|
دور المحاسبة والمراجعة في الحد من ظاهرة الفساد الإداري والمالي في العراق*
صباح قدوري
الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 12:55
المحور:
الفساد الإداري والمالي
تقديم
هناك جوانب مختلفة في ظاهرة الفساد المالي والإداري في العراق تستحق البحث المستمر عنها للكشف عن معضلات ظاهرة وأخرى خفية تنتظم هذه الظاهرة، والتي تؤثر على التنمية وتطور الاقتصاد العراقي والنسيج الاجتماعي ومكانة العراق عربياً وعالمياً، واجتراح الحلول المناسبة للتغلب على هذه الآفة. وهنا أود ان ابين، بان الفساد المالي والاداري في العراق لم يعد كظاهرة، بل أصبح نظام وآفة مجتمعية تنخر في هياكل الدولة، وجميع مفاصلها، ومستوياتها الادارية، والحزبية. وان محاربة الفساد يعتبر واجبا وطنيا يتوجب على الجميع المساهمة في التصدي له ومحاربته والقضاء عليه، وذلك لان استمراره وعدم القضاء عليه ينعكس سلبا على: الانتعاش الاقتصادي والتنمية الوطنية، ونهب وتهريب الثروة الوطنية، ويعرقل مسيرة التقدم والازدهار. ان اصلاح وتطوير النظام المحاسبي والمراجعة وتطبيق معايير المحاسبة الدولية (دليل معايير القطاع العام)، يمكن ان تكون احدى العوامل التي تساعد على الحد او القضاء على مشكلة الفساد في العراق. نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على الموضوع، وفق المحاور الأتية:
أولا: أداء النظام المحاسبي الحكومي
إن النظام المحاسبي الحكومي العراقي يفصح فقط كيفية التصرف بالأموال، (موارد – نفقات)، ويركّز على رقابة الأموال بما لا يبرز مدى التقدم الذي أحرزته الدولة في برامجها التنموية، والذي يفصح مدى انتشار الفساد المالي والإداري في أجهزتها المختلفة. ويتصف ايضاً: بالمركزية في إعداد الحسابات الناجمة عن المصروفات والإيرادات والميزانية العامة، وتأخير تسجيلات القيود المحاسبية، وإعداد التقارير المالية النهائية الموحدة للدوائر المرتبطة بالميزانية العامة. وهو ما يزال بعيداً عن النظام المحاسبي الحكومي الحديث من حيث المبادئ والقواعد والأسس والاستخدام الصحيح لها في التطبيق العملي، ولا يتلاءم مع الهيكلية المالية والتغيرات البنيوية الحالية للاقتصاد الوطني.
وكما هو معروف فإن وظيفة المحاسبة لا تقتصر فقط على التدقيق، وإنما تشمل أيضا ً تقييم الأداء وإنتاج معلومات شفافة وصادقة وصحيحة في التقارير المالية (حساب النتيجة، أي الأرباح والخسائر، وكشف المركز المالي، أي الميزانية العمومية) والإفصاح عنها، وخاصة للشركات الإنتاجية العامة. وقد أكدتْ على ذلك معايير المحاسبة الحكومية الدولية، التي تستوجب الشفافية والإفصاح عن مؤشرات الأداء للدولة والمتمثلة في كيفية استخدام الموارد المحدودة مقابل نتائجها، حيث يتعين التركيز على جودة الأداء في الاجراءات، وبالتالي جودة المخرجات مع مراعات التكلفة.
ثانياً: أسس تطبيق النظام المحاسبي الحكومي كما هو معروف أن المحاسبة الحكومية تطبق مبدأ الأساس النقدي، الذي يعتبر الموجودات الثابتة مستهلكاً دفعة واحدة عند شرائها، باعتبار ذلك نفقات جارية وليست نفقات رأسمالية وتظهر كمصروف نهائي، بدلاً من معاملتها كأصول، ومن ثم إخضاعها لطريقة الإطفاء خلال فترة زمنية معينة تحدد بمدة العمر الانتاجي للأصل.
