|
مارتن هايدغر الفيلسوف و النازي: السجل
دلير زنكنة
الحوار المتمدن-العدد: 8433 - 2025 / 8 / 13 - 10:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بقلم أليكس ستاينر ترجمة دلير زنگنة
الجزء 1: السجل
اعتبر الكثيرون مارتن هايدغر (1889-1976) أحد عمالقة فلسفة القرن العشرين. تأكدت سمعته الدولية من خلال نشر كتاب " الوجود والزمان" في عام 1927 ، وهو الكتاب الذي وصفه الشاب يورغن هابرماس بأنه "أهم حدث فلسفي منذ علم الظواهر لهيغل ..." [1]
كان نجاح الوجود والزمان فوريًا وكان تأثيره واسع الانتشار. استلهمت العديد من تيارات الفكر المعاصر على مدى السبعين عامًا الماضية من عمل هايدغر ، وفي بعض الحالات استمدت منه بشكل مباشر. من بين هؤلاء يمكن أن نذكر الوجودية والتأويل وما بعد الحداثة والنسوية البيئية والاتجاهات المختلفة في علم النفس واللاهوت والأدب. أثرت كتاباته على مفكرين متنوعين مثل هربرت ماركوز وجان بول سارتر وجاك دريدا وبول تيليش وآخرين لا حصر لهم. شابت مسيرة هايدغر المتميزة كأستاذ للفلسفة في جامعة فرايبورغ حدثًا فريدًا في حياته. بعد استيلاء هتلر على السلطة في عام 1933 ، أصبح هايدغر الفيلسوف المشهور عالميًا، هايدغر النازي ، حاملاً بطاقة العضوية رقم 312589.
خرج موضوع نازية هايدغر مؤخرًا من صفحات المجلات العلمية وأصبح قضية في الصحافة الشعبية ووسائل الإعلام. في العام الماضي ، بثت البي بي سي مسلسل تلفزيوني عن ثلاثة فلاسفة أثروا بقوة في عصرنا ، نيتشه و هايدغر وسارتر. لم تستطع الحلقة على هايدغر إلا أن تناقش نازيته. في أواخر العام الماضي ، نشرت مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس مقالاً يغطي العلاقة بين هايدغر وزملائه كارل ياسبرز و حنة أرندت.
كل هذه الدعاية لما كان في السابق فصلاً غامضًا في حياة الفيلسوف المعروف ، تسببت في موجة من الصدمة والفزع. على سبيل المثال ، كتب أحد مشاهدي سلسلة البي بي سي مؤخرًا عن رعبه من أن "عمق تعاون [هايدغر] مع النازيين لم يتم إلا مؤخرًا ... إبرازه". يمكن أن يُعزى قصر النظر الذي طال أمده في حالة هايدغر بشكل مباشر إلى التغطية المنهجية التي قام بها هايدغر نفسه خلال الفترة النازية وبعدها ، واستمر بها طلابه والمدافعون عنه حتى يومنا هذا. قبل أن نستكشف قصة التستر ، التي هي نفسها صفحة طويلة ورائعة في سجلات التزييف التاريخي ، دعونا أولاً نثبت حقائق علاقة هايدغر بالنازية.
لم يعد من الممكن الطعن بجدية في الحقائق منذ نشر في عام 1987 كتاب فيكتور فارياس ، هايدغر والنازية. [2] فارياس هو باحث تشيلي المولد لهايدغر أمضى عقدًا من الزمن في تحديد مكان تقريبًا جميع الوثائق ذات الصلة بأنشطة هايدغر في السنوات من 1933 إلى 1945. عثر على العديد من هذه الوثائق في أرشيف الدولة السابقة لألمانيا الشرقية وفي مركز التوثيق في برلين الغربية السابقة. منذ نشر كتاب فارياس التاريخي ، تم نشر عدد من الكتب والمقالات الأخرى التي تستكشف قضية نازية هايدغر. يمكن العثور على ملخص ممتاز للمادة التاريخية في مقال كتبه عام 1988 بعنوان هايدغر والنازيون . [3] استعير الكثير من المواد المعروضة في هذا القسم من هذه المقالة.
