أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منصور عمايرة - المسرح لدى رفاعة الطهطاوي ومارون النقاش















المزيد.....


المسرح لدى رفاعة الطهطاوي ومارون النقاش


منصور عمايرة

الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 18:49
المحور: الادب والفن
    


ثمة جزئيات مشتركة بين رفاعة الطهطاوي ومارون النقاش، تمثلت بالوصف الذي يشير إلى تلك المسارح الفرنسية والإيطالية، وثمة اختلاف تمثل بالفعل واستفرد به مارون النقاش، وكان رؤية فارقة بعيدة عن الطهطاوي.
أولا: الوصف
لا مرية في أن الثقافة العربية قديما عرفت الشعر اليوناني، ونظر في كتاب أرسطو فن الشعر قبل ألف عام ونيف، أشير إلى أبي بشر متّى بن يونس القنائي (940م)، والذي نقل كتاب أرسطوطاليس في الشعر من اللسان السرياني إلى اللسان العربي. ولأبي نصر الفارابي (874م–950م)، رسالة في قوانين صناعة الشعر، وهو يتحدث عن أرسطو. وابن سينا (980م- 1037م)، يتحدث عن فن الشعر لأرسطو في كتاب الشفاء. وأبو الوليد بن رشد (1126م–1198م)، لخص كتاب أرسطوطاليس في الشعر.
وقف المثقف العربي في القرن التاسع عشر على وصف المسرحين الفرنسي والإيطالي، وكانت الإرساليات الثقافية والتجارية هي المنفذ الأول إلى معرفة المسرح الغربي. الحالة الأولى مثّلها رفاعة الطهطاوي الذي وصل فرنسا سنة 1826 ببعثة خديوية لمعرفة الثقافة الغربية. فوقف الطهطاوي في رحلته التي استمرت خمس سنوات على معالم الحضارة في فرنسا، ودون تلك الرحلة في كتابه - الذي وضع له عنوانين* (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) (الديوان النفيس بإيوان باريس) - على كل جزئيات الدولة الفرنسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكان من جملة الأشياء التي خصها بالذكر (المسرح). والذي وصفه بـ(التياتر)، وتعرض إلى كل ما يعني مفهوم التنزه، وبالتالي تكون العروض المسرحية التي رآها الطهطاوي من المتنزهات التي يقبل عليها الجمهور الفرنسي، مثل: البالية، والسيرك، وتسلية الأطفال، والعروض المسرحية ذات المواضيع الكثيرة، وما فيها من متطلبات العرض مثل المناظر والإضاءة، ووقف عند تشكل الخشبة المسرحية كمكان للعب أو التمثيل وأقسام العرض المسرحي.
والحالة الثانية مثّلها مارون النقاش بعد أكثر من عقد على زيارة الطهطاوي إلى باريس، و(ربما)
عرف النقاش كتاب الطهطاوي، وهذا الأمر ليس مؤكدا في تلك الفترة الزمنية، وسافر النقاش من لبنان ومر بميناء الإسكندرية، ليواصل طريقه إلى إيطاليا بغية التجارة سنة 1846م. وكان يجيد اللغة الإيطالية، وربما تكون زيارته إلى إيطاليا ليست الأولى، وهناك تعرف إلى فن جديد لفت نظره وتعلق به، فقام يصف المسرح الإيطالي (التياتر). ونجد أن الوصف لا يختلف كثيرا عن وصف الطهطاوي، بما في ذلك من أهمية المسرح، لأن له فوائد جمة كما بدا لهما، إذ يحض على القيم والمثل. وربما هذا السبب الأول الذي دعا النقاش ليحضر المسرح ويؤسسه في بيروت. ويتحدث نقولا النقاش عن ماهية المسرح الذي شاهده أخوه مارون النقاش "ولما اطلع على مراسحهم المعروفة بالتياترات، أعجبته هذه المراسح للغاية لما تضمنته من النصائح والإرشادات الى العامة، فبرجوعه إلى بيروت علم بعض الشبان أصحابه وقدم في بيته إلى أصحابه رواية موسيقية معروفة برواية البخيل"1 وقد أفتتن بها، لأنها تقدم نصائح وإرشادات إلى العامة، فكأن المسرح لدى النقاش الوعظ والإرشاد، وهذا ما ذكره نقولا النقاش إذ يوزع مردود المسرح على الفقراء، فالمسرحية بنظر مارون النقاش تقدم الوعظ لجمهور يفترض به أن يتحلى بكل ما هو جميل ومفيد؛ ولأن النقاش أعجبته فكرة المسرح التي رآها في إيطاليا، قام بتعليم المقربين منه، وعرفهم على هذا الفن الجديد؛ ولأنه كان محبا لهذا المسرح، ومحبا للخصال الحميدة التي يقدمها المسرح، جعل بيته مكانا للعرض المسرحي، وهنا يتمثل البعد الاجتماعي بتوطيد أواصر المحبة ومساعدة الناس.
