذا الخطر، لأنه إذا أردنا الاستفادة على أفضل وجه من رؤى ماركس، إذا كنا سنحاول تجاوز ماركس، فيجب أن نفهمه أولاً. يجب تجاوز ماركس، وليس القفز فوقه. باستخدام المصطلح الهيغلي ذي الحدين الذي كان مولعًا به بشدة، يجب aufgehoben أفكاره.
اولا
قبل أن أشرح بالتفصيل انتقادات الآنسة أرندت لماركس، لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط في وجهات نظرها الخاصة. وفقًا للآنسة أرندت، فإن "أبسط التعبيرات عن الوضع البشري" هي "العمل Labor"، و"الاثر Work "، و"الفعل Action ". الأولين فقط هما المناسبان للمناقشة التالية. الشروط الموضوعية لهذه هي، على التوالي، الحياة (الجسد من وجهة نظر بيولوجية فسيولوجية) و"الانتماء الى العالم" (بيئة المصنوعات التي صنعها الإنسان). العمليات المعنية هي تكرار خالص (التمثيل الغذائي metabolism المستمر بين الجسم ككيان مادي والعالم الطبيعي الذي هو جزء منه) و الكثرة (أيضًا “التشيؤ”). يتميز "الاثر" عن "العمل"، أولا، بالدوام النسبي لمنتجاته ("أشياء للاستخدام" دائمة نسبيا مقابل "السلع الاستهلاكية" غير الدائمة تماما")، وثانيا، حقيقة أنه "ينفذ بحسب نموذج يبنى الشيء وفقه… صورة تتأملها عين الفكر أو تصميمًا " (ص 140).4. تصف الآنسة أرندت العصر الحديث بأنه عصر "المجتمع"Society ، وهو مصطلح له معنى خاص جدًا في كتابها. ولأغراض المناقشة الحالية، ليس من الضروري شرح هذه الفكرة بالتفصيل. ويكفي أن نلاحظ أن تطور "المجتمع" قد بلغ ذروته الآن في ظهور "العمل" باعتباره النمط السائد في "الوضع البشري". إن الحيوان العامل يحكمه "مبدأ السعادة" (ص 308 وما يليها)، والسعادة هي "الخير الاسمى" ،هي "الحياة" بالمعنى البيولوجي البحت المتمثل في امتلاك وفرة من السلع الاستهلاكية والاستمتاع بها (ص 313 وما يليها)، بحيث تكون المهمة والهدف الوحيد للأغلبية الساحقة من الناس (بشكل عام، الجميع باستثناء الفنانين) هو إنتاج واقتناء واستهلاك السلع الاستهلاكية (الصفحات 125-28، 209). ويترتب على ذلك أن المجتمع العامل هو اقتصاد نفايات: نشاطه كله هو العمل، وهذا تمثيل غذائي مستمر بين الإنسان والطبيعة يعتمد على الاستهلاك المباشر لما يتم إنتاجه من خلال العمل؛ وإلا سينهار النظام برمته (ص 126، 134).
لكن السعادة الحقيقية تتطلب توازنا بين الجهد والراحة، والتوتر والاسترخاء، وقد قامت التقنية الصناعية الحديثة والتنظيم الاجتماعي بتبسيط وتسهيل غالبية المهام لدرجة أنه لم يعد من الممكن أن نطلق عليها اسم "العمل" على الإطلاق؛ يُطلق على الأشخاص الذين يقومون بها اسم "الموظفين "Jobholders أكثر من "العمال"Laborers . هذه المرحلة:
تطالب أعضاءها باشتغال آلي محض كما لو كانت الحياة الفردية ،بالفعل ، قد اكتسحت في المسار الشامل لحياة النوع البشري ، و كما لو ان القرار العملي الوحيد الذي ما يزال مطلوبًا لدى الفرد قد كان ترك سبيل فرديته، ان شئنا، و التخلي عنها، فالم العيش باعتباره ما يزال الماً يشعر به الفرد ، و اضطرابه و الرضا عن سلوك اخرق قد "هدئ" من روعه سلوك من نوع وظيفي. [ص 322].
تصبح الحياة عديمة الجدوى، بلا معنى. الإنسان المستهلك هو مخلوق جشع لا يمكنه استخدام وقت الفراغ إلا من أجل استهلاك المزيد. ويكمن الخطر في أنه مع ظهور الأتمتة، التي تجعل القضاء شبه الكامل على جميع أنواع العمل احتمالًا واضحًا، سيتم حرمانه من النشاط الوحيد، إلى جانب الاستهلاك، الذي هو قادر عليه (ص 5، 133-34). ، 135، 321-22).
دعونا نرى أين تحدد الآنسة أرندت التناقض الأساسي في فكر ماركس. يمكن العثور عليه في "موقف ماركس تجاه العمل، وهذا يقع في قلب فكره" (ص 104). فمن ناحية، تقول الآنسة أرندت، يعرّف ماركس الإنسان بأنه حيوان عامل (حسب ما تعنيها من "العمل")؛ ومن ناحية أخرى يرى مهمة وهدف الثورة الاجتماعية، الاشتراكية والشيوعية، تحرير الانسان من العمل (ص 104، 130). لكن: "التحرر من العمل، بحسب مصطلحات ماركس، يعني في نهاية المطاف التحرر من الاستهلاك أيضًا، أي من عملية التمثيل الغذائي مع الطبيعة التي هي شرط الحياة الإنسانية" (ص 131).
