أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد ابولول جبجاب - العراق في ظل الشرق الأوسط الجديد ( دراسة جيو سياسية تاريخية ) من منظور برنارد لويس















المزيد.....


العراق في ظل الشرق الأوسط الجديد ( دراسة جيو سياسية تاريخية ) من منظور برنارد لويس


حميد ابولول جبجاب

الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 20:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العراق في ظل الشرق الأوسط الجديد ( دراسة جيو سياسية تاريخية )
من منظور برنارد لويس
الأستاذ المساعد الدكتور حميد ابولول جبجاب
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد/ جامعة ميسان
ملخص
تهدف هذه الدراسة إلى إعادة تنظيم وتحليل مفهوم "الشرق الأوسط" بعمق، مع التركيز على أصوله الجيوسياسية والتاريخية، وتأثير الحدود المفروضة خارجياً، والأهمية الاستراتيجية الدائمة للمنطقة بسبب موارد الطاقة والممرات المائية الحيوية. كما تستكشف الدراسة الطبيعة المتغيرة لإعادة الترتيب الجيوسياسي، مستخدماً العراق كدراسة حالة محورية. يكشف التحليل أن "الشرق الأوسط" ليس مجرد تسمية جغرافية محايدة، بل هو بناء غربي يعكس مصالح القوى الخارجية، وأن هذا التصور أثر بشكل عميق على مسار المنطقة. لقد أدت الحدود التي رسمتها القوى الإمبريالية بعد الحرب العالمية الأولى إلى انقسامات عرقية وطائفية مستمرة، مما أدى إلى صراعات داخلية مستمرة وتدخلات خارجية متكررة. في الوقت نفسه، تظل المنطقة ذات أهمية حيوية للاقتصاد العالمي بسبب احتياطياتها الهائلة من النفط والغاز وممرات الشحن الاستراتيجية، مما يجعلها نقطة محورية للتنافس الدولي. ومع ذلك، تشهد المنطقة تحولا نحو إعادة ترتيب "جيواقتصادية"، حيث تلعب شبكات البنية التحتية والتحول الرقمي دوراً متزايد الأهمية في تشكيل مستقبلها، مما يمثل تحدياً للنماذج التقليدية للقوة القائمة على الهيمنة العسكرية ، وبالخصوص الولايات المتحدة الامريكية
ولًا: الجذور التاريخية للمصطلح
ظهر مصطلح "الشرق الأوسط" (Middle East) لأول مرة في الأدبيات البريطانية في أواخر القرن التاسع عشر، لكنه شاع بشكل واسع بعد استخدامه من قبل ألفريد ماهان (Alfred Thayer Mahan ) ، ضابط البحرية الأميركي، عام 1902، للإشارة إلى المنطقة الواقعة بين الهند (الشرق الأقصى) وأوروبا.
أصبح المصطلح شائعا في السياسة البريطانية والأميركية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، للإشارة إلى منطقة ذات أهمية استراتيجية بسبب موقعها وثرواتها، خصوصا النفط.
في غمرة الصراع الدائر اليوم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني عادت الدعوات إلى رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط وهذا ماكان واضح في جميع خطابات الرئيس الأمريكي ترامب في الفترة الاخيرة، والتخلص من كل ما يعكر صفو السيطرة الأميركية على "أغلى بقعة عقار في العالم" كما قال روزفلت، فشاع مصطلح برنارد لويس( ) "الشرق الأوسط الجديد"، ولم تكن الفكرة جديدة أو عابرة، بل هي مخطط لها ومدروسة بعناية منذ العقد الخامس من القرن الماضي.
وما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتى ترسخ اعتقاد لدى الساسة في واشنطن بناءً على فكرة برنارد لويس بأن “من يريد أن يسيطر على العالم عليه أن يسيطر أولا على الشرق الأوسط”، لما تتمتع به هذه المنطقة من موقع جغرافي، وما تحتويه من مخزون كبير للطاقة بالإضافة إلى وجود أهم ممرات الملاحة في العالم.
