حميد بوعمال
الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 18:25
المحور:
سيرة ذاتية
هناك، في قلب البادية، حيث لا ضجيج إلا زقزقة العصافير في الصباح ونباح الكلاب في عمق الليل، وُلدت أولى ذكرياتي.
كان بيتنا بسيط من الخشب، ألواحٌ غير متناسقة، بعضها مائل، وبعضها يحمل آثار الزمن والمطر. لا دهان يغطيها، ولا زينة تُخفي تواضعها، لكن داخلها كان عالمًا دافئًا، تسكنه الروح قبل الجدران.
هناك، حيث كنا نعيش بقلوب خفيفة، ورضا لا يُشترى. الريح كانت تتسلل بين الفجوات، فنجمع البطانيات لنصنع منها حوائط مؤقتة، نضحك كلما صفّرت الريح أو ارتجفت الألواح تحت المطر، وكأننا في سفينة تهزها العواصف ولا تغرق.
من نافذة خلفية صغيرة منفتحة على الأفق ، كنت أراقب البادية، تلك المساحة الممتدة بلا نهاية، حيث تمتد الأرض كصدر أم حنون، وتزهر السماء فوقها كغطاء أزرق رحيم. لا سيارات، لا ضجيج، فقط سكون تُقطّعه أحيانًا زقزقة عصفور، أو نباح كلب ينبئ بقدوم غريب.
وفي الليل، حين يخيّم السكون، كانت الأصوات الخافتة داخل بيتنا تتحول إلى موسيقى: همسات أمي، سعال أبي، أنفاسي وأنا أتمتم دروسي، أو أراقب ضوء الفتيلة المتراقص على الجدران.
في ذلك المكان المتواضع، تعلمت أن البيوت ليست في جدرانها، بل في دفئها. وأن الطفولة، وإن جاءت وسط الخشب والبرد، يمكن أن تكون أدفأ من قصرٍ في المدينة.
#حميد_بوعمال (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