وهذا الافتتان وقع فيه الطهطاوي من قبل عندما أشار إلى ما تقدمه مواضيع العروض المسرحية، وتحدث الطهطاوي عن المسرح الفرنسي، ويصفه بملاهي الباريسيين "فمن مجالس الملاهي عندهم محال تسمى (التياتر) بكسر التاء المشددة وسكون التاء الثانية. و(السبكتاكل) وهي يلعب فيها تقليد سائر ما وقع وفي الحقيقة إن هذه الألعاب هي جد في هزل، فإن الإنسان يأخذ منها عبرا عجيبة، وذلك لأنه يرى فيها سائر الأعمال الصالحة والسيئة، ومدح الأولى وذم الثانية، حتى إن الفرنساوية يقولون إنها تؤدب أخلاق الإنسان وتهذبها، فهي وإن كانت مشتملة على المضحكات، فكم فيها من المبكيات ومن المكتوب على الستارة التي ترخى بعد فراغ اللعب باللغة اللاطينية ما معناه باللغة العربية: قد تصلح العوائد باللعب."2 بدأ رفاعة رافع الطهطاوي(1801-1873) رحلته يوم الجمعة 17 آذار 1826م من مصر، وبعد رحلة بحرية وصل إلى باريس قادما من مرسيليا، وتحدث في سفر (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) عن فرنسا وباريس تحديدا. وهذا الكتاب يعتبر في أدب الرحلات، والعرب اشتغلوا على ذلك، وبدأت رحلة ابن فضلان قبل أكثر من ألف عام في زمن الخليفة العباسي أبو
الفضل جعفر المتوكل بن المعتصم... توفي 861م.
ولما كان البحث المسرحي يشغلنا رأيت أن أرجع إلى بدايات المسرح التي شكلت الرؤى الأولى عن المسرح، ولذا وجدت أن رفاعة الطهطاوي قد أطال بحديثه عما رآه في مسارح باريس في القرن التاسع عشر. وثمة رؤى يتلاقى فيها مع مارون النقاش، والذي نقل لنا رؤيته عن المسرح في إيطاليا واستطرد بوصفه، وعمل على نقله إلى بلاد العرب.
بدا الطهطاوي معجبا بمسارح باريس لما تقدمه من رؤية اجتماعية تؤكد على إدراج المثل والقيم الاجتماعية في الملاهي التي تقدم أمام الحضور، بل إن العبارة المنقوشة تؤكد أن المسرح وسيلة أخلاقية، يستقى منه العبرة النافعة للناس والمجتمع.