روزفلت وعبارة "أغلى بقعة عقار في العالم"
في سياق الحديث عن أهمية الشرق الأوسط عامة والعراق خاصة، تُنسب إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين د. روزفلت أو إلى مسؤولين أمريكيين لاحقين عبارة مفادها أن الشرق الأوسط هو "أغلى قطعة عقار في العالم
" (The most valuable real estate in the world).
وقد وردت هذه العبارة في وثائق أمريكية متعددة، وأعاد استخدامها لاحقا مسؤولون مثل هنري كيسنجر وديك تشيني، في معرض تأكيدهم على مركزية المنطقة في الاستراتيجية الأمريكية.
المراد من هذه العبارة لم يكن القيمة السوقية المجردة، بل الإشارة إلى الأهمية الاستراتيجية الكبرى للمنطقة، نظرًا لما يلي:
• امتلاكها لأضخم احتياطات النفط والغاز، خاصة في العراق والخليج.
• موقعها الجغرافي الحيوي بين أوروبا وآسيا وأفريقيا.
• تحكمها بالممرات البحرية الحيوية مثل مضيق هرمز وقناة السويس.
• مكانتها الدينية والحضارية كمهد للأديان والثقافات.
تزايدت في العقود الأخيرة الإشارات إلى مشروع "الشرق الأوسط الجديد" بوصفه إطاراً استراتيجيا لإعادة تشكيل المنطقة جيوسياسيا وثقافيا، عبر إعادة توزيع النفوذ، وتفكيك الهويات، وإنتاج خرائط جديدة لا تستند إلى معطيات الدولة الوطنية، بل إلى الطوائف والقوميات والموارد. وفي هذا السياق، يعد العراق واحدا من أبرز الدول التي استهدفتها هذه الرؤية، بوصفه عقدة تاريخية وجغرافية في قلب المشرق العربي، ومرتكزا حضاريا وطاقويا يخشى من قدراته التكاملية.
وبالنظر إلى العراق تحديدا، يتجلى المعنى الحقيقي للعبارة، حيث يعتبر من أغنى دول العالم نفطا، ويقع عند نقطة تقاطع للمصالح الإقليمية والدولية، مما جعله منذ عقود هدفاً دائماً للتدخل والسيطرة. ويمكن فهم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وما تبعه من هندسة سياسية واجتماعية، ضمن هذا السياق الاستراتيجي الذي يرى في العراق جزءاً من "العقار الأغلى".
ولعل أهم سبب دفع برنارد لويس والأميركيين إلى فكرة السيطرة وإنشاء شرق أوسط جديد هو الحيلولة دون قيام تحالف إقليمي لدول الشرق الأوسط ونشوء قوة عظمى تبسط سيطرتها على الكثير من دول العالم، لما تتمتع به من مقومات لمثل هذا النموذج، حين ذلك سيمثل هذا التحالف تهديداً حقيقياً لأي قوة عظمى تسعى إلى الهيمنة على العالم.
وعلى سبيل المثال لو تحالفت (إيران والسعودية والعراق) وشكلت هذه البلدان اتحاداً إقليمياً، فماذا سيحدث؟ السعودية التي تمتلك أعظم احتياطي نفط في العالم والعراق ثاني أكبر احتياطي نفط وإيران التي تمتلك مخزوناً مهولاً من الغاز والنفط والثروات، ناهيك عن الموقع الجغرافي، فهذه الدول تنتج بحدود 20 مليون برميل نفط، أي ما يعادل 25 في المئة أو20 في المئة من احتياج العالم اليومي للنفط، بالإضافة -لو افترضنا- إلى انضمام دول أخرى ذات مخزون بشري وموقع جغرافي هام، مثل مصر وتركيا، إلى البلدان سالفة الذكر، ماذا سيحدث؟
لذا تبنت الولايات المتحدة فكرة صناعة شرق أوسط جديد، وجعلتها ضمن أولويات السياسة الخارجية لها.
