حبيب الزموري
الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 01:52
المحور:
القضية الفلسطينية
مازالت المفوضات غير المباشرة لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوما بين وفد المقاومة الفلسطينية والفريق "الإسرائيلي" في الدوحة تراوح مكانها في الدوحة مع تواصل الاجتماعات و التنسيق بين الثلاثي الأمريكي – المصري – القطري الراعي لهذه المفاوضات المشفوعة غالبا بالتصريحات و الندوات الصحفية المنمقة التي تحاول جاهدة طمس الأبعاد الإنسانية و الوطنية و القومية للقضية الفلسطينية و ما اقترفه النظام الصهيوني البربري من جرائم يشيب من هولها الولدان فلم يعد هناك عاقل على سطح الأرض تنطلي عليه مسرحية الوساطة الأمريكية التي يمارسها على أرض الواقع عملاؤها من الأنظمة الرجعية العربية و على رأسها النظامان المصري و القطري الذين يحاولان تمرير المخططات الصهيونية الملتحفة بالديبلوماسية الأمريكية و ليس أدل على ذلك من تصريح رئيس وزراء الكيان المجرم خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية حيث لمح إلى وجود اتفاق غير معلن مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يتعلق بقطاع غزة وما بعد الحرب.وقال نتنياهو خلال مقابلة مع قناة "نيوز ماكس" الأميركية المحافظة: "ما تم الاتفاق عليه بيني وبين الرئيس ترامب سيكشف عنه في الوقت المناسب".
رغم هذه الحقيقة القاسية التي تحاصر قوى المقاومة الفلسطينية الباسلة على الأرض و في كواليس المفاوضات الملغومة بالمخططات الصهيونية و الامبريالية و الرجعية فإنها تثبت يوما بعد آخر قدرتها على التأقلم مع مقتضيات الوضع بمرونة تثير الإعجاب و بإرادة فولاذية متمسكة بثوابت الشعب الفلسطيني و حقوقه و تنسيق خلاق , مبدع بين العمل المقاوم الميداني و العمل السياسي على طاولة المفاوضات حيث شنت المقاومة في غزة خلال الأسابيع الأخيرة سلسلة من العمليات النوعية التي أسقطت كافة الأوهام الدعائية التي تروج لها حكومة نتنياهو حول القضاء على المقاومة و السيطرة الميدانية على غزة.
تنكشف يوما بعد آخر حقيقة الأدوار التي تلعبها الديبلوماسية الأمريكية ووكلاؤها الاقليميون وزيف الوساطة التي يروجون لها حيث تحاول الإمبريالية الأمريكية وتوابعها من الأنظمة العربية المطبعة تمكين "إسرائيل" من تحقيق أهدافها بالطرق الديبلوماسية الملتوية بعد أن فشلت في تحقيقها بالقوة العسكرية الغاشمة وهي خمسة أهداف رئيسية:
1. إنهاء وجود "حماس" في غزة والقضاء على قدرات المقاومة العسكرية.
2. استعادة الأسرى من غزة عبر القوة العسكرية.
3. تهجير سكان قطاع غزة وتطبيق خطة الجنرالات.
4. البقاء في محوري نتساريم وصلاح الدين (فيلادلفيا)
5. احتلال غزة أو التدخل في رسم معالم اليوم التالي للحرب.
وإن أردنا تلخيص هذه الأهداف تلخيصا مكثفا فإن كافة الأهداف الصهيونية والامبريالية في القضية الفلسطينية تدور في فلك محورين أساسيين هم الأرض والبشر. ففي محور الأرض تثبت دولة الاحتلال مدعومة من الامبريالية الأمريكية أنها منظومة آكلة للأرض عبر مختلف الآليات عسكرية كانت أو سياسية ففي غزة تحاول لا تخفي حكومة الحرب الصهيونية نيتها إعادة احتلال غزة احتلالا مباشرا أو بالوكالة و حتى اصطدام هذه النوايا بالمقاومة الفلسطينية الباسلة لم يمنعها من محاولة تحقيق هذا الهدف عبر المناورات الديبلوماسية و مبادرات وقف اطلاق النار التي تنتج في المخابر الصهيو- امبريالية تحت الاشراف المباشر للرئيس الأمريكي و رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل تكليف الوكلاء الإقليميين بطرحها على قوى المقاومة و ليس آخر هذه المناورات المفاوضات الجارية حاليا في الدوحة و التي تفننت ّاسرائيلّ في تلغيمها بالطلبات الإضافية من قبيل خريطة الانسحاب الاسرائيلي من غزة فرغم تراجع حركة حماس عن مطلب الانسحاب الشامل و الكامل من أراضي القطاع مقابل الاتفاق على تواجد جيش الاحتلال في مناطق محددة يتم الاتفاق بشأنها لا تعيق عودة المهجرين و توزيع المساعدات و إعادة الاعمار فإن الطرف الصهيوني يطرح خريطة يسيطر فيها على قرابة 40% من أراضي غزة بما فيها محور نتساريم الواصل و الفاصل بين شمال القطاع و جنوبه و محور صلاح الدين الفاصل بين الأراضي الفلسطينية المحتلة في غزة و الأراضي المصرية و يعتبر شريان الحياة الرئيسي لقطاع غزة . ولا يقتصر نهم قوة الاحتلال للأرض على قطاع غزة، بل إنها استغلت تركز الأنظار على الأحداث في غزة للتسريع في وتيرة الاستيلاء على الأرض والاستيطان في الضفة الغربية وتشير معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (هيئة فلسطينية رسمية) إلى أن الاحتلال صادر منذ مطلع العام الجاري أكثر من 40 ألف دونم (الدونم يعادل 1000 متر مربع) من أراضي المواطنين، وأن 24 ألف دونم منها استولى عليها تحت مسمى "أراضي دولة" في أكبر عملية سرقة للأرض منذ 30 عاما تحت غطاء أمريكي حول قضية الحق الفلسطيني بكافة تفاصيله إلى مجرد "صفقة" يحاول ترامب و أذنابه تسويقها لتحويل غزة إلى منتجع سياحي و عقاري مشيد على جثث و دماء آلاف الفلسطينيين و على تهجير ما تبقى منهم في محتشدات في رفح أو في الحدود الأردنية و المصرية.
