حبيب الزموري
الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 00:47
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
استفاق العالم فجر يوم الجمعة 13 جوان 2025 على عدوان صهيوني جديد على إيران استهدف منشآت وشخصيات عسكرية و علمية مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني و لئن كشفت هذه الضربة عمق الاختراق الاستخباري و الأمني الصهيوني للمجتمع و المؤسسات الإيرانية إنها ليست الضربة الأولى التي تكشف عمق هذا الاختراق حيث سبقتها في أفريل من سنة 2024 قصف القنصلية الإيرانية في دمشق الذي أدى إلى مقتل 07 مستشارين عسكريين، من بينهم محمد رضا زاهدي القائد الكبير في فيلق القدس بالإضافة إلى ما تعرض له حزب الله اللبناني من ضربات قاسية استهدفت هيأة أركانه و أمانته العامة, لطالما كان المشروع النووي الإيراني هدفا للتهديدات "الإسرائيلية" شأنه شأن المشروع العراقي في الثمانينات من القرن العشرين حيث تم تنفيذ عمليات تخريبية صغيرة تُنسب بشكل متكرر إلى إسرائيل. ويُعتقد على نطاق واسع أن "إسرائيل" تقف وراء اغتيال خمسة علماء نوويين إيرانيين في طهران منذ عام 2010. كما اتهمت إيران "إسرائيل" بالوقوف وراء انفجار وقع في منشأة تخصيب نووي رئيسية عام 2021.
ولم يتأخر الرد الإيراني على العدوان الصهيوني فبعد أقل من 24 ساعة شنت القوات المسلحة الإيرانية عملية عسكرية أطلقت عليها تسمية "الوعد الصادق 3" قصفا صاروخيا على عدة موجات استعملت فيه الصواريخ الباليستية والمسيرات بعيدة المدى ونجحت في ضرب العمق "الإسرائيلي" وعدة أهداف عسكرية استراتيجية من بينها مطارات عسكرية قد تكون انطلقت منها الطائرات المغيرة على إيران.
بغض النظر عن الخسائر المدنية والعسكرية الاقتصادية التي خلفتها الغارات الصهيونية على إيران فإن الأبعاد الاستراتيجية المتعلقة بانعكاساتها على المنطقة بأسرها هي التي ينبغي أن تحضا بالتركيز والاهتمام.
1 - ما هو الهدف الحقيقي للعدوان: المشروع النووي أم النظام القائم بإيران برمته.
الهدف المعلن للعدوان الصهيوني هو ضرب المشروع النووي الإيراني والعودة به خطوات إلى الوراء والحيلولة دون امتلاك إيران للسلاح النووي بما أن القدرات النووية الإيرانية أصبحت من تحصيل الحاصل, إن الاعتداءات الصهيونية الأخيرة ليست الأولى من نوعها و لن تكون الأخيرة بالتأكيد كما إن أهدافها تتجاوز مجرد إعادة المشروع النووي الإيراني خطوات إلى الوراء بمحاولة ضرب الصورة التي حاول النظام الإيراني ترويجها عن نفسه منذ سقوط النظام البعثي في العراق بقيادة صدام حسين و هي القوة الإقليمية الأبرز و راعية المقاومة و رأس حربة المواجهة مع أمريكا " الشيطان الأكبر" كما يحلو لمرشد الثورة تسميته و قد انطلقت هذه العملية الصهيونية ذات الأهداف الإستراتيجية منذ نجاح الكيان الصهيوني في توجيه ضربات قاسية لحزب الله في لبنان الحليف الأبرز للنظام الإيراني و اليد التي تضرب بها إيران متى أرادت التصعيد ليزيد سقوط نظام الأسد في سوريا من عزلة النظام الإيراني في الإقليم و تقليم مخالبه و لا نعتقد أن هذه العملية ستتوقف بل ستتسارع خطواتها في سياق تصميم الامبريالية الأمريكية على إعادة صياغة خريطة الشرق الأوسط و هويته بكافة الطرق الممكنة بما فيها الطرق الأشد عنفا و تطرفا التي لا يتردد اليمين المتطرف في دولة الاحتلال و في الولايات المتحدة الأمريكية عن تطبيقها حيث يتواصل الارتباط العضوي بين اليمينين من أجل تكريس المخططات الإمبريالية – الصهيونية والقضاء على كل نفس مناهض بتلك المخططات. والعدوان من زاوية أخرى هو