ولد هايدغر ونشأ في بلدة مسكيرش الواقعة في جنوب ألمانيا الحديثة. كانت المنطقة متخلفة اقتصاديًا ، وتهيمن عليها زراعة الفلاحين والصناعات التحويلية الصغيرة. كانت سياسة المنطقة مفعمة بالكاثوليكية الشعبوية التي نفذت بعمق في القومية الألمانية وكراهية الأجانب ومعاداة السامية. نظرت إلى الثقافة الحديثة ومعها المثل العليا لليبرالية وكذلك الاشتراكية على أنها تهديدات مميتة. اعتُبر التأثير المتزايد للحزب الاشتراكي الديمقراطي في جميع أنحاء ألمانيا "العدو الداخلي" الرئيسي في هذه المنطقة. في العقود التالية ، أصبحت هذه المنطقة واحدة من معاقل دعم النازية.
كانت عائلة هايدغر من الطبقة الوسطى الدنيا. جاءت والدته من خلفية فلاحية وكان والده حرفيًا. كان طالبًا واعدًا وحصل على منحة دراسية للالتحاق بالمدرسة الثانوية في كونستانس. هناك التحق بمدرسة إعدادية للمبتدئين. تأسست المدرسة من قبل سلطة الكنيسة الكاثوليكية لكي تكون معقلًا للمحافظة ضد التأثير المتزايد لليبرالية والبروتستانتية في المنطقة. ومع ذلك ، فإن بعض أعضاء هيئة التدريس العلمانيين في المدرسة لديهم مُثُل ديمقراطية وتقدمية قوية. كانت محاضراتهم من بين المحاضرات الأكثر شعبية في المدرسة. لا نعرف بالضبط كيف استقبل هايدغر الشاب هذه الأفكار التقدمية. نحن نعلم أنه في فترة مبكرة وتشكيلية واجه بالفعل تفاعل الأفكار التي كانت تقاتل من أجل التفوق في الجزء الذي ينتمي إليه في ألمانيا. نحن نعلم أيضًا أنه بحلول الوقت الذي حصل فيه هايدغر على درجة البكالوريا ، رفض دعوة الكاهن لصالح دعوة الباحث. كما انخرط بشكل كبير في الصراعات الحزبية والثقافية في عصره. بحلول الوقت الذي كان فيه في أوائل العشرينات من عمره ، كان قائدًا في حركة طلابية احتضنت مُثل الشعبوية الكاثوليكية اليمينية.
تعززت القوى الرجعية و المعادية للأجانب في المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية. لم تكن نتيجة الحرب ، المنصوص عليها في معاهدة فرساي ، مجرد هزيمة مذلة للقوميين ، بل أدت أيضًا إلى خسارة الأراضي لصالح فرنسا. أصبحت الأراضي المفقودة قضيةً مهمة بين الأوساط القومية اليمينية بعد الحرب. من ناحية أخرى ، كانت الثورة الروسية مصدر إلهام للطبقة العاملة في ألمانيا ، ونشرت الخوف والرعب بين الفلاحين الكاثوليك إلى حد كبير في الريف الجنوبي. سيطر الشعور بأزمة الأبعاد التاريخية العالمية على أيديولوجية الحركات القومية اليمينية في تلك الفترة. المتكلم عن أزمة روح العصر كان الفيلسوف أوزوالد شبنغلر ، الذي استوحى بدوره من فريدريك نيتشه. نحن نعلم أن هايدغر أعرب في وقت مبكر من حياته المهنية عن تعاطفه مع وجهة النظر القومية. ومن الحقائق أيضًا أن الشعور بالأزمة الذي ظهر في هذا المنعطف التاريخي سيكون موضوعًا سيحتفظ به هايدغر الفيلسوف طوال حياته المهنية.
