أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - همسات مع نص -المغرور- للشاعرة تفاحة بطارسة














المزيد.....

همسات مع نص -المغرور- للشاعرة تفاحة بطارسة


زياد جيوسي
كاتب واعلامي


الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 16:17
المحور: الادب والفن
    


بقلم: زياد جيوسي

نصٌّ جميلٌ للشاعرة والكاتبة تفاحة بطارسة، يُضاف إلى ما سبق من دواوين الشعر وكتب الوجدانيات والأدب التي نشرتها. وقد كان من دواعي سروري أن قرأت معظم ما صدر من كتبها، وكلّ ما أهدتني إياه، وبعضها لم أقاوم فيه إشراقة اللحظة، فكتبت عنها قراءات نقدية مفصّلة. وفي العادة، نادرًا ما أكتب عن نصٍّ منفرد، إذ إن التمتّع والإبحار في ديوانٍ من الغلاف إلى الغلاف يمنح روحي جمالًا آخر. ولكن حين قرأت هذا النص، لم أستطع مقاومة الرغبة في نسخه إلى حاسوبي، وتسجيل ملاحظات أوليّة عليه إلى حين التفرّغ لإعادة الكتابة، والتحليق في فضاء هذا النص الذي جذبني منذ قرأت عنوانه "المغرور"، مرورًا بنسيج الشعر والكلمات، حتى خاتمته اللافتة.
وجدتُ نفسي أمام نصّ باحت به روحٌ تحمل طاقة وجدانية هائلة، بثّته في قالبٍ مكثّف وصورٍ شعرية مرسومة باحترافية، يقوم على فكرة الاحتجاج الصارخ على ما يتعرض له الإنسان من قسوةٍ وحرب وتجويع وظلم واستغلال، بنبرةٍ غاضبةٍ ممزوجة بالحزن والألم، في مواجهة واقعٍ مأساويٍّ مأزوم. ويمكن إسقاطه على كلّ المناطق التي تعاني من الحروب والاضطهاد، في مواجهة "المغرور" الظالم والمجرم المغتر بقوّته، مؤكّدةً على الحلم بالتغيير، كما قال الشاعر أبو القاسم الشابي: "لا بد لليل أن ينجلي / ولا بد للقيد أن ينكسر"، فالشعوب المقهورة تريد الحياة، والظلم لا بدّ أن يزول، كما أكّدت الشاعرة في قولها: "لن تمضي بك الأيام إن ولّى النهار.".
نصٌّ يُصنّف ضمن شعر التفعيلة القريب من الحداثة، يتجلّى فيه الاحتجاج القويّ الموجَّه إلى شخصية أو جهة ما، بدءًا من "بحرٍ يطاردني"، وهو وصفٌ رمزيّ يشير إلى الخوف من خطرٍ قادمٍ لا يرحم، وإلى حجم الظلم واتّساعه. هذا الاستهلال الرمزي يفتح للقارئ أبواب التأويل، إذ إن البحر – كما هو في المأثور – غدّار، وهنا نراه يغدر بالمتحدثة باسم المظلومين، فتقول: "ويسلب ما حملتُ من الحكايات التي تغتالني"، ثم تُكمل في صورة بلاغية مؤلمة: "تتركني بلا لحمٍ ولا عظم"، في إشارة واضحة لما يقوم به هذا الظالم من سلبٍ وتدميرٍ للأبرياء، جسديًا ونفسيًا، وماديًا وإنسانيًا. وتخاطب هذا الظالم بقولها: "يا أيها الولد الشقيّ". وهنا استخدامٌ ذكيّ للتضمين الرمزيّ بين شخصيتي "الولد الشقي" و"المغرور"، للدلالة على العبث الذي يمارسه رأس القوة الغاشمة، مع فارقٍ بيّنٍ بين براءة شقاوة الأطفال، وقسوة ظلم الكبار. وتُكمل: "بأي حقٍّ تقتل النبضات في قلبي؟"، فالفعل هنا أبعد من شقاوة، إنه قتلٌ متعمّد للحياة نفسها.
وتواصل الشاعرة رسم صورٍ بالغة القسوة والعنف، فتقول: "تجتاز بي تحت الركام، وخلف أشباح الدمار"، مشيرةً إلى أن هذا المحتل لا يعرف سوى القتل والخراب، ولا يكتفي بذلك، بل ينهب الموارد كما تقول: "وتنهب ما ادّخرتُ من الموارد للكبار والصغار". في هذه الصورة يتجلّى البعد الواقعي للنص، إذ يستدعي مشهد العصابات المدعومة من الاحتلال، التي تسطو على المساعدات المخصصة لأبناء غزة، في حرب إبادة وتجويع متواصلة منذ قرابة عامين.
ورغم هذا السواد، لم تتخلّ الشاعرة عن الأمل. تخاطب العدوّ بقولها: "لن تمضي بك الأيام إن ولّى النهار". فنهار الظلم لا يدوم، وتقول بقوة: "فالليل آتٍ مع أنين الظلم"، وهو تعبيرٌ غير مألوف، إذ اعتدنا القول إن "الفجر آت". لكن يبدو أنها اختارت الإشارة إلى استمرار الألم حتى في الليل، في إشارة خفية إلى أن الفجر المنتظر لا يزال خلف ستار الحزن والتشرّد والدموع، لكنها تُبقي بؤرة الضوء حاضرة، إذ إن الليل لا بدّ أن ينجلي.
نصّ قويّ ومعبّر، بإيقاعٍ داخليّ وانسيابية موسيقية، جمع بين الشعور الزمني المتمثّل بطول الليل، وحجم المأساة الإنسانية، مستندًا إلى الرمزية كأسلوبٍ فنيّ لممارسة النقد الاجتماعي والسياسي، في قالبٍ شعريّ جميل متماسك، في زمنٍ تكاد الأصوات الحرة أن تخفت تحت ركام القهر، يأتي هذا النصّ ليوقظ فينا نبض الاحتجاج، ويذكّرنا بأن الكلمة الصادقة، حين تُصاغ من وجع الشعوب، تصبح سلاحًا أشدّ مضاءً من الرصاص. فالمغرور، مهما تعاظمت سطوته، لا يستطيع أن يطيل عمر الظلام، لأن القصيدة حين تُولد من رحم المأساة لا تنكسر، بل تفتح نوافذ الضوء، وتزرع في جراحنا بذور الحياة.
"عمَّان 24/5/2025"