امعان في محاصرة المقاومة الفلسطينية واللبنانية ومحاولة تجفيف منابع تمويلها لإزالة كافة العقبات والعراقيل التي مازالت تعيق تجسيد مشروع الشرق الأوسط الجديد على أرض الواقع، فكيف لا يجن جنون ترامب ونتنياهو وهم يشاهدون منظمات وفصائل تقاومهم بوسائل وإمكانيات ذات مصدر إيراني في أغلبها، ولكن بإرادة تفل الحديد وهم من نجحوا في الإطاحة بأعتى الأنظمة العربية في العراق وسوريا وليبيا, إن القضاء على القدرات النووية الإيرانية ليس سوى واجهة لهدف أكبر هو زعزعة أركان النظام الإيراني و التمهيد لفوضى خلاقة لكرزاي أو جولاني إيراني و هو ما لم يتردد رئيس الوزراء " الإسرائيلي" في التصريح به يوم الجمعة الفارط 13 جوان 2025 قائلا: "المعركة ليست ضدكم، بل ضد نظام يظلمكم ويضعفكم. نحترم ثقافتكم وتاريخكم. نوركم سيهزم الظلام. أنا معكم، وشعب إسرائيل معكم." مضيفا "كانت إيران وإسرائيل حليفتين في الماضي. حان الوقت لتوحيد الصفوف من أجل نيل حريتكم. هذه فرصتكم: نساء، حياة، حرية" وقد تمادى أكثر في الإعلان عن الأهداف الاستراتيجية للعدوان على إيران معلنا أنهم سيغيرون وجه الشرق الأوسط وهو ما انطلقت فيه دولة الاحتلال فعلا منذ سنوات بتنسيق مباشر مع الإمبريالية الأمريكية كل ما في الأمر أن هذا التغيير أصبح بنسق متسارع ووصل إلى آخر جيوب مقاومة هذا المشروع ألا وهي حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية والداعمين الرئيسيين لها من إيران إلى سوريا فلبنان وصولا إلى اليمن.
2 - شرق أوسط متصهين أم شرق أوسط فارسي أم شرق أوسط بديل
في ظل انتشار الأنظمة الموالية للإمبريالية الأمريكية حول إيران و تمركز القواعد العسكرية الأمريكية فيها و التي تشكل تهديدا دائما لإيران حرص النظام الإيراني على نسج تحالفات إقليمية مضادة تركزت أساسا مع النظام السوري السابق و بدرجة أقل العراق الذي يعتبر تحالفا طائفيا أكثر منه سياسيا و قد كان الإيرانيون واعين جيدا بهذه بهشاشة هذه التحالفات و قابليتها للانهيار في أية لحظة نظرا لاستهداف هذه الأنظمة من جهة و نظرا لهشاشتها الذاتية من جهة ثانية و هو ما تجسد في انهيار النظام البعثي في سوريا مما دفعهم للعمل مبكرا جدا على نسج شبكة معقدة من المنظمات و شبكات المصالح في منطقة الشرق الأوسط تحولت شيئا فشيئا إلى معطى موضوعي في التوازنات الإقليمية مع جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن و حزب الله و منظمة أمل في لبنان و عدد من فصائل المقاومة الفلسطينية في مقدمتها حماس و الجهاد بالإضافة إلى مراكز الدراسات و المنظمات غير الحكومية المنتشرة على مساحة أوسع من الشرق الأوسط و التي تعتبر تعديلا و تطويرا لنظرية تصدير الثورة التي سادت غداة نجاح الخميني في اعتلاء سدة الحكم سنة 1979.
إن المساعي الإيرانية لبسط النفوذ في منطقة الخليج العربي و لامتلاك سلاح نووي رادع غير قابل للتشكيك و لكن اعتبار مخاطر هذه السياسات الإيرانية في نفس مستوى التهديدات الصهيونية و الإمبريالية في المنطقة هو قمة العمى السياسي و الاستراتيجي و يتقاطع تقاطعا مباشرا مع المشاريع الامبريالية و الصهيونية المعادية للشعوب العربية و كافة شعوب العالم و موقع النظام الإيراني رغم طبيعته القروسطية الرجعية من الصراع ضد العدو الصهيوني و ضد الإمبريالية الأمريكية هو موقع متقدم على عدة أنظمة تدعي الحداثة و الديموقراطية و تلك هي طبيعة الصراع في التاريخ شبكة معقدة من التحالفات و التناقضات غير قابلة للفهم و التحليل بمنطق «يا أبيض يا أسود" أو بعقل ميكانيكي يحمل أجوبة و تصنيفات صالحة لكل زمان و مكان.
