أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - همسات نقدية مع قصيدة وجع للشاعرة رفعة يونس















المزيد.....

همسات نقدية مع قصيدة وجع للشاعرة رفعة يونس


زياد جيوسي
كاتب واعلامي


الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 18:47
المحور: الادب والفن
    


بقلم: زياد جيوسي

"وجع" قصيدة أخرى للشاعرة رفعة يونس حافلة بالمشاعر الانسانية والأحاسيس، ومن العنوان تثير الشاعرة الألم في روح القارئ، ثم مع مطلع القصيدة بقولها: "وجع يسري، بين الضلوع" وهذه إشارة لوجع جسدي، ولكن الوجع ليس بالجسد فقط فهو أيضا "في خلجات الحنايا يجول"، وهذا يشير كيف تتناول القصيدة الوجع الإنساني العميق الناتج عن مآسي الاحتلال وما يمارسه من اجتياحات للمناطق والمدن والقرى والبلدات والمخيمات، حيث يمارس جنوده القتل من أجل القتل، والتدمير من أجل التهجير، وبالمقابل تجسد أبيات القصيدة معاناة الشعب الفلسطيني من خلال صور شعرية رسمتها روح الشاعرة فالوجع "يدمي العين"، وهذه صور حية ومؤثرة باحت بها روح الشاعرة في الشهر الأول من عام 2024 بعد استشهاد الاعلامي حمزة ابن الاعلامي وائل الدحدوح في غزة.

الشاعرة استحضرت وجع الاستشهاد والفقد وخاصة أن وائل الدحدوح كان قد فقد أسرته قبل ابنه، فكان نصها حافلاً بوجع "يدمي العين" ويستحضر "بكاء الصغير" وأرواح الآف الأطفال الشهداء وهي تعلن "رحيل الطفولة، في مهدها"، فيرتفع "عويل النسوة" وهن يرقبن الموت يجتاح قطاع غزة من شماله الى جنوبه، فلا يمتلكن الا العويل "حين يصير الموت قوافل"، فتقدم لنا لوحة مؤلمة شاملة لما يعانيه شعبنا في حرب الإبادة التي يرتكبها الأحتلال، فتعلو "صرخات الفجيعة" فكل الجرائم "توجعنا"، في مشهد قاتم من القصف والتدمير "ومن أشلاء الضحايا"، والصرخات التي تعلو "من تحت الردم"، في مواجهة عدو بربري لا يمتلك إلا الرصاص والحقد يخرجه "من سطوة للقتل".

ومع كل هذه المعاناة وقوافل الشهداء التي ترحل قافلة إثر قافلة، تلوح بوادر الأمل وتستمر المقاومة، فالأبطال يرسمون وطنا جديدا يولد من تحت الركام، فهم لا يؤمنون الا بمشيئة الله ويرفضون كلمة المستحيل، فهم "يرسمون لنا، وطنا آت"، وبصمودهم وبنادقهم يستحضرون الوطن "من وسائد غيم"، فهم لا يعرفون في مواجهة كل قوى البغي والظلم الا النصر أو الاستشهاد، فهم صمموا أن يزرعوا "صنوبرة، في فضاءات المستحيل"، فهم بتصميمهم على النصر "يرسمون لنا، سنديانة عشق، سماوية"، فنجد أنفسنا أمام نص لا يغرق في اليأس رغم كل الحروب والمآسي، بل يفتح نافذة مضيئة على المستقبل يحلق بها الأمل.

فالشاعرة لا تصف مشهد الألم والدمار فقط، بل تصرخ بقوة في وجه المحتل وتدعو للصمود وإعادة بناء الوطن من قلب الركام ورماد الألم، وهذا ما نلمسه بكلمات تحمل هذا المعنى تتردد في النص مثل: الصنوبر،القمح، الغيم، السنديان، بعمق انساني وفلسفة حياة لا تعرف اليأس، لتصبح المأساة المتمثلة بحرب الإبادة ذات بعد إنساني وعالمي كبير ووجعا جمعيا وليس فرديا، مؤكدة على قوة الإرادة وضرورة استمرار المقاومة، رغم ظهور مشاهد الدمار والفجيعة والموت والأشلاء والآف الشهداء والجرحى الذي لا يجدون العلاج، في ظل تدمير كل المشافي وسيارات الإسعاف وقتل الممرضين والأطباء والحصار الشديد لمنع دخول الماء والغذاء والدواء، فتتساءل الشاعرة: "فأين رحيق الحلم، وفجر الأماني"، وهذا تساؤل إستنكاري مشروع "حين يصير الموت قوافل"، لكنها لا تتوقف عن الحلم بوطن يتجدد كالعنقاء ينهض من بين الرماد، فتشير لرموز الحياة مثل القمح والغيم والسنديانة، رغم أن "لعثمة الشهيد... على شرفات الموت، تحاصرنا".

هذا الأمل رغم ما نشاهده ونحياه من ألم "حين تحج الدماء، على طرقات المدينة"، إلا أنهم يواجهون الموت بلا وجل؛ لأن الأبطال وحدهم من "هم يهربون إلى عرس أحلامهم"، فتميز النص من خلال هذه اللوحات باستخدام الصور الشعرية والإستعارات والتشبيهات ومثال لها قول الشاعرة: "حين تحج الدماء على طرقات المدينة" فهي أنسنت الدماء وجعلتها تمارس قدسية الحج في طرقات ودروب الوطن، مما يمنح الموت بُعد الإيمان بالقضاء والقدر والحياة الآخرة، وأنه لا تعلم نفس متى وبأي أرض تموت، وكذلك "وجع يسري بين الضلوع" وفي ذلك استعارة تشبه الألم أنه يسري كما الدم في الأوردة والشرايين، وكذلك صور وردت في النص مرسومة بألوان الكلمات مثل: سنديانة عشق، وسائد غيم، قمح ملامح وجه طفولي، فهي لوحات مازجت بين المقاومة والحلم والأمل والطبيعة بريشة شاعرة فنانة.