وقف الطهطاوي على وصف المسرح (الأوبرا) من الداخل والخارج "وصورة هذه التياترات انها بيوت عظيمة لها قبة عظيمة وفيها عدة أدوار كل دور له أود موضوعة حول القبة من داخله"3، ويستطيع كل متفرج أن يرى ما يحدث على خشبة المسرح، وهي "مقعد متسع يطل عليه من سائر هذه الأود". ثم وصف الإضاءة التي تسلط على الخشبة لتعطي صورة واضحة عن الحدث، ثم ذكر الأوكسترا "وتحت ذلك المقعد محل للآلاتية"، وأشار إلى وصف المنظر على الخشبة، بما يتناسب مع العرض "يصنعون ذلك المقعد كما تقتضيه اللعبة فإذا أراد تقليد سلطان مثلا في سائر ما وقع منه وضعوا المقعد على شكل سراية". ثم يصف الحدث على الخشبة وكيفية الاشتغال عليه وهنا الإشارة إلى تقليد السلطان "وصوروا ذاته، وانشدوا اشعاره وهلم جرا"4 ولم يبقِ الطهطاوي شيئا غفلا من دون ذكر، وهو يتحدث عن كيفية إقامة العرض ضمن اشتراطات المكان المسرحي بحضور المتلقي.
واستطرد مارون النقاش بوصف المسرح كما شاهده في إيطاليا، وبين لنا أن ثمة مسارح شهيرة، وهي إشارة أولى إلى تعدد المسارح (الأوبرا) في إطار القدرة المالية، ثم وصف بناءها ومنه على "شكل بيضاوي ومن غير ذلك وبها الغرفات العديدة والساحات المتسعة إلى المتفرجين ومحل مخصوص إلى الملك ومحلات أخر إلى أكابر الدولة والأمراء وبها الأواني وثريات تدهش النظر"، ليتحدث عن كيفية الاشتغال على العرض "وبهذه المراسح العظيمة يبرزون روايات ملحنة وغير ملحنة، فالملحنة منها عدد قطع الموسيقه بها نحو مئتي قطعة" ثم يتحدث عن تشكل المناظر على الخشبة، ويصفها وصفا دقيقا بالوسائط الصناعية "التي تقدمت عندهم لأعلى درجة، وإبراز أشياء التي اذا نظرناها نظنها سحرا"5. لم يختلف مارون النقاش عن وصف الطهطاوي فيما يتعلق بوصف البناء المسرحي وكيفية الاشتغال على العرض. ومال النقاش إلى وصف العروض المسرحية، وتحدث عن نوعين من العروض فقال عن النوع الأول "بروزه وتنقسم إلى كوميديا ثم إلى دراما وإلى تراجيديا ويبرزونها بسيطا بغير أشعار وغير ملحنة على الآلات والأوتار" والنوع الثاني (الأوبره) التي تحتاج إلى الآلات الموسيقية والألحان.6 وعندما رجع إلى بيروت مال إلى النوع الثاني فعمد إلى تطبيق مشاهداته واقتصرها على الأوبرا، وهي رغبته التي تعبر عن افتنانه بها.
وصف الطهطاوي الاستعداد للعرض والأداء، إذ يقوم العاملون في المسرح بإستبدال الستارة وحجب ما ورائها عن الجمهور عندما ينتقلون من مشهد إلى آخر ثم يرفعون الستارة "ويبتدئون باللعب، ثم إن النساء اللاعبات والرجال يشبهون العوالم في مصر"7 وهذا الوصف يطابقه مارون النقاش وهو يتحدث عن تقسيم العرض (الرواية) إلى "جملة فصول كل فصل يقسم إلى جملة أجزاء فالفصل هو حد يفصل الرواية ويقسمها عدة أقسام من واحد إلى خمسة...، وفي نهاية كل فصل يصير تنزيل الستار الحاجب بين محل التشخيص وبين حاضري الرواية"8 ثم يصف تغير المكان والزمان في العرض المسرحي، وتبدل المشاهد والفصول، ويذكر المنظر الذي يقول عنه (الشينة) وهو هيئة المحل الذي يشخص فيه الحدث. ثم وصف الخشبة "والبنك الذي يطؤه المشخصون يسمى بانكو شبانكو، أي التخت الخشب" ثم يبدي رأية بارتفاع الخشبة بما يتناسب مع زاوية النظر لكل الحضور.9 ويذكر الطهطاوي وصف المواضيع والمؤدين في المسرحية "ومن العجائب أنهم في اللعب يقولون مسائل من العلوم الغريبة والمسائل المشكلة ويتعمقون في ذلك وقت اللعب، حتى يظن أنهم من العلماء"10 وهذه الرؤية يوضحها مارون النقاش إذ يشير إلى "طلاوة الرواية ورونقها وبديع جمالها يتعلق ثلثه بحسن التأليف وثلثه ببراعة المشخصين والثلث الأخير بالمحل اللائق والطواقم"11 ثم يتحدث عن قدرة الممثلين على التمثيل بالاشارات الحسية والانفعالات النفسانية.
