|
مفهوم الذات في ظل الرأسمالية والماركسية ومتطلبات القرن الحادي والعشرين
دلير زنكنة
الحوار المتمدن-العدد: 8144 - 2024 / 10 / 28 - 02:24
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بقلم هوارد إل بارسونز Howard L. Parsons
The Concept of Self Under Capitalism and Marxism, and the Demands of the Twenty First Century
بحث قدم في المؤتمر العالمي 19 للفلسفة في موسكو في أغسطس 23-28، 1993. …………
ان الحضارة العالمية في مخاض تحول عميق. إن الرأسمالية، اقتصاد الحضارة الغربية، مدفوعة بقيم الفردية والأنانية، تضع تحت هيمنتها و بسرعة حضارات أخرى - المسيحية الأرثوذكسية، والإسلامية، والشرق الأقصى، والهندوسية. 1 بسبب معرفتها ومهارتها الاقتصادية، بفضل تكنولوجياتها وعلومها ،وقوتها العسكرية، تمكنت من السيطرة على الكثير من الموارد الطبيعية والأسواق والشعوب في الدول المستعمرة السابقة والمتخلفة. وطوال خمسين عاماً من الحرب الباردة، لعبت دوراً رئيسياً في انهيار الاقتصادات الاشتراكية في أوروبا الشرقية. ومن الناحية النفسية والأخلاقية، من خلال سيطرتها على وسائل الإعلام – التلفاز، والسينما، و الراديو ، والفيديو، والمطبوعات– فإنها تمارس سيطرة متزايدة على عقول وشخصيات شعوب العالم. إن قيمها الأساسية، التي تتمحور حول التحرر الموعود للذات الفردية من الضوابط الاجتماعية و الارضاء الحصري للاهتمامات قصيرة المدى للذوات-المتمثلة في الطعام والشراب والملابس والملذات الحسية والحشوية والمشهد والخيال، تجتذب جماهير الناس، من الطبقة المتوسطة والفقراء. وفي إطار نظام الربح، أدت مكننة الزراعة والأتمتة والحوسبة والإنترنت في الصناعة إلى تعزيز الإنتاجية حتى الآن، حتى أنه في سوق متخمة، لا يستطيع عمال البلد شراء ما ينتجونه، في حين يجب على جهاز إعلان ضخم ابتكار اغراءات أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى لجعل الناس في الداخل والخارج يستهلكون المزيد و المزيد.
وفي الوقت نفسه، أدى الغزو العالمي لهذا النظام إلى الحرمان والدمار. جلب التحرر المجتمعي للفرد معه أشكالًا جديدة من الاستعباد: القلق الشخصي؛ الاجهاد؛ الاغتراب ؛ المرض العقلي؛ تعاطي المخدرات؛ الاعتداء على الأشخاص والجماعات والممتلكات؛ والحرب المحلية و الإقليمية والدولية؛ والمدن الكبيرة والفقيرة وغير الصحية؛ وانهيار المؤسسات التقليدية مثل الأسرة و الجيران؛ الظلم الجسيم تجاه الأقليات والقطاعات المهمشة (الأطفال والنساء وكبار السن والمعاقين والفقراء)؛ العنف العرقي و الاثني؛ الفاشية الجديدة ؛ التدهور البيئي وعالم متزايد العسكرة. إن أمراض الحرمان النفسي و الانحراف والإحباط والعداء والعنف معروفة جيدًا في علم الاجتماع الحديث. وفي الوقت نفسه، فإن العدد القليل الذي يحكم النظام الاجتماعي يزداد ثراءً بينما تعاني الاغلبية-في صمت، أو في تمرد ثوري، أو في الهروب إلى الخيال. وحتى في العالم "المتقدم"، فإن الجوع والتشرد والبطالة يطارد الملايين. وتتنافس القوى الرأسمالية الكبرى مع بعضها البعض. وفي الدول الأقل نموا، حيث يعيش أربعة من كل خمسة أشخاص في العالم، هناك مليار شخص يعانون من الجوع، ومحكوم عليهم بالمرض والموت المبكر. والانقسام يتعمق. بين "الشمال" الرأسمالي و"الجنوب" الرأسمالي، يبلغ الفارق في دخل الفرد عشرة إلى واحد، والفرق بين أغنى وأفقر دولة في النظام الرأسمالي العالمي هو 260 إلى واحد (2)، بينما تترنح الدول الفقيرة تحت وطأة وعبء تريليون دولار دين خارجي.
في أيديولوجية الرأسمالية، الذات هي الوحدة النهائية للواقع، والأشخاص الاخرين والجماعات والمجتمع و أشياء الطبيعة الأخرى غير جوهرية (مرتبطة خارجيًا) بكيانها وقيمتها. الذات مكتفية ذاتيًا ومستقلة عن ذوات الآخرين، الذين يتم الاعتراف بهم على أنهم ذوو قيمة فقط عندما يكونون فعالين في تحقيق مصالح الذات. علاوة على ذلك، فإن الذات بطبيعتها تسعى فقط إلى تحقيق مصالح ذاتية؛ جميع الدوافع، واعية أو غير واعية، ظاهرة أو غير ظاهرة، تهدف إلى تعظيم حياة النفس وخيرها. وهكذا فإن العقيدة الأنطولوجية للذات المكتفية كليًا والذات الأنانية تتبنى العقيدة الأخلاقية للأنانية-أي الإيمان بحياة الشخص نفسه وإشباعه كهدف نهائي، والإيمان بضرورة السعي لتحقيق ذلك باعتباره الهدف الأسمى، والإيمان إما باستخدام الآخرين، الأشخاص والأشياء كوسيلة لتحقيق هذه الغاية أو في تجاهل حياتهم ومصالحهم. الأنانية هي التمحور حول الذات والانغلاق على الذات لدرجة استبعاد الذوات الأخرى. وهي تختلف عن المصلحة الذاتية، التي هي ضرورية للبقاء، و التي قد تراعي مصالح الآخرين وقد لا تراعيها، وقد تتوافق معها، وقد تشملها وتدمجها مع المصالح الذاتية للشخص. على النقيض من ذلك، فإن الإيثار (الغيرية) هو العقيدة التي تعتبر ذوات الآخرين ومصالحهم حقيقية وقيّمة جوهريًا وتستحق الاحترام، وتنص على أنه من حيث المبدأ يجب على الذات أن تهتم بحياة الآخرين ومصالحهم. وبطبيعة الحال، هناك درجات من الأنانية، والمصلحة الذاتية، والإيثار، و تركيبات مختلطة منها.