على أن يتم ذلك طبقاً لمخطط برنارد لويس الذي عرضه في الكونغرس رسميا في الثمانينات. ويقضي بتقسيم دول الشرق الأوسط وإثارة النعرات الطائفية والقومية، وهو الذي جرى بالفعل منذ الربيع العربي في السودان وليبيا واليمن ولبنان وسوريا والعراق، ‏وفق إستراتيجية عنوانها: “الحفاظ على وضع الشرق الأوسط ممزقا وبالتوازن المطلوب للحفاظ على مصالحها (الولايات المتحدة) العسكرية والسياسية والاقتصادية.
من المصادر المهمة التي على القارئ إن يطلع عليها في موضوع الشرق الأوسط الجديد كتاب (شمعون بيرز) احد الساسة المخصرمين في الكيان الصهيوني إضافة إلى تسنمه منصب وزارة الخارجية واحد المفاوضين مع الفلسطينين عام 1992 في حكومة (إسحاق رابين) 1992 بعنوان "الشرق الأوسط الجديد" ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ في صفحة 28 يقول " مع اختفاء الاستعمار في النصف الثاني من القرن العشرين تعاظم التورط الغربي في إحداث الشرق الاوسط ومحاولة السيطرة على المنطقة وتوالت الحروب العربية الإسرائيلية لتتسبب في سباق على التسلح مما استنزف موارد المنطقة في إقامة بنية عسكرية تحتية تجاوزت القدرات الاقتصادية والاجتماعية للأقطار ذات الصلة. وهكذا توقف تقدم المنطقة في وقت تجاهل فيه الزعماء قدرات بلادهم التنموية كما تجاهلوا مستوى المعيشة ورخاء الشعوب .
امتد الصراع وأدى إلى أطالة حالة البؤس للملايين من الناس... وفي أجواء يسودها الإحباط واليأس وجد الكثير من
الناس متنفساً لهم في الغيبيات والعوالم الأخـرى رافضين الدولــة العصرية ومغرقين أنفسهم في الاصولية الدينية، وهي من أبرز العوامل التي تهدد أمن واستقرار المنطقة وتجذب اهتمام العالم خاصة وأن أكثر من مليار مسلم ينظرون الى الشرق الأوسط كـمـصـدر للحياة وأساس الإيمان.
ما من أحد يستطيع أن يفهم الحضارة العربية على نحو كامل ما لم يأخذ في الحسبان ما أسهمت به الثقافة الإسلامية في العلوم المعاصرة والفلسفة والرياضيات والأدب والفن والتجارة. أما الآن وفي ظل لجوء العديدين إلى الأصولية نشهد حركة اسلامية تسعى الى مناهضة الفتح والثقافة الغربية وتعمل على التراجع عن التحديث والعصرنة وتدعو إلى استخدام القوة لاقامة جمهورية اسلامية سلطوية قمعية على النمط الإيراني" .

مع أننا قد نستوعب دروس الماضي، الا أنه من الصعب علينا تصحیح أخطائنا وكما يقول الفيلسوف الاغريقي هيراقليطس : "..... على أجساد أولئك الذين يسبحون في النهر، تتدفق مياه مختلفة ، فالانهار دائمة التدفق ومياهها تعمل على خلق حقائق جديدة طوال الوقت واذا كانت المياه قادرة على اغراق من لا يستطيع السباحة فيها، فانه ما من احد قادر على عكس اتجاه مجرى التيار. ونفس الامر ينطبق على التاريخ. فنحن لا نستطيع بناء المستقبل على أنقاض نظام قديم" .
الخريطة المنسوبة إلى برنارد لويس
في كتابات لويس، لا توجد خريطة رسمية منشورة باسمه، لكن تُنسب إليه خريطة تُظهر تفكيك الدول المركزية في المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية. من أبرز ملامحها:
• تقسيم العراق إلى ثلاث كيانات: شيعي في الجنوب، سني في المنطقة الغربية ، وكردي في الشمال.