من وجهة النظر هذه، فإن ماركس، بعيدًا عن أن يكون نبي المستقبل، هو بالأحرى المنظر الأكثر اتساقًا وشمولاً لمجتمع العمل المعاصر، ومجتمعه المثالي "البشرية الاشتراكية" - مجرد "مجتمع كثرة العمال" (ص 118). عند ماركس
"قد تبقت... قوة مسار الحياة نفسها، التي يخضع لها كل البشر و كل الأنشطة البشرية بالتساوي …والتي كان هدفها الوحيد، إذا كان لها هدف على الإطلاق، هو استمرارية رجل الانواع الحيوانية. لم تعد أي من القدرات العليا للإنسان ضرورية لربط الحياة الفردية بحياة النوع؛ أصبحت حياة الفرد جزءًا من مسار الحياة، وكان العمل ،لضمان استمرارية حياة الفرد وحياة عائلته ،هو كل ما نحتاجه" [ص 321؛ راجع 60، 72، 89].
فهو، مثل بيرغسون ونيتشه، يمجد "الحياة" باعتبارها الخالق الديناميكي لكل القيم؛ فهو يساوي الحياة Life بالوجود Being (ص 117، 172، 313).
ثانيا
دعونا الآن نقارن رواية الآنسة أرندت عن ماركس بكلمات ماركس نفسه.
لا يمكن أن يكون هناك شك في أن ماركس اعتبر العمل (Arbeit)، وعلى وجه الخصوص، العمل عن طريق الأدوات، السمة التي تميز الإنسان عن بقية المملكة الحيوانية. والسؤال إذن هو ما إذا كان ماركس يقصد بهذا "العمل" بمعنى الآنسة أرندت، وما إذا كان قد خلط بينه وبين ما تسميه "الاثر".
جرت مناقشة ماركس المركزية حول "عملية العمل" في المجلد الأول من كتاب رأس المال.5 ويؤكد هنا أنه لا يعنيه «أول أشكال العمل الحيوانية والغريزية»، بل العمل في الشكل "الذي هو خاص بالإنسان". ويجد هذه الخصوصية للعمل البشري في حقيقة أن هذا الأخير يؤدي إلى شيء "كان موجودًا مسبقًا في خيال العامل، في بداية العملية، وكان موجودًا كفكرة". إن العمل البشري "لا …يؤثر (bewirkt) فقط على تغيير شكل الأشياء الطبيعية" كما تفعل الحيوانات والحشرات، ولكنه في الوقت نفسه "يحقق (verwirklicht) هدفه الخاص" في الطبيعة. 6 ولكن هذا هو بالضبط المعيار الثاني من معايير الآنسة أرندت لـ "الاثر"، كما ذكرنا سابقاً.
المعيار الآخر هو الدوام. لكن هذه الخاصية، المتعلقة بالمنتج وليس بالعملية التي تنتج المنتج، هي ببساطة خاصية للوقت والاستخدام، عوامل كمية بحتة، ومتجانسة نوعيا لا يمكنها أن توفر معيارا للتمييز الجوهري، كونها خواصاً عرضية للشيء. إن التمييز بين "السلع الاستهلاكية" و"أشياء الاستخدام" من وجهة نظر الدوام هو أمر نسبي و مشروط للغاية.
وهكذا يبدو، من وجهة النظر هذه على الأقل، أن "اثر" الآنسة أرندت يتطابق مع "عمل" ماركس.
تقر الآنسة أرندت، في الواقع، بأن ماركس كان لديه "ترددات بين الحين والآخر" بشأن مفهومه للعمل (ص 99، رقم 36)، وأنه يوجد في عمله، إلى جانب المفهوم المهيمن للعمل (حسب فهمها)، الاثر (بحسب فهمها) أيضا . لكن حقيقة أن ماركس لم يكن مهتمًا حقًا بالاثر، بل بالعمل فقط، تظهر من خلال حقيقة أن "عنصر "الخيال" البالغ الأهمية لا يلعب ظاهريًا أي دور على الإطلاق في نظرية العمل الخاصة به"، و انه في المجلد الثالث من كتابه رأس المال يكرر أن العمل الفائض بما يتجاوز الاحتياجات المباشرة يخدم "التوسع التدريجي لعملية إعادة الإنتاج".
