أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علي سالم عزيز - العدالة في مواجهة الشائعات: الجرائم الناشئة عن معلومات كاذبة في الأزمات














المزيد.....

العدالة في مواجهة الشائعات: الجرائم الناشئة عن معلومات كاذبة في الأزمات


علي سالم عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 02:27
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


في أوقات الأزمات، تتحول الشائعات من مجرد أحاديث جانبية إلى أدوات خطيرة تُزعزع الأمن العام، وتُضر بالسلم الاجتماعي، وتُربك الإجراءات الرسمية. وعندما تُنشر معلومات كاذبة في بيئة يسودها الخوف والتوتر أو الجهل بالمعلومات الدقيقة، فإنها قد تُصبح بذرة فوضى وسلوكًا جماعيًا قد يخرج عن السيطرة. في مثل هذه اللحظات الحرجة، يتجه الاهتمام إلى القانون الجنائي كأداة الدولة الأساسية لمواجهة هذه التهديدات. إلا أن هذا النوع من الجرائم لا يخلو من إشكاليات قانونية عميقة تمس حدود حرية التعبير، وتثير تساؤلات حول التصنيف، ونطاق التجريم، ومدى المسؤولية.
لا يُعاقب القانون الجنائي، في جوهره، على الأفكار أو التصريحات المجردة، بل على الأفعال التي تُسبب الضرر أو تُهدد به. إلا أن الشائعات ما هي إلا كلمات أو محتوى لفظي أو رقمي يتم تداوله، مما يجعل إثبات الضرر المباشر مسألة شائكة. يمكن أن تؤدي الشائعة إلى عواقب وخيمة، كالزحام في المتاجر، أو انهيار الثقة في مؤسسات الرعاية الصحية، أو حتى التحريض على العنف ضد فئة معينة. ومع ذلك، قد تكون العلاقة السببية بين البيان والنتيجة محل نزاع قانوني، خاصةً إذا لم يكن هناك نية مباشرة أو نية جنائية صريحة.
في أوقات انتشار الأوبئة، أو أعمال الشغب، أو الأزمات الاقتصادية، تظهر أشكال مختلفة من الشائعات التي تتخذ طابعًا إجراميًا، مثل نشر معلومات كاذبة عن عدد الضحايا، أو اختلاق تصريحات للمسؤولين، أو الترويج لعلاجات وهمية. تُصنف هذه الأفعال - حسب السياق القانوني - على أنها نشر أخبار كاذبة تُضر بالأمن العام، أو ترويج معلومات مضللة تُزعزع الثقة في الدولة ومؤسساتها، أو إثارة الذعر بشكل غير مباشر. ومع ذلك، فإن غياب أحكام جنائية دقيقة في العديد من الأنظمة القانونية بشأن الشائعات يُصعّب تطبيق العقوبة دون الوقوع في فخ الغموض أو التعارض مع المبادئ الدستورية كحرية الرأي والنشر.
لعل التحدي الأكبر في تجريم الشائعات يكمن في التوازن الدقيق بين حماية المجتمع وضمان الحريات. يجب أن يتجنب القانون، حتى في أشد أشكاله صرامة، أن يُصبح أداةً لإسكات المعارضة بحجة "مكافحة الشائعات". لذا، يُطلب من المشرعين الجنائيين صياغة أحكام دقيقة تُفرّق بين النقد الجائز والمعلومات الكاذبة ذات الآثار الضارة. كما يجب عليهم وضع معايير واضحة لقصد الجاني، وعلمه بزيف المعلومات، ووسيلة نشرها، ومدى الضرر الناتج عنها.
تُعدّ التكنولوجيا الرقمية بيئة خصبة لنشر الشائعات، مما يستلزم مراجعة شاملة لقواعد الإثبات في مثل هذه الحالات. إن تحديد هوية ناشر الشائعة، وإثبات علمه بالكذب، أو تحديد مدى تأثير منشوره، مسائل تقنية وقانونية مُعقّدة تتطلب تعاونًا بين السلطات القضائية والأمنية والجهات التقنية. كما تتطلب هذه المسائل تطوير أدوات تحقيق رقمية لا تنتهك الخصوصية ولا تُعرّض الحريات الأساسية للخطر.
إن مسؤولية القانون الجنائي في مكافحة الشائعات خلال الأزمات تتجاوز الردع والعقاب، بل تمتد إلى الوقاية. إن غياب الشفافية الرسمية، أو التأخر في تقديم معلومات دقيقة، يفتح الباب أمام الشائعات لملء الفراغ. لذا، يُعدّ التكامل بين القانون والسياسة الإعلامية الرسمية أمرًا بالغ الأهمية للحدّ من خطر المعلومات الكاذبة، وضمان عدم استخدام القانون كسلاح ضدّ الرأي العام، بل كدرع للمجتمع ضدّ التضليل الإعلامي.
وهكذا، تُشكّل الشائعات في أوقات الأزمات تحديًا قانونيًا مزدوجًا: فهي تُهدّد النظام العام من جهة، وتختبر حدود الحريات من جهة أخرى. لذا، فإنّ الجهود الفقهية والتشريعية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مُطالبة بإعادة النظر في الإطار الجنائيّ المُنظّم للتعامل مع المعلومات الكاذبة، بما يُوازن بين الحماية الفعّالة والضمانات الدستورية، دون إفراط أو تقصير.



