حميد ابولول جبجاب
الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 08:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة :
يعد خور عبد الله من الممرات المائية الحيوية والإستراتيجية في أقصى شمال الخليج العربي، إذ يقع بين جزيرتي(بوبيان ووربة) التابعتين لدولة الكويت من جهة، وشبه جزيرة الفاو العراقية من جهة أخرى. ويمتد الخور داخل الأراضي العراقية ليشكل ما يُعرف بخور الزبير، الذي يحتضن ميناء أم قصر، أحد أهم الموانئ العراقية انظر الخريطة أدناه .
خريطة توضح خور عبد الله ( شكل 1 )
ويحظى هذا الممر بأهمية إستراتيجية قصوى، كونه يُمثل المنفذ البحري الأبرز للعراق على الخليج العربي، ويعد شريانا حيويا لحركة الملاحة التجارية نحو الموانئ العراقية. غير أن الخصائص الجغرافية لهذا الخور، لاسيما ضحالته وترسباته الطينية الناتجة عن التدفق المستمر من شط العرب، تشكل تحديات تقنية وملاحية كبيرة أمام عمليات التطوير والاستثمار البحري في المنطقة.
يمثل النزاع حول خور عبد الله نقطة خلاف تاريخية ومستمرة بين العراق والكويت، متجذرة في مطالبات السيادة التاريخية وتفاقمت بفعل التحولات الجيوسياسية. وقد أعاد القرار الأخير للمحكمة الاتحادية العليا العراقية، الذي أبطل اتفاقية تنظيم الملاحة لعام 2013، إشعال التوترات بين البلدين.
إن الأهمية الاستراتيجية لهذا الممر البحري، كونه المنفذ البحري الوحيد للعراق، تضمن بقاء النزاع قضية ذات أولوية قصوى، تتجاوز مجرد ترسيم الحدود لتصبح رمزا للسيادة الوطنية والجدوى الاقتصادية للعراق. وهذا يعني أن أي اتفاقيات، حتى لو كانت معترف بها دوليا، ستواجه مقاومة داخلية قوية إذا ما اعتبرت مساومة على هذا الوصول الحيوي.
أما بالنسبة لمفهوم "الشرق الأوسط الجديد" إلى منطقة تشهد تحولات جيوسياسية عميقة، تتميز بتغير موازين القوى والصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية. يسلط هذا المفهوم الضوء على حقبة من إعادة رسم الخرائط السياسية والاجتماعية، غالبا ما تكون مدفوعة بتصاعد الصراعات وإعادة تقييم التحالفات الإقليمية. يجسد نزاع خور عبد الله هذه الديناميكيات، حيث يتضمن قضايا جوهرية تتعلق بالسيادة الوطنية، والشرايين الاقتصادية، والتفاعل بين السياسات الداخلية والقانون الدولي ضمن سياق إقليمي مضطرب. إن إعادة ظهور هذا النزاع في مرحلة حساسة تمر بها المنطقة من هيمنة الولايات المتحدة الامريكية على العالم وبالخصوص منطقة الشرق الأوسط ، على الرغم من قرارات الأمم المتحدة السابقة والاتفاقيات الثنائية، ليست حدثا معزولا، بل هي عرض من أعراض عدم الاستقرار الإقليمي الأوسع وإعادة تقييم المظالم التاريخية. وعليه، فمن غير المرجح أن يحل النزاع بشكل نهائي دون معالجة ديناميكيات القوة الإقليمية الكامنة والمشهد الجيوسياسي المتغير، مما يشير إلى أن المعايير والاتفاقيات الدولية الراسخة تواجه تحديا متزايدا من الضغوط السياسية الداخلية والروايات القومية. وللمزيد عن الشرق الأوسط الجديد بالإمكان الرجوع إلى مقالتي الموسومة " العراق في ظل الشرق الأوسط الجديد ( دراسة جيو سياسية تاريخية ) من منظور برنارد لويس ، على الرابط (https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=877693 )
تعد مسألة ترسيم الحدود بين العراق والكويت من القضايا ذات الجذور التاريخية التي تعود إلى بدايات القرن العشرين، حيث أجري أول ترسيم للحدود بين الكويت والدولة العثمانية عام 1913 بموجب المعاهدة العثمانية–البريطانية. وقد نصت المادة السابعة من هذه المعاهدة على أن يبدأ خط الحدود من مدخل خور الزبير شمالاً، ويمتد جنوبا عبر أم قصر وصفوان وجبل سنام وصولا إلى وادي الباطن، مع إقرار تبعية جزر ( بوبيان، ووربة، وفيلكا، وقاروه، ومسكان) لدولة الكويت.
وبعد انهيار الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وتقسيم الأراضي العثمانية، فرضت بريطانيا سيطرتها على الأراضي العثمانية في العراق. وفي نيسان من عام 1923، طالب الشيخ (أحمد الجابر الصباح)، أمير الكويت آنذاك، بالاعتراف بحدود الكويت كما كانت محددة في العهد العثماني. وقد استجاب المندوب السامي البريطاني في العراق، السير (بيرسي كوكس)، لهذا الطلب، معلنا اعتراف الحكومة البريطانية بتلك الحدود. ويذهب بعض الأكاديميين العراقيين إلى أن بريطانيا تعمدت حينها تقليص منفذ العراق البحري على الخليج، لضمان عدم تهديد أي حكومة عراقية مستقبلية لنفوذها ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
وفي عام 1932، أقر رئيس الوزراء العراقي (نوري باشا سعيد) رسميا بحدود الكويت. غير أن العراق عاد ليطالب بضم الكويت في عام 1939، خلال عهد (الملك غازي)، إلا أن بريطانيا – باعتبارها الدولة الحامية للكويت آنذاك – تصدت لتلك المطالبة ورفضتها.