فرغم فزاعة شبح التشيع الزاحف على البلدان العربية و الأطماع التوسعية الإيرانية فإن حقيقة أن الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية و اللبنانية كان في جزء كبير منه بفضل الدعم المادي الإيراني تماما كحقيقة أن البربرية و الهمجية "الإسرائيلية" كانت بفضل دعم أمريكي لا محدود و تواطؤ عربي لا محدود , إن إيران تتعامل مع منطقة الشرق الأوسط و خاصة الخليج العربي كمجال حيوي لها لا بد من تأمينه و إبعاد التهديدات عن مجالها و مشاريعها الوطنية قدر المستطاع و على رأسها المشاريع الطاقية التي تسيل لعاب كافة القوى الإمبريالية في العالم بالإضافة إلى المشروع النووي و ليس بالضرورة أن يكون تأمين هذا المجال بواسطة النفوذ العسكري و السياسي حسب العقل الاستراتيجي الإيراني إذا يمكن أن يكون في إطار سلمي يعتبر نموذج العلاقات العمانية الإيرانية أبرز مثال عليه. و مهما تكن رؤية النظام الإيراني لعلاقته بالنظام العربي الرسمي و خاصة في منطقة الخليج فإن هذه الأنظمة العميلة التي تستقبل آلاف الجنود الأمريكيين على أراضيها و تتحين الفرصة الملائمة لإشهار علاقاتها مع الكيان الصهيوني تحاول اقناع الرأي العام العربي عبر وسائل الإعلام و المنصات الدعائية الضخمة التي تملكها بأن الخطر الأكبر على الشعوب العبية و على الإسلام هم الإيرانيون بالعزف تارة على الأوتار القومية محاولين إحياء الصراعات الشعوبية و تارة أخرى على أوتار الطائفية و المذهبية و تجد هذه الحملات الدعائية للأسف الشديد أذانا صاغية لدى الألاف من بنات و أبناء الشعوب العربية التي كانت ضحية لعمليات قصف دعائي و شحن مذهبي و طائفي حتى إن الإنسان يتساءل عن مدى قدرات هذه الجماعات على التأثير و التحكم بمصير الإنسان و من ثمة مصير الشعوب بجرها لألاف الشباب العربي للقتال في العراق و سوريا و الصومال و أفغانستان.. دون أن نسمع يوما بأنها زودت المقاومة الفلسطينية بمقاتل واحد أو بندقية واحدة مما يبرز الدور الوظيفي العميل لهذه الأنظمة العربية الرجعية كرديف للصهيونية في تنفيذ المشاريع الامبريالية في المنطقة وهذا هو جوهر الخلاف بينها وبين النظام الإيراني رغم اشتراكهما في طبيعة نظام الحكم والمعيار المحدد والحاسم اليوم في اتخاذ المواقف في هذه الظرفية بالذات هو الموقف من المقاومة ومن المشروع الامبريالي- الصهيوني في المنطقة.
ليس مطلوبا من الشعوب العربية في خضم هذه المواجهة “الاسرائيلية” - الإيرانية أن تخرج لاطمة صارخة "يا علي" و "يا حسين" بل فقط أن تعي من هو عدوها الرئيسي ومن هو عدوها الثانوي وتحدد معسكر أعدائها و معسكر أصدقائها بكل دقة بالاعتماد على ممارسات كل طرف و مواقفه العملية لا بناء على ما يطلقه من شعارات رنانة , و أن تتنظم ضابطة أهدافها و تحالفاتها بكل وضوح و أن تعي بأن مصيرها بأيديها و ليس بأيدي أنظمة الحكم العميلة و الرجعية و لا بأيدي قوى الهيمنة الأجنبية حينها يمكن الحديث عن مشروع شرق أوسط شعبي و ديموقراطي بديل عن كافة المشاريع الأخرى و ممكن و ضروري.