#علي_سالم_عزيز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الظروف المشددة والمخففة: قراءة نقدية في ضوء السوابق ال ...
- الركن المعنوي في الجرائم الإلكترونية: دراسة تحليلية مقارنة
- الإبلاغ الرقمي عن المخالفات: تأثير المحتوى المنشور على وسائل ...
- التقصير كجريمة: المسؤولية الجنائية للامتناع عن تولي مناصب ال ...
- ضحايا بلا صراخ: قراءة قانونية للجرائم المرتكبة ضد الأشخاص ذو ...
- جريمة الابتزاز الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي: تحديا ...
- جرائم الاتجار بالبشر: الإشكاليات القانونية في التحقيق والمحا ...
- العنف الأسري كجريمة جنائية: دراسة في ضوء القانون العراقي
- العقوبات البديلة: مفهومها وتطبيقاتها في النظام القانوني الجن ...
- التعذيب في السجون: تحليل قانوني لأثره على حقوق الإنسان
- القتل العمد وغير العمد: الفروق القانونية والعقوبات المقررة
- جريمة غسل الأموال: آليات الكشف والمساءلة في ظل القانون العرا ...
- حقوق المتهم في مرحلة التحقيق: مقارنة بين الأنظمة القانونية ا ...
- مدى مسؤولية الذكاء الاصطناعي في ارتكاب الجرائم: دراسة في الت ...
- المسؤولية الجنائية للأطباء في حالات الإهمال الطبي الجسيم
- حماية الشهود في القضايا الجنائية: بين النص القانوني والتطبيق ...
- الجرائم التي يرتكبها الأحداث: بين العقاب والتدابير التصحيحية
- جرائم الامتناع عن الفعل في القانون الجنائي: إشكالات الإثبات ...
- السياسة العقابية في الجرائم الاقتصادية: بين الردع العام وحما ...
- الجرائم المبنية على الشكوى: بين حماية الحقوق الشخصية وتحقيق ...


المزيد.....




- السعودية.. إعدام مواطنين أدينا بارتكاب -جرائم إرهابية-
- يونيسف: 28 طفلا يستشهدون بغزة يوميا جراء القصف والتجويع
- عندما يفضح الغرور صاحبه.. جدل في اعتقال هاكر مغربي في إسباني ...
- اليونيسف تكشف حصيلة صادمة لأعداد الشهداء من الأطفال في غزة
- حماس: الاحتلال حول غزة إلى معسكر اعتقال أسوأ من معسكرات النا ...
- الأمم المتحدة: الناس يتضورون جوعا في غزة ولا بد من فتح كافة ...
- الأمم المتحدة: الناس يتضورون جوعا في غزة ولا بد من فتح كافة ...
- القناة 13 العبرية: وثائق تؤكد رفض نتنياهو مقترحات أمنية لإعا ...
- الرئيس الأيرلندي يدعو الأمم المتحدة لتفعيل الفصل السابع بحق ...
- الأمم المتحدة: 1500 شهيد من غزة منذ مايو وسط تصعيد الاحتلال ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علي سالم عزيز - العدالة في مواجهة الشائعات: الجرائم الناشئة عن معلومات كاذبة في الأزمات