ومع إعلان بريطانيا نيتها منح الكويت الاستقلال عام 1961، جدد العراق في عهد رئيس الوزراء (عبد الكريم قاسم) مطالبته بضم الكويت، مستندا إلى الحجة القائلة "بأن الكويت كانت جزءا من ولاية البصرة خلال الحقبة العثمانية". وقد قوبلت هذه المطالبة برفض قاطع من قبل كل من بريطانيا وجامعة الدول العربية.
وعندما تولى حزب البعث المنحل السلطة في العراق عام 1963، أعلن العراق اعترافه الرسمي بالكويت. وقد سعت الأخيرة، خلال ستينيات القرن العشرين، إلى التوصل إلى اتفاق نهائي لترسيم الحدود مع العراق، غير أن الاضطرابات السياسية المتواصلة ( انقلابات وصراع على السلطة) في العراق حالت دون تحقيق هذا الهدف.
وعلى الرغم من فترة الاستقرار النسبي التي ميزت العلاقات العراقية–الكويتية حتى عام 1990، فقد شهدت هذه المرحلة عدة توترات، أبرزها ما وقع في اذار 1973، عندما شنت القوات العراقية هجوماً على مركز "الصامتة" (للمزيد حول الحادثة انظر مجلة القبس 20 مارس 2024) الحدودي داخل الأراضي الكويتية، وتوغلت لمسافة ثلاثة كيلومترات، ما أدى إلى تفاقم الأزمة بين البلدين.
سعت دولة الكويت، في أعقاب الحرب العراقية–الإيرانية، إلى الاستفادة من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي واجهها العراق، للضغط عليه من أجل التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود، على غرار ما تم سابقاً مع كل من المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية. غير أن هذه المساعي باءت بالفشل نتيجة رفض الحكومة العراقية حينها الخوض في هذا الملف. ونتيجة لذلك، لجأت الكويت إلى استخدام أدوات الضغط الاقتصادي، وفي مقدمتها المطالبة باسترداد الديون المستحقة على العراق، بغرض زيادة الضغط عليه سياسيا واقتصاديا.
وفي خضم هذا التصعيد، وقعت الأزمة الكبرى التي شهدها عام 1990، حين أقدم (صدام حسين) على غزو الكويت واحتلال أراضيها، وهو الحدث الذي أحدث زلزالا سياسيا في بنية النظام العربي، وأسهم في إحداث تغييرات جوهرية في خريطة الشرق الأوسط وتطبيق فكرة " الشرق الأوسط الجديد "، ضمن سياق اتسم بتصاعد الهيمنة الأميركية وبروز نظام دولي جديد قائم على القطبية الواحدة.
وفي عام 1991، شن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة حربا لتحرير الكويت، أعقبها صدور سلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي، من أبرزها تشكيل لجنة خاصة لترسيم الحدود بين العراق والكويت، وإلزام العراق بالاعتراف الكامل بالحدود المعترف بها دوليا. وفي هذا الإطار، صدر القرار رقم (833) عام 1993، الذي نص على ترسيم نهائي للحدود بين البلدين.
وكان من أبرز نتائج هذا القرار توقيع اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، التي هدفت إلى تنظيم حركة السفن في تلك المنطقة البحرية الحساسة. وقد تم التصديق على هذه الاتفاقية في البرلمان العراقي عام 2013، بعد سنوات طويلة من القطيعة الدبلوماسية بين بغداد والكويت، والتي استمرت حتى سقوط نظام صدام حسين نتيجة الغزو الأميركي للعراق عام 2003. ومنذ ذلك الحين، عمل الطرفان على تجاوز آثار المرحلة السابقة، ومعالجة الملفات العالقة، وفي مقدمتها ملف الحدود البحرية الذي كان يمثل أحد أبرز مظاهر التوتر بين البلدين.
وخلاصة لما ذكر، يعد خور عبد الله أكثر من مجرد ممر مائي، إنه رمز للسيادة وشريان اقتصادي حيوي ونقطة اشتعال تاريخية. لقد كشفت هذه الدراسة عن الطبقات المعقدة من المطالبات التاريخية المتضاربة، والترسيم الملزم ولكن المتنازع عليه من قبل الأمم المتحدة ، وعلى الحكومة الحالية ان تكون على قدر المسؤولية في الحفاظ عن سيادة العراق الكاملة رغم الضغوط التي تواجها من قبل دول الاستكبار الامريكية وان تكون متسلحة بإرادة وقوة الشعب العراقي الذي لم يقبل يوماً ما بالتنازل عن شبر من أراضية والتاريخ شاهد على ذلك .
وللمقالة بقية في جزء أخر يبين موضوع خور عبد الله ومشكلة تصديق المعاهدة لترسيم الحدود وقضية المحكمة الاتحادية أن شاء الله .
مصادر :
• أزمة خور عبد الله تكشف عن تاريخ طويل من الخلافات بين الجارتين العربيتين ، مجلة الحصاد ، 11 نوفمبر 2023.
• إبراهيم خليل، العلاقات العراقية-الكويتية: دراسة في الخلفيات التاريخية ، بغداد، دار الشؤون الثقافية، 1987.
• زيد المجالي، السيادة والنزاع الحدودي بين العراق والكويت،عمان، دار الجليل، 1995
#حميد_ابولول_جبجاب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