3 – الجبهة الإيرانية امتداد للجبهتين الفلسطينية واللبنانية
يندرج العدوان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أولا وقبل كل شيء في إطار المشروع الصهيوني الإمبريالي في المنطقة مثلما أبرزنا في العنصر السابق، ولكن له أهدافه الخصوصية المتعلقة بطبيعة المستهدف ومن أبرز هذه الأهداف:
- زعزعة أركان النظام الإيراني والعودة بالبرنامج النووي الإيراني سنوات إلى الوراء كما برزت مؤخرا على لسان نتنياهو وترامب نقطة حماية "إسرائيل" من القدرات الصاروخية الإيرانية.
- تجفيف منابع تمويل المقاومة الفلسطينية تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية وتفعيل الهوية السياسية الجديدة للشرق الأوسط التي لا مكان فيها لأي صوت مناهض للتعايش مع الكيان الصهيوني، بل وللتعاون معه.
و حسب مجريات الصراع المسلح إلى حد الآن تبدو إسرائيل بعيدة عن تحقيق هذه الأهداف رغم تفوقها الجلي على مستوى الضربات الجوية المتبادلة و رغم عمق الاختراق الاستخباري و الأمني و العسكري الذي حققته في المجال الإيراني و الذي مكنها من اغتيال عشرات العلماء و القادة العسكريين من الصف الأول و هو ما أغرى نتنياهو بالحديث عن إمكانية اغتيال مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي شخصيا و دفعه في الآن نفسه أمام تواضع نتائج الضربات الجوية إلى محاولة الزج بالولايات المتحدة الأمريكية في الحرب و عدم الاكتفاء بدعمها السياسي و اللوجستي بوصفها فرصة قد لا تتوفر ثانية للإطاحة بالنظام الإيراني في أفضل الأحوال و القضاء على المشروع النووي الإيراني في أدنى الأحوال و تقزيم أكبر قوة مناهضة و معرقلة لمشروع الشرق الأوسط الصهيو-أمريكي, لكن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو رغم التصريحات الرعناء لرئيسها حذرة جدا هذه المرة نظرا لخشيتها على مصالحها المنتشرة في المنطقة و قواعدها المتمركزة على مرمى حجر من السواحل الإيرانية و لكن خاصة لخشيتها من قدرة إيران على خلق أزمة طاقية عالمية متزامنة مع أزمة الغاز الروسي و تزامن أزمتين طاقيتين يعني انهيار الاقتصاد الرأسمالي العالمي.
أما في الجانب المقابل في إيران فقد كشفت الاعتداءات الصهيونية أن نظام الملالي في الحقيقة "لا يفوت النظام العربي الرسمي إلا بالصبر" فبعد عقود من الشعارات الرنانة التي ألهبت مخيلة الجماهير حول "حرق إسرائيل" و"القاء اليهود في البحر" استفاقت تلك الجماهير على عمق الاختراق الاستخباري والأمني والعسكري للمجال الإيراني مما مكن العدو الصهيوني من توجيه ضربات مؤلمة للأمن القومي الإيراني رغم محدودية انعكاساتها على القدرات العسكرية الإيرانية بالإضافة إلى أن الجبهة الداخلية الإيرانية رغم تراكم عقود من القمع تبدو أقل هشاشة من الجبهة الداخلية "الإسرائيلية" المتصدعة أصلا بسبب الأداء السياسي و العسكري لحكومة بنيامين نتنياهو.
ختاما لا "إسرائيل" قادرة على الإطاحة بالنظام الإيراني ولا النظام الإيراني قادر على القضاء على "إسرائيل" مما يعطي لهذه المواجهة طابعا تكتيكيا متعلقا بإعادة رسم مناطق النفوذ في المنطقة فالمكاسب التي حققها الكيان الصهيوني في سوريا و لبنان و الاختراقات السياسية غير المعلنة التي حققها في عدد كبير من البلدان العربية تمهيدا للتطبيع الكلي للعلاقات، أغرته بالتسريع في خطوات بناء المجال الحيوي "لإسرائيل الكبرى" الممتد من الفرات شرقا إلى النيل غربا.
#حبيب_الزموري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