الأنانية تتناقض مع نفسها بطريقتين. أولاً، إنها تتناقض مع بقاء الذات، لأن الذات تعتمد على أشخاص واشياء معينة في البيئة من أجل أساسيات بقائها. وعدم مراعاتها لهم في سلامة التعامل مع كينونتهم،و التعامل معهم حصريًا كأدوات و أشياء ، قد تضعف أو تدمر بقاء الذات.3 علاوة على ذلك، فإن حرب الذات ضد الآخرين، كما فهم هوبز، قد تؤدي إلى موت الذات نفسها . ثانياً، الذات المنعزلة هي ذات فقيرة. حتى الذات ذات المصالح القليلة والضيقة تصبح أكثر ثراءً وفعالية كذات، من خلال مراعاة حياة الآخرين ومصالحهم بطريقة تُعاملهم كأهداف وليس مجرد وسائل.
في الغرب، للتفكير في الذات، وفي حرية الفرد وحقوقه ضد القهر الاجتماعي، تاريخ طويل. يمكننا تتبعه مرورًا من مصر، وإسرائيل، واليونان، وروما، والمسيحية، وعصر النهضة، والإصلاح، والثورة الإنجليزية، والتنوير، والحركة الرومانسية. لقد مهدت الثورة الرأسمالية، التي بدأت قبل خمسمائة عام ضد الاقتصاد الإقطاعي، الطريق لمفهوم وممارسة الذات والفردية الحديثتين. جاء التقدم السياسي الكبير لتحرير الذات في الثورة الفرنسية عام 1789. وأعلنت حقوق كل فرد باعتبارها أساسية للمشروع الثوري. علاوة على ذلك، تأكيدها على المساواة بين جميع الأفراد -وعلى الأخوة- قد تجاوز الانحياز الإنجليزي للحرية وانتقلت في اتجاه الاشتراكية-وهي حركة تم الإشارة إليها في أعمال مابلي، و موريلي، وبابوف، وروسو، وآخرين. وكانت هذه الحركة تهدف إلى وضع مستقبلي للشؤون الاجتماعية، ليس مجرد العودة إلى المُثُل الإنسانية الكلاسيكية. لقد كانت تدل على نشاط تاريخي للتقدم قام به مجتمع المتساوين ومن أجلهم ،في إدارة ثروات الأمم، مستمد بشكل متزايد من الإنتاج الصناعي، من أجل رفاهية المجتمع بأكمله. 4
نشأ ماركس في أعقاب الثورة الفرنسية، ورث هذه الأفكار وتتبع مضامينها. ولمعالجة مسألة كيفية إدارة ثروة الإنتاج الصناعي، تولى دراسة الاقتصاد السياسي، انطلاقا من مواقف آدم سميث وديفيد ريكاردو. لقد أوضح ريكاردو الصراع غير القابل للتسوية بين العمال وأصحاب العمل (الرأسماليين وكذلك الملاكين العقاريين)، حيث تتنافس كل طبقة ضد الأخرى على حصتها من الثروة الوطنية. وكان سميث قد جادل بأن هذه الثروة هي نتاج تقسيم العمل وتبادل السلع، وأن "حب الذات" هو المحرك الدافع لكل الأنشطة الاقتصادية. في تحليله الاقتصادي، بدأ ماركس من مفهوم الأفراد الذين تحركهم المصلحة الذاتية – الحاجة إلى الأكل والشرب وجميع احتياجات البقاء الأخرى – وضرورة تقسيم العمل والتبادل. "نقد برنامج غوتا"، الذي وصف المرحلة الأولى من الاشتراكية، أحتفظ بنموذج سميث. لقد افترض ماركس أن المجتمع عبارة عن مجموعة من الأفراد المنتجين و المتبادلين السلع والخدمات ويكافئون وفقا لكمية ونوعية عملهم. قاعدة "من كلٍ حسب قدرته، لكل حسب عمله " هي تقدم على الاقتصاد غير العقلاني لرأس المال، حيث يهيمن الرأسمالي على علاقة التبادل بين العامل وصاحب العمل، وبالتالي على العلاقة بين قوة عمل العامل والمنتج الذي يعود إلى العامل. لكن ماركس أدرك أننا في هذه القاعدة قمنا بإعادة تفعيل التبادل البرجوازي على مستوى أعلى وأكثر نقاوة.
إن مرحلة الانتقال إلى الاشتراكية هذه غامضة، إذ أنها عالقة بين "حب الذات" لرأسمالية آدم سميث وإيثار الاشتراكية الحقيقية. لقد افترض ماركس المصلحة الذاتية كدافع أساسي. لكن التنسيق الاجتماعي للأشخاص الذين تحركهم المصلحة الذاتية يتطلب منهم أن يأخذوا في الاعتبار مصالح الآخرين ويعترفوا بها. والشكل القانوني لهذه المراعاة المتبادلة هو العقد. العقد (في إحدى النظريات الشائعة) هو اجتماع العقول حيث يكون الفعل أو الوعد من جانب واحد يقابله قبول من الجانب الآخر و الذي يُظهر الاعتبار من خلال بعض التصرفات أو الوعد، مقبولا بشكل متبادل. إن العلاقة التعاقدية، التي تم إتقانها منذ العصر الروماني، ربما تكون أعلى إنجاز قانوني للمجتمع البرجوازي. (بما أنه قبل وبعد ثورتهم الاشتراكية، لم يكن لدى الروس اقتصاد سوق متطور بالكامل مع وجود معاملات تجارية متعددة بين أفراد مستقلين، لم يطوروا أبدًا مؤسسة العقود على نطاق شبيه الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة ولهذا السبب سيكون اقتصادهم الجديد مختلفًا (عن الرأسمالية الغربية.) لكن العلاقة التعاقدية بعيدة كل البعد عن العدالة، وبعيدة كل البعد عن مجتمع الإيثار، لأنها مبنية على الغرور الأناني وتخضع بسهولة لإساءات الاستخدام الأنانية. في حماستهم الشبابية، افترض ماركس وإنجلس دون انتقاد أن المجتمع المبني على "حب الذات" قد يتم التغلب عليه قريبًا. لكن بعد خيبة أملهم في عام 1848 ثم بعد الكساد الاقتصادي العالمي عام 1857، ضيقوا آمالهم في التغيير الثوري إلى تنظيم النقابات العمالية، والأحزاب السياسية البروليتارية الجماهيرية، والاستيلاء السلمي المحتمل على الحكومات في المجتمعات البرجوازية المتقدمة. 5
هنا عكس ماركس التوتر بين فردية المجتمع القديم واشتراكية المجتمع الجديد. انتقد ماركس في كتاباته المبكرة الأنانية البرجوازية على نطاق واسع. يفترض المجتمع التجاري أن كل شخص هو المالك الحصري لمنتج العمل الفردي، وفي السوق، للملكية الخاصة. لكن ماركس أظهر أن تبادل مثل هذه المنتجات في السوق ليس بالأمر السهل. إن الحاجة التي تستهل التبادل تعني أن في ملكية الآخرين شيئًا يناسب حاجتي، "ينتمي إلى جوهري". 6 و لكن هذا الشيء ليس ملكا لي، و لكنه غريب عن طبيعتي، و لكنه يجعلني ضعيفًا و معتمدا على منتجك وعلى علاقتنا غير المؤكدة. إن العلاقة التجارية للمساومة والحساب تتناقض مع العلاقة الإنسانية القائمة على الثقة والتأكيد المتبادل. الأنا الذاتية تتعارض مع جوهرنا المتبادل.
