أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منصور عمايرة - المسرح النبطي قبل الميلاد Nabaeteane theater















المزيد.....

المسرح النبطي قبل الميلاد Nabaeteane theater


منصور عمايرة

الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 18:15
المحور: الادب والفن
    


عرف العرب المسرح كثقافة غربية اشتغلت لدى اليونان ثم الرومان بعد أفول الدولة اليونانية. كانت الأرض العربية في المشرق العربي ممالك عربية، انتشرت على مساحة شاسعة من بلاد الرافدين والجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر. وثمة طرق تجارية بين الشرق والغرب، يسيطر عليها أصحاب القوة والتجارة، وتصطنع اتفاقيات مع الآخرين، ليستتب الأمن وتستمر التجارة.
وكانت الدولة النبطية فيما بعد، ومنذ القرن الرابع ق.م، تنشط في منطقة الأردن وتحديدا في الرقيم (البتراء)، قبل أن تتوسع وتشمل المناطق المجاورة، ثم تصبح أكثر قوة وتشمل مناطق تجارية واسعة حتى البحر المتوسط غربا والبحر الأحمر شرقا وجنوبا ومنطقة حوران ودمشق شمالا، إضافة إلى توسعها على رقعة المساحة التي تحيط بها وكانت شاسعة.
وكلما تطورت الدولة انبثقت فيها رؤى جديدة لم تكن من قبل، إذ كان لدى الأنباط الشعر النبطي الذي يشكل ثقافة العامة، ويحفظ في القلوب ويردد بالألسنة، وهي ثقافة ما برحت قائمة، فالعرب أمة تقول وتحفظ ما تقول من الشعر والخطب، ورافق شعرهم قوافل التجارة بالحداء، وكانت الخطابة التي لا بد منها لترسيخ الوجود والتقارب بين الناس، ثم إن الشعوب لديها معتقدات وأساطير وحكايات شعبية ومناسبات اجتماعية تمثل العاطفة الإنسانية في الفرح والحزن، وكل هذا وجد لدى الأنباط قبل أن يصل حارثة الرابع (المحب لشعبه) إلى سدة الحكم في المئة الأولى قبل الميلاد.
وبلغت البتراء مجدا متقدما في السياسة والقوة والثراء، ترسخت منذ بداية الأنباط حتى وصلت إلى نظام حكم أكثر استقرارا يهتم بشؤون الأنباط، وتلك الشؤون كان يقررها الشعب النبطي، إذ لم يكن يختلف الحاكم النبطي عن الشعب، وقد وصفه الباحث اليوناني سترابو " كان يعيش عيشة رفيعة ويخطر في الأرجوان ويحتفظ بكثير من خصائص شيخ القبيلة فهو يخدم نفسه بنفسه، بل يخدم ضيوفه، ويقدم لشعبه كشفا عن شؤونه الذاتية"1 وفي فترة حكم حارثة الرابع التي بدأت من سنة 9 ق.م حتى 40م، ازدهرت الدولة النبطية في كل المجالات، وتعرفت إلى أعراق أخرى من خارج الدولة النبطية، وهي ضرورة ملحة وحتمية، لأن الدولة النبطية أمست مركزية بالسيطرة على مفهوم التواصل التجاري والحضاري بين الشرق والغرب.
ونتيجة لتطور الدولة النبطية، تأسست في الدولة المزدهرة أبنية عظيمة وضخمة تؤكد وجود الأنباط، إذا تشير الدراسات التاريخية إلى أن معظم الأبنية الحاضرة الآن شيدت في زمن الحارثة الرابع، وفي "عهده أنشيء المسرح المجوب في الصخر عند الطرف الداخلي للسيق، وأنشأ المعبد الذي يعرف باسم قصر البنت"2 ومن تلك الأبنية الفخمة التي تمثل هيبة الثقافة القديمة والجديدة المتمثلة بالمسرح النبطي Nabaeteane theater، والذي أنشئ قبل سيطرة الرومان على البتراء سنة 106م، فالأنباط "هم الذين بنوا هذا المسرح في نهاية شارع السيق الخارجي في البتراء، واستعملوه، ثم جاء الرومان فاستخدموه مع بداية القرن الأول وأعادوا بناءه بعد عام 106م."3
إن وجود المسرح في الدولة النبطية يشير إلى قوة الدولة النبطية ونشاطها، إذ كانت البتراء مركز الدولة النبطية، وهي مهوى الأفئدة لكل من انضوى تحتها إضافة إلى الوافدين إليها من الغرباء، فقد اتسعت الدولة النبطية، وهذا التوسع والازدهار رافقه استجلاب أناس آخرين من خارج الدولة، إذ كانت دولة الأنباط تتوجه إليها الأنظار، فأمست الحاجة ماسة لأماكن عامة يجتمع فيها الناس في مناسباتهم العيدية والاحتفالات الشعبية، وكان المسرح مكان خطابة عاما تقرر الدولة فيه رؤيتها وتنقلها إلى الخارج، فالمسرح محفل كبير متعدد الأغراض، ولكنه كان للفرجة أيضا، والفرجة بالأصل هي طبيعة بشرية يسعى إليها للترويح وعرض الثقافة المحلية.