وكذلك اعتماد الأساس النقدي في تسجيل المصروفات والإيرادات المتحققة، بدلاً من احتساب وإجراء التسويات اللازمة لها، وتطبيق أسلوب المستحقات والمدفوعات المقدمة لهذه المصروفات والإيرادات وفق الفترة الزمنية التي تخصها، وهذا ما يوثر على الحسابات السنوية وإعداد البيانات المالية والإفصاح عنها وإظهارها بشكل غير حقيقي وصحيح، ومن ثم تأثير ذلك على نتائج وظائف الرقابة وتقيم الأداء، وإنتاج البيانات والمعلومات التحليلية اللازمة والضرورية لعملية اتخاذ قرارات سليمة، وخاصة في الشركات الانتاجية العامة.
ثالثاً: ما هو دور مهنة المحاسبة والمراجعة وأثرها في الحد من الفساد المالي والإداري، من حيث وظائف الرقابة وتقييم الأداء وإنتاج البيانات والمعلومات المحاسبية؟
يجب على المديرين والمحاسبين والمراجعين أن يتقيدوا بالسلوك الاخلاقي للمهنة وبمعايير قياسية ثابتة في المعالجات المحاسبية، وعدم فسح المجال للاجتهادات غير المبررة وخيارات البدائل التي تستخدم لأغراض الغش والتلاعب وتشويه صورة الحسابات وتضليلها، ومن ثم التأثير على إظهار النتائج بشكل غير واقعي وشفاف، وذلك لتحقيق أغراض معينة منها الفساد المالي والإداري.
إن الاعتماد على كفاءة المراجعين واختيارهم من خلال مكاتب التدقيق وهيئة الرقابة المالية، ذات الكفاءة والسلوك المهني والمصداقية العالية في اكتشاف ممارسات المخالفات المحاسبية التي قد تحدث، له تأثير كبير على مكافحة الفساد المالي والإداري. وبذلك يتم التكامل في هذه المهمة بين أصحاب العلاقة. ويمكن الاستفادة بهذا الخصوص من دليل قواعد السلوك الاخلاقي للمحاسبين المهنيين، والمعايير الدولية لرقابة الجودة والتدقيق والمراجعة وعمليات التأكيد الأخرى والخدمات ذات العلاقة، الجزء الأول والثاني، إصدارات الاتحاد الدولي للمحاسبين، طبعة 2010، باللغة العربية.
رابعاً: ما هو دور البرامج الالكترونية في الحد من الفساد المالي؟
إن إدخال البرنامج الالكتروني يساعد على بناء نظم المعلومات المحاسبي والتكاليف، التي تساعد على: إنجاز العمليات والبيانات المحاسبية بالدقة وبسرعة، ورفع إنتاجية العمل، وبناء القدرات البشرية، وتكامل الوظائف والمعلومات في الشركات والوحدات الإدارية، وعلى جمع المعلومات وخزنها وفق قاعدة بيانات مركزية متكاملة والاستفادة منها عند الحاجة. ومعالجة البيانات وتحويلها الى معلومات مفيدة لعملية اتخاذ قرارات، تمكّن الإدارة من التخطيط والإنجاز والرقابة الفعالة على أنشطتها، والإفصاح عن المعلومات والبيانات بشكل دوري وشفاف وصادق للجهات المختصة داخلياً وخارجياً. وتساعد أيضاً على بناء نظام الرقابة الداخلية المعاصر. كل هذه الأمور تؤكد على دور نظام المعلومات المحاسبي الإلكتروني في الحد من ظاهرة الفساد المالي، حيث إن النظام الحالي يضم الكثير من الثغرات التي تسمح للفساد المالي بالتغلغل في عناصره (المدخلات، والمعالجة والمخرجات).
