|
-هل سيكون للمتغيرات المناخية تأثير في تغيير وجهة التصويت للناخب العراقي-
سربست مصطفى رشيد اميدي
الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 16:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سربست مصطفى رشيد 7 اب 2025
إن العراق يأتي ضمن الدول التي تتأثر بالتغيير المناخي، حيث يحتل المركز الخامس عالمياً بين الدول الأكثر تأثراً بالتغير المناخي وفقاً لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويبرز هذا واضحا من حيث ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير طبيعي وعملية الجفاف والتصحر، وانخفاض نسبة المياه الجارية والجوفية بشكل كبير، وعملية تلوث المياه. وأثر ذلك واضح من حيث تراجع المساحات الزراعية المروية والمعتمدة على الأمطار معاً، والتراكم البشري الهائل في المدن، بالإضافة إلى التأثير على الثروة الحيوانية والسمكية، وآثار جانبية آخرى كثيرة. كل ذلك بسبب الاستخدام السيء للطبيعة والاستغلال الجشع للانسان للثروات الطبيعية من المساحات الخضراء والموارد المائية والاحتراق المتزايد للكاربون في المكائن واستخدام النفط والفحم الحجري في التدفئة والمصانع والسيارات وغيرها. لكن هنا نشير إلى تأثير المتغيرات المناخية على سلوك وتوجهات الناخبين حيث إن هذا التأثير يختلف من بلد إلى آخر تبعًا لعوامل مثل درجة الوعي البيئي، والخطاب السياسي، والوضع الاقتصادي. وقد تبرز هذا التأثير في جوانب عديدة فيما يخص موضوع الانتخابات وتأثير السياسات البيئية عليها، حيث اصبح التغير المناخي والبيئة عاملاً انتخابيًا مؤثرًا، في تغيير توجهات الناخبين أو في صياغة البرامج الانتخابية، ومن المتوقع أن يتعاظم هذا التأثير في السنوات القادمة مع تزايد الكوارث البيئية والضغوط المجتمعية نحو حلول حقيقية. وعلى سبيل المثال: 1-الاستقطاب السياسي حول قضايا البيئة والمناخ: حيث تبرز هذه القضايا في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية خاصة بين أحزاب اليمين واليسار كما في الولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا اللاتينية واسيا، حيث إن بعض التيارات اليمينية قد تقلل من أهمية التغير المناخي أو ترفض الحلول المقترحة، في المقابل، تركز قوى اليسار أو الوسط على استخدام بدائل الطاقة والعمل على فرض اجراءات صارمة في موضوع تلوث البيئة على الشركات والأفراد.
2-التأثير على السياسات الحكومية: حيث إن ناخبي المناطق الأكثر تأثيراً بالمتغيرات المناخية يطالبون الحكومات والأحزاب الحاكمة بالعمل على معالجة آثار ذلك و التقليل من أثرها قدر الامكان من خلال وضع برامج لتحسين إدارة المياه والموارد الزراعية، والعمل على تقليل الانبعاثات الضارة، وايجاد وسائل الطاقة المتجددة وغيرها.
3-بروز التصويت لصالح الأحزاب التي تتبنى قضايا البيئة والمناخ: حيث برزت ونمت شعبية أحزاب الخضر في السنوات الأخيرة في أورويا، خاصة بعد موجات الحرارة الشديدة والأزمات البيئية. في مناطق منكوبة مناخياً، قد يتغير تصويت الناس من أحزاب تقليدية إلى قوى سياسية تدعو إلى سياسات مناخية اصلاحية، مثلا نلاحظ المظاهرات المستمرة لأهالي محافظة البصرة بسبب زيادة ملوحة المياه إلى مديات عالية.
