أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - هدى الخباني - جامعة وساحة حرب: قصة فتاة لم تعرف التنازل.














المزيد.....

جامعة وساحة حرب: قصة فتاة لم تعرف التنازل.


هدى الخباني
كاتبة

(Houda El Khoubani)


الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 04:51
المحور: سيرة ذاتية
    


لم تكن الجامعة بالنسبة لي مجرد قاعات محاضرات ومقاعد خشبية، بل كانت ساحة حرب مصغرة تُختبر فيها الشخصيات وتُكشف فيها الأقنعة. كانت تلك المرحلة التي صقلتني وأظهرتني للعالم كما أنا حقًا: فتاة بشخصية قوية لا تعرف الخضوع، ومتمردة على كل ما هو زائف. هذا التمرد لم يكن غضبًا أعمى، بل كان إيمانًا راسخًا بالحق والعدالة. ورغم أن هذه الشخصية كانت تبهر الجميع وتجعلهم يرغبون في الاقتراب مني، إلا أنها في نفس الوقت كانت تفرض هالة من الاحترام جعلت الكثيرين يترددون، فكانوا يكتفون بمراقبتي عن بُعد.
في إحدى المواد، كان يدرسنا أستاذ لم يكن يرى فينا طلابًا بل مجرد أدوات لإشباع غرور سلطته. كان متسلطًا، يصرخ في وجوهنا لأتفه الأسباب، ويهددنا بالسقوط وكأن الرسوب في يده هو وليس في إرادتنا. لم يكن يملك أي احترام للحدود أو لمشاعرنا، بل كان ينهكنا بالتمارين والواجبات التي لا طائل منها. ومع ذلك، كان يذوب أمام المتملقين والضعفاء، خاصة فئة الموظفين الذين كانوا يتبارون في تقديم الخدمات والمجاملات له، كأنهم يسقون نبتة غروره الذابلة. هذا المشهد كان يثير في داخلي شعورًا بالاشمئزاز، لكنني كنت أعد الأيام لأثبت له أن قيمتي لا تُقاس بمدى تملقي.
كان لدينا عرض حول تدريس الثقافة الجنسية في المناهج التعليمية، موضوع جريء يتطلب جهدًا حقيقيًا. قررت أنا وأربعة من زملائي أن نقدمه بشكل مختلف ومبتكر، على هيئة برنامج تلفزيوني. كنت أنا مقدمة البرنامج، بينما تقمص أصدقائي أدوارًا مختلفة: طبيبة، باحثة اجتماعية، ووزير تربية وطنية. بذلنا جهدًا خارقًا في الإعداد والبحث، وأثمر عملنا عن عرضٍ مذهل تفوق على كل التوقعات.

لكن قبل أن يأتي دورنا، حدث ما لم أتوقعه. صديقتي التي تقمصت دور باحثة علم الاجتماع، والتي كانت على علاقة بالأستاذ، كشفت لي عن سرٍ صادم. قالت لي إن علاقتهما أصبحت على كل لسان، وإن الأستاذ سينتقدها علنًا خلال العرض ليمحو الشكوك، بل وأخبرتني بالجملة التي سيقولها حرفيًا. شعرت بالصدمة والمهانة، وكأنني أمام مسرحية هزلية.
عندما انتهينا من العرض المذهل الذي أذهل الجميع، بدأ الأستاذ بإبداء ملاحظاته. كنت أرقبه، وكأنني أراقب ثعبانًا يزحف. بدأ يمدح عروضًا أقل تميزًا من عرضنا بكثير، فقط لأن أصحابها موظفون أهدوه الورود وقدموا له المديح. لم أستطع أن أتحمل هذا المشهد، لم أستطع أن أصمت أمام هذا الظلم الفج. فجأة، وبلا تردد، ضربت على الطاولة بقوة وقلت له بصوتٍ هز أركان القاعة: "يا أستاذ، ملاحظاتك غير موضوعية إطلاقًا! لقد تميزنا على كل المستويات، لكنك فضلت عروضًا أقل لأنهم موظفون أهدوك الورود ومسحوا الكرسي الذي تجلس عليه! أنا أرفض ما تقوم به، وصدقني، لن تطيل في هذه الجامعة كثيرًا!"

حل الصمت الرهيب. وقف الأستاذ مذهولًا، احمرّ وجهه من الغضب، ولكنه لم ينطق بكلمة. أما الطلاب، فكانت وجوههم تعكس الصدمة، كأنهم رأوا شبحًا.
لم أكن أدرك في تلك اللحظة أن صرختي لن تكون مجرد رد فعل عابر، بل ستكون بداية لنهاية علاقتي بهذا الأستاذ.
بعد أن رن الجرس ودخل فوج آخر من الطلاب، علموا بما فعلت، ونقل أحدهم عن الأستاذ قوله: "أقسم بالله أنها لن تنجح في مادتي".