خامساً: إن تعدد الطرق والمبادئ وأساليب المعالجة البديلة، هي المسؤولة عن إيجاد البيئة الملائمة للغش والفساد.
إن تعدد الأنظمة المحاسبية مع ضعف فاعليتها وكفاءتها في المؤسسات والشركات العراقية للقطاعين العام والخاص، وكذلك ضعف الأجهزة الإدارية لا يساعدان على بناء أنظمة المعلومات المحاسبية والإدارية لإنتاج البيانات الموحدة، والتي هي ضرورية على مستويات الاقتصاد الكلي والجزئي، وتساعد على برمجة التخطيط المركزي للميزانية العامة، واتخاذ القرارات على مستوى الوحدات، مما يعزز من وظيفة المحاسبة في عملية الرقابة، والتقييم، وإنتاج البيانات، والمعلومات. وبرأينا فإن توحيد الأنظمة المحاسبية مهمة ضرورية، ويتطلب ذلك إصلاح النظام المحاسبي وتوحيده وتحديد معايير تتكيف مع معايير المحاسبة الدولية ومع البيئة الاقتصادية الجديدة.
سادساً: مسؤولية مهنة المحاسبة والمراجعة عن الحفاظ على الأموال العامة، وكيف يظهر الفساد المالي والإداري، وما هي أساليب المعالجة؟ أساليب الفساد المالي والاداري كثيرة. بقدر تعلق الأمر بالفساد المالي والاداري الناتجة عن المحاسبة، فإنه قد ينشأ من: • ممارسة المخالفات المحاسبية؛ • انتهاك القوانين والتشريعات والتعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية الداخلية والخارجية؛ • ضعف ومرونة النظم القانونية والتشريعية؛ • سوء تأدية الواجبات الوظيفية المهنية والاخلاقية للمحاسبين والمدققين، وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه المصلحة العامة؛ • عدم الإفصاح عن السياسات والطرق والبيانات المحاسبية بشكل سليم وشفاف وصادق؛ • وعدم وجود تاريخ محدد قانوناً لتقديم الحسابات الختامية مع الموازنات السنوية الى مجلس النواب لإقرارهما، والتي تبدأ من 1/كانون الثاني، وتنتهي في 31/كانون الاول من السنة نفسها، في الوقت الذي ان القانون يلزم مجلس الوزراء بتقديم هذه الحسابات بشكل ممنهج كل السنة.
خاتمة: طرق معالجة الفساد المالي والإداري، عن طريق:
• الالتزام بمفاهيم وأخلاقيات مهنة المحاسبة والمراجعة؛ • وجود نظام فعّال للمراجعة الداخلية والخارجية، ونظام حوافز مدروس للعاملين؛ • استخدام إجراءات وقائية لمنع حدوث المخالفات المحاسبية؛ • تفعيل دور أجهزة الرقابة والنزاهة؛ • نشر أخلاقيات الوظيفة بين العاملين على كافة المستويات الإدارية؛ • تفعيل آليات الحوكمة للشركات؛ • استخدام آليات التكنلوجيا المعلوماتية في إنتاج المعلومات والبيانات المالية والإفصاح عنها بشفافية ومصداقية عاليتين؛ • مكافحة غسيل الأموال؛ • وتطوير معايير المحاسبة والمراجعة مستفيداً من المعايير المحاسبية الدولية كمرجع مهم لإصلاح وتطوير النظام المحاسبي في العراق. • إنهاء الديون على الدولة، مما يساعد على تعزيز التصنيف الائتماني السيادي للبلد والثقة العالمية في حوكمته المالية.
مع جزيل شكري لزميلنا الأستاذ مصباح كمال، على اطلاعه المقال وتحريره للنشر على موقع الشبكة الموقر.