رفعة يونس وكما عهدي بقصائدها ودواوين شعرها تلجأ للغة الشعرية المكثفة، فلغتها مشحونة باللوحات والصور والأحاسيس والعواطف، فهي تكثف اللغة وتبتعد تماما عن الحشو لزيادة مساحات القصائد بلا معنى، ولغتها مباشرة ولكنها حافلة بالرمزية والإيحاء وقوة التعبير، ويلاحظ قدرتها على استخدام الأفعال لتكون دالة على الزمن وهذا نجدها بالأفعال المضارعة التي توحي باستمرار الألم مثل: يسري، تحاصرنا، تجوول، وتستخدم فعل المستقبل أيضا فنراها تقول: يرسمون لنا، وهذا يعكس فكرة الأمل والحلم في القصيدة رغم العتمة ومرارة الألم، إضافة لاستخدام التكرار والتوكيد من خلال تكرار بعض الكلمات مثل: يرسمون لنا، كل، تحرق، وكلمات أخرى بإيقاع موسيقي متصاعد وقوي يوحي بالرفض للاحتلال والثورة عليه، وأيضا استخدام الإستفهام الإستنكاري "فأين رحيق الحلم؟"، في مخاطبة مباشرة للعالم وللقارئ في ظل الخذلان ودفن الرؤوس بالرمال، ولا يفوت الشاعرة وهي التي درست العربية بالجامعة ومارست التعليم سنوات طويلة للغة العربية أن تلجأ لابراز التضاد في صور القصيدة مثل: رحيق الحلم مقابل الوجع، ووطناً آت مقابل الموت قوافل، وغيرها من الصور، فتجعلنا نقف أمام المفارقة بين حلم المستقبل وبين الواقع المعتم والحرب الطاحنة.

وفي النهاية.. استمرت الشاعرة بتصاعد الايقاع الموسيقى وبجمالية العزف، وكأنها تعزف بقوة منطلقة من الهدوء وصولا للصخب، فمن خلال الكلمات المستخدمة والجمل السريعة القصيرة في بعض المواقع والطويلة في مواقع أخرى، تنقل القارئ بين الإحساس بالتوتر والرغبة بالتأمل، بين الحلم والأمل مرورا بالصراخ والعويل، وصولا إلى "ملامح لوجه طفولي"، سنجد أنفسنا أمام نص قوي ومؤثر جسد الفقدان من خلال عدة صور كما رحيل الطفولة وبكاء الطفل، لكن وتيرة الأمل والنظر للمستقبل الأجمل استمرت بتصاعد: "من قمح ملامح وجه طفولي، من جمرة آه، .. تصعد، تحرق كل الخرائط، كل هشيم الحدود، لغات القيود، وصمت الحناجر، في ليلنا".

"جيوس 15/4/2025"



#زياد_جيوسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوليدية من جديد في جرس المعدان
- همسات نقدية مع نص -منزلنا- للكاتبة مريانا أمين
- غرائبية وتاريخ وحنين في رواية كويت بغداد عمَّان
- همسات مع -جناج الحرية- للشاعرة: رفعة يونس
- قراءة نقدية في سَفر بلا عنوان
- همسات مع -قصة عشق- للكاتبة مريانا أمين
- قراءة في ديوان ما يشبه الحلم للشاعر عيسى حماد
- عناق المكان والسرد في رواية ظلال الغياب
- إضاءة حول كتاب -سينما المهرجانات العالمية والعربية في عمَّان ...
- تنهدات مع نص -تنهيدة- للشاعرة رفعة يونس
- همسات مع المشاعر والأحاسيس في صدى الصرخات
- رواية قط بئر السبع بين الصمود والرمزية
- ياسمينات باسمة .. للكاتب الأديب زياد جيوسي
- تحليق في رواية رؤوس هشة
- مع الرسالة 31 لقمر عبد الرحمن
- تحليق في ديوان فلسطين في أناشيد محمد نصيف
- همسات مع نص/ جذوة الحرب/ للشاعرة رفعة يونس
- اضاءة على كتاب حكم العدالة
- مجتمع ووطن وفكر في دروب حائرة
- إضاءة على كتاب كلام وخطا


المزيد.....




- نقيب المهن التمثيلية بمصر يطمئن محبي الفنان عادل إمام: الصور ...
- وكالة الأنباء السورية -تبدأ بث أخبارها باللغة العبرية-.. ما ...
- «سامسونج تقلب الموازين في 2025».. Galaxy S25 Edge بكاميرا جب ...
- ألبومات صيف 2025: نجوم الغناء العربي يعودون بقوة والمنافسة ت ...
- مصر.. فتح تحقيق بعد اكتشاف محاولة تنقيب عن الآثار خلال زيارة ...
- الحِكمة والحُكم أو كيف تنعكس المزايا العقلية والثقافية على ت ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة سلطان العويس في دورتها الـ 19
- مدير متحف في برلين يحذر من صراع ثقافي عالمي تقوده واشنطن
- حين ظهرت مكة والمدينة في خريطة أميركا.. قراءة في التسمية وال ...
- المستعرب الإسباني خوسيه بويرتا: غرناطة مركز التراث الأندلسي ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - همسات نقدية مع قصيدة وجع للشاعرة رفعة يونس