ثم إن المسرح مكان مفتوح عام ويختلف عن المعبد كمكان خاص، ومكان مناسب للسجال الشعري، إذ عرف الشعر النبطي الذي ينسب إلى الأنباط العرب، وكان يصاحب هذا الشعر – وربما في مرحلة لاحقة - آلات موسيقية مثل الربابة، وهذا الأمر يستدعي حضورا شعبيا في مهرجان احتفالي ثقافي "فالغناء وسيلة تعبيرية عن الفرح أو وسيلة للهو، ووسيلة تعبير حربية"4 وأصبح المسرح مكانا للسمر، إذ مال الاحتفال إلى التنظيم متجاوزا أو مسايرا لنمط السمر الذي يجمع عددا محدودا من الناس المتجانسين، فالذين تمدنوا "تبنوا الكثير من الألوان الغنائية التي لم يكن لهم بها سابق علم"5 وباتساع الدولة النبطية أمسى السمر في حاجة إلى مكان واسع؛ ليجمع لفيفا من الناس، لديهم ضروب ثقافية مختلفة. وكل هذا يقودنا إلى اعتبار المسرح النبطي مكانا للأداء والفرجة، إذ تكتمل فيه شروط إقامة المسرح بالأداء والجمهور، ولكن لا يوجد ما يؤكد وجود مسرح يشبه المسرح اليوناني والروماني بصناعة نبطية.
تأسس المسرح النبطي بناء على ثقافة مجتمعية متجددة، ليستطيع احتضان كل الأنشطة القديمة والحديثة والمستقبلية كذلك. فالمسرح النبطي تألف من المدرج الذي يتسع إلى 5000 متفرج، وله بوابتان لدخول الجمهور، وثمة أوركسترا مقطوعة من الصخر وخشبة المسرح ارتكزت على أتيكا.6 وهذا الوصف يؤكد مدى إصرار الدولة النبطية على الاهتمام بالثقافة المجتمعية، وربما لم تمانع من استقبال نشاطات ثقافية أخرى من خارج المجتمع النبطي.
ولم يكن المدرج مكانا خاصا مثل الديوان الكبير أو المضافة التي تجمع أبناء العائلة بقرابة النسب، بل كان مركز الدولة وفي حاضرتها التي تصدر منها كل القرارات بما يتعلق بالدولة النبطية، إذ نشأ المسرح نتيجة المكانة التي بلغتها الدولة النبطية، وأمسى المدرج مبنى حضاريا يؤكد قوة الأنباط في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكان ضرورة وليس محاكاة لمكان آخر.
واكتمل المسرح إذ يحتوي على كل الأسس التي تشكل ماهية المسرح، تضمن أماكن التمثيل والأداء بالأوركسترا والمنصة ومقاعد المتفرجين محكمة الصنعة، فهو بناء منتظم وجد؛ لتكون له أهداف واضحة تتعلق بمجريات الحياة النبطية، وهي بذلك تتجاوز الرؤية المحدودة كوظيفة الخطابة والتجييش إلى وظائف اجتماعية ثقافية فنية، فاستقبل المدرج الاحتفالات والمناسبات المتعددة، والتي كانت تشتغل بحالة دورية وآنية فيما يتعلق بإنتاجية الفن الأدائي المتعدد.
لم يشر التاريخ إلى نصوص مسرحية أنتجها الأنباط، ولم يعثر على مخربشات تثبت ذلك، لكنه أشار إلى الأداء المتعدد الذي مارسه الأنباط حول مسابقات رياضية وأداء فني فيما يخص الألعاب، إن تأسيس المسرح النبطي يؤكد معرفة الأنباط لفن المسرح أو معايشته، ولكنهم لم ينتجوه على مستوى التأليف والأداء، وهذا لا يستبعد أن فئات أخرى من الذين سكنوا في البتراء كان لهم أداء مسرحي، فأمسى المدرج النبطي الكبير مكانا عاما متعدد الأهداف. وفيما يتعلق بالمسرح ونحن نشير إلى فترة اتساع الدولة النبطية في زمن حكم الحارث الرابع التي امتدت بما يقارب نصف قرن، ولكن هذه الفترة القصيرة بعمر الدولة غير كافية لإنتاج مسرح نبطي يبدعه الأنباط، وظل الأمر مقتصرا على الاحتفالات العامة إضافة إلى الشعر النبطي، فالأمر يتعلق بالذائقة الفنية لدى الشعب النبطي الذي اعتاد على السماع والحفظ، واقتصرت الكتابة التي وجدت على نصوص قصيرة تشير إلى شيء محدد طرست فوق الأضرحة، أو سجلت مناسبة ما تتعلق بمعركة ما، إضافة إلى العقود المبرمة بين أفراد المجتمع سواء أكانت للزواج أو التجارة والبيع والشراء، ثم إن المسرح يحتاج إلى حالة تغيير جذري لانقلاب الشعر والطقوس إلى حالة ثقافية أخرى مختلفة عما اعتادته العيون والأسماع. ولكننا لا نمنح الدولة النبطية مبررات ابتعادها عن إنتاج المسرح كثقافة جديدة، والمسؤولية قد تقع على عاتق الشعر النبطي، ولم يصلنا منه شيء. يبقى أن نبين إن المسرح لم يتموضع في البيئة النبطية، لأن المسرح يحتاج إلى الاحتواء الشعبي، وقد تكون الظروف المحيطة بالدولة النبطية حول هيمنتها على الطرق التجارية، إضافة إلى الصراع مع قوميات أخرى، أدى إلى إنشغال المجتمع النبطي بأمنه واستقراره والمحافظة على هويته الثقافيه التي تناقلتها الأجيال.
1 - ينظر إحسان عباس، تاريخ دولة الأنباط، دار الشروق للنشر، ط1، عمان، الأردن، 1987، ص36
2 - تاريخ دولة الأنباط، المرجع نفسه، ص60
3 - خزعل الماجدي، الأنباط التاريخ الميثولوجيا الفنون، دار النايا، سوريا، دمشق، ط1، 2012، ص123
4 - عزام أبو الحمام، الأنباط تاريخ وحضارة، دار أسامة، ط1، عمان الأردن، 2009 ، ص230
5 - الأنباط تاريخ وحضارة، المرجع نفسه، ص 232
6 - ينظر زيدون المحيسن، الحضارة النبطية، وزارة الثقافة، عمان، الأردن، 2009، ص131