توجد أدلة موثقة على أن هايدغر أعرب عن تعاطفه مع النازيين منذ عام 1932. وبالنظر إلى تاريخه السابق ، لا ينبغي أن يكون هذا صادمًا . مباشرة بعد استيلاء هتلر على السلطة ، انضم إلى النازيين. كان هايدغر عضوًا يدفع الاشتراك في NSDAP (الحزب النازي) من عام 1933 إلى عام 1945. أصبح رئيسًا لجامعة فرايبورغ في أبريل من عام 1933 ، بعد ثلاثة أشهر من وصول هتلر إلى السلطة. القى خطاب تنصيبه المشين في 27 مايو 1933. ادعى المدافعون عن هايدغر أن هذا الخطاب يمثل محاولة لتأكيد استقلالية الجامعة ضد جهود النازيين لإخضاع العلوم لعقيدتهم الرجعية.
في الواقع ، كان العنوان عبارة عن دعوة لحمل السلاح للطلبة وأعضاء هيئة التدريس لخدمة النظام النازي الجديد. ويحتفل بالصعود النازي باعتباره "المسيرة التي بدأها شعبنا الى تاريخه المستقبلي". يعرّف هايدغر الأمة الألمانية بالدولة النازية في نثر يتحدث عن "المهمة التاريخية للأمة Volk الالمانية، الامة التي تعرف نفسها في دولتها". حتى أن هناك إشارة إلى الأيديولوجية الفاشية للحتمية {البيولوجية} عندما يستدعي "القدرة على الحفاظ ، بأعمق طريقة ، على نقاط القوة [للامة ] المتجذرة في التربة والدم."
في 30 يونيو 1933 ، ألقى خطابًا أمام جمعية طلاب هايدلبرغ قدم فيه وجهات نظره حول دور الجامعة في النظام النازي الجديد. المقتطف التالي يتحدث عن نفسه. يقدم لمحة عن التزام هايدغر بالمثل النازية للدم والعرق والخضوع المطلق للفوهرر .
يجب دمج [الجامعة] في مجتمع العرق Volksgemeinschaft و تنظم إلى الدولة ... حتى الآن ، تم البحث والتدريس في الجامعات كما تم إجراؤها منذ عقود ... أخفت عدم وثوقيتها وراء فكرة التقدم العلمي و البحثي العالمي. التدريس الذي أصبح بلا هدف يختبئ وراء متطلبات الامتحان. يجب خوض معركة شرسة ضد هذا الوضع بروح الاشتراكية القومية ، ولا يمكن السماح باختناق هذه الروح بواسطة افكار انسانية، مسيحية تقمع صحتها التامة ... لا يأتي الخطر من العمل للدولة. إنها تأتي فقط من اللامبالاة والمقاومة. لهذا السبب ، يجب أن يكون للعزم الحقيقي فقط حق الوصول إلى الطريق الحق ، ولكن ليس بفتور الهمة... يجب أن تصبح الدراسة الجامعية مرة أخرى مجازفة وليست ملجأ للجبناء. من لا ينجو من المعركة ينتهي حيث سقط. يجب أن تتعود الشجاعة الجديدة على الصمود ، لأن المعركة من أجل المؤسسات التي يتعلم فيها قادتنا ستستمر لفترة طويلة. ستحارب بعزم الرايخ الجديد التي سيحققها في الواقع المستشار هتلر. العرق القوي الذي لا يشك في نفسه يجب أن يخوض هذه المعركة ، العرق الذي يعيش في الاختبار المستمر والذي يظل متوجهًا نحو الهدف الذي التزم به. إنها معركة لتحديد من سيكونون المعلمين والقادة في الجامعة. [4]
بعد الحرب حاول هايدغر أن يرسم صورة مبرئة لولايته كرئيس للجامعة ، مدعيًا أنه كان يدافع عن نزاهة الجامعة ضد محاولات النازيين لتسييسها. لسوء حظه ، فإن الأدلة الوثائقية التي قدمها هذا الخطاب وأمثاله تحطم مزاعمه.