كان ماركس متعاطفًا مع التأكيد الفويرباخي على الأفراد العمليين باعتبارهم صانعي التاريخ، في مقابل الروح الهيغلية المعممة. كما أيد الدعوة الفرنسية "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" كأداة للإطاحة بالنظامين الإقطاعي والبرجوازي. ومع ذلك فقد لاحظ أن حق "الحرية" يعني الشخص "كوحدة معزولة"، وفسر "حق الملكية" على أنه "حق المصلحة الذاتية"، وحق المساواة على أنه "المساواة في الحرية". والحق الأمني باعتباره "مفهوم الشرطة" للحفاظ على "أنانية" المجتمع المدني.7
اعتقد ماركس أن هذا المفهوم المحدود للحقوق سيتم التغلب عليه عندما يتحول المجتمع البرجوازي الأناني إلى مجتمع منتجين اجتماعي. إن جوهر كل فرد هو "مجموعة العلاقات الاجتماعية"، وبالتالي فإن الحقوق الكاملة هي حقوق اجتماعية، ويجب أن تكون العدالة عدالة اجتماعية وليست مجرد عدالة فردية مبنية على الحقوق الفردية. العدالة لن تكون خلق حكم قانوني للحقوق المتضاربة للأفراد المعزولين والمتحاربين، بل خلق المسؤولية المتبادلة والعمل على تلبية احتياجات الجميع. وفي حين أننا بهذا المعنى لم ندرك في العالم الحاضر المفهوم الاشتراكي لحقوق الإنسان والعدالة، فقد مارس المفهوم نفسه تأثيرًا عميقًا على الفكر والممارسة البرجوازية الليبرالية في كل من العالمين الصناعي والمتخلف. ويؤكد إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على الحق في العمل، وفي الحصول على أجر متساو عن العمل المتساوي، والانضمام إلى النقابات العمالية، والتمتع بمستوى معيشي لائق، ورعاية الأطفال، وحماية الأمهات، والتعليم، والمشاركة في الحياة الثقافية، والحق في العمل، و نظام اجتماعي و عالمي يضمن هذه الحقوق.
قال ماركس أننا يجب أن نصارع من أجل مصلحتنا الذاتية ومن أجل مصالح الآخرين. لكنه لم يدرك بشكل كاف التناقض العميق بين هذين الدافعين في المجتمع البرجوازي. يحتوي مفهومه عن "مجموع العلاقات الاجتماعية" على ثلاث معانٍ محتملة على الأقل: (1) علاقات الأفراد الذين يجتمعون طوعًا لتشكيل جمعيات مدنية مثل الشراكات الاقتصادية و المجموعات الاجتماعية والسياسية لتعزيز أهدافهم الفردية بشكل حصري أو أساسي؛ (2) الجمعيات التي تجمع بين المصلحة الذاتية والمصلحة الاجتماعية، مثل النقابات العمالية أو التعاونيات الاستهلاكية والإنتاجية؛ و (3) وحدات مجتمعية من الأشخاص الذين يتفاعلون بشكل إبداعي والذين يتعاونون لجعل رفاهية المجتمع ذات أهمية قصوى. لم يميز الاشتراكيون دائمًا بين هذه المعاني. يمكن لبعض المجتمعات الرأسمالية أن تتباهى بأنها عززت نمو النوع الأول، وهو الجمعيات المدنية التطوعية. (الولايات المتحدة لديها مليونان من هذه الجمعيات). لكن هذه المجموعات تعمل من أجل العديد من الأهداف المحددة المختلفة، وهي تعمل ضمن فجوات مقيدة في مجتمع يتألف من أفراد ومؤسسات أنانية.
من أجل تعزيز رؤية الإنسانية المتقدمة، تحول ماركس عن المثالية إلى المادية والاقتصاد السياسي. يجب على الناس أن يأكلوا ويشربوا قبل أن يفعلوا أي شيء آخر. علاوة على ذلك، فقد افترض، متبعًا المدرسة البريطانية، أن النظام الاقتصادي يجب أن يقوم على "حب الذات"، وفي المقام الأول على ميل الذات إلى تلبية احتياجاتها البيولوجية الأساسية. ويجب أن تخضع لذلك جميع الاعتبارات النفسية والاجتماعية؛ ولا تصبح ذات أهمية كاملة إلا بعد تلبية الاحتياجات البيولوجية؛ وبالنسبة لماركس، يمكن اعتبار إيثار الطبقة العاملة أمرًا مسلمًا به. لكن وضع الاقتصاد في المقام الأول وتأجيل تلبية الحاجات العليا وتنمية الفكر الفردي والنقد والمبادرة والتفاعل الإبداعي والتضامن هو خطأ فادح. ومن هذا الانقسام البرجوازي تأتي افكار عميقة مثل "الاقتصاد في حالة جيدة، ولكن الجوع والبطالة في تزايد" و"التعافي بلاوظائف " الحالي في الولايات المتحدة. إن التخطيط الاجتماعي لخلق بشر أفضل يجب أن يكون همنا وغايتنا الأساسية؛ وينبغي للاقتصاد أن يتخذ شكله واتجاهه كوسيلة لتحقيق تلك الغاية الأساسية،وليس العكس.