• تقسيم سوريا إلى كيان علوي، وآخر سني، وثالث كردي. واليوم يظهر موضوع الدروز على الساحة
• تفكيك السعودية إلى خمس مناطق.
• اقتطاع أجزاء من إيران وتركيا لإعطاء الأكراد دولة مستقلة.
هذه الخريطة تداولتها مراكز أبحاث أميركية وغربية، كما ظهرت ضمن مقالات واستشارات نُسبت إلى لويس في أروقة البنتاغون، ما عزز الاعتقاد بوجود " مخطط مدروس" لتفكيك المنطقة.
وعلى رأس هذه الأولويات دعم إسرائيل والحفاظ على تفوقها العسكري والأمني والتكنولوجي.

مفهوم الشرق الأوسط الجديد
في التصور الأميركي، يفهم "الشرق الأوسط الجديد" بوصفه فضاء خاليا من المنغصات، خاضعا للهيمنة السياسية الأميركية، ومتقبلا لإسرائيل بوصفها قوة متفوقة وضامنة للمصالح الغربية في المنطقة. وبهذا المعنى، يراد للمنطقة أن تكون منقادة، بلا مقاومة تذكر، للمشروع الأميركي بكل تجلياته السياسية والاقتصادية والأمنية.
يعبر برنارد لويس في إحدى أطروحاته عن جوهر هذا التصور، حين يشير إلى أن تحقيق مشروع "الشرق الأوسط الجديد" يستلزم وفق رأيه، بسط السيطرة على منابع النفط وضمان استمرار تدفقه، إلى جانب افتعال الأزمات السياسية وتغذيتها بين دول المنطقة، لا سيما تلك التي تمتلك قدرات اقتصادية وبشرية مؤثرة. الهدف من ذلك كما يوضح تقليص أدوار هذه الدول، وتأجيج التوترات الداخلية والإقليمية بما يتيح للأسواق الغربية خصوصا الأميركية تصريف الأسلحة على نطاق واسع.
ومن الأمثلة البارزة التي يسوقها لويس على هذا النهجالحرب العراقية – الإيرانية (1980–1988)، التي دامت ثماني سنوات واستنزفت طاقات دولتين محوريتين في المنطقة، العراق وإيران، وراح ضحيتها أكثر من مليون إنسان. وقد علق (صدام حسين) الرئيس العراقي المخلوع الذي كان أدات بيد وكالة المخابرات الامريكية ( CAI ) بعد انتهاء الحرب بأنها كانت "خدعة دفعت لها المنطقة"، في إشارة إلى دور القوى الدولية في إشعال فتيلها وإطالة أمدها، ونتائجها الكارثية على بنى وقدرات البلدين.
ثم وقع الزلزال السياسي الكبيرالذي اعتبره صناع القرار في واشنطن فرصة استراتيجية غير مسبوقة لتحقيق مخطط "الشرق الأوسط الجديد"، وهو غزو العراق للكويت عام 1990. فقد شكل هذا الحدث الشرارة التي فتحت المجال أمام سلسلة من التدخلات الغربية لتفكيك المنطقة. ونتج عنه حصار خانق للعراق، وتضييق مستمر على إيران، ما أضعف كلا البلدين وأدى إلى إنهاكهما اقتصاديا وسياسيا.
ومن النتائج الاستراتيجية لحرب الخليج الأولى أيضا، بروز التواجد العسكري الأميركي المباشر في مياه الخليج العربي، للمرة الأولى في عهد الرئيس( رونالد ريغان)، تحت ذريعة مواجهة "الخطر الإيراني والعراقي". ووقعت الولايات المتحدة على إثر ذلك اتفاقيات دفاع مشترك مع عدد من دول الخليج، ما رسخ وجودها العسكري والسياسي في المنطقة.
لاحقا.
سقط النظام في العراق في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003، واجتاحت الدبابات الأميركية البلاد، وتم تفكيك مؤسسات الدولة العراقية، ما مهد لمرحلة جديدة من التفتيت والانقسام المجتمعي والسياسي.