لقد رأينا للتو أن وجهة نظر الآنسة أرندت بكل بساطة خاطئة: في مناقشة ماركس المركزية لنظريته في العمل، فإن "عنصر الخيال" على وجه التحديد هو الذي يلعب الدور الأساسي. إن حقيقة أنه لا يكرر هذه النقطة باستمرار في كل مرة تطرح فيها فكرة "العمل" أمر يمكن فهمه بسهولة إذا تذكرنا أن ماركس لم يكن مهتمًا بشكل أساسي بعملية العمل بشكل عام - بتلك السمات المشتركة بين جميع أنماط الإنتاج - بل بالأحرى بالسمات المحددة للأشكال المختلفة المعطاة تاريخيًا (والممكنة تاريخيًا) لعملية العمل، وبشكل خاص، بالطبع، تلك التي تشكل أساس النظام الاقتصادي الرأسمالي. وهذا هو أيضًا سياق المقاطع في المجلد الثالث من رأس المال التي أشارت إليها الآنسة أرندت. حتى في الصفحة 872 (الطبعة الألمانية، 1949)، لا يقول ماركس إن كل فائض عمل يتجاوز الحاجات المباشرة يخدم "التوسع التدريجي لعملية إعادة الإنتاج". يقول: "إن كمية محددة من فائض العمل مطلوبة للأمن ضد الطوارئ، من أجل التوسع التدريجي الضروري لعملية إعادة الإنتاج بما يتوافق مع تطور الحاجات وزيادة السكان، وهو التوسع الذي يبدو من وجهة نظر الرأسمالية بمثابة تراكم". في الصفحة 278 من نفس المجلد يشرح أنه في ظل ظروف الإنتاج الرأسمالي، "يظهر رأس المال وتوسعه الذاتي (Selbstverwertung) كنقطة انطلاق وخاتمة، كدافع وهدف للإنتاج ... "إن الإنتاج هو إنتاج من أجل رأس المال فقط، ووسائل الإنتاج ليست، على العكس من ذلك، مجرد وسيلة لإعادة تصميم (Gestaltung) عملية الحياة المتوسعة باستمرار لمجتمع المنتجين". وتقول الآنسة أرندت علاوة على ذلك، وكأنها تضع اللمسات الأخيرة على حجتها، أن "ماركس ظل مقتنعًا بأن ميلتون قد كتب الفردوس المفقود لنفس الاسباب التي تجبر دودة القز على انتاج الحرير . 7 ولكن ماركس قد اسئ فهمه هنا ايضا. فماركس كان يقارن هنا بين ميلتون ودودة القز ليس من حيث طبيعة عمليات العمل الخاصة بكل منهما (وبشكل خاص، لم يكن يقول بالتأكيد إن العمل المبذول في إنتاج قصيدة ميلتون كان عملية فسيولوجية بحتة مثل إنتاج الحرير بواسطة الدودة) ولكن من حيث حقيقة مفادها أنه في كل حالة، كان ما تم إنتاجه هو تحقيق فوري وعفوي أو تعبير عن ماهية وجود او طبيعة كل منهما. ويصبح هذا واضحًا عندما نأخذ في الاعتبار بقية المقطع، الذي اقتبسته الآنسة أرندت جزئيًا فقط. يواصل ماركس: "لقد كان"، أي الفردوس المفقود، "مظهرًا فاعلًا(Betätigung) لطبيعته".8 في مقطع من المخطوطات الفلسفية الاقتصادية Oekonomnisch-philosophische Manuskripte لعام 1844 - الذي اقتبسته الآنسة أرندت (ص 102، ملاحظة 41) في النص الألماني الأصلي ـ ولكن ليس بدقة تامة ـ يقول ماركس إن الحيوان "لا ينتج إلا تحت ضغط الحاجة الجسدية المباشرة، في حين ينتج الإنسان مستقلاً عن الحاجة المادية ولا ينتج حقاً إلا عندما يكون متحررًا من هذه الحاجة".9
وهذا كل ما في الأمر بالنسبة للنقطة الأولى التي طرحتها الآنسة أرندت، والتي تشكل الخطوة الأولى في إثباتها للتناقض الأساسي في فكر ماركس. فلننظر الآن إلى الخطوة الثانية.
لقد رأينا للتو أن ماركس يميز الجنس البشري من خلال النوع المحدد من عملية العمل التي يقوم به. ويقول أيضاً في كتابه المبكر "الأيديولوجية الألمانية" (الذي كتبه بالاشتراك مع إنجلس) إن "الثورة الشيوعية... تلغي (beseitigt) العمل " (نقلاً عن الآنسة أرندت، ص 104، ملاحظة 49). ولكن التناقض الظاهري هنا يذوب ببساطة شديدة عند معرفة أن "العمل" يُستخدم بمعنيين، عام ومحدد. إن ماركس (وإنجلس ) لم يقصدا أن الشيوعية (بالمعنى الماركسي الأصيل للمصطلح) سوف "تقضي" على العمل بشكل عام، بمعناه بأنه يشكل مكوناً للكائن البشري بحد ذاته، بل إنها سوف تلغي نوعاً معيناً من العمل. وهذا واضح تماماً من العديد من المقاطع. وعلى هذا ففي أحد أعماله المتأخرة، نقد برنامج غوتا (سلسلة من الملاحظات نشرت بعد وفاته)، يتحدث ماركس عن "مرحلة أعلى من المجتمع الشيوعي... بعد أن يصبح العمل... الحاجة الأولى للحياة". 10 وفي كلماته الإضافية في هذا المقطع يشرح بإيجاز نوع العمل الذي يناقض النوع الأعلى المذكور أعلاه. ويقول إن هذا النمط الأعلى من العمل سوف ينشأ (على أساس اجتماعي جديد) "لقد اختفى عبودية الفرد لتقسيم العمل، وبالتالي اختفى التناقض بين العمل العقلي والعمل البدني، بعد أن توقف العمل عن كونه "وسيلة للعيش فقط". 11 دعونا ننظر إلى هذا بمزيد من التفصيل.