إن الامبريالية الأمريكية والأنظمة الرجعية العربية العميلة التي تتستر خلف دور الوساطة تحاول منح الكيان الصهيوني بالمفاوضات ما عجز عن انتزاعه بقوة السلاح فهي تمارس أقسى أنواع الضغط والمساومة بما فيها التجويع والتشريد وقطع كافة سبل الحياة على الشعب الفلسطيني في غزة مقابل نزع سلاح المقاومة وإنهاء دورها السياسي في غزة وتحويل القطاع إلى مقاطعة خاضعة للسياسات الصهيونية والامبريالية تطبقها القوى الفلسطينية أو العربية العميلة للمشروع الصهيو-امبريالي. إن القضية الفلسطينية تتعرض اليوم إلى حملة من التزييف و التفكيك و التصفية لم تشهدها حتى في أشد لحظات الصراع شراسة حيث تتحول المفاوضات إلى صفقات و الأرض المحتلة إلى مجرد مشروع عقاري و حق العودة إلى سراب موزع بين دول الجوار و المقاومة إلى جريمة و قد انخرطت أجهزة الدعاية و الاعلام الرجعية في هذا التمشي المدمر للوعي العربي حيث تتباهى الأنظمة العميلة بدور الوساطة الذي تقوم به بين الضحية و الجلاد و تتقاطع أهدافها في تجريد المقاومة من سلاحها مع الأهداف الصهيونية و الإمبريالية تمهيدا لتحييدها عن التأثير في القضية الفلسطينية , إن الأنظمة العربية الرجعية العميلة و من خلفها الكيان الغاصب و الامبريالية الأمريكية بصدد تحديد شركائها الفلسطينيين في تحديد مستقبل القضية الفلسطينية و المنطقة ككل مثلما فعلت سابقا في العراق و ليبيا و سوريا فلا مستقبل في الشرق الأوسط لمن يعترض و لو قيد أنملة على المخططات و الصفقات الإمبريالية و الصهيونية الساعية إلى إعادة تشكيل الأرض و البشر في المنطقة.
إن الصراع و التناقض بين الإمبريالية و الصهيونية و الشعوب المضطهدة حركات التحرر المعبرة عنها في المنطقة مازال واضحا وضوخ الشمس في وعي الحركات و الأحزاب و المنظمات المقاومة و لكن الدور الوظيفي الرجعي الذي تقوم به الأنظمة الرجعية العميلة المدججة بأجهزة دعائية و مالية و إيديولوجية ضخمة هو ما أدخل الإرباك و التذبذب على الحركة الشعبية العربية التي لاحظنا بالعين المجردة و بالممارسة الملموسة تراجعها و تدهورها طيلة العدوان الصهيوني الغاشم مقارنة بالحركات الاحتجاجية التي عمت العالم بما فيها في مراكز القوى الامبريالية. إن أولوية الأولويات اليوم في تقديرنا ليس دعم المقاومة في موجهة عدوها الرئيسي فهي تبلي بعملياتها النوعية و بصمودها الأسطوري البلاء الحسن, و لكن في دعم المقاومة في مواجهة كافة الضغوطات و الاملاءات المعلنة و الخفية التي تتعرض لها من الأنظمة العربية العميلة المتسترة بدور الوساطة الزائفة و ذلك بمواجهة هذه الأنظمة و مقاومتها و فضح زيف خطاباتها الصفراء المساندة للحق الفلسطيني في العلن و لكنها تسعى على أرض الواقع إلى تجريد هذا الحق من أدواته البدائية للدفاع عن نفسه و قيادته إلى المقصلة الصهيونية أعزلا و مجردا من أبسط وسائل الدفاع عن نفسه , إن تجريد المقاومة من سلاحها هو في كلمة واحدة حكم بالإعدام عليها و تمهيد الطريق مرة أخرى للدخول في نفق اتفاقيات تصفية القضية الفلسطينية , إن المقاومة الفلسطينية الباسلة اليوم هي جدار الصد الأخير الذي يعيق تقدم المشاريع الامبريالية و الصهيونية في المنطقة بما فيها تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. إن أفضل ما نقدمه لفلسطين اليوم هو نزع هذا الخنجر العربي المغروس في خاصرة المقاومة .
#حبيب_الزموري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