الأدلة الوثائقية الموجودة من فترة هايدغر كرئيس للجامعة تتبع الأحداث التالية:
في 21 أغسطس 1933 ، أسس هايدغر مبدأ الرئيس-الفوهرر في فرايبورغ. هذا يعني أن رئيس الجامعة لن يتم انتخابه من قبل هيئة التدريس كما كانت العادة ، ولكن من الآن فصاعدًا سيتم تعيينه من قبل وزير التعليم النازي. بهذه الصفة ، سيكون للرئيس-الفوهرر سلطة مطلقة على حياة الجامعة. في 1 أكتوبر 1933 ، تحقق هدفه عندما تم تعيينه رسميًا فوهرر {زعيم} جامعة فرايبورغ. بالنسبة لهايدغر ، كان هذا علامة فارقة على طريق تحقيق طموحه النهائي ، وهو أن يصبح الفيلسوف الرائد في النظام النازي. لقد تصور علاقة يصبح فيها الفيلسوف -المستشار لهتلر.
في 4 سبتمبر 1933 ، عندما رفض منصبًا في جامعة ميونيخ ، كتب: "عندما أضع الأسباب الشخصية جانبًا في الوقت الحالي ، أعلم أنه يجب أن أقرر العمل في المهمة التي تتيح لي افضل خدمة لعمل أدولف هتلر ". [5]
في 3 نوفمبر 1933 ، أصدر هايدغر ، بصفته الرئيس-الفوهرر ، مرسومًا بتطبيق القوانين النازية بشأن التطهير العرقي على الجسم الطلابي بالجامعة. منح مضمون المرسوم مساعدة مالية للطلاب الذين ينتمون إلى SS و SA ومجموعات عسكرية أخرى. "الطلاب اليهود أو الماركسيون" أو أي شخص يعتبر غير آري وفقًا للقانون النازي يُحرم من المساعدة المالية. [6]
في 13 ديسمبر 1933 ، طلب هايدغر دعمًا ماليًا من الأكاديميين الألمان لكتاب من الخطب المؤيدة لهتلر كان من المقرر توزيعه في جميع أنحاء العالم. وأضاف في الجزء السفلي من الرسالة أنه "غني عن القول ، لن يظهر غير الآريين في صفحة التوقيع". [7]
في 22 كانون الأول (ديسمبر) 1933 ، كتب هايدغر إلى وزير التعليم في بادن يحث فيه على أنه عند الاختيار من بين المتقدمين للحصول على درجة أستاذ ، يجب على المرء أن يسأل "أي من المرشحين ... يقدم أكبر ضمان لتنفيذ وصايا الاشتراكية القومية للتعليم". [8]
تُظهر الأدلة الوثائقية أيضًا أنه بينما كان هايدغر يمجد علنًا القضية النازية ، كان يعمل بشكل خاص على تدمير الحياة المهنية للطلاب والزملاء الذين كانوا إما يهودًا أو الذين كانت سياساتهم مشبوهة. من بين الأدلة الدامغة التي تم الكشف عنها:
هيرمان ستودينغر Hermann Staudinger ، أستاذ الكيمياء في فرايبورغ الذي سيفوز لاحقًا بجائزة نوبل في عام 1953 ، ندد به هايدغر سرًا باعتباره داعية سلام سابقًا خلال الحرب العالمية الأولى. تم نقل هذه المعلومة إلى وزير التعليم المحلي في 10 فبراير 1934. واجه ستودينغر فقدان وظيفته ومعاشه التقاعدي. بعد بضعة أسابيع توسط هايدغر مع الوزير ليوصي بعقوبة أخف. الدافع وراء هذا الفعل لا علاقة له بألم الضمير أو التعاطف ، ولكنه كان ببساطة استجابة سريعة لما كان هايدغر يخشى أن يكون دعاية دولية معاكسة لفصل عالم معروف. كتب للوزير: "لا أريد أن أشير إلى أنه فيما يتعلق بالموضوع لا شيء بالطبع يمكن أن يتغير. إنها ببساطة مسألة التجنب قدر الإمكان أي ضغوط جديدة على السياسة الخارجية ". [9] أجبرت الوزارة ستودينغر على تقديم استقالته ثم أبقته في حالة ترقب لمدة ستة أشهر قبل تمزيقها وإعادته إلى منصبه.
