حازم القصوري
محام/ خبير الشؤون السياسية و الأمنية
(Hazem Ksouri)
الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 18:14
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
في قلب البحر الأبيض المتوسط، تتموضع تونس كجسر طبيعي بين قارتين، وبين ضفتين: أوروبا شمالًا، وإفريقيا جنوبًا. هذا الموقع الفريد لم يكن يومًا تفصيلًا جغرافيًا، بل كان دومًا مُحددًا للوظيفة والدور والمسؤولية. غير أن المفارقة أن هذا الموقع، الذي كان عبر قرون منبعًا للقوة والدينامية، تحوّل في العقود الأخيرة إلى مجرّد هامش تابع ضمن خريطة تُرسم خارج الحدود.
من قرطاج إلى حاضر هش
لم يكن عمق تونس المتوسطي مجرد شعار؛ لقد كان حقيقة سياسية وثقافية وتجارية. من قرطاج التي قارعت روما، إلى الممالك الإسلامية التي جعلت من تونس بوابة المتوسط الأوسط، كانت البلاد دائمًا مركزًا أكثر منها ممرًا.
لكن مع نهاية الحقبة الاستعمارية وبداية الاستقلال، خضعت تونس إلى منطق الإدماج المشروط ضمن مشاريع متوسطية ذات قيادة أوروبية واضحة (الاتحاد من أجل المتوسط، سياسة الجوار الأوروبية، برامج المساعدات...)، دون قدرة على التفاوض السيادي أو فرض رؤية وطنية.
تحولات المتوسط… وخروج تونس من المعادلة
اليوم، يشهد البحر المتوسط تحولات كبرى تهدد النظام التقليدي:
تركيا باتت لاعبًا مستقلًا ومبادرًا.
روسيا تؤسس لوجود دائم في الشرق المتوسطي.
الصين تتسلل إلى أعماق المتوسط عبر الاقتصاد والبنى التحتية.
أوروبا نفسها أصبحت منقسمة، هشّة، تعيد حساباتها.
في خضم هذه التحولات، تغيب تونس عن المبادرة، وتكتفي بردود فعل متقطعة في ملفات الهجرة أو المساعدات. وهذا الغياب الاستراتيجي هو أخطر من التبعية: هو خروج فعلي من المعادلة.
تونس والفرصة الأخيرة للتموضع
الرهان ليس فقط على إدراك العمق المتوسطي، بل على تحويل هذا العمق إلى سياسة دولة. المطلوب ليس تكرار الخطاب، بل إنتاج عقيدة متوسطية تونسية تتأسس على:
التموضع السيادي: رفض منطق “الحديقة الخلفية” لأوروبا.
التموقع الاقتصادي: تحويل تونس إلى مركز لوجستي للطاقة، النقل، الربط الرقمي.
البعد الثقافي: تصدير هوية تونسية متوسطة، لا مستنسخة عن الخارج.
في الختام: العمق لا يُمنَح… بل يُصنع
البحر لا يرحم السواحل الضعيفة. والمتوسط اليوم ساحة تنافس حاد لا يعترف بالحياد ولا بالجمود.
تونس والعمق المتوسطي ليست قصة من الماضي، بل سؤال من الحاضر، وتحدٍّ من المستقبل.
إما أن نتحرّك الآن بعقل استراتيجي... أو نُحرّك كما تُحرّك الأشياء غير القادرة على السباحة.
#حازم_القصوري (هاشتاغ)
Hazem_Ksouri#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