المراجع: إصدارات المعايير الدولية لرقابة والجودة والتدقيق والمراجعة وعمليات التأكيد الأخرى والخدمات ذات العلاقة، طبعة عام 2010 الجزء الأول والثاني، الإتحاد الدولي للمحاسبين. دليل قواعد السلوك الأخلاقي للمحاسبيين المهنيين، طبعة عام 2010، الإتحاد الدولي للمحاسبين. دليل معايير المحاسبة الدولية في القطاع العام، المجمع الدولي العربي للمحاسبين القانونيين قدوري، صباح: أهمية تبني معايير المحاسبة الدولية في الاقتصاد العراقي، بحث مقدم الى المؤتمر العلمي الثاني عشر (التنمية المستدامة من اجل اقتصاد عراقي متطور)، المنعقد بتاريخ 16 ـ 17 /5 / 2012 والمنشور في مجلة الإدارة والاقتصاد، العدد 93 لسنة 2012، المجلد الثاني، الصادرة عن كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة المستنصرية.
* المقال منشور على شبكة الاقتصاديين العراقيين، بتاريخ 03/08/2025
#صباح_قدوري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تراجع الدور الأوروبي في النظام الدولي: أزمة رؤية وتحوّل اقتص
...
-
إقليم كردستان أمام لحظة الحقيقة: هل آن أوان انتفاضة جماهيرية
...
-
على هامش أزمة الرواتب والنفط بين بغداد وأربيل
-
الديون الداخلية والفساد في الميزانيات العامة للدولة
-
دعوة وزير الهجرة والاندماج لمناقشة ظاهرة معاداة السامية في ا
...
-
رفع الاصفار عن الدينار العراقي
-
تأخير مصادقة الموازنة العامة لعام 2024 من قبل البرلمان العرا
...
-
مراجعة كتاب: نقاشات حول دمج شركات التأمين العراقية
-
لنجعل من ذكرى اليوبيلية السبعينية لمجلة (الثقافة الجديدة) مه
...
-
نحو انتخابات ديمقراطية ونزيهة لمجالس المحافظات
-
على هامش تشريع الموازنة العامة الاتحادية للعراق لعام 2023*
-
تعليق على المقال المترجم لمايكل روبرتس: بنك فيرست ريبابليك:
...
-
الدانمارك: من مجتمع الرفاهية الى الانكماش الاقتصادي والتوجه
...
-
مصباح كمال والبحث عن دور اليهود العراقيين في النشاط التأميني
-
هوامش سريعة على بيان وزارة المالية حول إنجازاتها في تطبيق بن
...
-
كتاب - محاسبة التكاليف دراسات
-
ندوة حول الوضع الاقتصادي في إقليم كردستان العراق
-
محاسبة تكاليف (المعضلية): محاسبة تكاليف النوعية/الجودة، مثال
...
-
محاسبة تكاليف (المعضلية): محاسبة حماية البيئة انموذجاً *
-
على هامش تخفيض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريك
...
المزيد.....
-
الكونغو : بين أثار صدمة الحرب وأمل العلاج النفسي
-
رأي.. سلمان الأنصاري يكتب: لبنان ولعنة التدخل في شؤون الآخري
...
-
مكالمة هاتفية بين نتنياهو وبوتين.. وهذا ما ناقشاه بشأن سوريا
...
-
الأراضي الفلسطينية .. شروط قيام الدول؟
-
روسيا تحث على -توخي الحذر الشديد- بشأن التهديدات النووية إثر
...
-
المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف يزور روسيا هذا الأسبوع
-
لبنان: عون يتعهد بتحقيق العدالة بعد خمس سنوات من انفجار مرفأ
...
-
بعد نشر حماس المقطع المصور للرهينتين.. ما مدى تأثير التحركات
...
-
سودانيون يتضامنون مع أهالي غزة المجوّعين
-
مؤسسات حقوقية تنتقد تنكر ويتكوف للمجاعة بغزة
المزيد.....
-
The Political Economy of Corruption in Iran
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|