تقدم حالة إدوارد بومغارتن Eduard Baumgarten مثالًا آخر على الانتهازية الفظة والنزعة الانتقامية التي أظهرها هايدغر. كان بومغارتن طالبًا في الفلسفة الأمريكية وحاضر في جامعة ويسكونسن {في امريكا} في عشرينيات القرن الماضي. عاد إلى ألمانيا للدراسة تحت إشراف هايدغر وأقام الرجلان صداقة حميمة. في عام 1931 ، حدث خلاف شخصي بعد أن عارض هايدغر عمل بومغارتن في البراغماتية الأمريكية. ترك بومغارتن فرايبورغ لتدريس الفلسفة الأمريكية في جامعة غوتنجن Gottingen. في 16 كانون الأول (ديسمبر) 1933 ، كتب هايدغر ، مرة أخرى بصفته واشياً ، رسالة إلى رئيس الأساتذة النازيين في غوتنجن جاء فيها: "حسب الخلفية العائلية والتوجه الفكري ، يأتي الدكتور بومغارتن من مجموعة هايدلبيرغ من المثقفين الليبراليين الديموقراطيين حول ماكس فيبر. أثناء إقامته هنا [في فرايبورغ] كان اي شئ الا ان يكون اشتراكيًا قوميًا . أنا مندهش لسماع أنه يلقي محاضرة في غوتنجن: لا أستطيع أن أتخيل اي أساس لأعمال علمية حصل بموجبها على رخصة تدريسها. بعد فشله معي ، كان يتردد ، بنشاط كبير ، على اليهودي فرانكل ، الذي اعتاد التدريس في غوتنجن ، وتم فصله مؤخرًا من هنا [بموجب القوانين العنصرية النازية] ". [10]
إعتقد الدكتور فوغل Vogel ، متلقي هذه الرسالة ، أن الرسالة "مليئة بالكراهية" ورفض استخدامها. لكن خليفته أرسلها إلى وزير التعليم في برلين الذي أوقف بومغارتن وأوصى بمغادرته البلاد. لحسن حظ بومغارتن ، تمكن من الحصول على نسخة من رسالة هايدغر من خلال وساطة سكرتيرة متعاطفة . فقط بسبب هذا الظرف لا يزال هذا الدليل الوثائقي موجودًا. من المستحيل تخمين عدد الرسائل المسمومة الأخرى التي كتبها هايدغر في هذه الفترة. كان بومغارتن محظوظًا بما يكفي لاستعادة وظيفته بعد مناشدة السلطات النازية. تم تسليط الضوء على هذه الحقائق خلال جلسات الاستماع حول إجتثاث النازية في عام 1946.
