أركان الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 18:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في وطنٍ تئنُّ أضلعه تحت ثقل الخيانة والعبث، بات خلقُ الأزمة سياسة، وتفجيرُ الفوضى حرفة، وصناعةُ العدوّ أو “الترند” وسيلة لحجب الدم المراق، والحقوق المنهوبة، والكرامة المذبوحة على قارعة صمتٍ مقنّع.
حين وقعت حادثة السيدية، لم تكن مجرّد خلافٍ مسلح، بل كانت مرآة سوداء انكشفت فيها هشاشة الدولة، وانكسرت فيها صورة الأمن أمام سطوة الميليشيات، حيث يتقاتل أبناء “الولاء” لا على شرف البلاد، ولا على رفعة الشعب، بل من أجل منصب مدير عام منصبٌ إداريّ مكرور، لا يكاد يساوي قيمة قطرة دمٍ سالت، أو نظرة رعبٍ من طفل حُبس في بيته.
الاقتتال من أجل المكاتب الاقتصادية صار أعظم من أي حرب وطنية. الميليشيات تتصدّى للقوات الأمنية كما لو أنها تواجه جيشًا غازيًا، وفي الخلف، يقف المواطن الأعزل بين مطرقة الرصاص وسندان الخذلان، تُهدَّد حياته الجماعية من أجل كُرسي او من أجل توقيع.
وفي لحظةٍ كان على البلاد أن تسائل فيها نفسها: من يحكم؟ ومن يُرهب من؟ جاءت أزمة خور عبد الله خنجرٌ جديد في خاصرة السيادة، ضياع آخر يمرّ، والعين لم تجفّ بعد من دموع التفريط القديم. فإذا بالشارع يغلي، والغضب يتنامى فكان لا بدّ من سُحُبٍ دخانية تعلو سماء العقل الشعبي.
فجأة، تنفجر “قضية الصور” صور زينب جواد. تُنشر، تُداول، تُفكك، تُحلل، تُركّب، ويُطلق عليها رصاص الأخلاق والفضيلة والعار، وكأن الوطن كلّه صار تحت تنورة فتاة.
لكن المتأمل يعلم: ليست الصور إلّا ستارة دخان، ووسيلة صرف إعلامي ممنهجة. فهؤلاء الذين امتنعوا عن نشرها سابقًا، اختاروها الآن تحديدًا، في توقيت مثقل بالألم الوطني، لأنهم يُتقنون قواعد لعبة الخداع الجماهيري. يعرفون أن الشعب الذي يعاني الفقر والقهر، يبحث دومًا عمّا يُنفّسه، حتى لو كان فضيحة مصطنعة. وهكذا، تتحوّل صور فتاة إلى مشجب يُعلّق عليه الهروب من كل شيء ، من مواجهة السلطة، من محاسبة الميليشيا، من سؤال “لماذا خُنّا خور عبد الله؟”
فما بين ضياع الحدود، واقتتال الأخوة من أجل فتات المناصب، وسحب البساط من العقل إلى الغريزة، يتضح المشهد: نحن لسنا أمام فوضى عرضية، بل أمام هندسة دقيقة للعبث، يديرها من فهم أن الجهل والصدمة والتشويش أدواتٌ أعظم من الدبابات .
#أركان_الحمداني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