وصف الطهطاوي الأوبرا وأهمية المسرح والرؤية الشخصية "ولو لم تشمل التياتر في فرنسا على الكثير من النزعات الشيطانية لكانت تعد من الفضائل العظيمة الفائدة. فانظر إلى اللاعبين بها فإنهم يحترزون ما أمكن عن الأمور التي يفتتن بها، المخلة بالحياء. ففرق بعيد بينهم وبين عوالم مصر وأهل السماع ونحوها"12. أما مارون النقاش فقد نأى عن وصف الطهطاوي، وأشار إلى الأوبرا "لدي ألذ وأشهى وأبهج وأبهى... وتكون أحب عند قومي وأخيرا صوبت قصدي إلى تقليد المرسح الموسيقي المجدي"13
كلاهما اتفق على معنى المسرح الذي شاهداه، والاختلاف قليل بينهما، إلا أن الطهطاوي لم يوظف الثقافة المسرحية في مصر، ولم يدع إليها، وكان مخالفا لرؤية النقاش حول المسرح وأهميته، وبدأ العمل فور رجوعه من إيطاليا على ترسيخ المسرح كثقافة فنية جديدة لم يعرفها المجتمع العربي، وهذا ما وصف بالفعل.
ثانيا: (الفعل) ومثّله مارون النقاش (1817– 1855م). إن الحديث عن بدايات المسرح في البلاد العربية ما زال يشتغل منذ الوقوف على النسخة الأصل لبدايات المسرح في البيئة العربية، وتأكد الحديث عن ريادة مارون النقاش، والذي اشتغل على المسرح في مستوياته الثلاثة: التأليف، والإخراج، والمكان المسرحي. وعرف العرب المسرح بعد نحو ألف عام من ترجمة متّى بن يونس القنائي، بالنظر إلى مارون النقاش كما يتوضح ذلك في كتاب أرزة لبنان، إذ يتحدث نقولا النقاش عن أخية مارون النقاش حول الثقافة المسرحية الجديدة. وتمثل الفعل لدى النقاش بترسيخ رؤى أربع:
1- الدعوة إلى المسرح. وكان ذلك من خلال اجتماع مارون النقاش مع مجموعة من رفاقة ومعارفه، لتعريفهم بالفن المسرحي الجديد والطارئ على الثقافة العربية في فترة الحكم العثماني، وعندما رجع إلى بيروت "علم بعض الشبان أصحابه وفي أوائل سنة (1848م)، قدم في بيته إلى أصحابه رواية موسيقية معروفة برواية البخيل، ودعي إليها كامل قناصل البلدة وأكابرها، فأعجب هذا الفن أهالي بلادنا حتى شاع ذكر هذه الرواية بكل البلاد العربية"14 وهذا الفعل الذي مثّل محاضرة من طرف مارون النقاش يبين عن أهمية المسرح، والذي قاد إلى ترسيخ مكان المسرح، وكانت هذه الدعوة مهمة لإعداد الناس إلى عمل جذري في ثقافته العربية، وتجاوزت الفرجة إلى رؤية ثقافية فنية جديدة.