4-زيادة الوعي بقضايا البيئة والتغير المناخي بين الناخبين: فالتغيرالمناخي مثل الفيضانات، الجفاف، حرائق الغابات، ودرجات الحرارة العالية جداً كما هو حال العراق الآن تؤثر بشكل مباشر على حياة الناس، مما قد تؤثر على توجهاتهم التصويتية نتيجة زيادة الوعي بأهمية لقضايا البيئية، حيث إن هذا قد يدفع الناخبين، خاصة الشباب، إلى دعم الأحزاب أو المرشحين الذين يطرحون سياسات واضحة بشأن حماية البيئة أو مواجهة تغيّر المناخ. كما في ألمانيا في انتخابات سنة 2012 ارتفعت شعبية حزب الخضر بعد الفيضانات التي ضربت البلاد، وفي أستراليا تغير سلوك الناخبين بعد حرائق الغابات الكبيرة، ما أدى إلى خسارة الائتلاف الحاكم بعض المقاعد. وفي العراق، الذي يعتبر ضمن الدول الأكثر هشاشة مناخيًا في العالم، حسب تقارير الأمم المتحدة، حيث يبرز فيه موضوع شح المياه وجفاف نهري دجلة والفرات، و تصحر وتراجع الغطاء النباتي، والعواصف الترابية المتكررة، وموجات الحر القياسية، مما يؤدي إلى الهجرات القسرية بسبب الجفاف. حيث على الرغم من قرار الحكومة العراقية بوضع استراتيجية وطنية للتغير المناخي (2022–2030) بدعم من الأمم المتحدة، وان الحكومة العراقية قدمت التزامات باتفاق باريس للمناخ، ووضعت خططًا لخفض الانبعاثات، وكذلك وجود وزارة البيئة بشكل مستقل بعد أن كانت مدمجة سابقًا، وتم إطلاق مبادرات مثل (أسبوع المناخ) و(مشروع التشجير الوطني)، أو موضوع إعادة الحياة للأهوار، لكن بقيت من الناحية الواقعية بمثابة سياسات على الورق. أما في اقليم كوردستان فيعتبر أكثر انفتاحًا على الملف المناخي من بغداد نسبيًا، حيث لدى حكومة الإقليم تعاون مع وكالات ومنظمات دولية في مشاريع بيئية، وإن وزارات الزراعة والبيئة والموارد المائية تبدي اهتمامًا أكبر نسبيًا بالتغير المناخي، خاصة في ظل مشاكل الجفاف ونقص المياه، ويتم طرح مشاريع الطاقة الشمسية لكن بوتيرة بطيئة. أما على مستوى الأحزاب الحاكمة فإنها لم تهتم لا في برامجها الانتخابية ولا على مستوى البرنامج الحكومي بقضايا البيئة والمناخ ونادراً ما تشير إليها ضمن خطاباتها الجماهيرية، ولم تشكل لجان بيئية داخل هيكلة هذه الأحزاب، التي هي أحزاب تدير الحكومات العراقية منذ سنة 2004. حيث يطرح هذا الأمر ضمن ملف الخدمات مثل الماء، الكهرباء، وليس كقضية استراتيجية ومصيرية، بل يتركز جل اهتمامهم على كيفية السيطرة على الدولة والوظائف. وهكذا الحال بالنسبة لاقليم كوردستان فهي منشغلة أكثر بصراعات تقاسم السلطة، لهذا لم تدمج الأحزاب السياسية سواء كانت حاكمة أم معارضة القضايا المناخية في خطابها السياسي الداخلي أو الانتخابي، بل غالبًا ما تُستخدم المشاريع البيئية للحصول على دعم دولي، لا كجزء من خطة استراتيجية بعيدة الأمد. لكن يتم الإشارة إلى أهمية موضوع التغير المناخي من قبل عدد من النواب المستقلين أو منظمات غير حكومية ونشطاء في مجال البيئة، تناولوا أثر التغيير البيئي والمناخي بشكل أكثر وضوحًا، لكن تأثيرهم محدود في ظل هيمنة الأحزاب الكبيرة. ورغم أن قضية التغيير المناخي لم تكن حتى الآن محورًا رئيسيًا في الحملات الانتخابية، إلا أن تأثير المتغيرات المناخية على سلوك وتوجهات الناخبين بدأ بالظهور تدريجيًا، خاصة في المناطق الأشد تضررًا. حيث ازداد الاهتمام الشعبي بالقضايا البيئية في مناطق في الجنوب كالبصرة، وذي قار، وميسان، حيث أزمة المياه شديدة، بدأ الناخبون يربطون بين سوء الإدارة الحكومية مع واقعهم البيئي. وكذلك احتجاجات البصرة في 2018 و2022، رغم أنها كانت احتجاجات على الوضع السياسي والخدمي، لكنها تضمنت مطالب تتعلق بالتلوث المائي وتدهور البيئة، مما يعكس تغيّراً في وعي الناس. التأثيرات السياسية والسلوكية على الناخبين في العراق: على الرغم من أن المناخ لم يصبح بعد عاملاً حاسمًا في سلوك الناخب العراقي، إلا أن التأثيرات البيئية المتصاعدة قد تُترجم إلى وعي سياسي تدريجي، خاصة في المناطق المتضررة. عليه نتوقع التأثيرات التالية للمتغيرات المناخية على الناخب العراقي في انتخابات مجلس النواب 2025. 