المَغرورُ
تفاحة بطارسة
بحرٌ يُطاردني
وَيَسلبُ مَا حَملتُ
مِنَ الحِكاياتِ التي تَغْتَالني
تَجتازُ بِي تَحتَ الرُّكامِ
وَ خلفَ أَشباحِ الدَّمَار
يَا أيُّها الولدُ الشَّقِيِّ
بِأيِّ حقٍّ تَقتلُ النَّبضاتَ
في قَلبِي
وَتتركُنِي بلا لَحمٍ ولا عَظمٍ
وَ تّنهبُ مَا أدّخرْتُ
منَ المَواردِ للكِبَارِ وَ للصّغارْ
يَا أُيّها المَغرورُ
لنْ تَمضِي بِكَ الأَيّامُ إنْ ولّى النّهارْ
فَالليلُ آتٍ مَع أنينِ الظُلمِ
مع ألمِ التَّشردِ
معَ دموعِ المُتعَبِين الجَائعِينَ
منَ الصِّغار..



#زياد_جيوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بكائيات غزة: ما بين المقاومة والإبادة
- مع رواية منارة الموت.. من سينتصر؟ الحب أم الرصاصة
- في فضاءات رواية خُلق انسانا
- قراءة وتساؤلات حول رواية سادن المحرقة
- همسات مع جمانة الرمحي ونصها: “أردتُ أنْ أكون قصيدتك لكنك أضع ...
- همسات نقدية مع قصيدة وجع للشاعرة رفعة يونس
- التوليدية من جديد في جرس المعدان
- همسات نقدية مع نص -منزلنا- للكاتبة مريانا أمين
- غرائبية وتاريخ وحنين في رواية كويت بغداد عمَّان
- همسات مع -جناج الحرية- للشاعرة: رفعة يونس
- قراءة نقدية في سَفر بلا عنوان
- همسات مع -قصة عشق- للكاتبة مريانا أمين
- قراءة في ديوان ما يشبه الحلم للشاعر عيسى حماد
- عناق المكان والسرد في رواية ظلال الغياب
- إضاءة حول كتاب -سينما المهرجانات العالمية والعربية في عمَّان ...
- تنهدات مع نص -تنهيدة- للشاعرة رفعة يونس
- همسات مع المشاعر والأحاسيس في صدى الصرخات
- رواية قط بئر السبع بين الصمود والرمزية
- ياسمينات باسمة .. للكاتب الأديب زياد جيوسي
- تحليق في رواية رؤوس هشة


المزيد.....




- فنان جزائري: أحاول بلوحاتي إنقاذ أرواح شهداء غزة من النسيان ...
- غابور ماتي يفضح -الصدمة المستمرة- في فلسطين وينتقد الصمت الغ ...
- -عالم الديناصورات: إحياء-… حين تصبح العودة إلى الماضي موتًا ...
- من إسطنبول إلى عمّان.. هكذا تصنع زينب وعيا معرفيا بقضية القد ...
- مهرجان اللغة العربية الثامن في الخليل.. عين على غزة وعين على ...
- إطلاق خطة شاملة لإحياء السينما المصرية.. ما تفاصيلها؟
- رضوان لفلاحي: -لا شيء ممهَّد لشباب الضواحي في فرنسا كي يدخلو ...
- غاليري 54.. بورتريهات من ضوء، ألوان تتسابق وذاكرة تتمهل الزم ...
- رحيل فنان لبناني كبير والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تنعاه!
- احتجاجًا على الرقابة... فنانة أمريكية تُلغي معرضها في المتحف ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - همسات مع نص -المغرور- للشاعرة تفاحة بطارسة