إن الغموض في المفهوم الماركسي للطبيعة الإنسانية والعلاقات الاجتماعية يظهر في الميل إلى الخلط بين العوز والحاجة. كان ماركس من انصار الجوهرية، مؤمنًا بأن "حياة نوعنا" لها "جوهرها" الخاص و"قدراتها" المميزة التي "يتم تعديلها في كل عصر تاريخي". لكنه جادل ضد المحافظين بأن الطبيعة البشرية مرنة و نامية. قال ماركس إن - "ما يسمى" -"الحاجات الطبيعية" هي "نتاج التاريخ". "تحددها ظروف العادة، ودرجة الراحة، وما شابه ذلك، لطبقة العمال الأحرار. 8 على أية حال، بدا أن ماركس أحيانًا يشارك آدم سميث وآخرين من عصر التنوير فكرة أن الرغبات الإنسانية غير محدودة - ولكن من المؤكد أنه باعتباره جوهريًا وإنسانيًا لم يكن ليقبل خلق الحاجات والتلاعب بها من قبل رأسمالية العصر الحديث. ينفق شعب الولايات المتحدة سنويًا ما يقرب من 130 مليار دولار لدفع ثمن الإعلانات التي من شأنها أن تقنعهم ان يشتروا و يستهلكوا الأشياء والخدمات التي في أغلب الأحيان لا يحتاجون إليها، وقد لا يستخدمونها، وفي كثير من الأحيان لا يستطيعون تحمل تكاليفها، وهو ما يعادل تقريبًا ما يتم إنفاقه على التعليم العالي من النوع الذي يثير ويعد بمكافآت للرغبات الأساسية المتمثلة في الإشباع الفوري الطائش والمتمحور حول الذات.
بالطبع، لم يكن بوسع ماركس أن يتنبأ بثورة المستهلك – التكنولوجيا (مثل وسائل الإعلام) التي تجعل ذلك ممكنًا، وقوة التسويق (التي ناقشها)، وسذاجة وجشع الكثيرين الخاضعين لسيطرة رأس المال. لقد تنبأ بالقوة الإنتاجية للنظام الرأسمالي-ولكن ليس بقدرته على إبعاد العمال عن النضال الجماهيري ضد الظلم والتجريد من الإنسانية. في أوائل القرن التاسع عشر في إنجلترا، أتاح النظام الصناعي لأعداد متزايدة من السكان السلع اللازمة لحياة مريحة - منزل صغير، وسرير حديدي، وموقد لحرق الفحم، والكراسي، والسجاد، والنوافذ الزجاجية، الملابس القطنية، والأحذية والخدمات الطبية وأحيانًا وسائل الراحة مثل البيانو أو الكتب، رمزًا للوضع الاجتماعي و الإنجاز. وكان أولئك الذين يستطيعون شراء مثل هذه السلع هم أعضاء الطبقة الوسطى المتنامية، مثل العاملين في الخدمة العامة، ورجال الأعمال الصغيرة، ومعلمي المدارس الابتدائية، والأطباء، والمحامين، والأساتذة. في عام 1851، بلغ عدد أفراد الطبقات الوسطى في بريطانيا 1.5مليون فقط، لكن الطبقة العاملة كانت أصغر بكثير. وبحلول عام 1875، كانت الطبقة العاملة قد نمت، لكن 40% منها كانت تنتمي إلى "جمعيات" لتحسين الذات كانت قد اسستها في السابق الطبقة الوسطى: جمعيات المساعدة المتبادلة، والجمعيات الخيرية الأخوية، و الفرق الموسيقية، والنوادي الرياضية، والجماعات الدينية، نقابات العمال و الجمعيات السياسية. 9 كانت روح رأس المال الجديدة في طور تحويل الوعي الطبقي الواسع وتضامن العمال الصناعيين إلى منافذ محددة لحب الذات: حب الأسرة، وحب وسائل الراحة الشخص،وحب "احترام" الطبقة الوسطى. وفي الولايات المتحدة، التي كانت أكثر ثراءً وأقل التزامًا بالتقاليد الاجتماعية وأكثر أنانية، كانت روح التضامن النقابي وفكرة الاشتراكية تنمو بشكل أبطأ.
ركز ماركس على حركة الجماهير المنخرطة في صراع طبقي مادي للغاية من أجل البقاء ومن أجل التغيير الثوري. ولم يبحث في دور الفرد كعنصر من عناصر الإذعان أو المعارضة داخل الرأسمالية أو كعامل مبدع في تشكيل المجتمع الاشتراكي؛ وفي وقت متأخر من حياته، اعترف إنجلس بأنه وماركس لم يركزا بشكل كافٍ على تشكيل الأفكار. 10. ينشأ الوعي والفكر كاستجابات انعكاسية للعالم الخارجي ويتصرفان بابتكار عليه. إنهما يشكلان جزءًا أساسيًا من ذلك "العامل الذاتي" الذي يدخل في صنع التاريخ. وبالطبع لم يكن بوسع ماركس أن يتنبأ بالقوة الساحقة لرأس المال في بناء الشخصيات والأفكار والقرارات اليومية لجماهير العمال. وكان الدين في أيامه أفيون الشعب. في الولايات المتحدة اليوم، أصبحت المواد المخدرة دينا، وأصبح الإدمان على النزعة الاستهلاكية عقيدة وطنية، انتشرت عن طريق إنجيل الاعلانات . ونظراً لإيمانه التنويري بالعقلانية الأساسية للناس، لم يكن بوسع ماركس أن يتنبأ بإغراء الملذات الحشوية، والمهلوسة، والشوفينية، وقوة رأس المال في استنباطها وتعزيزها من خلال وسائل الإعلام.
إن انتشار المثل الاشتراكية للسلع الكافية للبقاء والصحة والحياة الكاملة والديمقراطية السياسية والاقتصادية والسلام الاجتماعي هو أمر جديد نسبيا. يبلغ عمر الثورة الفرنسية والثورة الصناعية مائتي عام فقط، ولم تتقدم تجارب الاشتراكية على المستوى الوطني إلا منذ أقل من قرن. لكن الظروف المضادة أقدم بكثير وأكثر رسوخًا: الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية غير العادلة، والتمييز الجنسي، والمركزية العرقية، والعنصرية، وإهمال الأطفال وإساءة معاملتهم، ونبذ وإعدام المنحرفين والنقاد الاجتماعيين، والنهب البيئي، و التسلسلات الهرمية الاجتماعية القائمة على القوة البدنية والأسلحة والحفاظ عليها بواسطة الخوف و الجهل والوهم والأسطورة. لذا فإن ثورة المجتمع الحديث التي يرجع تاريخها إلى المشروع الرأسمالي الأول وتحقق اختراقها السياسي في الثورة الفرنسية يجب أن تُفهم على أنها حركة معقدة ذات أبعاد عديدة:اقتصادية، وعلمية، وتكنولوجية، وسياسية، وقانونية، وبيئية، وإيديولوجية، ودينية، وجمالية، وشخصية، واجتماعية. لقد واجهت الماركسية، كنظام اجتماعي، العديد من المشاكل والإخفاقات على وجه التحديد لأنها اتخذت موقفها بجرأة في قلب هذه الثورة المعقدة، -أي الاقتصاد -وأتباعها لم يكونوا مستعدين أو قادرين من الناحية النظرية أو العملية على حل مجموعة كاملة من المشاكل.
