حميد بوعمال
الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 20:57
المحور:
سيرة ذاتية
...كنا نقطع تلك المسافة الطويلة الى المدرسة حفاة أحيانًا، أو بأحذية رثة بالكاد تقي أقدامنا الحصى والشوك. لم يكن طريقًا معبّدًا، بل مسارًا ترابيًا يلتف عبر الحقول، ويتسلق الهضاب، وينحدر عبر ممرات صخرية ضيقة، يجاور الضباب الصباحي الذي يغطّي الأرض كوشاح من رماد.
نغادر البيت مع أول خيوط الفجر، والبرد يلسع وجوهنا الصغيرة، نحمل معنا محفظات خفيفة، وقِطعًا من الخبز غالبًا ما تكون ملفوفة في خرقة قماشية. كنت أخرج وحدي في البداية، ثم أجد رفاقي في الطريق، واحدًا بعد الآخر، حتى نصير قافلة صغيرة من التلاميذ تمشي على إيقاع القصص والضحك، أو الصمت الثقيل حين نتعب.
كنا نمرّ بجانب الحقول التي ما زالت نائمة، يسمع فيها فقط نباح كلب بعيد أو نهيق حمار مربوط إلى شجرة زيتون. الهواء نقيّ حدّ اللسعة، والسماء تميل بين رمادي وأزرق، أما أصواتنا، فكانت تُبدّد السكون، نغنّي أحيانًا، أو نلعب "الأسئلة والأجوبة"، أو نعدّ خطواتنا لنتناسى المسافة.
في الشتاء، كان الطريق يتحول إلى طين لزج، تلتصق أقدامنا فيه كأن الأرض ترفض أن تُفلتنا. كنا نصل المدرسة وثيابنا مبللة، وأيدينا زرقاء من البرد، لكن المدير لا يرحم التأخر، والمعلم لا ينتظر من تأخّره عذرًا.
وفي الصيف، كانت الشمس تضرب رؤوسنا بشراسة، فنحتمي بظل شجرة تين هنا، أو صخرة عالية هناك، ونشرب من سواقي العين، ماءً باردًا كأنه آتٍ من قلب الجبل.
ذلك الطريق علّمنا الكثير قبل أن نبلغ المدرسة: علّمنا الصبر، والمثابرة، والوفاء لبعضنا. كنا نصل متعبين، نعم، لكن خلف وجوهنا المرهقة كانت تختبئ لهفة حقيقية لتعلُّم شيء جديد، أو على الأقل لنكتشف ما سيحدث في ذلك اليوم بين جدران مدرسة عين القصب.
#حميد_بوعمال (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