وفي العقد التالي، اندلعت ما يعرف بثورات "الربيع العربي"، التي سرعان ما تحولت بحسب رؤية المفكر الأميركي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) إلى نموذج لما سماه "الفوضى الخلاقة" (Creative Chaos). وقد استخدم هذا المفهوم لتبرير سلسلة من التدخلات الخارجية التي أدت إلى تدمير واسع في عدد من الدول العربية مثل سوريا، واليمن، وليبيا، واقتربت مصر من حافة الانهيار لولا حسابات ترتبط باتفاقية كامب ديفيد.
وهكذا، يفهم مشروع "الشرق الأوسط الجديد" في أحد أبعاده الجوهرية، بوصفه مشروعا لإعادة تشكيل المنطقة من الداخل، عبر تفكيك الدولة الوطنية، وإشاعة الفوضى السياسية، وتعزيز الاصطفافات الطائفية والإثنية، بما يخدم مصالح القوى الكبرى ويضمن أمن إسرائيل وتفوقها الإقليمي.
الفوضى الخلاقة والتدخلات الامريكية الجديدة
تنسب عبارة "الفوضى الخلاقة" (al-fawda al-khalaqa) على نطاق واسع إلى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كوندوليزا رايس)، على الرغم من أنها لم تستخدمها بهذا الشكل الدقيق. يعكس هذا المفهوم وجهة نظر المحافظين الجدد، التي سادت في إدارة الرئيس الأمريكي (بوش) بعد أحداث 11 سبتمبر، بأن الشرق الأوسط كان "في حاجة ماسة إلى التغيير وأن الوضع الراهن لم يعد ممكنا الدفاع عنه". كانت رغبة الإدارة هي تحريك المياه الراكدة في المنطقة لمعالجة جذور التطرف، حتى لو كان ذلك يعني إحداث قدر معين من التوتر أو الاضطراب.
يزعم النقاد أن هذا النهج كان جزءا من خطة أمريكية أوسع لإعادة رسم الخريطة، وبث الفوضى المستمرة، وتفتيت العالم العربي لخدمة المصالح الأمريكية كما ذكرنا سابقاً، بما في ذلك حماية الكيان الهيوني( إسرائيل) أو تأمين النفط. أدى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، الذي كان يهدف إلى تحقيق الاستقرار، بدلاً من ذلك أدى إلى "صراع طائفي دموي" وتمكين الجماعات المسلحة غير الحكومية مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، الذي ظهر وسط فراغ السلطة. تتناقض أطروحة (فرانسيس فوكوياما) "نهاية التاريخ" (1989)، التي افترضت انتصار الديمقراطية الليبرالية الغربية كشكل نهائي للحكومة البشرية، مع "الفوضى" الملاحظة في الشرق الأوسط الكبير. ومع ذلك، فإن صعود النظامية (أيديولوجية استبدادية تعطي الأولوية للاستقرار على القيم الليبرالية) ردا على الإخفاقات المتصورة للديمقراطية الليبرالية والقانون الدولي، يشير إلى عدو أيديولوجي جديد للنظام العالمي أحادي القطب.
إن مفهوم "الفوضى الخلاقة"، سواء كان صريحا أو ضمنيا، يمثل سوء تقدير استراتيجي حيث أدى التعطيل المتعمد للأنظمة الاستبدادية القائمة، والذي كان يهدف إلى تعزيز التغيير الديمقراطي والاستقرار، إلى تفتت غير مقصود وأكثر خطورة، وعنف طائفي، وتمكين الجهات الفاعلة غير الحكومية. لقد ساهم الفشل المتصور للديمقراطية الليبرالية والفوضى الناتجة عن التدخلات (المرتبطة بـ "الفوضى الخلاقة") في صعود أيديولوجيات بديلة مثل "النظامية"، التي تعطي الأولوية للاستقرار والهوية المحلية، مما قد يشير إلى تحول بعيدا عن النماذج الغربية للحكم في المنطقة والعالم.