وفقًا لماركس، فإن العمل بالمعنى المحدد في، على سبيل المثال، رأس المال، هو بالتأكيد الوسيلة الأساسية للحفاظ على الذات واستمرار النوع. ولكنه أكثر من ذلك بكثير - فالحيوانات، على سبيل المثال، تستمر في العيش والتكاثر بدون عمل بالمعنى الإنساني المحدد. "إن الطريقة التي ينتج بها البشر وسائل معيشتهم ... لا ينبغي اعتبارها ببساطة إعادة إنتاج للوجود الجسدي للأفراد. بل إنها ... أسلوب حياة محدد من جانبهم".12 العمل هو الوسيلة الرئيسية للإنسان للمعرفة والتطور. لقد استعان ماركس هنا بشكل كبير (مع التحولات النظرية الأساسية) بمعالجة هيغل للعمل، وخاصة في كتابه Phänomenologie des geistes. لقد تصور هيغل الإنسان باعتباره "نتيجة لعمله الخاص".13 وفي محاولته تشكيل العالم الموضوعي في أشكال يحتفظ بها في خياله (بدافع من احتياجات الوجود في المقام الأول)، يكتشف الإنسان القوانين المستقلة عنه التي تحكم هذا العالم. وفي الوقت نفسه، في محاولته إنجاز هذا التحول للعالم، يجب عليه أن يستدعي (ومن ثم يكتشف في كثير من الأحيان) قواه الخاصة، علاوة على ذلك، يطورها. إن الإنسان يخلق أنواعاً جديدة من الأشياء، ليست موجودة بالفعل في الطبيعة، وهذه الأنواع الجديدة تشكل شرطاً لتطور أساليب الإدراك المقابلة (على سبيل المثال، تطور الحس الموسيقي الإنساني ) 14
وإذا اكتشف الإنسان العالم الطبيعي وطوره، وطور نفسه كجزء من هذا العالم ـ وإن كان متميزاً عنه، بقدر ما يمتلك القدرة الفريدة على تحويله بوعي ـ فإنه لا يستطيع أن يكتشف ويطور بطريقة معقدة ولكن متكاملة إلا إذا كان عمله بالمثل يتم بطريقة معقدة ولكن متكاملة. ولكن ماركس يزعم أن تقسيم العمل الذي شكل الأساس لأنماط الإنتاج المختلفة التي ابتكرها الإنسان طوال معظم تاريخ البشرية (على الأقل التاريخ "المتحضر") وقف في طريق هذا. وحتى نهاية العصور الوسطى كان تقسيم العمل في الأغلب يتم، من ناحية، إلى أقسام الإنتاج الأساسية (الزراعة والصناعة، إلخ)، ومن ناحية أخرى إلى فروع جانبية مختلفة من هذا التقسيم العام للعمل (على سبيل المثال، الحرف المختلفة). واعتبر ماركس أن حتى هذه الدرجة من تقسيم العمل تؤدي إلى "بعض الشلل للعقل والجسد"، بقدر ما يصبح العقل والجسد البشري محصورين في نوع واحد فقط من النشاط.15 ولكن على الأقل في هذه الفترة كان البشر يمتلكون مواد وأدوات العمل الخاصة بهم، وكانوا يصنعون منتجات كاملة وفقًا لتصميماتهم وطرقهم الخاصة، وكانوا يتصرفون فيها بشكل مباشر؛ وعلاوة على ذلك، كانوا ينتجون كأعضاء حقيقيين في المجتمعات المحلية . غير ظهور الرأسمالية كل هذا. تفترض الرأسمالية أن الأغلبية لا تتمتع بدرجة كبيرة من ملكية وسائل الإنتاج ولا روابط جماعية قد تمنعهم من الظهور كقوة عمل "حرة" في السوق. لقد أدخلت المرحلة الأولى من نظام الإنتاج الرأسمالي (حتى الثورة الصناعية تقريبًا) تقسيم العمل الرأسمالي المميز الذي يتألف من تجميع عدد من العمال في منشأة واحدة، حيث يقوم كل عامل بعملية جزئية واحدة فقط، ولا يكتمل المنتج إلا بعد مروره على التوالي بين أيدي الجميع. لقد أدخلت الثورة الصناعية بعض التغييرات المهمة هنا، ولكن بشكل عام كانت مجرد تكثيف لما كان موجودًا بالفعل في هذه المرحلة.
في دراسته الشاملة الأولى لنوعية الحياة في ظل الرأسمالية (مخطوطات عام 1844)، رأى ماركس أن الإنسان يعاني من "الاغتراب" (Entfrem-dung). فهو في المقام الأول مغترب عن المنتج، الناتج من عمله، وذلك بسبب استملاكه له والتصرف فيه من قبل صاحب العمل دون الرجوع إليه.16 وثانياً، فهو مغترب من وجهة نظر فعله الإنتاجي، بقدر ما يكون العمل الذي يؤديه خارجياً تماماً وغريباً عن شخصيته الفردية - مما لا يؤدي الى إشباع حاجاته الداخلية، ولا تطوير لقدراته الشخصية ، لانه يفرض عليه من الخارج،، دون أي إشارة إلى تفرده.17 وأخيراً، يصبح الإنسان مغتربًا عن أقرانه. فالإنسان حيوان اجتماعي (Gattungswesen كما يقول ماركس)؛ إن "ماهيته" هي مجموع محتوى و بنية علاقاته الاجتماعية. 18 ولكن في ظل الظروف الاجتماعية المذكورة أعلاه، لا يرتبط الإنسان بأعضاء آخرين من النوع البشري إلا بقدر ما يتعلق الأمر بإشباع الحاجات: بقدر ما يمكنهم إشباع حاجاته ويمكنه إشباع حاجاتهم. وتصبح العلاقات بين الناس خارجية، نفعية بحتة فقط. و تتلاشى عينية concreteness الفرد الحقيقي حتى يصبح مجرد مصدر لقوة العمل (العامل المجرد) أو مصدر للتوظيف (الرأسمالي المجرد). إن حياة النوع species هي حياة منتجة (""منتجة"" بالمعنى الإنساني الخاص). ولكن هنا تظهر الحياة المنتجة فقط كوسيلة للحياة، وليس جوهر الحياة وغايتها ذاتها. ويصبح البشر مغتربين عن طبيعة نوعهم وبالتالي عن أنفسهم."19
ولا يقتصر هذا الوضع على أعضاء الطبقة العاملة ، بل يمتد تقسيم العمل الى داخل الطبقة الحاكمة أيضاً، مما ينتج عنه أنماط محددة من أحادية الجانب. إن النظر إلى الناس باعتبارهم مجرد وسيلة لتحقيق غاية (إنتاج الثروة)، بدلاً من كونهم غايات في حد ذاتهم، يؤدي هنا أيضاً إلى اغتراب عن النوع. وعلاوة على ذلك، تخضع تصنيفات نشاطهم الحياتي لنوع محدد من الاغتراب.