هل ندمت على ما فعلت؟ لم أندم أبدًا.
لقد دفعت ثمنًا باهظًا لقول الحق، لكنني ربحت شيئًا أثمن: احترامي لذاتي. لقد كانت تلك اللحظة نقطة تحول في حياتي، أكدت لي أن التمرد على الظلم ليس مجرد خيار، بل هو واجب على كل روح حرة.
رسبت في الدورة العادية، ووجدت نفسي أمامه مرة أخرى في الدورة الاستدراكية. كان وجهه يحمل نظرة خبيثة، وكأنه ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر. بدأ يمتحنني بطريقة غريبة، طرح علي سؤالًا واحدًا: "عرفي بنفسك".

قدمت له إجابتي بهدوء وشموخ، لكنه ظل صامتًا، يحدق في ورقتي وكأنه يرى فيها كل ما يكره. فجأة، ودون سابق إنذار، قلب المكتب بجميع محتوياته على وجهي. صرخ جميع الطلاب في القاعة من الخوف، ليس من انقلاب المكتب، بل من تصرف الأستاذ الذي كان ينذر بمزيد من التعسف. شعرت بالإهانة، لكنني لم أستطع أن أرد بغضب، فقررت الانسحاب.

عند الباب، وقبل أن أغلقه بقوة، نظرت إليه نظرة أخيرة وقلت له بصوت هادئ ولكنه يملؤه الوعيد: "صدقني، ستدفع ثمن عدم صدقك وشفافيتك... والزمن بيننا". خرجت من القاعة وكأني أُعلن نهاية فصل من فصول الظلم، وبداية فصل آخر أثبت فيه أن الحق لن يضيع.
بعد تخرجي، ونجاحي في مباراة التعليم، وجدت نفسي في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين. كان شعوري مزيجًا من الراحة والفخر، فقد أثبت لنفسي قبل أي أحد أن الظلم لن يوقفني. في أحد الأيام، التقيت ببعض الزملاء الذين كانوا يتملقون للأستاذ في الماضي. تحدثوا عن الجامعة، وعن الأستاذ المنحط. قالوا لي بنبرة اعتراف: "لقد انتصرت نيتك الصادقة على ظلمه، لقد طردوه من الجامعة".

سألتهم عن السبب، فأخبروني أنه طرد بسبب تحرشه بإحدى الطالبات. في تلك اللحظة، شعرت ببرودة تسري في جسدي، ليست برودة الانتقام، بل برودة اليقين بأن الحق يأخذ طريقه مهما طال الزمن.

تذكرت جملتي الأخيرة له: "الزمن بيننا". الزمن لم يكن ينتظرني، بل كان يمهد لعدالةٍ أسمى، عدالة إلهية لا ينجو منها أحد. في تلك اللحظة، أيقنت أن الله عادل، وأن الحق سينتصر دائمًا، وأن الثمن الذي دفعته لم يكن خسارة، بل كان ثمنًا لنصرٍ مؤجل، كان يثبت لي أن الصدق والتمرد على الظلم هما أقوى سلاح.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب -المرأة ليست لعبة الرجل- لسلامة موسى
- صرخة من داخل الفصل: حين يغيب الجمال عن فصول التعلم.
- إحصائيات بروح إنسانية
- العمل النقابي لصالح من ؟
- باشلار يرد على أفلاطون
- المواطنة والحرية
- قراءة في - الطاغية- دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي / ...
- عماء اللغة
- طريقي إلى الجامعة
- مرض - Sexophobia- في حصة موضوعها - الثفافة الجنسية -
- رسالة إلى الله
- عبد الهادي روضي: لوحة تتعانق فيها الألوان.
- الجوع في بطني يقتل حتى الجوع.
- الثانوية التأهيلية محمد الزرقطوني: هرطقة في هرطقة
- عبد الله: الحنين إلى مجهول
- حبنا يا حبيبي
- لقاء
- يوميات
- نص شعري: مسافة عشق
- نص شعري: امرأة


المزيد.....




- كيف أصبحت أوكرانيا حرب ترامب -الشخصية-؟
- هل يمكن صناعة آيس كريم لا يذوب في الحر؟
- البرازيل: المحكمة العليا تفرض الإقامة الجبرية على بولسونارو ...
- مشرعة ألمانية تنتقد إسرائيل وتعلق على الاعتراف بدولة فلسطيني ...
- روسيا تعلن عدم التزامها بالقيود على نشر الصواريخ.. وميدفيديف ...
- رغم ضغوط عالمية وداخلية.. لماذا لا يزال نتنياهو يمتلك قرار إ ...
- يونيسيف: 28 طفلا يستشهدون بغزة يوميا جراء القصف والتجويع
- عاجل| 4 شهداء بقصف على خيمة نازحين غربي مدينة خان يونس
- غزّة: عربات “جدعون” المعطوبة والمفاوضات المتعثّرة
- التجمّع الفاشي في مدينة كنساس Kansas City قوبل بصمت السلطات ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - هدى الخباني - جامعة وساحة حرب: قصة فتاة لم تعرف التنازل.