وكرد فعل على الفوضى الاجتماعية التي تسببها الأنانية، يريد البعض فرض نظام اجتماعي استبدادي – اقتصادي وسياسي وديني – يحكمه هيكل هرمي. يحمل هذا البديل جاذبية التقليد الناجح. على مر التاريخ، كان التنظيم الاجتماعي السائد هرميًا: أنظمة مهيمنة وتابعة، ومكانة أعلى وأدنى (مع ما يقابلها من حقوق ومسؤوليات وسلطة ومكافآت وعقوبات)، استنادًا إلى القوة البدنية والثروة والانتماء العرقي والذكاء الاجتماعي والجنس. والعمر، وما إلى ذلك. وكان المترابط الشخصي هو الشخصية الاستبدادية: منغلقة، وغير متسامحة بشكل صارم مع التنوع في الأفكار والأشخاص وأساليب الحياة، وتميل إلى القوالب النمطية، والمركزية العرقية، وكراهية الأجانب، والعقاب الخارجي، ومقاومة التغيير، والثقة بالسياسات الاجتماعية. الحكم، والسلطة، والطقوس، والتهديد، والقوة لحل المشاكل.11 يتم تنظيم جميع المجتمعات الحيوانية تقريبًا من خلال هذا التسلسل الهرمي للهيمنة 12 - وهي آلية تطورية لتأمين النظام الاجتماعي والحماية ضد الغزو الأجنبي، والاضطراب الداخلي، والدمار. وهي مصممة للدفاع والمحافظة عليها. من ماضيه التطوري، يبدو أن الجنس البشري قد احتفظ بآثار مشفرة من هذه التصرفات الهرمية للهيمنة والخضوع. وفي الوقت نفسه، فإن القدرة على التعلم لدى الفرد، وتنوع السلوك الفردي، وتنوع الثقافات الإنسانية، تشير إلى أن الميول المساواتية والإيثارية والديمقراطية في الطبيعة البشرية قوية مثل أو أقوى من الميول الاستبدادية ولها تأثير و قد تطورت مع مرور الوقت كاستراتيجية بديلة للتعامل مع العالم. وبالطبع طبيعة العلاقات والمؤسسات الاجتماعية– الاستبدادية أو الديمقراطية – التي يعيشها الرضيع والطفل هو محدد للشخصية.
ويبدو أن التسلسل الهرمي في المؤسسات الكبيرة مثل الصناعة والبيروقراطية الحكومية محكوم عليه بالاستمرار. وينبغي للعمليات الديمقراطية مراقبتها والسيطرة عليها عن طريق سيادة القانون مع وجود سلطة قضائية مستقلة وضمانات قانونية لحرية التعبير والتجمع الفردية، والصحافة الحرة، واتخاذ القرارات الديمقراطية في مكان العمل، وغيرها من المؤسسات والجمعيات المدنية الطوعية. ، وما إلى ذلك وهلم جرا. لقد ورث المجتمع السوفييتي عادات هرمية راسخة إلى جانب الروح الجماعية؛وفي سنوات تكوينه ، في ظل غياب تقليد سياسي ديمقراطي قوي وبسبب التطويق، وحتى الغزو من الغرب أو الشرق، والحاجة إلى زراعة منتجة وتصنيع سريع وواسع النطاق، التزم الناس بإخلاص بالهياكل الاستبدادية القديمة. ومع ذلك، حققت الديمقراطية مكاسب كبيرة في تحرير الناس في الدول المتخلفة، ومحو الأمية شبه الشامل، والتعليم العام، ونظام الرعاية الصحية الاجتماعية، والوصول الشامل إلى الثقافة، وتعليم النساء وتوظيفهن، ورعاية الأطفال. وبالتالي، كانت الذات في المجتمع الاشتراكي السوفييتي في كثير من الأحيان مزيجًا من السمات الهرمية والديمقراطية. لقد هز انفجار الثورة البلشفية في روسيا العالم - أوروبا وآسيا والأمريكتين والقارات الأخرى - مما أعطى شكلاً جديدًا وحيويا لنضالات الشعوب المستعمرة من أجل تقرير المصير الوطني ولمطالب العمال الصناعيين بالنقابات، الأجر المعيشي، وظروف العمل اللائقة، ويوم العمل لمدة ثماني ساعات، والإجازات، والتأمين ضد البطالة،والمعاشات التقاعدية. في الولايات المتحدة وحدها، خلال السنوات الخمس الأولى من الصفقة الجديدة، أسست الحكومة إغاثة العاطلين عن العمل والمحتاجين، والمفاوضة الجماعية، وتنظيم الزراعة والحفاظ على التربة، وإلغاء عمالة الأطفال والمصانع المستغلة للعمال، والحد الأدنى للأجور والحد الأقصى لساعات العمل، الإسكان للمحرومين، وتنظيم السوق والتمويل. إن المطالب الهائلة لشعوب العالم، التي بدأت في روسيا، أجبرت الرأسماليين على تعديل نظامهم في اتجاه الاشتراكية.
