محمد الزيري
صحفي مهني وكاتب و باحث حاصل على شهادة الدكتوراه
(Ezziri Mohammed)
الحوار المتمدن-العدد: 8420 - 2025 / 7 / 31 - 00:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشكل التنمية المجالية أحد أهم التحديات التي تواجه العديد من البلدان، ولاسيما تلك التي تسعى إلى تحقيق تنمية متوازنة وشاملة تلامس كل مناطقها، بغض النظر عن موقعها الجغرافي أو ظروفها الاقتصادية والاجتماعية. ورغم الجهود الكبيرة والموارد الضخمة التي تُستثمر في برامج ومشاريع تنموية متعددة، إلا أن الفوارق بين المناطق الحضرية والريفية، وبين المراكز والهوامش، لا تزال قائمة بل تتعاظم في كثير من الأحيان. وهنا يطرح السؤال المركزي: لماذا تفشل المقاربات التنموية السابقة في تحقيق الأهداف المرجوة رغم تعدد الخطط ووفرة الموارد؟
الأمر لا يعود فقط إلى نقص في التمويل، بل إلى غياب استراتيجية متماسكة تدمج بين التخطيط والتنفيذ، وتعتمد على فهم حقيقي لخصوصيات كل مجال جغرافي. كثيراً ما ظلت السياسات التنموية مركزية، بعيدة عن مشاركة المجتمعات المحلية، مما جعلها تفتقر إلى اللمسة الواقعية والمرونة التي تتيح تكييف الحلول مع السياقات المختلفة.
كما أن الإطار المؤسسي والتنظيمي غالباً ما يعاني من تقاطع الصلاحيات وعدم وضوح المسؤوليات، إضافة إلى ضعف آليات المتابعة والتقييم، وهو ما يؤدي إلى هدر الموارد وتأخير الإنجازات. فالبرامج التي تُفترض أن تكون محركات للتنمية تتحول إلى مجرد مشاريع منفصلة لا تنسجم مع بعضها ولا تعكس أولويات السكان.
من جهة أخرى، تغيب ثقافة المحاسبة والشفافية، مما يفتح الباب أمام استمرار الفساد وإهدار المال العام، وهو ما يزيد الفوارق الاجتماعية ويعمق الاستياء المجالي.
التنمية المجالية الناجحة تستلزم تبني مقاربة متكاملة ومندمجة، تعتمد على جهوية فعلية تمنح للمناطق سلطة حقيقية في وضع برامجها ومتابعة تنفيذها، مع إشراك المجتمع المدني والفاعلين المحليين بشكل فعال. كما يتوجب تطوير نظام رقابي مستقل يقيم مدى جدوى وتأثير المشاريع التنموية.
التحدي الحقيقي اليوم هو الانتقال من النظريات والمشاريع المعزولة إلى سياسات تنموية تنبثق من واقع المناطق، تعالج مواطن الضعف، وتستثمر الموارد بحكمة، وتحقق العدالة الاجتماعية والمجالية.
إننا أمام فرصة ثمينة لإعادة التفكير بعمق في كيفية توزيع الثروات والفرص، وضمان استفادة الجميع، لا أن تبقى التنمية حكراً على فئات محدودة أو مناطق معينة.
في النهاية، لا يمكننا الحديث عن تنمية مستدامة وشاملة دون إصلاح جذري يضع المواطن والمجال الترابي في قلب العملية التنموية، ويعيد للعدالة المجالية بريقها الذي طال انتظاره.
#محمد_الزيري (هاشتاغ)
Ezziri_Mohammed#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