#منصور_عمايرة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أرشفة الثقافة المسرحية
- كتاب مسرح القناع ل منصور عمايرة
- المسرح في الوطن العربي
- مسرحية حب وحال
- مديريات الثقافة في وزارة الثقافة
- العرض المسرحي ومسرح الصدفة
- المسرح الطفلي
- الثورة الجزائرية في المسرح، مسرحية أبناء القصبة
- المسرح والهجرة
- الجوقة المسرحية
- 1846م تاريخ المسرح العربي؟
- نظرية اشتغال سينوغرافيا المسرح
- المسرح المدرسي
- جمالية الأداء والإخراج في المسرح الطفلي
- من جماليات العرض المسرحي الطفلي
- اللغة المسرحية
- كينونة المقاومة لدى عبد الرحمن الشرقاوي وكاتب ياسين
- القسوة والقسوة مسرحية هاملت3D
- بترا وجود وهوية، مسرحية صدى الصحراء
- مئة عام من المسرح في الأردن


المزيد.....




- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...
- صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من ...
- محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
- فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه ...
- فيديو.. تفاصيل -انفجار- حفلة الفنان محمد رمضان
- جواسيس ولغة.. كيف تعيد إسرائيل بناء -الثقافة المخابراتية-؟


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منصور عمايرة - المسرح النبطي قبل الميلاد Nabaeteane theater