1-الهجرة من الريف إلى المدينة وتأثيرها على الخريطة الانتخابية: حيث إن موجات النزوح الداخلي بسبب الجفاف وتغيّر التوزيع السكاني والسياسي في الدوائر الانتخابية باستمرار سواء في المدن وتغيير التركيبة الاجتماعية فيها، أم في المناطق الريفية حيث يتم افراغها باستمرار، وعدم وجود برامج حكومية للحد منها، بل لأجل كسب الأصوات فإنها من الناحية العملية تشجع ذلك، مما قد يؤدي هذا إلى إعادة تشكيل القاعدة التصويتية للناخبين، وخلق مطالب سياسية جديدة، في مناطق السكن الحديثة، حيث قد ينتج عنه تمثيل غير عادل في مناطق تعاني أكثر من غيرها. 2-إن التغييرات المناخية تؤدي إلى التاثير النفسي على الناخبين مما تؤدي إلى زيادة الغضب والعصبية لديهم خاصة لدى الفئات الأكثر تضرراً، مما قد تكون سبباً في زيادة الكراهية والتعصب لديهم مما تؤثر باستمرار في زيادة الكتل التصويتية للأحزاب والاتجاهات المتشددة في دعاياتها الانتخابية. 3-قد تكون التغييرات المناخية سبباً في ضعف المشاركة في تلك المناطق، حيث إن الظروف البيئية القاسية قد تقلل من نسبة المشاركة، بسبب الإحباط من الأداء الحكومي أو بسبب تراجع الحافز الشخصي للمشاركة. 4-عدم تبني قضايا البيئة والمناخ: نعتقد أن الأحزاب السياسية ومن جميع المكونات لا تزال غير مهتمة بمعالجة حقيقية لتأثير المتغيرات المناخية في العراق، حيث نلاحظ عدم تشكيل أحزاب خضراء قوية لحد الآن، وعدم تضمين قضايا المناخ بشكل جوهري في الحملات الدعائية للأحزاب، لكن قد يكون هناك نشاطٌ مدني من منظمات وشباب ومرشحين مستقلين يتناولون البيئة، وقد ينعكس ذلك على توجهات التصويت في المستقبل. 5-تأثير استمرار المتغيرات المناخية على حياة المواطنين، وتضاف إليها انعدام أو سوء الخدمات، والفساد المستشري وهدر أموال الدولة. هي ضمن أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإحباط السياسي وزيادة الامتناع عن المشاركة في الانتخابات. من كل ما سبق نعتقد ان الحكومات العراقية المتعاقبة، ومن ضمنها الحكومة الحالية لم تتحمل المسؤولية عن التاثير السلبي ولربما المدمر للتغيرات المناخية على البيئة والمواطن العراقي بشكب كامل، وان كل خططها لا تتعدى عن كونها ترقيعية، ولا تعترف ان تفاقم هذه الاثار ناتج عن الجهل والاهمال الحكومي للنتائج الانية والمستقبلية المدمرة على العراق وشعبه. حيث اننا نعتقد ان الاحزاب الحاكمة هي المستفيدة انتخابيا من اثار ذلك، خاصة فيما يتعلق بالهجرة المتزايدة من الريف الى المدينة، وحاجتهم الى توفير مصدر معيشي لهم، حيث تتلقفهم الاحزاب السياسية لضمهم للاجهزة الامنية والعسكرية من الجيش والشرطة الفدرالية والمحلية وفي مقدمتها فصائل الحشد، مما يعني ضمان كتل تصويتية لهم اولا، وثانيا عسكرة المجتمع وتعزيز سطوتهم السياسية والعسكرية، وبالتالي تكون ضمن سبل ضمان استمرارهم في السلطة. لكن هذا الامر قد يكون غير مضمونا لامد بعيد، في حال انخفاض طويل الامد لاسعار النفط حيث لن تتمكن الدولة من دفع رواتب اكثر من حوالي ثمانية ملايين موظف ومتقاعد، ولربما اكثر، مما قد يكون هذا التزاحم البشري الهائل في المدن سببا لاضطرابات سياسية وامنية، خاصة في حال تنامي الوعي المجتمعي بان الفساد واحتكار السلطة والفشل الحكومي في وضع خطط وسياسات حكومية، هي ضمن اهم الاسباب للتاثير السلبي المتزايد للمتغيرات المناخية على الشعب العراقي ومستقبل اجياله.