ما الذي يجب فعله اليوم؟ أحوال ومشاكل العالم الحديث ، كونية وتفاعلية و منظومية وطويلة المدى. وفي ظل هذه الظروف، يتم إنشاء الشخصية الفردية واستدامتها وتحولها من خلال العمليات الطبيعية والاجتماعية التي تصل عبر المجتمعات المحلية والأمم والمناطق وجغرافيا العالم. تتطلب مثل هذه البيئة سلوكًا متوافقًا مع الظروف وحساسًا لطبيعة الأشياء وقوانينها وحدودها وإمكانياتها. على سبيل المثال، كنا نعرف منذ قرن من الزمان مخاطر الإشعاع النووي ولكننا تجاهلناها إلى حد كبير؛ والآن، يتعين على الدول الرأسمالية الكبرى، التي تدعي النصر في الحرب الباردة، أن تدفع ثمناً باهظاً لإغلاق المحطات النووية شديدة الخطورة في الاتحاد السوفييتي السابق. 13 حتى الآن، كان الفلاسفة يتأملون في طبيعة الأشياء؛ لكن السؤال الآن هو سؤال عملي للغاية،لأنه يجب على البشرية الآن أن تعرف مثل هذا العالم وتنضم إليه بشكل بناء إذا أريد للحياة أن تستمر وأن تكون جديرة بالاهتمام.
لقد غرس المجتمع العبودي والمجتمع الإقطاعي الفضائل التي سهلت عمل مؤسساتهما بما يتوافق مع أعراف وقوانين المجتمع،وتنفيذ التوقعات والأدوار المعينة، وبعض الفضائل الداخلية للروح: التواضع، وضبط النفس، والتضحية بالنفس. لقد أضاف العبرانيون و المسيحيون والمسلمون وغيرهم، فضائل التعامل مع الآخرين مثل الرحمة واللطف والاهتمام بالآخر، حرصًا على تماسك المجموعة. من أجل تعزيز الإنتاج الصناعي الضخم وتقسيم العمل، طالبت الرأسمالية بفضائل الأنانية -التي تجلت في فترتها المبكرة من خلال الأخلاق البروتستانتية وفي القرن العشرين من قبل النزعة الاستهلاكية. ولكن في عالمنا المعاصر الذي يتسم بالمراكز الحضرية الضخمة، والتكنولوجيا الجماهيرية، والسوق العالمية، وشبكات المعلومات العالمية،والأمم والكتل الأممية المترابطة بالاقتصاد والثقافة، فإن رفاهية الإنسانية تتطلب فضائل جماعية _ التضامن الدولي من أجل قضايا مشتركة ، و تحالفات متعددة القضايا من أشخاص من أيديولوجيات متنوعة، وقنوات اتصال وتعاون مفتوحة بين الحكومة والمواطنين، وتخطيط اجتماعي يتم التحكم فيه ديمقراطيًا، والتزام المجموعات طويل الأمد بالقضايا التاريخية التقدمية الممتدة عبر العقود والأعمار والقرون. نحن بحاجة إلى شمولية الرؤية والعمل في المكان والزمان. وفي وضعنا المعاصر، فإن فضيلة الأنانية، التي تمجدها الرأسمالية، قد عفا عليها الزمن ومدمرة. بدأت هذه الفضائل في الظهور في الحركات الشعبية من أجل الاستقلال عن الاستعمار الجديد، والحركات البيئية والنسائية، وcommunidades Eclesiais de base (المجتمعات المحلية على اساس الدين) في أمريكا اللاتينية، و Poblacions (المراكز الشعبية) في سانتياغو، والتعاونيات، وغيرها من المجموعات التي تعمل على تجديد مجتمعاتهم المحلية في مواجهة التجريد الغربي من الإنسانية.14
هل هذا يعني نهاية الصراع الطبقي؟ على الاطلاق. التقسيم و العداء الطبقي والاستغلال واستخراج فائض القيمة هي حقائق الحياة في معظم أنحاء العالم. لكن طبيعة الطبقة العاملة وتوزيعها تغيرا، وأصبح نطاق مهمتها معقدا وعالميا. خلال نصف قرن من حقبة ما بعد الحرب، وسع رأس المال الأمريكي استغلاله الاحتكاري في جميع أنحاء العالم المتخلف، وأنفق 10 تريليون دولار على الجيش لتدمير الاقتصاد الاشتراكي في أوروبا الشرقية، وفي العقد الماضي عمل على تآكل أمن ودخل عمال الولايات المتحدة. لقد أصبحت الولايات المتحدة أكبر دولة مديونة في العالم، وتراجعت من المرتبة الأولى إلى الثالثة عشرة في العالم من حيث مستويات المعيشة، وأجبرت تراجع نسبة انضمام العمال إلى النقابات (في القطاع الخاص) من ذروة بلغت 35.7 في المائة في عام 1953 إلى 11.5 في المائة اليوم. أكدت القوانين المناهضة للعمل أن العمال لا يستطيعون المساومة بشكل جماعي في السوق لبيع قوة عملهم، وبالتالي، كونهم أفرادًا "أحرارًا" في "العالم الحر"، فإنهم يحصلون على أجور زهيدة. ولتجنب ارتفاع تكاليف العمالة، قام رأس المال بنقل جزء كبير من صناعته إلى الخارج. ويعمل العدد الأكبر من العمال الأميركيين في قطاعي الخدمات وتجارة التجزئة، مع أقل من 15% في وظائف التصنيع ذات الياقات الزرقاء. حوالي ثلث القوى العاملة في القطاع الخاص هم عمال عرضيون-بدوام جزئي، مؤقتون، متعاقدون لفترة،ويتقاضون أجوراً زهيدة. 15 الغالبية العظمى من العمال الصناعيين والزراعيين في العالم يعيشون في البلدان الفقيرة، والعديد منهم يعملون لدى الشركات المتعددة الجنسيات بأجور زهيدة. وهكذا تحول رأس المال إلى استراتيجيات جديدة، في الداخل والخارج. ويجب على عمال العالم أن يتحدوا حول قضايا الحقوق الاقتصادية، والعدالة، والديمقراطية، ونزع السلاح، والبيئة الآمنة. التاريخ الطويل للرأسمالية والتاريخ القصير للاشتراكية كلاهما يوضح أنه في حين أن الظروف القمعية تحدد الوعي، فإن تغيير تلك الظروف وتحقيق التحرر يتطلب وعيًا متحولًا.