الفرق الجوهري بين الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير :
المقارنة الشرق الأوسط الجديد الشرق الأوسط الكبير
الهدف تفكيك الدول والخرائط السياسية إصلاح سياسي واجتماعي وثقافي شامل
الوسائل تدخلات عسكرية، إشعال صراعات أدوات ناعمة: دعم مؤسسات مدنية، تعليم
المضمون إعادة تشكيل المنطقة على أساس عرقي وطائفي تحديث أنظمة الحكم والمؤسسات
الجهة المروجة صقور المحافظين الجدد، إسرائيل، مفكرون مثل برنارد لويس الإدارة الأمريكية (جورج بوش)، مجموعة الثماني
النقد الموجه لهما تخريب مقصود للمنطقة تدخل ناعم تحت غطاء الإصلاح
النطاق الجغرافي العالم العربي بالأساس (مع إيران وتركيا في الحسبان) أوسع: يشمل تركيا، إيران، أفغانستان، باكستان

العراق بين التهديدات الداخلية والتحديات الإقليمية
في السابع من تشرين الاول عام 2023 كان العالم على موعد مع عملية "طوفان الأقصى"، وبالتزامن مع صعود الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة (بنيامين نتنياهو)، العملية التي فاجأت إسرائيل وأميركا والمنطقة، وظن البعض ممن آمن بقوة جيش الكيان الصهيوني والدعم الأميركي أنها لن تدوم طويلا، لكنها تجاوزت السنة وفتحت معها جبهات عديدة، وقصفت القنصلية الإيرانية في دمشق لترد إيران بضربة صاروخية على الكيان الصهيوني، وفي الثامن من تشرين الاول، أي في الذكرى السنوية لعملية طوفان الأقصى، كان الحدث الأبرز الهجوم على لبنان وقبل ذلك اغتيال سيد المقاومة السيد (حسن نصرالله ) الأمين العام لحزب الله في 27 ايلول 2024، لتتسع حدة الصراع.
وقف العراق موقفا حازما وقاطعاً مع لبنان وغزة، ما جعله في وسط بؤرة الصراع، لاسيما وأن في العراق فصائل مقاومة مسلحة ترتبط عقائديا أيدولوجيا مع باقي ساحات المقاومة، وتعمل بمبدأ "وحدة الساحات "وصار الخطر يقترب أكثر من وحدة أراضي بلاد الرافدين، وتعالت أصوات التقسيم والأقاليم، ورأت واشنطن أن الفرصة سانحة لتلقي بذور التقسيم في بلد يبدو مهيئا لهذا العمل، فأعلنت عن تسليح قوات البيشمركة ودعم بعض الجهات الداعمة لفكرة التقسيم. وفيما لو نجحت أميركا في تقسيم العراق، ستنطلق أولى خطوات الشرق الأوسط الجديد التي بدأت منذ عام 2003 من العراق، باعتباره يمثل العقبة الكأداء في طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد المفترض.
وبعد العراق سيكون الهدف القادم إيران وسوريا. وبقية بقاع هذا الشرق الجديد، سيكون الكيان الصهيوين ( إسرائيل) سيدة هذا الشرق الأوسط الجديد المفترض، طبقاً لمفهوم محوري النقمة والرحمة الذي طرحه (نتنياهو) وهو يرفع الخارطتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لقد خططت الولايات المتحدة وإسرائيل، واعتمادا على نظرية برنارد لويس، لأن تفصل شرقا أوسط جديدا ضمن مقاسات مريحة بالنسبة إليها، لكن هناك حسابات أخرى ربما لا تتوقعها أميركا قد تحدث وينقلب المشهد، فهناك معطيات خارج حسابات الصندوق مثل ما وجهه لها من ضاربة قاسية في الرد الإيراني والقوة التي أبدتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حربها المقدسة الأخيرة ضد الكيان الصهيوني الغاشم والمصالح الامريكية في المنطقة وبالخصوص القاعدة في قطر التي غيرت الموازين وأجبرت الولايات المتحدة الامريكية للاستلام وعقد اتفاق لوقف أطلاق النار .