هذا هو إذن نوع العمل وعواقبه الذي ينبغي للإنسان أن يتحرر منه، وفقاً لماركس. يجب تحرير الإنسان من العمل الذي تحدده الضرورة الخارجية فقط، العمل غير المحدد للبشر الفرد، والذي يُخصص لإنتاج ما هو مشترك مع حاجات البشر بحد ذاتهم، أي الافتراضات المادية لحياتهم، "العمل الذي تحدده الحاجة والمنفعة الخارجية" (Not und aussere Zweckmassigkeit). وبالتالي فإن المجال الحر, للعمل الانساني المناسب "يقع مابعد مجال الانتاج المادي فقط". في هذا المجال،لا يوجد الا الضرورة الداخلية، و هي الضرورة التي تشكلها الحاجات الخاصة لتطور افراد محددين.في عالم الحرية هذا، فان عملية تطور القوى البشرية تقدر لذاتها (als Selbstzweck gilt( 20 العمل يصبح، لنقتبس مرة اخرى الكلمات التي انطلقنا منها، "الحاجة الأولى للحياة", حيث تختفي الفرق بين وقت "العمل" و وقت "الفراغ". 21
ان الانسان لا يضيع نفسه في موضوعه، عندما يصبح الموضوع بالنسبة له موضوعًا إنسانيًا أو إنسانا موضوعيًا. وهذا لا يكون ممكناً إلا حين يصبح الموضوع بالنسبة له موضوعاً اجتماعياً، ويصبح هو ذاته لذاته كائناً اجتماعياً، تماماً كما يصبح المجتمع موجودا بالنسبة له في هذا الموضوع . و من هنا، فمن ناحية فان كل الموضوعات لا تصبح بالنسبة للأنسان موضعة لذاته، موضوعات تؤكد فرديته و تحققها ، لا تصبح موضوعاته : اي لا يصبح الإنسان نفسه الموضوع الا حين يصبح العالم الموضوعي في كل مكان بالنسبة للإنسان في المجتمع عالم قوى الإنسان الجوهرية (menschlichen Wesenskrafte)- الواقع الإنساني، و لهذا السبب واقع قواه الجوهرية الخاصة، و الطريقة التي تصبح بها هذه الموضوعات موضوعاته تتوقف على طبيعة الموضوعات وعلى طبيعة القوى الجوهرية التي تتوافق معها ؛ لان تحديد هذه العلاقة هو بالدقة الذي يشكل اسلوب التأكيد الخاص الواقعي.22
لقد حاولت التحليلات والتفسيرات أعلاه أن تظهر أن التناقض الخاص الذي وجدته الآنسة أرندت في فكر ماركس هو نتيجة لتفسير خاطئ من جانبها. وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون واضحًا أنه من الخطأ تمامًا أن ننظر إلى ماركس باعتباره النبي النظري لـ "مجتمع العمل" بالمعنى الذي تحمله الآنسة أرندت.23 على العكس من ذلك، كان ماركس واحدًا من أشد المنتقدين حماسة لحالة المجتمع، والتي تصف الآنسة أرندت بعض سماتها. ولكن لم يكن هذا فقط؛ بل كان أيضًا واحدًا من أعمق المحللين، وربما أعمقهم جميعًا. لم يصف الظواهر الاجتماعية المعنية فحسب، بل حاول أيضًا أن يشرح اصولها و بالتالي ان يعطي مفاتيح تغيرها.إن المهمتين ليستا منفصلتين: فالوصف الذي يسعى إلى الكمال يصطدم في النهاية بمشاكل التفسير. ومن هذا المنظور فإن عرض الآنسة أرندت غير مرضٍ إلى هذا الحد، حتى في أجزائه الإيجابية.
خذ على سبيل المثال مسألة "الاستهلاكية " consumerism التي تشكل واحدة من أهم توصيفاتها لـ"مجتمع العمل". وهي تطرح هذه المسألة كحقيقة بحتة . وقد يكون عمق ومدى تغلغل هذه "الإيديولوجية" متنازع عليها. ومع ذلك فإن الظاهرة قائمة؛ فضلاً عن ذلك فقد لاحظها ماركس بعناية منذ أكثر من قرن من الزمان. وقد حاول أيضا ايجاد تفسير لها. يقول ماركس إن هدف الإنسان في النظام الاقتصادي الرأسمالي هو الإنتاج، وهدف الإنتاج هو الثروة. ولا يتم الإنتاج من أجل الناس، بل في التحليل النهائي من أجل الإنتاج نفسه. ويقارن هذا، على سبيل المثال، بحالة الأمور في اليونان القديمة (وربما روما أيضًا ـ يشير إلى "القدماء") حيث "لا تظهر الثروة أبداً كهدف الإنتاج... "إن البحث يتعلق دوماً بنوع الملكية التي تخلق أفضل مواطن".24 إن استمرار وجود نمط الإنتاج الرأسمالي يفترض استمرارية غير منقطعة لدورة الإنتاج -الاستهلاك -الإنتاج، لأن المصلحة الرئيسية للرأسمالي ليست في قيم الاستخدام، بل في قيم التبادل المتجسدة في الأشياء ذات قيم الاستخدام، ولا يمكن أن يستمر التبادل إلا من خلال