#سربست_مصطفى_رشيد_اميدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذكاء الاصطناعي بين تطوير العمليات الانتخابية وتزييف الحقائ
...
-
اليمين يواصل زحفه في اوروبا ليصل الى بولندا
-
ذوي الاحتياجات الخاصة وانتخابات مجلس النواب
-
الشباب العراقي ومجلس النواب
-
قرار حل حزب العمال الكردستاني واستتباب السلام في تركيا
-
مفتي الجمهورية في سوريا من احمد حسون الى اسامة الرفاعي
-
ضوء على مقترح التعديل الرابع للقانون الانتخابي في العراق
-
وأد الديمقراطية في تركيا
-
الانتخابات النيابية المبكرة 2025 في المانيا، صعود اليمين الم
...
-
الغرفة الثانية للبرلمان ومشروع قانون مجلس الاتحاد في العراق
-
دور الاحزاب السياسية في بناء الدولة المدنية
-
قرار مجلس القضاء الاعلى بتمديد عمل مجلس المفوضين لسنتين هل ه
...
-
سوريا هل ستبدل التبعية لولاية الفقيه الى السلطان العثماني
-
إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسبة في رومانيا بعد دعوات تدخل رو
...
-
سقوط نظام الشبيحة في سوريا
-
ضمانات النزاهة والحد من التزوير في الانتخابات العراقية
-
الانتخابات التشريعية في السنغال 2024
-
تقييم انتخابات الدورة السادسة لبرلمان كوردستان 2024 ونتائجها
...
-
تقييم انتخابات الدورة السادسة لبرلمان كوردستان 2024 ونتائجها
...
-
تقييم انتخابات الدورة السادسة لبرلمان كوردستان 2024 ونتائجها
...
المزيد.....
-
شاهد كيف يسخر مسلسل الرسوم المتحركة -ساوث بارك- من وزيرة الأ
...
-
سوريا: اقتحام قوات أمن ومرشدين ديينيين لحفلات زفاف يثير الجد
...
-
قرار ماكرون فرض تأشيرة دخول على الدبلوماسيين الجزائريين يثير
...
-
الخلاف يتعمّق في إسرائيل بشأن احتلال غزة.. زامير: مستمرون في
...
-
-الظروف غير متوفرة للقاء زيلينسكي-.. بوتين يعلن أن الإمارات
...
-
من الألم إلى الأمل.. أطفال جرحى من غزة يتلقون العلاج في الول
...
-
إعلام رسمي إيراني: المعدم بتهمة التخابر مع إسرائيل كان عالما
...
-
لماذا لا يستطيع عدد متزايد من الألمان العيش من عرق جبينهم؟
-
قوارب تقل عائلات الرهائن في غزة تبحر قبالة سواحل القطاع للمط
...
-
ماذا بعد رفض حزب الله قرار الحكومة اللبنانية تجريده من السلا
...
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|