2- تأسيس مكان العرض المسرحي. لاقى مارون النقاش تأييدا حول الموضوع المطروح حول تبني المسرح كثقافة جديدة لدى العرب لم ترسخها الدولة العثمانية، وقد تبنى المشروع وبدأ يضع خطوات التأسيس لذلك، فأوجد مكانا للعرض المسرحي في بيته محبة "للوطن قد أنشأ في بيروت المرسح الشهير الملاصق داره، خارج باب السراي."15 كانت الخطوة الثانية من التأسيس تؤكد إيمان مارون النقاش بأهمية المسرح الغربي، والذي سوف يستجلبه إلى المشرق العربي.
3- تأسيس الكتابة المسرحية. وجود مكان العرض المسرحي يتطلب الاشتغال على المسرح وتقديمه للمتلقي العربي، وتمثلت الخطوة العملية بالتأليف، فكتب مارون النقاش مسرحيات معدة للخشبة، وكانت بتأثير مباشر من المسرح الغربي، وتقليد على مستوى الكتابة والموضوع كما في مسرحية البخيل. وكتب مارون النقاش مسرحيات البخيل والحسود وقدم في بيته أيضا الرواية المعروفة برواية
أبي الحسن المغفل أو هارون الرشيد.16
4- الإخراج. ثم قام مارون النقاش باختيار المؤدين للنص المسرحي، وعرضت المسرحية الأولى (البخيل) أمام الجمهور. إن الفعل المسرحي الذي مثّله مارون النقاش شكّل الممارسة الفعلية للمسرح بالتأليف والإخراج وحضور الجمهور في المكان المسرحي، تلك هي الأسس التي تقيم المسرح.
ريادة الفن المسرحي الجديد في البلاد العربية ارتبط بمارون النقاش، وهذا ما يشير إليه نقولا النقاش "إنه من مدة يسيرة عند افتتاح المرسح العربي في بيروت لتقدمة الروايات قوميديه بغاية توزيع الإيراد على الفقراء، قد تلوت خطابا لدى حضرة الجمهور، بحسبما اقتضى الحال، وذكرت به شيئا من سيرة حياة أخي المرحوم مارون النقاش مبدع هذا الفن بلساننا العربي"17 وأشار إلى سفر مارون النقاش، بعدما أجاد اللغات التركية والإيطاليانية والفرنساوية، إذ مر بالإسكندرية ومن هناك ساح في بلاد إيطاليا"18. إن إشارة نقولا النقاش إلى السنة مهمة، إذ تعتبر ركيزة أساسية لبدء المسرح في البلاد العربية، إذا ما اعتبرنا أن مارون النقاش رجع في سنة 1846م، وأسس المسرح في بيروت. وردت إشارة في كتاب (أرزة لبنان 1869م) تذكر تاريخا جديدا لمسرحية البخيل، ويعلق نقولا النقاش في الهامش على تاريخ أول مسرحية "وأما قوله عن رواية البخيل تقدمت سنة (1847م)، وقولي أنا بسيرة حياته في سنة (1848م)، فالغلط مني وقع، ومع هذا لا مناقضة بذلك حيث داعيكم كنت أتصور تقدمتها في أوائل سنة (1848م)، والحقيقة بأواخر سنة (1847م)"19 وثمة إشارة وردت في كتاب (تاريخ العرب الحديث) للمؤرخ الأردني عبد الكريم غرايبة، تخالف رؤية نقولا النقاش حول بداية مسرحية البخيل، فقد "عرضت المسرحية الأولى في بيت نقاش في بيروت أواخر(1262هـ/ 1846م)".20 وما يجعلنا نركن إلى رؤية غرايبة، أن نقولا النقاش لم يوضح تاريخ عودة مارون النقاش من إيطاليا، ولم يوضح المدة الزمنية التي قضاها هناك. وهناك تفنيد آخر، إذ نسي نقولا النقاش التاريخ الدقيق في بداية حديثه عن مسرحية البخيل في أول الكتاب عندما تحدث عن سيرة مارون النقاش، وهذا يرجح أن المسرحية عرضت في أواخر العام (1846م). وقد انقضت اثنتان وعشرون سنة فارقة بين العرض الأول لمسرحية البخيل وطباعة كتاب أرزة لبنان.