الاستهلاك المستمر لقيم الاستخدام.25 وبالتالي فإن تحفيز الاستهلاك ـ من خلال تكثيف إشباع الاحتياجات القديمة وخلق احتياجات جديدة ـ من خلال كل السبل الممكنة لابد وأن يكون هدفاً أساسياً للرأسمالية.26 وهذا ليس تفسيراً كاملاً بالطبع، ولكنه يشكل الأساس لتفسير كامل. ولابد وأن يكتمل، على سبيل المثال، من خلال شرح كيف تدهورت نوعية الحياة، نتيجة "للاغتراب" الذي عانت منه كل طبقات المجتمع (نتيجة لنمط الإنتاج الخاص بذلك المجتمع) يخلق جواً حيث هذا التحفيز للاستهلاك يحقق أقصى قدر من النجاح. حيث يفضل الإشباع من خلال الاستهلاك البسيط ،السلبي على أشكال الإشباع الأكثر تعقيداً ونشاطاً وجهداً. وفي مثل هذا الموقف، يقول ماركس إن التملك هو هدف مرغوب اكبر من الاستخدام؛ حيث يتم استبدال هدف نمط الوجود بنمط الامتلاك.27
ومرة أخرى، ترى الآنسة أرندت سمة أساسية أخرى لـ "المجتمع" (حسب فهمها لهذا المصطلح)، وخاصة المجتمع المعاصر، باعتبارها عملية تسوية، وميلاً إلى الامتثال(ص 39-46). وهذه في الواقع، بالطبع، فكرة أخرى نوقشت على نطاق واسع، وهي فكرة قليلة الأصالة في كتاب الآنسة أرندت مثلها مثل فكرة "الاستهلاكية "، وتمثل ظاهرة ذات اهمية حقيقية. ولا يبدو أن ماركس قد ناقش هذه المسألة في أي مكان من أعماله. ومع ذلك، فإن الخطوط الرئيسية لمقاربته واضحة إلى حد ما من الخطوط الأساسية لفكره التي تم عرضها سابقًا . فإذا حقق الشخص معرفة الذات وتطور الذات من خلال عمله، وهو نشاطه الرئيسي في الحياة، فإن العمل سيكون أقل كشفًا عن الذات و عن تطور الذات، وأقل تمايزًا، سيكون ذلك العمل اقل -المنتج و نمط الانتاج له- تحديدا بواسطة الفردية الخاصة بذلك الشخص، او بالنظر من زاوية اخرى ، كلما كان العمل اقل تمايزا، كلما جعل الأشخاص منجزي العمل اقل تمييزا. لكن الاتجاه الكامل لتطور الإنتاج الحديث كان يهدف إلى محو كل الفوارق (في القوة، والمهارة، والجنس، وما إلى ذلك) في قوة العمل لدى أولئك الذين يخدمون الآلات، و"تسوية" الفوارق النوعية الى نوع واحد موحد من إنفاق الطاقة. وقد أصبح هذا صحيحاً بشكل متزايد ليس فقط في العمل في المصانع بل وأيضاً في العمل المكتبي. وعلاوة على ذلك، فإن التماثل يفرض نوعا ما على أنشطة الاستجمام أيضاً ـ على سبيل المثال، الترفيه. ويرجع هذا جزئياً إلى محدودية تنوع أنواع الترفيه حتى في "مجتمع ميسور". وهو أيضاً نتيجة لحقيقة مفادها أن التماثل في التفاهة العاطفية ، الممل غير قابل للتمييز للبسيط، العالَم البسيط الخام للغرائز ، وجميع أشكال الهروب النموذجية ، أسهل، وبالتالي أرخص، وبالتالي أكثر ربحية من إنتاج العمل الجيد؛ و بحكم التعريف فإن الإنتاج ــ الترفيه أيضًا ــ لا يتم من أجل الناس بل من أجل الثروة. ""و تُضارب الصناعة على صقل الحاجات، لكنها تضارب بنفس القدر على فجاجتها، و انما على فجاجتها المنتجة بشكلٍ مصطنع ، و التي تكون متعتها الحقة في التخدير الذاتي، هذا الإشباع الظاهري للحاجة"".28 وعلاوة على ذلك، فإن مثل هذه الأنواع من الترفيه لها قيمة أيضًا في خلق والحفاظ على جو مناسب لاستمرار النظام السائد: حجب الصور الحقيقية للناس كما هم وإمكاناتهم، وتعويد الناس على قبول الظروف التي يجدون أنفسهم فيها.
إن مناقشة أكثر شمولاً للفكرة المعاصرة "التسوية"، و"التماثل"، و"الموجه نحو الآخر"، و"إنسان المنظمة "، وما إلى ذلك، من وجهة نظر أفكار ماركس، وتطبيق تحليله العام على ظواهر لم تكن موجودة أو كانت موجودة ضمناً فقط أثناء حياته، من شأنها أن تتطلب أخذ السمات المحددة لتطور الرأسمالية خلال القرن الحالي في الاعتبار، ووضع الاتجاه الأساسي أولاً نحو التركيز المتزايد للسلطة الاقتصادية، مع ما يقابلها من تضييق الفرص أمام المبادرة الفردية، وتزايد بيروقراطية المجتمع، وتكيف الفرد مع هذا الوضع السائد .29 ولكن هذا من شأنه أن يتجاوز إلى حد كبير إطار هذه الورقة الهادفة أساسًا للتوضيح.