يمكن الإشارة إلى حادثة حدثت مع ماكس مولرMax Muller . كان مولر ، الذي أصبح مفكرًا كاثوليكيًا بارزًا بعد الحرب ، أحد أفضل طلاب هايدغر من عام 1928 إلى عام 1933. كان أيضًا أحد معارضي النازية. توقف عن حضور محاضرات هايدغر بعد أن انضم الأخير إلى الحزب النازي في الأول من مايو عام 1933. بعد عدة أشهر ، استخدم هايدغر سلطته كرئيس-فوهرر لإقالة مولر من منصبه كقائد طلابي على أساس أن مولر "لم يكن مناسبًا سياسياً. " [11] لم تكن هذه نهاية القصة. في عام 1938 ، على الرغم من أن هايدغر لم يعد رئيسًا للجامعة ، فقد تدخل مرة أخرى لدى السلطات لمنع مولر من الحصول على تعيين كمحاضر في فرايبورغ. كتب لإدارة الجامعة أن مولر "يميل الى عدم تأييد" النظام. [12] هذه الجملة الوحيدة تعني بشكل فعال نهاية مسيرة مولر الأكاديمية. بعد أن علم مولر بذلك ، قام بإجراء مكالمة شخصية إلى هايدغر يطلب منه مسح جملة التجريم من توصيته. رفض هايدغر ، الذي لعب دور بيلاطس ، القيام بذلك ، وألقى محاضرة على مولر مشيرًا الى كاثوليكيته. "بصفتك كاثوليكيًا ، يجب أن تعلم أن على الجميع قول الحقيقة." [13]
أخيرًا ، هناك مسألة معاملة هايدغر لمعلمه السابق إدموند هوسرل. أسس هوسرل مدرسة الفينامينولوجيا الفلسفية وكان له سمعة دولية تعادل سمعة هايدغر. كان هوسرل أيضًا يهوديًا، وقع تحت مرسوم قوانين التطهير العنصري وحُرم من استخدام مكتبة الجامعة في فرايبورغ. في تنفيذ المراسيم النازية ، لم يكن هايدغر يقوم ببساطة بواجبه كرئيس-فوهرر نازي. هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن هايدغر كان متحمسًا لإنجاز مهمة كان وثيق الصلة بها. وفقًا لشهادة أرملة الفيلسوف إرنست كاسيرَرْ ، كان هايدغر شخصيًا معاديًا للسامية. في السنوات القليلة الماضية ظهرت أدلة أخرى تشير إلى أن معاداة هايدغر للسامية لم تختف بعد الحرب. روى أحد شهود العيان ، راينر مارتن ، محادثة مع هايدغر في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي أعرب فيها الأستاذ المتميز عن قلقه من تجدد التأثير اليهودي في أقسام الفلسفة بالجامعات الألمانية. [14]
سعى المدافعون عن هايدغر ، وآخرهم روديجر سافرانسكي ، إلى إعفائه من أي مسؤولية شخصية عن وضعية هوسرل. يشيرون إلى أن هايدغر لم يوقع أبدًا على أي مراسيم تقيد على وجه التحديد وصول هوسرل إلى مرافق الجامعة. [15] ومع ذلك ، فإن هذا الدفاع الضعيف بالكاد يعفي هايدغر من تواطؤه كعامل في تنفيذ المراسيم النازية المعادية لليهود ، وهي مراسيم كان يعلم أنها ستكون لها تأثير مدمر على الأصدقاء والزملاء السابقين. كما أنه ليس من الممكن تفسير من شأنه أن يخلص هايدغر من الفعل المخزي المتمثل في إزالة إهدائه لمعلمه هوسرل من كتاب الوجود والزمان عندما أعيد إصدار هذا العمل في عام 1941.
بعد الحرب ، استغل هايدغر حقيقة أنه استقال من منصبه كرئيس للجامعة بعد 30 يونيو 1934. وتزامن ذلك مع "ليلة السكاكين الطويلة" سيئة السمعة ، والتي شهدت قيام القوات الموالية لهتلر بمذبحة استمرت ثلاثة أيام أدت إلى اغتيال إرنست روم وأكثر من مائة من جنود العاصفة. أكد هايدغر لاحقًا أنه بعد هذا التاريخ انفصل نهائيًا عن النازية. ومع ذلك ، في محاضرة عن الميتافيزيقيا أُلقيت بعد عام من هذا الحدث ، أشار هايدغر علنًا إلى "الحقيقة الداخلية وعظمة الاشتراكية القومية":
إن الأشياء التي يتم تداولها الآن على أنها فلسفة الاشتراكية القومية - ولكن ليس لها أقل علاقة بالحقيقة الداخلية وعظمة هذه الحركة (أي المواجهة بين التكنولوجيا العالمية والإنسان المعاصر) - تلقي بشبكتها في هذه المياه المضطربة من "القيم" و "الكلية ". [16]
من الصحيح أيضًا أن هايدغر بدأ ينأى بنفسه عن جوانب معينة من الاشتراكية القومية. يجادل كتاب فارياس بشكل مقنع بأنه بعد عام 1934 واجه هايدغر النظام النازي الموجود برؤية مثالية للاشتراكية القومية كان يمكن ان تتحقق. وفقًا لفارياس ، كانت هذه النازية الطوباوية في ذهن هايدغر تحملها مجموعة روم Rohm المهزومة . أثارت أطروحة علاقة هايدغر بروم قدرًا كبيرًا من الجدل ولم يتم حلها بشكل مرضٍ أبدًا. ومع ذلك ، فمن الحقائق التي لا جدال فيها أن هايدغر كان يؤمن بشكل من أشكال النازية ، و "الحقيقة الداخلية لهذه الحركة العظيمة" ، حتى يوم وفاته.