وثمة إشارة مهمة فيما يخصّ الفعل المسرحي لدى النقاش، تلك الجزئية المتعلقة بالمكان المسرحي، ومهما كانت الإمكانيات قليلة، وما شغل مارون النقاش سؤال يلح عليه: هل يوجد مسرح من دون مكان؟ فالسؤال يأخذنا إلى حالة ترسيخ أولية، فالفن المسرحي يحتاج حتما إلى مسرح، مكان مخصص لتقدم فيه المسرحيات، وهذا المكان كما أسسه مارون النقاش للاشتغال المسرحي لم يكن معروفا في البيئة العربية، وهذا المكان يواجه صعوبات وجوده، فقرر أن يكون في بيته، وقرر أن ينقل المسرح الغربي أو (الذهب الأفرنجي) كما يصفه إلى البيئة العربية وباللسان العربي.
حكاية مارون النقاش تندرج أيضا في إطار أدب الرحلات، ولذا تماثل أدب الرحلات لدى الطهطاوي، إلا أن الاشتغال مختلف، بقي الطهطاوي في إطار مفهوم أدب الرحلة، والنقاش تجاوز هذه الرؤية إلى الاشتغال على تقنيات فنية جديدة لم تكن معروفة في البيئة العربية.
وصف الطهطاوي نجده ماثلا لدى مارون النقاش في كتاب أرزة لبنان لنقولا النقاش. وما حكاه مارون النقاش عن المسرح الغربي، يماثل ما ذكره الطهطاوي، وكان حديث الطهطاوي عن المسرح الفرنسي، وحديث مارون النقاش عن المسرح الطلياني. ويبدو أن الأمر متشابه حول المسرح في أوروبا، ولكن نظرة كليهما مختلفة، لأن غاية الطهطاوي نقل وصف رحالة ويعطي حكما قيميا، ظل يصف ما رآه ولم يشر إلى الكتابة الإبداعية أو نقل الصورة التي رآها، لتكون حاضرة في مصر، واكتفى بتدوينها في كتاب معرفي. وثمة شيء آخر، إذ يكثر الطهطاوي من ذكر المتنزهات، وقد عنون الفصل السابع الذي يتحدث فيه عن التياتر(في متنزهات مدينة باريس)، فالأمر لديه لم يتعدَ الفرجة، ثم إنشغل بالبحث عن مسميات في الثقافة المصرية، ليقابلها بالمسرح الفرنسي، مثل: أيام الرفاع عند قبطة مصر، وشبه تسلية الأطفال التي رآها في فرنسا بالحاوي في مصر، وشبه الرقص والغناء بالعوالم في مصر. ولكن الأمر لا يحتاج إلى المقابلة، وكان عليه الخوض فيما يشاهده ويتعرف إلى جزئياته، لتكون رحلته ثقافة معرفية يستفيد منها الآخر بعيدا عن التشبيه والحكم.
والنقاش لم ير الأمر كذلك، إذ يذكر في خطبته مسمّى المرسح وهو يقصد به الأداء والجمهور في مكان خصص لمشاهدة العرض المسرحي. وهو يدرك أهمية المسرح كتطبيق في البلاد العربية، فبادر بكتابة مسرحية البخيل مقتديا بفولتير، ليقدم رؤية اجتماعية حية أمام النظارة فوق خشبة مسرحية لم تكن معهودة من قبل، ليطبق المسرح الغربي على مستوى المضمون والشكل والمكان والغاية منه، وبدا الفرق جليا – بالحديث عن المسرح – بين الوصف والفعل.