جامعة سيدني
1. شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 1958. ما لم يُنص على خلاف ذلك، فإن جميع المراجع في النص هي لهذه النسخة. 2. هناك على الأقل سمتان شاملتان للمنهج العام الذي تتبعه الآنسة أرندت في البحث والتفسير. الأولى هي الميل إلى تفسير ما هو في الواقع ظواهر اجتماعية محددة بواسطة مفاهيم بيولوجية، كما هو الحال، على سبيل المثال، عندما تكتب أن "قابلية الكسب والإنفاق ... ليست سوى تعديلات على التمثيل الغذائي المزدوج لجسم الإنسان"(ص 124). (وهذه ليست طريقة غير شائعة بأي حال من الأحوال، وهي الطريقة التي أطلق عليها سي رايت ميلز "الاختزال البيولوجي"). أما الطريقة الأخرى، والأكثر شيوعًا، فهي عكس ذلك تمامًا، أي بواسطة الأفكار الخالصة فقط (انظر المبرر الصريح لذلك في الصفحة 259). والنتيجة هي أن بعض سمات التطور التاريخي الفكري التي لا يمكن تفسيرها ببساطة من حيث الارتباط المتأصل للأفكار (أو من خلال العوامل البيولوجية) تصبح غير مفهومة تمامًا، ويدخل عنصر شبه لا عقلاني (انظر بشكل خاص الصفحة 251) . 3. وجد كاتب هذا المقال أن الكثير من المعالجة المطولة للانسة أرندت لهذا الموضوع بالكاد يمكن فهمها، وعندما تكون مفهومة، بالكاد تستحق انتقادًا جادًا (انظر، على سبيل المثال، المقطع الموجود في الصفحات 285-286). تمنعني قيود المساحة من تضخيم هذه العبارة. 4. بالنسبة للتمييزات المذكورة أعلاه، انظر الصفحات 7-9، 87، 88، 94-96، 98، 141-142، 143-144، 168، و172. 5. رأس المال، المجلد الأول (برلين، 1947)، الفصل الخامس، القسم الأول. الترجمات، ما لم يُذكر خلاف ذلك، من عمل الكاتب الحالي. جميع التأكيدات موجودة في الأصل، ما لم يُذكر خلاف ذلك. 6. المصدر نفسه، ص 185-186. 7. الإشارة إلى نظريات القيمة الزائدة (لندن، 1951)، ص 186؛ قارن الوضع البشري ، ص 321، حيث تمت الإشارة ضمناً إلى هذا المقطع من ماركس مرة أخرى. 8. انظر ماركس، نظرية القيمة الزائدة، الجزء الأول (برلين، 1956)، ص 171. 365. 9. التأكيد مني. يظهر هذا المقطع في كتاب ماركس و إنجلس، المؤلفات الكاملة Gesamtausgabe، الجزء الأول، III، 88 (المشار إليه من هنا فصاعدًا ب "MEGA"). 10. ماركس وإنجلز، الأعمال المختارة، II (موسكو، 1949)، 23. 11. التأكيد مني. انظر أيضًا الرواية المماثلة في كتاب إنجلس المبكر (1847) Grundsdtze des Kommunismus (برلين، 1955)، ص 29-32. 12. الأيديولوجية الألمانية، ترجمة دبليو ماجيل (كلكتا، 1945)، ص 7. 13. MEGA، الجزء الأول، III، 156. 14. راجع حول هذه النقطة الأخيرة، المرجع نفسه، ص 120. 15. رأس المال، المجلد الأول، ص 381. 16. MEGA، الجزء الأول، الثالث، ص 83-85، 136-137. 17. المرجع نفسه، ص 85-86، وكذلك الأعمال المختارة، المجلد الأول، ص 77-78. 18. "الأطروحة السادسة حول فيورباخ"، الأعمال المختارة، المجلد الثاني، ص 366، وأسس نقد الاقتصاد السياسي (روهينتوورف)، 1857-1858 (برلين، 1953)، ص 600. 19. MEGA، الجزء الأول، الثالث، ص 66-69، 138-139، وكذلك الأيديولوجية الألمانية، ص 22-23، 63-64. 20. رأس المال، المجلد الثالث (طبعة برلين، 1949)، الفصل الثامن والأربعون، ص 873-74. في الصفحة 87 (ملاحظة 17) من كتابها تقتبس الآنسة أرندت (بالألمانية) جزءًا من الجملة الأولى من هذا المقطع، وهي: "إن عالم الحرية لا يبدأ في الواقع إلا حيث يتوقف العمل...". وتُظهِر المقارنة مع الجملة الكاملة في نص ماركس أن الجزء المحذوف ("الذي يتحدد بالحاجة والمنفعة الخارجية") هو على وجه التحديد الجملة اللازمة لتعريف ما قصده ماركس بـ "العمل" في هذا السياق؛ وبالتالي فإن الاستشهاد بماركس يرقى إلى تشويه كامل لمعناه. ولكن من المدهش أن الآنسة أرندت تقتبس الجملة الكاملة في وقت لاحق (صفحة 104)، دون أن يتبادر إلى ذهنها أهمية هذا بالنسبة لحجتها السابقة. 21. غروندريسه...، ص 599-600. 22. MEGA، الجزء الأول، الثالث، ص 119. راجع أيضًا الأيديولوجية الألمانية، ص 65، 21-22، والمقطع من دفاتر ماركس لعامي 1844-1845 الذي اقتبسته الآنسة أرندت في ص 254، ملاحظة 4. يجب أن يقال على الأقل أن كل شيء أساسي تقريبًا لقلب الخط الرئيسي لتفسيرها لماركس استشهدت به الآنسة أرندت نفسها. 23. نقطة أخيرة: من الخطأ تماماً أن نربط ماركس مع نيتشه وبيرغسون باعتباره فيلسوفًا للحياة، كما تفعل الآنسة أرندت. في هذا الصدد، انظر: ج. لوكاش، Die Zerstorung der Vernunft (برلين، 1953)، ص 22، 244 وما بعدها، 318 وما بعدها. 