هناك حقيقة أخرى تتعلق بالسيرة الذاتية وهي أن المدافعين عن هايدغر لا يمكنهم تجاوزها. كان هايدغر صديقًا مدى الحياة لرجل يُدعى يوجين فيشر. كان فيشر نشطًا في السنوات الأولى من الحكم النازي كمؤيد رئيسي للتشريع العنصري. كان رئيس معهد الصحة العرقية في برلين الذي روج للنظريات العرقية النازية. كان أحد "الباحثين" في معهده سيئ السمعة الدكتور جوزيف مينجيل. كان فيشر أحد المؤلفين المفكرين "للحل النهائي" النازي. حافظ هايدغر على علاقات ودية معه حتى عام 1960 على الأقل ،عندما أرسل الى فيشر هدية عيد الميلاد مع التحيات. لن يكون مبالغة أن نفترض أنه نتيجة لعلاقته الشخصية مع فيشر ، قد يكون لدى هايدغر معرفة في فترة مبكرة جدًا بالخطط النازية للإبادة الجماعية. [17]
تظهر الوثائق أنه بعد الحرب ، لم يتنصل هايدغر أبدًا علنًا أو خاصًا من دعمه للنازية. كان هذا على الرغم من حقيقة أن أصدقاء سابقين ، بمن فيهم كارل ياسبرز وهربرت ماركوزة ، حثوه على التحدث علانية ، متأخرًا بالتأكيد، ضد الجرائم التي ارتكبها النظام النازي. لم يفعل هايدغر ذلك. ومع ذلك ، فقد قام بإشارة عابرة إلى الهولوكوست في محاضرة ألقيت في 1 ديسمبر 1949. وفي حديثه عن التكنولوجيا ، قال:
الزراعة الآن صناعة غذائية آلية - في جوهرها ، مثل صناعة الجثث في غرف الغاز ومعسكرات الإبادة ، مثل الحصار والتجويع في الريف ، مثل إنتاج القنابل الهيدروجينية. [18]
في مساواة مشاكل الزراعة الآلية بالمحرقة ، وبالتالي التقليل من أهمية الأخيرة ، أظهر هايدغر ازدرائه لضحايا النازيين اليهود. سنعود إلى هذا الموضوع عندما نفحص فلسفة هايدغر. اختار هايدغر في أغلب الأحيان التزام الصمت بعد الحرب بشأن أنشطته لصالح النازيين. كانت المناسبات القليلة التي غامر فيها بإصدار بيان عام جديرة بالملاحظة. كانت المرة الأولى التي أجرى فيها أي تقييم لهذه الفترة وثيقة تخدم مصالحه الشخصية كُتبت للجنة إجتثاث النازية. سوف نعلق على ذلك في القسم التالي. كان أهم تصريح أدلى به هايدغر بعد الحرب حول نشاطه السياسي قبل الحرب في مقابلة عام 1966 مع مجلة دير شبيغل . نُشرت هذه المقابلة لأول مرة ، بإصرار من هايدغر ، بعد وفاته عام 1976. تركز قدر كبير من المناقشات على مسألة التكنولوجيا والتهديد الذي تشكله التكنولوجيا غير المقيدة للإنسان. يقول هايدغر في مرحلة ما:
السؤال الحاسم بالنسبة لي اليوم هو: كيف يمكن لنظام سياسي أن يتكيف مع العصر التكنولوجي ، وأي نظام سياسي سيكون؟ ليس لدي إجابة على هذا السؤال. أنا لست مقتنعا بأنها الديمقراطية. [19]