الهوامش:
1 - نقولا نقاش، أرزة لبنان، المطبعة العمومية، بيروت، 1869، ص10
2 - رفاعة رافع الطهطاوي، تخليص الإبريز في تلخيص باريز، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، مصر، 2012 ، ص133
3 - تخليص الإبريز في تلخيص باريز، المرجع نفسه، ص33
4 - تخليص الإبريز في تلخيص باريز، المرجع نفسه، ص134،133
5- ينظر أرزة لبنان، مرجع سابق، ص20
6 - أرزة لبنان، المرجع نفسه، ص16
7 - تخليص الإبريز في تلخيص باريز، مرجع سابق، ص134
8 - أرزة لبنان، مرجع سابق، ص21
9 - أرزة لبنان، المرجع نفسه، ص21
10 - تخليص الإبريز في تلخيص باريز، مرجع سابق، ص134
11 - أرزة لبنان، مرجع سابق، ص24
12 - تخليص الإبريز في تلخيص باريز، مرجع سابق، ص135
13 - أرزة لبنان، مرجع سابق، ص17
14 - أرزة لبنان، المرجع نفسه، ص10
15 - أرزة لبنان، المرجع نفسه، ص11
16 - أرزة لبنان، المرجع نفسه، ص11، ص338
17 - أرزة لبنان، المرجع نفسه، ص2
18 - أرزة لبنان، المرجع نفسه، ص10
19 - أرزة لبنان، المرجع نفسه، ص389
20 - عبد الكريم غرايبة، تاريخ العرب الحديث، وزارة الثقافة، عمان، 2008، ص260
* طبع كتاب الطهطاوي (تخليص الإبريز في وصف باريز) عام 1834م، وقبل اثني عشر عاما من تاريخ عرض مسرحية البخيل لمارون النقاش.



#منصور_عمايرة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح النبطي قبل الميلاد Nabaeteane theater
- أرشفة الثقافة المسرحية
- كتاب مسرح القناع ل منصور عمايرة
- المسرح في الوطن العربي
- مسرحية حب وحال
- مديريات الثقافة في وزارة الثقافة
- العرض المسرحي ومسرح الصدفة
- المسرح الطفلي
- الثورة الجزائرية في المسرح، مسرحية أبناء القصبة
- المسرح والهجرة
- الجوقة المسرحية
- 1846م تاريخ المسرح العربي؟
- نظرية اشتغال سينوغرافيا المسرح
- المسرح المدرسي
- جمالية الأداء والإخراج في المسرح الطفلي
- من جماليات العرض المسرحي الطفلي
- اللغة المسرحية
- كينونة المقاومة لدى عبد الرحمن الشرقاوي وكاتب ياسين
- القسوة والقسوة مسرحية هاملت3D
- بترا وجود وهوية، مسرحية صدى الصحراء


المزيد.....




- كيف نجح فيلم -فانتاستيك فور- في إعادة عالم -مارفل- إلى سكة ا ...
- مهرجان تورونتو يتراجع عن استبعاد فيلم إسرائيلي حول هجوم 7 أك ...
- بين رواندا وكمبوديا وغزة.. 4 أفلام عالمية وثقت المجاعة والحص ...
- المعمار الصحراوي.. هوية بصرية تروي ذاكرة المغرب العميق
- خطه بالمعتقل.. أسير فلسطيني محرر يشهر -مصحف الحفاظ- بمعرض إس ...
- موعد نزال حمزة شيماييف ضد دو بليسيس في فنون القتال المختلطة ...
- من السجن إلى رفض جائزة الدولة… سيرة الأديب المتمرّد صنع الله ...
- مثقفون مغاربة يطلقون صرخة تضامن ضد تجويع غزة وتهجير أهاليها ...
- مركز جينوفيت يحتفل بتخريج دورة اللغة العبرية – المصطلحات الط ...
- -وقائع سنوات الجمر- الذي وثّق كفاح الجزائريين من أجل الحرية ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منصور عمايرة - المسرح لدى رفاعة الطهطاوي ومارون النقاش