24. غروندريسه...، ص 387، ورأس المال، الجزء الأول، 386- 88. ولكن على الرغم من إعجابه الشديد بإنجازات اليونانيين (انظر المقطع التالي مباشرة والصفحات 30-31 في غروندريسه)، لم يكن قط (كما يبدو أن الآنسة أرندت كانت في بعض الأحيان) محبًا لليونانية غير ناقد، موضحًا أنه اعتبر الكمال الذي حققه اليونانيون محدودًا وأحادي الجانب (انظر، على سبيل المثال، المرجع نفسه، ص 388، 415). حول الرأسمالية باعتبارها إنتاجًا من أجل الإنتاج، انظر المقطع من رأس المال، الجزء الثالث، ص 278، المقتبس سابقًا. 25. انظر بشأن هذه النقطة: رأس المال، المجلد الثاني، ص 122. 26. في إطار الملكية الخاصة، كتب ماركس في عام 1844، "يفكر الجميع في خلق حاجة جديدة لدى الآخر، من أجل إرغامه على تقديم تضحية جديدة، ووضعه في نمط جديد من التبعية، وإغرائه بنمط جديد من المتعة... يسعى كل شخص إلى خلق سلطة جوهرية غريبة (Wesnskraft) على الآخر من أجل إيجاد إشباع لحاجاته الأنانية. ومع زيادة كتلة الأشياء، تزداد بذلك مساحة الكائنات الغريبة التي يخضع لها الإنسان، ويثير كل منتج جديد الخداع المتبادل والنهب المتبادل لسلطة جديدة. يصبح الإنسان أكثر فقراً كإنسان."و... تزداد احتياجاته على وجه التحديد مع تزايد قوة المال" (MEGA، الجزء الأول، الجزء الثالث، ص 127-128). إن كتبًا مثل The Hidden Persuaders وThe Waste Makers لفانس باكارد هي ببساطة تعليقات وصفية على هذا. 27. MEGA، الجزء 1، III، 118. 28. المرجع نفسه، ص 133. 29. ناقش إريك فروم بعض هذه النقاط، وغيرها، في كتابه المجتمع السليم (نيويورك، 1955). ………
المؤلف : واليس آرثر سوشتينغ 1931-1997
ولد في شمال كوينسلاند في أستراليا ،دكتوراه في الفلسفة، استاذ الفلسفة الاقدم في جامعة سيدني، مؤلف العديد من المقالات و كتابين حول ماركس. من اجل دراسة الادب و الفن و الفلسفة في لغاتها الاصلية، تعلم اللاتينية و اليونانية، و الالمانية و الروسية و الفرنسية و الاسبانية، و الايطالية. أنهى حياته في 12 يناير/كانون الثاني 1997 في منزله بضاحية أولتيمو الداخلية في سيدني، بعد أن كان يعاني من حالة اكتئاب شديدة من النوع الذي عانى منه لسنوات عديدة.
قصة حياته و قائمة بعض مؤلفاته من هذا الرابط
https://www.hpsst.com/uploads/6/2/9/3/62931075/was_obituary__matthews_.pdf
#دلير_زنكنة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميشيل فوكو الراديكالي المزيف
-
القضية الهندية الباكستانية؛ رد فعل على -هجوم إرهابي- بـ-هجما
...
-
رسائل إينيسا و لينين
-
الذكاء الاصطناعي: لصالح أرباح رأس المال أم احتياجات الناس؟
-
لاي تيك، السكرتير العام الخائن للحزب الشيوعي المالايي
-
ضد تشاؤم جيجيك.الأمل والإرادة وجدلية التحرير
-
أكثر من 7000 شخص قتلوا في مجازر سوريا
-
فلسفة برتراند راسل السياسية والاقتصادية
-
لا يوجد شيء اسمه سلاح نووي تكتيكي
-
الفاشية. الثورة الزائفة
-
هل فكرة -زوتشيه- في كوريا الشمالية ماركسية حقاً؟
-
لماذا نعيد تصور جورجيا السوفييتية؟
-
20 عامًا من اقتصاد بوتين
-
اكثر من (770 الف) مشرد في الولايات المتحدة الاميركية !
-
الماركسية والمنهج
-
مفهوم الذات في ظل الرأسمالية والماركسية ومتطلبات القرن الحاد
...
-
ماذا قال ديفيد بن غوريون؟
-
الحرارة المميتة في السجون الأميركية تنتهك قوانين القسوة على
...
-
ألكسندر دوغين وصعود الفاشية -المقبولة سياسيًا-
-
كلام بلا افعال: لماذا الدول العربية عاجزة عن وقف إسرائيل؟
المزيد.....
-
رائد فهمي : (المدى) علامة فارقة ومتميزة في المشهد الإعلامي و
...
-
القوى المدنية تفشل بكسر جدار الأحزاب التقليدية.. كيف سيطر ال
...
-
اليمين المتطرف الإسرائيلي يدعو لمزيد من الضغط واحتلال شامل
-
السودان: من الدفاع الى الهجوم من أجل الانتصار
-
بيرني ساندرز لـCNN: -نتنياهو مجرم حرب.. ولا يجب أن تُموّل أم
...
-
الهجوم على الاتحاد العام التونسي للشغل: الشعبوية وفيّة لتاري
...
-
حماس تدعو لتصعيد الحراك الشعبي عالميا لوقف الحرب وإنهاء التج
...
-
حماس تدعو لتصعيد الحراك الشعبي عالميا لوقف الحرب وإنهاء التج
...
-
رائد فهمي يهنئ مؤسسة المدى بذكرى انطلاقتها الثالثة والعشرين
...
-
مئات آلاف المتظاهرين في لندن يطالبون بوقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي
...
/ مسعد عربيد
-
أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا
...
/ بندر نوري
-
كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
المزيد.....
|