في عالمنا الحالي، سيثبت الأسلوب الهرمي للتعامل مع المشكلات أنه غير فعال وكارثي ما لم يتم تصحيحه وفقًا لاحتياجات ومطالب الناس. نحن بحاجة إلى تفكير جديد من جانب كل من القادة والشعب، والابتعاد عن الاستراتيجية الاستبدادية و بناء نوع الشخصية الديمقراطية المتكيفة لمواجهة مشاكل العالم: شخصية منفتحة ومرنة ومتسامحة مع التنوع وحساسة تجاه الفردية، مستقلة في الإدراك والحكم، مبتكرة و أصلية ، مساواتية، متفاعلة بشكل خلاق مع الآخرين، ومشاركة في النضالات الجماعية الذكية لحل المشاكل. إن الشخصية المنفتحة والديمقراطية هي شخصية فردية واجتماعية، ومتحررة من التطرف المحافظ للتوافق مع الديماغوجيين والبيروقراطيين والقطيع، ومن الأنانية الفوضوية و الفردية الرأسمالية. إنها تحافظ على هويتها الخاصة في علاقاتها مع الآخرين ومع الطبيعة. إنها، وتعرف نفسها على أنها، سيرورة، في شبكة من التفاعل مع السيرورات الأخرى - صانع مشارك داخل نظام اجتماعي وتاريخي وبيئي. ملتزمة بالحفاظ على النظام العالمي وتطويره، تجد هذه الذات مركزها وأهميتها في النظام الإبداعي للعالم. تتمحور الأنانية حول الذات المنعزلة، التي تستبعد العالم، وتنساه وتضعفه، كما هي نفسها التي هي جزء من ذلك العالم. إن الذات العالمية، التي بينما تخدم حياتها الشخصية المشروعة من أجل إنشاء وبناء علاقات ومؤسسات اجتماعية أكثر صحة محليًا وعالميًا، هي نوع الشخص المطلوب لإنقاذ البشرية من الدمار ومن أجل تحقيق الاستيفاء . إن دعوتنا الإنسانية هي رعاية هذا النوع المبدع من الشخصية في جميع المؤسسات، من الأسرة إلى الدولة - وهي المهمة التي ألهمت اشتراكية القرن العشرين، ولكن يتعين على البشرية هنا وفي المستقبل انجازها من الناحية النظرية والتطبيقية.
مناقشة
س: أولاً، إذا كان ذلك ممكناً، هل يمكنك تحديد الفرق بين المصلحة الذاتية والأنانية؟ ثانياً، ما هو التفاعل الجدلي بين المصلحة الذاتية والمصلحة الجماعية؟ ثالثًا: يرى بعض الفلاسفة أن الأنانية ليست شيئًا يمكن فصله عن الإنسان. إنها جزء من الإنسانية. هل من الممكن التخلص منها؟ ما رأيك في هذا الموضوع؟
ج: المصلحة الذاتية هي ببساطة السعي وراء المصالح التي يهتم بها الفرد لنفسه. يمكن أن تكون شرعية أو غير شرعية . أود أن أقول إنه من المشروع متابعة اهتمام المرء بالطعام. قد تكون هناك مواقف حيث يجب التضحية بالمصلحة الذاتية من أجل مصالح الآخرين، كما هو الحال عندما يتخلى أحد الوالدين عن أشياء معينة لطفل. لكن الأنانية تعني السعي وراء المصالح إما بتجاهل مصالح الآخرين أو ضد المصلحة المشروعة للآخرين. فيما يتعلق بالسؤال الثاني، حول الأنانية والمصالح الجماعية: كان هناك نقاش في الورقة حول كيف أنه إذا سعى كل فرد إلى تحقيق مصلحته الذاتية دون مراعاة مصالح الآخرين، فإن هذه علاقة مدمرة للطرفين. وهذا أمر شائع في العلاقات بين الناس في ظل الرأسمالية، في الولايات المتحدة، على سبيل المثال.فيما يتعلق بمسألة ما إذا كان من الممكن التخلص من الأنانية: إنها مسألة قديمة وقد تناولتها الاشتراكية. يجادل العديد من العلماء ذوي التوجه البيولوجي بأن الأنانية متأصلة في جيناتنا. لكن لدينا أدلة على أن هناك مجتمعات لا يكون فيها الناس أنانيين. نحن نعلم أن الناس، والأطفال، يمكن أن يتعلموا أن يكونوا غير أنانيين إذا نشأوا بطرق معينة. السلوك البشري متغير ومرن للغاية. إن حجتي هذه هي حجة ضد وجهة النظر القائلة بأننا بطبيعتنا أنانيون وبالتالي فإننا بحاجة إلى تسلسل هرمي للسلطة والسيطرة للحفاظ على حياة الإنسان.
س: أعتقد أنه لا يوجد تعارض بين المصلحة الأنانية والمصلحة الاجتماعية. نحن بحاجة للجمع بين المصلحة الأنانية والمصلحة الاجتماعية بطريقة ديالكتيكية.
ج: حسنًا، الأنانية تعني أن تأخذ كل شيء لنفسك.
سؤال: أنا أتكلم عن المصلحة الذاتية.
ج: هذا مختلف. إذا كنت تقصد ذلك فأنا أوافق. أود أن أقول أنه لا يوجد تناقض.