بعد أن وضع مفهومًا غير تاريخي عن التكنولوجيا كلعنة مطلقة لوجود البشرية ، يشرح هايدغر بعد ذلك كيف تصور الحل النازي لهذه المشكلة:
... أرى أن المهمة في الفكر تتكون بشكل عام ، ضمن الحدود المخصصة للفكر ، لتحقيق علاقة مناسبة بجوهر التكنولوجيا. من المؤكد أن الاشتراكية القومية تحركت في هذا الاتجاه. لكن هؤلاء الأشخاص كانوا محدودين للغاية في تفكيرهم بحيث لا يكتسبون علاقة واضحة بما يحدث بالفعل اليوم وما زال جاريًا منذ ثلاثة قرون. [20]
وبالتالي ، لا جدال في أنه في وقت وفاته كان هايدغر يعتقد في النازية كحركة سياسية تسير في الاتجاه الصحيح. إذا فشلت ، فذلك لأن قادتها لم يفكروا بشكل جذري في جوهر التكنولوجيا.
.
#دلير_زنكنة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماركس و الوضع البشري لحنة أرندت
-
ميشيل فوكو الراديكالي المزيف
-
القضية الهندية الباكستانية؛ رد فعل على -هجوم إرهابي- بـ-هجما
...
-
رسائل إينيسا و لينين
-
الذكاء الاصطناعي: لصالح أرباح رأس المال أم احتياجات الناس؟
-
لاي تيك، السكرتير العام الخائن للحزب الشيوعي المالايي
-
ضد تشاؤم جيجيك.الأمل والإرادة وجدلية التحرير
-
أكثر من 7000 شخص قتلوا في مجازر سوريا
-
فلسفة برتراند راسل السياسية والاقتصادية
-
لا يوجد شيء اسمه سلاح نووي تكتيكي
-
الفاشية. الثورة الزائفة
-
هل فكرة -زوتشيه- في كوريا الشمالية ماركسية حقاً؟
-
لماذا نعيد تصور جورجيا السوفييتية؟
-
20 عامًا من اقتصاد بوتين
-
اكثر من (770 الف) مشرد في الولايات المتحدة الاميركية !
-
الماركسية والمنهج
-
مفهوم الذات في ظل الرأسمالية والماركسية ومتطلبات القرن الحاد
...
-
ماذا قال ديفيد بن غوريون؟
-
الحرارة المميتة في السجون الأميركية تنتهك قوانين القسوة على
...
-
ألكسندر دوغين وصعود الفاشية -المقبولة سياسيًا-
المزيد.....
-
إسبانيا تضبط 3 أطنان من الكوكايين قبالة جزر الكناري بعملية م
...
-
غَرق قارب مهاجرين قبالة لامبيدوسا يُوقع 26 قتيلاً على الأقل
...
-
حلفاء أوكرانيا يبدون تفاؤلًا بقمة ألاسكا.. وترامب يُهدّد روس
...
-
جنوب السودان تحسم الجدل: لا محادثات مع إسرائيل بشأن إعادة تو
...
-
تقرير يكشف: روسيا تستعد لاختبار صاروخ كروز نووي قبل لقاء بوت
...
-
من هو سمير حليلة المرشح لحكم قطاع غزة؟
-
اتفاق أمني بين العراق وإيران يثير قلق واشنطن
-
زيارة تتخللها اتفاقية تدريب عسكرية: سوريا وتركيا تبحثان ملف
...
-
إسرائيل تمنع التمر والبطاطا من دخول غزة..كيف يؤثر ذلك على صح
...
-
بدأت كملاذ آمن للنساء.. عودة الـ-نوشو- لتلهم الفن الشبابي في
...
المزيد.....
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|