فإطالة أمد الحرب ليست في صالح أميركا، وهي التي توقعت أن الكيان الصهيوني ستنهي مهمتها في أيام معدودات، ولا يزال الحسم بعيداً، فهل سيتحقق حلم برنارد لويس في الشرق الأوسط الجديد؟ ربما يكون ذلك ولكن بمنظور مختلف.
في ظل المتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، باتت قضايا الهوية الثقافية في قلب النقاشات الكبرى حول مستقبل الدول والمجتمعات. ويأتي العراق، بتاريخـه العريق وتعدديته الثقافية والدينية واللغوية، في صدارة هذه المعادلة المعقدة، حيث تواجه هويته الثقافية تحديات غير مسبوقة تتراوح بين التدخلات الإقليمية والدولية، وصراعات الداخل، وموجات التغريب، والانقسام المجتمعي، فضلاً عن تداعيات "الشرق الأوسط الجديد" بوصفه مشروعا سياسيا وثقافيا يعيد تشكيل الخرائط والهويات على أسس جديدة.
إن الحديث عن "الشرق الأوسط الجديد" لا ينفصل عن المفاهيم التي روج لها في مراكز القرار الغربية منذ مطلع الألفية، والتي سعت إلى إعادة رسم التوازنات في المنطقة على أساس "الهويات الصغرى"، بما يجعل من الهوية الوطنية الجامعة كما في الحالة العراقية عرضة للتآكل والتجزئة. وبذلك، يصبح الحفاظ على الهوية الثقافية للعراق ليس مجرد مسألة ثقافية أو تراثية، بل قضية وجودية تتصل بكيان الدولة، واستقلال قرارها، ووحدة نسيجها الاجتماعي.
من هنا، تهدف هذه الندوة إلى فتح نقاش علمي حر وهادئ حول طبيعة هذه التحديات، وسُبل مواجهتها، والدور الذي يمكن أن تنهض به النخب الثقافية والمؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية في صون الهوية الثقافية العراقية. كما تسلط الضوء على العلاقة الجدلية بين الهوية الوطنية ومشروع الشرق الأوسط الجديد، محاوِلةً استكشاف سيناريوهات المستقبل في ظل التحديات والتحولات المتسارعة.
الخاتمة
يظهر الشرق الأوسط منطقة تتشكل باستمرار بفعل تعقيدات داخلية وضغوط خارجية. إن فهم هذه المنطقة يتطلب تقديرًا عميقًا لبنائها التاريخي، والتأثير الدائم للحدود المفروضة، ودورها الحاسم في الطاقة والتجارة العالمية، والتوتر المستمر بين إعادة الترتيب المدفوعة خارجيا (سواء كانت عسكرية أو اقتصادية) وتطلعات المنطقة الداخلية لتقرير المصير والاستقرار.
لقد أدت التسمية الغربية للمنطقة، التي كانت مدفوعة بالمصالح الاستراتيجية، إلى تشكيل تصورات عالمية وتفاعلات أثرت على مسارها. كما أن الإرث الذي خلفته الحدود الاستعمارية، التي تجاهلت الهويات المحلية، لا يزال يغذي الصراعات الداخلية ويجذب التدخلات الخارجية. على الرغم من ذلك، لا تزال المنطقة تحتفظ بأهمية استراتيجية لا غنى عنها بسبب مواردها الاقتصاديه وموقعها الجغرافي المتميز ، مما يجعلها نقطة محورية في ديناميكيات القوة العالمية.