ملحوظات
1. هذا هو التصنيف الذي استخدمه أرنولد جي توينبي، دراسة التاريخ، 10 مجلدات. (جديد يورك: أكسفورد، 1934، 1939، 1959). 2. 2.سلافا تيتيخين، "البيريسترويكا في الاتحاد السوفييتي"، الشؤون السياسية 70، العدد. 7 (يوليو، 1991): 27. 3. "لقد كنا نحاول لفترة طويلة تعديل الأنهار لتتوافق مع احتياجات الإنسان، ثم نتساءل عن سبب الفوضى في أنهارنا ولماذا نستمر في التعامل مع الفيضانات... نحن بحاجة إلى تعديل السلوك البشري ليتناسب مع أنظمة الأنهار." لاري لارسون، مقتبس في ويليام ك. ستيفنز، "المخاطر العالية لإنكار سهول فيضانات الأنهار،" نيويورك تايمز، 20 يوليو 1993، C1 4. إي إتش كار، ثورة أكتوبر ،قبل وبعد (نيويورك: ألفريد أ. كنوبف،1969)، 2-4. 5. إي. جي. هوبسباوم، عصر رأس المال (لندن: فايدنفيلد ونيكلسون، 1975)، 188. 6.كارل ماركس، "تعليقات على جيمس ميل، عناصر الاقتصاد السياسي،" في كارل ماركس وفريدريك إنجلس، الأعمال المجمعة (نيويورك: الدولية، 1975)، 3: 217-218. 7. المرجع نفسه، 162-164. 8. كارل ماركس، رأس المال (موسكو: دار نشر اللغات الأجنبية، بدون تاريخ)، 1: 171، 173. 9. ج. برونوفسكي، صعود الإنسان (بوسطن: ليتل، براون، 1973)، 279؛ هوبسباوم، عصر رأس المال، 353، 267. 10. كارل ماركس وفريدريك إنجلس، مراسلات مختارة (موسكو: دار النشر باللغات الأجنبية، 1953)، 500، 540. 11. ثيودور دبليو أدورنو وآخرون، الشخصية الاستبدادية (نيويورك: هاربر ورو،1950). 12. هذا ما وصفه كارل ساجان وآن درويان في ظلال الأجداد المنسيين (نيويورك:راندوم هاوس، 1992). إنهم يقللون من أهمية دور العوامل الاجتماعية والتاريخية في التطور البشري. 13. يقدر تقرير للبنك الدولي ووكالة الطاقة الدولية "أنه ستكون هناك حاجة إلى 18 مليار دولار بين عامي 1993 و2000 إذا تم إغلاق "المحطات النووية ذات المخاطر العالية"". مارليز سيمونز، "تحذير الغرب من التكلفة العالية لإصلاح المحطات السوفيتية النووية "، نيويورك تايمز، 22 يونيو 1993، 1 وما يليها. 14. ماورو بيريسيني، "الهوية :بطاقة ذات وجهين"، رسالة اليونسكو، يونيو 1993، 18 15. مذكرات اقتصادية 57، العدد. 9-10 (سبتمبر-أكتوبر 1989)، 1-6؛ مذكرات اقتصادية 61، العدد. 1-2 (يناير-فبراير 1993)، 2-4. …………
عن المؤلف
هوارد إل. بارسونز؛ (1918-2000)
حصل هوارد بارسونز، الأستاذ الفخري للفلسفة بجامعة بريدجبورت في كونيتكت ، على درجة البكالوريوس في عام 1942 ودرجة الدكتوراه في عام 1946، وكلاهما من جامعة شيكاغو. كانت مناصبه التعليمية الرئيسية في جامعة تينيسي من عام 1949 إلى عام 1957، وكلية كو من عام 1957 إلى عام 1965، وجامعة بريدجبورت من عام 1965 إلى عام 1988، حيث شغل منصب رئيس قسم الفلسفة. في عامي 1980 و1990 كان أستاذا زائرا في جامعة موسكو الحكومية. ركز العمل العلمي للبروفيسور بارسونز على الفلسفة الاجتماعية والأخلاق وفلسفة الدين والماركسية. كان كاتبا غزير الإنتاج قام بتأليف وتحرير العديد من الكتب وساهم بأكثر من مائتي مقالة وسبع دراسات في المجلات الفلسفية والدينية والتعليمية. كانت أعماله الرئيسية هي: الإنسانية وفكر ماركس (1971)؛ الإنسان في الشرق والغرب (1975)؛ الذات والقضايا العالمية والأخلاق (1977)؛ ماركس وإنجلس حول البيئة (1977)؛ الماركسية والمسيحية والقيم الإنسانية (1981)؛ والمسيحية في الاتحاد السوفياتي (1987). كان محررا مشاركا في مجلة الطبيعة والمجتمع والفكر الماركسية، وقام بتحرير عدد خاص من هذه المجلة عن ماركس وفرويد (المجلد 8، رقم. 1، 1995). كان البروفيسور بارسونز مهتما طوال حياته بالعديد من القضايا الاجتماعية، وخاصة السلام والفقر والبيئة ونزع السلاح النووي. قدم المنظور الذي قدمه إلى هذه القضايا وغيرها مساهمة كبيرة في الأدب الماركسي. قدم هوارد بارسونز أوراقا ونظم ندوات في كل مؤتمر عالمي للفلسفة من عام 1963 إلى عام 1993. بالإضافة إلى تقديم أوراق في مؤتمرات مختلفة في الولايات المتحدة، قدم أيضا محاضرات في الهند وألمانيا وبولندا وإيطاليا وبلغاريا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا واليابان وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وكوبا والاتحاد السوفيتي. كان أيضا مشاركا متكررا في الحوارات المسيحية الماركسية. كان البروفيسور بارسونز فيلسوفا ماركسيا يحظى باحترام كبير و يتمتع بسمعة دولية. كان هوارد بارسونز عضوا مؤسسا في جمعية الدراسة الفلسفية للماركسية.
#دلير_زنكنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا قال ديفيد بن غوريون؟
-
الحرارة المميتة في السجون الأميركية تنتهك قوانين القسوة على
...
-
ألكسندر دوغين وصعود الفاشية -المقبولة سياسيًا-
-
كلام بلا افعال: لماذا الدول العربية عاجزة عن وقف إسرائيل؟
-
واشنطن تنصب فخا لإيران فهل تبتلع إيران الطعم ؟
-
ما تحتاج إلى معرفته: الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غ
...
-
فوز أنورا ديساناياكي: نظرة عن قرب على أول رئيس شيوعي لسريلان
...
-
على تركيا أن تتوقف عن منع ذهاب أسطول الحرية إلى غزة
-
مايكل بارينتي. الماركسية والأزمة في أوروبا الشرقية
-
هل كان الاتحاد السوفييتي -رأسمالية دولة- و-إمبريالية اشتراكي
...
-
عصر أحفاد العائلة البارزانية عصر الظلامية والنهب
-
اليسار ليس مفهوماً
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
-
التحالف الخياني النازي الصهيوني
-
خمسة حقائق يجب معرفتها عن الشيوعية فريدا كاهلو
-
خطاب خروتشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي : ال
...
-
التحرر المنقطع: المرأة والعمل في ألمانيا الشرقية
-
الأزمة المتكاملة في الولايات المتحدة وصنمية النقاء
-
الأسس الأيديولوجية للإرهاب الصهيوني
-
بونابرت الإسرائيلي
المزيد.....
-
اعلام الاحتلال: صفارات الانذار تدوي من قيسارية وصولا الى هرت
...
-
حزب التقدم والاشتراكية يعزز التعاون مع المعهد الوطني الديمقر
...
-
??وت ژمار? 32
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
-
تعقيباً على نتائج قمة الرياض «الديمقراطية»: ألقوا بأعباء الق
...
-
بمناسبة الذكرى 50 لاغتيال الشهيد عبد اللطيف زروال، وقفة احتج
...
-
على طريق الشعب: في المهرجان يكبر الفرح وتتعزز الثقة بالغد
-
بــلاغ صادر عن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب
-
تفاؤل مغربي وترقب من البوليساريو.. هل يُنهي ترامب نزاع الصحر
...
-
هل تستطيع تركيا التوصل إلى اتفاق مع الأكراد للقضاء على حزب ا
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|