إن النظريات التي تدعو إلى "تفكك" المنطقة أو "الفوضى الخلاقة"، على الرغم من أنها قد تكون مدفوعة بأهداف معينة، إلا أنها أدت في كثير من الأحيان إلى نتائج عكسية، مما زاد من عدم الاستقرار ومكن الجهات الفاعلة غير الحكومية. ومع ذلك، فإن ظهور نموذج جيواقتصادي جديد، يركز على التكامل عبر البنية التحتية والشبكات الرقمية، يوفر مسارا محتملًا للمنطقة لتجاوز الصراعات والاعتماد على النفط. يوضح مثال العراق بوضوح كيف أن التحديات الداخلية، مثل الفساد والانقسامات، بالإضافة إلى التنافسات الجيوسياسية، يمكن أن تعيق حتى أكثر المشاريع الاقتصادية الواعدة.
إن مستقبل الشرق الأوسط سيتوقف على قدرة دوله على الموازنة بين هذا الإرث المعقد والتطلعات المستقبلية، مع التركيز على الحوكمة الرشيدة، والتنويع الاقتصادي، وتعزيز الهويات الوطنية الأصيلة، مع التعامل بحذر مع ديناميكيات القوة العالمية المتغيرة.

المصادر
1- علاء الخطيب ، الولايات المتحدة الامريكية تتبنى فكرة صناعة شرق أوسط جديد ، صحيفة العرب ، 21 / 10 / 2024 .
2- شمعون بيريس ، الشرق الأوسط الجديد ، ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ ، الاهلية للنشر والتوزيع ، الأردن ، 1994
3- عبد الخالق رزيق المخادمي ، مشروع الشرق الأوسط الكبير ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2005.
4- محمد إبراهيم فضة ، السياسية الخارجية للدول الكبرى في الشرق الأوسط ، 1997.
5- كريستيان بيتر هاتلت ، مابعد غزة ، سلسة دراسات مترجمة ، مركز الدراسات الدولية ، جامعة بغداد .



#حميد_ابولول_جبجاب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موعدنا الجنة ...... ( قراءة ما وراء الوثيقة في استشهاد السيد ...
- العراق الجديد وذكرى تأسيس جيشه ١٠٤
- الحكومات تزرع بذرة سقوطها بيدها
- دراسات في تاريخ العراق المعاصر (أحداث 1958 في العراق ،انقلاب ...
- اصدار كتاب
- الاهمية الاقتصادية والعسكرية لأحواز ايران ( ورقة تاريخية )
- تداعيات البترول الايراني واحتكار الشركات الاجنبية ( الكنسورت ...
- صراع البترول في ايران...... ثورة مصدق 1953م وعملية اجاكس الا ...
- ايران وتركيا سنوات من الصراع
- يهود مصر ودورهم السياسي خلال القرن التاسع عشر .
- الموت لأمريكا الموت لإسرائيل ، شعارات حرق السفارة البحرينية
- الغلو والتطرف واثره على المجتمع


المزيد.....




- دبابات إسرائيلية تتوغل في دير البلح لأول مرة منذ بدء حرب غزة ...
- بينهم شارون وسنو وايت و-الجميلة النائمة-.. من هم الأطول غياب ...
- بيان مشترك لبريطانيا و24 دولة أخرى يطالب بإنهاء حرب غزة -فور ...
- راشفورد يدخل تاريخ برشلونة: ثاني إنجليزي خلال 100 عام
- كاميرات ذكية وعزلة مطلقة وصور لدمار غزة.. هكذا تحتجز إسرائيل ...
- وثائق مسرّبة وصفقات غامضة: -قطرغيت- تطارد مستشار نتنياهو في ...
- وزير الخارجية الفرنسي: مبادرة سفينة -حنظلة- المتجهة إلى غزة ...
- لحظات رعب بالجو.. النيران تشتعل في طائرة أثناء إقلاعها بلوس ...
- في مسلسل -لا رحمة لأحد- الكاميرا حاولت منع البطل من قتل خصوم ...
- فرنسا توافق على إعادة طبل ملكي إيفواري نهب قبل 100 عام


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد ابولول جبجاب - العراق في ظل الشرق الأوسط الجديد ( دراسة جيو سياسية تاريخية ) من منظور برنارد لويس